حول الهجوم على الفلوجة
صباح ابراهيم
صعدت القوات الامريكية والحكومية العراقية المؤقتة من حملتها الاعلامية والدبلوماسية في الآونة الاخيرة قبل لجوئها الى القوة العسكرية الوحشية لتمهد الطريق امام جريمة اخرى من جرائمها بحق الجماهير في مدينة الفلوجة. تم ذلك بعد فشل العملية العسكرية السابقة من السيطرة على المدينة لقطع دابر منظمات الاسلام السياسي الارهابية الموالية لتنظيم القاعدة والتي تتخذت من المدينة وكرا لها لشن عملياتها ضد القوات الامريكية ومؤسسات الحكومة المؤقتة والتي يذهب ضحيتها في الغالب المئآت من المدنيين. تم هذا الهجوم بعد فشل حكومة علاوي في تهدئة الاوضاع من خلال ارسال رفيقه الجنرال البعثي السابق والذي تأمل منه القيام بمهمة اقناع رفاقه السابقين الموالين لنظام صدام حسين المقبور بالكف من مساندة ودعم المنظات الارهابية المتمثلة بابي مصعب الزرقاوي وتيارات الاسلام السياسي وبان بامكان حكومة علاوي المؤقتة خدمتهم كما خدمهم رئيسهم السابق.
ولكن لماذا هذا التصعيد العسكري في هذا الوقت؟ لقد جاء هذا الهجوم على الفلوجة اثر فوز جورج بوش بالولاية الثانية لمنصب الرئاسة بعد ان كان على وشك الخسارة امام الديمقراطيين بسبب سياساته الخارجية الدموية بالاخص في العراق وتخلي العديد من حلفائه السابقين في حربه ضد ارهاب الاسلام السياسي في افغانستان وحرب الخليج الثانية في العراق. صار بوش يروج وبشدة لمسالة نقل السلطة الى العراقيين من خلال اجراء انتخابات لتشكيل حكومة عراقية بالرغم من عدم قناعة المجتمع الدولي في امكانية حدوثها في ظروف العراق الحالية وسيطرة السيناريو الاسود وقواه الرجعية على العراق.
ان خطوة الادارة الامريكية في الهجوم المدمر على الفلوجة وتهيئة الاجواء في المدن العراقية لاجراء الانتخابات هي محاول لاحراز نصر سياسي ولكسب واسترجاع دعم وثقة الحلفاء المترددين وخصوصا بعد التفرد الامريكي المطلق للسيطرة على العقود التجارية في العراق بعد الحرب وكذلك الخلافات الناشئة حول فقدان أمريكا شبه المطلق السيطرة على الوضع الامني في العراق وتكبدها المئآت من الخسائر. ان الهجوم على الفلوجة وقتل الالاف من سكانها هو مجرد ورقة اخرى تلعب بها الادارة الامريكية بها لتنفيذ سياساتها في المنطقة والعالم وليس كما تدعي لمحاربة الارهاب. هذه الادارة تعلم جيدا ان هذه العملية لن تقضي على ارهاب جماعات الاسلام السياسي وكمثال على ذلك الفشل هو تصاعد حدة العمليات الارهابية حتى بعد ادعاء بوش القضاء على الارهاب في افغانستان.
ان تهيئة الارضية بضرب الفلوجة، مرتبط باقتراب موعد الانتخابات الشكلية في العراق والمزمع اجرائها في كانون الثاني من السنة المقبلة. تأتي الفلوجة بعد ضرب احدى اهم واقوى اوكار الاسلام السياسي اي التخلص من خطر جيش المهدي وكبح جماح ملهم هذا الجيش ”مقتدى الصدر“ بامكانية قبول الادارة الامريكية بحكومة اسلامية، وعلى الارجح شيعية، على غرار الحكومة الاسلامية في ايران بحكم سطوة القوى الاسلامية الشيعية على اغلب مدن العراق.
يحاول بوش من خلال ذلك ان يحقق مسألتين لتقوية موقعه من جديد في المنطقة والعالم: الاولى الاستمرار في سياساته التوسعية باستخدام قوى الاسلام السياسي كذريعة وعدم التهاون مع هذه القوى الرافضة للوجود الامريكي في المنطقة. والثانية الاعلان للمجتمع الدولي بنجاح امريكا في توفير امكانيات اجراء الانتخابات وتطبيق الديمقراطية (اعادة انتاج قوى السيناريو الاسود الموالية لامريكا) والتي شنت امريكا الحرب من اجلها من جهة، وكذلك ضرب واضعاف هذا التيار من الاسلام السياسي واعطاء فرصة للحكومة المقبلة في اثبات وجودها وتقويتها لتكون راعية لمصالح امريكا في المنطقة بعد فشل الحكومة المؤقتة الذريع القيام بذلك.
14/11/2004