رص
صفوف النساء، واتحادها في جبهة المساواتيين العريضة كفيل بإقرار المساواة بين
المرأة والرجل
سركول احمد *
بعد سقوط النظام البعثي واحتلال
العراق من قبل أمريكا، تمت كتابة الدستور من قبل البرلمان العراقي وتم التصويت عليه
وبذلك تمت المصادقة عليه كدستور العراق الجديد، لا يختلف في المضمون وما يتعلق فيه
بقضية النساء عن مضمون القوانين الرجعية الصادرة في عهد النظام البعثي، الذي قام
بتعديل القانون الرجعي للأحوال الشخصية لعام 1958، متجاوزا حدود الأنظمة السابقة في
استعباد المرأة والاستهانة بشخصيتها.
وهذا القانون القديم الذي
يتم تطبيقه بنفس الأسلوب والطريقة في الدستور الكردستاني، القانون الذي ينبع من
الشريعة الإسلامية والتمييز العنصري بحق النساء، في وقت يتم تطبيقه في العراق
وإقليم كردستان، يصدر برلمان كردستان وعلى الطريقة البعثية، قرارا لتعديل ذلك
القانون بدون المس بمضمونه وبالتصويت على قانون تعدد الزوجات وإقراره، ما يجعله
يثير القرف والاشمثزاز عند حركة المساواتيين النسوية والتحرريين .
فمنذ عام 1991 تستمر الحركة
المساواتية النسوية والناشطات والناشطون وخاصة أهل اليسار والشيوعية في الميدان
يناضلون ويعملون ضد قانون الأحوال الشخصية العراقي هذا، في سبيل إلغائه. وكانت
تواصل النضال والكفاح في سبيل تغيير هذا القانون المتعفن، وذلك بفضحه والاحتجاج
عليه وشرح أبعاده اللا إنسانية عن طريق عقد الندوات والاجتماعات والسمينارات
والكتابة والمسيرات والتظاهرات لآلاف التحرريين والمساواتيين.
وكان موقف الأحزاب القومية
معروفا دائما أمام هذه القوة الجماهيرية، وآمال وتطلعات الجماهير وغضبها وتذمرها من
هذا القانون الرجعي، إذ حين يطرق
أسماعها هذا الصوت الجماهيري، يصعد زعيقها الإعلامي مدعية مناصرتها لحقوق المرأة.
تتظاهر الأحزاب القومية
بمناصرتها لحقوق المرأة، وأصدرت للإيهام والتضليل قانونا مشلولا الغوا بموجبه
(قانون غسل العار) ولم يتم العمل به و ممارسته، بل إن اضطهاد المرأة والعنف بحقها
استمر ولا يزال حتى اليوم بوتيرة أعلى.
إن الفوضى التي تعم اليوم في إقليم
كردستان، ومنذ 17 عاما أبقت سلطات الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني
عشرات القضايا معلقة، وساقت مصير أهالي كردستان إلى الهاوية ومستقبل مظلم،
وتتفاقم المآسي والمحن يوما بعد يوم وخصوصا بالنسبة إلى النساء والأطفال.
البرلمان الكردستاني وحكومة إقليم
كردستان في الوقت الذي يصدق على إقرار قانون رجعي وقانون تعدد الزوجات، وبمبررات
واهية، إنما يثبت للشعب والعالم بأدلة قاطعة بأن السلطات في الإقليم رجعية
ومتخلفة حتى النخاع، ومعادية لجميع الحقوق المدنية والفردية للنساء. وهي
تدوس على مبادئ حقوق الإنسان.
إن التصويت على قانون تعدد
الزوجات والمصادقة عليه، أي شرعنة استعباد النساء, وجعلها من الدرجة الثانية،
والنظر إليها (كناقصة عقل)، والاستخفاف بها والاستهانة بشخصيتها، والاستمرار بقتل
الشرف، واضطرار النساء إلى الانتحار، وبشكل عام انتهاك جميع حقوق المرأة، وفي الوقت
نفسه انتهاك حقوق الطفل وغير ذلك، هي الظاهرة السائدة اليوم في كردستان العراق.
ويجري الترويج للعقلية الرجعية
والبطرياركية المتخلفة في المجتمع الكردستاني، في وقت يعلم فيه الجميع بأن
ظاهرة تعدد الزوجات بين الأهالي العاديين في كردستان ظاهرة استثنائية وغير
شائعة، على العكس مما هو سائد في
أوساط المسؤولين ورجال السلطات والمديرين العامين في الحكومة. لهذا لجأ القادة
والمسؤولون في الحكومة إلى هذا الدرب المعوج لأجل
إضفاء الشرعية على نياتهم
الدنيئة، وغرائزهم الوحشية.
لقد زالت الأوهام التي تشكلت
عند الأهالي في أن هذه المناطق الواقعة تحت السلطات القومية الكردية متحررة
وفدرالية، طالما رددها جلال الطالباني مدعيا الإيمان بالحرية، ولا تكف أبواقه
بترديدها باستمرار وبدون كلل أو ملل.. لم تعد هذه الأوهام قابلة للتلمس عند
المواطنين العاديين بعد الان، وزالت الحجب السوداء من على القادة الكرد، بعد أن
قيدوا بصلافة، وكبلوا بالأغلال، وفي جوانب عديدة، اطراف الجماهير المتعطشة للحرية
والمساواة.
و لم يتوقف الحكام في كردستان عند
حدود إشراكهم التيارات والحركات
الرجعية الإسلامية في السلطة، وإرجاع المجتمع
القهقرى إلى 1400 عام، ولم يتوقفوا هنا أيضا، بل فتحوا كل الابواب والنوافذ
على مصارعيها أمام التيارات والحركات الرجعية
إلى أن وصل الأمر إلى المصادقة على هذا القانون الرجعي المتخلف.
إن الفرق بين ظروف كردستان وظروف
بقية مناطق العراق يكمن في توفر فضاء سياسي مفتوح في كردستان، أي فضاء عجزت السلطات
على تدجينه والسيطرة عليه تماما. وهذا المتنفس ليس مكرمة من الأحزاب القومية في
السلطة كما تدعي. من المعلوم أن اضطهاد المرأة وقتلها وممارسة العنف بحقها، الذي
كان يمارس في الاغلب بحجة سيادة
ووجود قانون الأحوال الشخصية العراقي من فترة النظام البعثي، وكان ثمة أناس يأملون
من هؤلاء الحكام الذين يدعون المدنية
والتحضر خيرا لصالح المرأة والمحرومين، والذين قاموا
بتعديل هذا القانون وشكلوا لجنة مكافحة قتل النساء وأعلنوا عن أسبوع لمكافحة
العنف ضد المرأة، وقلدوا الميداليات
والعطايا إلى النساء في مناسبات عديدة.
اليوم، فان حركة القومية
الكردية " الكردايتي " تريد، بنفس القانون والدستور، إضفاء صفة
رسمية وغطاء شرعي على حرمان النساء. وثمة حقيقة اليوم كشفت للناس التحرريين
والتقدميين وهي أن القوميين الكرد يقفون متمترسين
في جبهة الرجعيين ويفكرون تفكيرا دينيا عشائريا، ولم يعد بمقدورهم الاستجابة
إلى مطالب وحاجات الجماهير وخاصة النساء.
وبعد كل هذه الاجتماعات
والتظاهرات والحملات المختلفة من قبل المنظمات النسائية، وبعد كتابة المقالات
وإجراء مقابلات ومباحثات مع الشخصيات السياسية والناشطات النسويات بخصوص هذه القضية
في وسائل الإعلام، يبدي مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان استخفافه بكل مطالب
النساء والجماهير، ليجتمع مع رجال الدين و يؤكد على قانون تعدد الزوجات وأنه ليس مع
أن يكون القانون مخالفا للقرآن والشريعة وبنفس الأسلوب عبر
نيجيرفان البارزاني عن نفس
الموقف تجاه هذا القانون. وهؤلاء ليسوا ممثلي %70 من الشعب مثلما يزعمون، فأن %70
من الشعب يطالبون بالمساواة بين الرجل والمرأة ويطالبون أن تتمتع الفتاة بحقها
باختيار زوجها بإرادتها.
إن القادة الكرد يمثلون %30 من
الشعب، وهم يمثلون الملالي والشيوخ والأغوات الدينيين، يمثلون القسم النسائي
للبرلمان اللواتي صوتن على قانون تعدد الزوجات ودخلن القائمة السوداء لأصحاب
الملفات، ووقفن ضد حقوق المرأة.
و من الضروري وعلى أهمية قصوى
في هذا المجال إن نذكر بأن المنظمات
النسوية، الرجال التحرريين، سوف يستمرون في نضالهم وكفاحهم، كل من موقعه وحسب
قدراته في هذا العالم. الأفراد والمنظمات والشخصيات الذين يناضلون ويكافحون وينشطون
لن يتأثروا بوعود رئيس الإقليم ليتراجعوا. ففي عرف وتقاليد
مسعود البارزاني والقادة الكرد، ليست
حقوق المرأة وذبح النساء بذات أهمية، كما عبر عنه بقوله: "لم يكن من الجائز
أن تثار هذه المسألة، إن أمامنا قضايا أهم". فهذه المسألة، أي قضية النساء وقضايا
المحرومين، وكل مسألة تخص الجماهير و حياتهم لا تحوز على أية أهمية. ونفس الكلام
يردده القادة المسؤولون منذ 17 عاماّ، فماذا قدمت الحركة القومية الكردية
إلى الأهالي؟
لقد استقبلوا بالأحضان في كل
مناسبة وغير مناسبة الرجعيين وحكومات المنطقة وأمريكا،وأداروا ظهورهم إلى مطاليب
وإرادة جماهير العمال والكادحين والنساء والأطفال والمعلمين وبقية شرائح المجتمع
الكردستاني. فنحن النساء المساواتيات
والرجال المساواتيين نرى أنفسنا في جبهة حرب، إذ لا يمكن قط أن نتفاءل بساسة
القوميين. ولا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي وأن نخذل ويصيبنا الإحباط في مهماتنا، و
أن ننتظر رحمة تنزل من لدنهم. فأعداد النساء القتلى تشهد على هذه الحقيقة. وإن
السبيل الوحيد لإلغاء هذه القوانين الرجعية هو أن لا نغفل نحن النساء لحظة عن تنظيم
صفوفنا وتعبئتها. اليوم أمست قضية
النساء قضية ساخنة وبارزة، لكن للآسف تفتقد إلى قيادة هادية وإلى من يتبناها، وان
كانت هذه القيادات متواجدة فلم تكن
بمستوى القضية، كن لا يزال أمامنا وقت كافي لتنظيم صفوفنا ورصها وأن نخرج إلى
الميدان في وحدة واتحاد، لا في سبيل إلغاء قانون تعدد الزوجات فحسب، بل في سبيل
إلغاء كل القوانين، وفي مقدمتها قانون الأحوال الشخصية، وأن
نقَر بدلاّ عنها قانوناّ حديثاّ تقدمياّ وإنسانيا.
سرگول أحمد
- كانون الاول
2008