كلاهما رجعي
لقاء تلفزيون المعسكر الثالث مع عصام شكــــري حول القتال الاخير بين ميليشيا الصدر والمالــكي
المعسكر الثالث برنامج يبث باللغة الانكليزية من تلفزيون كانال جديد تعده وتقدمه باتي دي بونيتاس. اجرى البرنامج لقاءا مع عصام شكــري حول الصراع المسلح الاخير بين ميليشيا الصدر والمالكي فيما يلي نص المقابلة
باتي دي بونيتاس: في برنامج اليوم سننظر الى الحالة في العراق. وكما في اي بلد فيه فوضى عارمة برز عدة قادة الى واجهة الاحداث سواء استأهلوا هذه الموقعية ام لا. احد هؤلاء هو رجل دين راديكالي وهو مقتدى الصدر ويقود جيش المهدي وهو ميليشيا برزت من اجل الصراع على السلطة. ان الميليشيات في العراق مرتبطة بالاحزاب السياسية وممثليها على الارض وهم يمثلونها فعليا وبالتالي يحجمون القدرة السياسية لبعض الاحزاب السياسية الاخرى التي لديها تمثيل في البرلمان العراقي. لقد اصبح الامر مربكا لبعضنا؛ من يقاتل من؟ ومن يبغي السلطة السياسية في العراق؟. شكرا عصام لوجودك معنا في تلفزيون المعسكر الثالث. هل تستطيع ان تحدثنا اكثر عن الحالة بين الميليشيات الاسلامية والقوات العراقية في الوقت الراهن؟.
عصام شكــري: الوضع من الناحية الامنية متردي جدا. مرة اخرى، جماهير العراق تواجه ما يشبه الحرب الاهلية بين الميليشيات والمجاميع الاسلامية المختلفة. هذه المرة القتال هو بين نفس الطائفة الدينية، وهي الطائفة التي سعت الولايات المتحدة لكي يحكم قادتها العراق. وفي الحقيقة ان ما يجري هو حرب بين جزء الاسلام السياسي الممثل بمقتدى الصدر اي جيش المهدي من جهة، والاسلام السياسي الموالي لامريكا او التي يدعوها بالحكومة من جانب اخر. والاخيرة بالاساس هي تحالف ميليشيات اسلامية لحزبين اسلاميين متنكرة على شكل حكومة ومعها احزاب قومية اخرى. هذه الحالة تخلق الكثير من المخاطر للجماهير في بغداد وايضا لجماهير جنوب العراق بشكل عام وخاصة الجماهير في مدينة البصرة والناصرية والكوت والعمارة والمدن المحيطة بها كالشطرة والرفاعي ومدن اخرى كالحلة وكربلاء. كل هذه المدن والاماكن هي الان اهداف للصواريخ والقنابل ورصاص الاشتباكات المسلحة بين هاتين المجموعتين الاسلاميتين. ان الناس مرعوبة ومختبئة في البيوت و لا تتمكن من المغادرة. هناك العديد من الخسائر بين المدنيين وبين مقاتلي هذه الميليشيات. كما ان المستشفيات مملوئة بالجثث والجرحى في حين اصبح الاطباء العاملين في تلك المستشفيات اهدافا متحركة للميليشيات بالرغم من انهم كانوا دوما اهدافا لتلك الميليشيات لاستخدامهم في اضعاف خصومهم. ومن وجهة النظر هذه فان امان جماهير العراق تحت التهديد الخطير هذه الايام. ان ما بدى سلاما في السنة الماضية قد انهار تماما الان بهذه الحرب الاهلية.
باتي دي بونيتاس: المالكي يصف حركة مقتدى الصدر بانها اسوأ من تنظيم القاعدة. وان الهجوم العسكري الذي يشنه هو الهجوم او المعركة النهائية. ماهي الاوضاع للمالكي وما هي الاوضاع لجيش المهدي وهو يعد من اقوى الميليشيات على ما اعتقد؟.
عصام شكـــري: من خلال مقارنة المالكي للصدر ببن لادن فانه لم يبتعد كثيرا عن الحقيقة. المثير للسخرية على اية حال هو ان المالكي نفسه هو اسلامي رجعي جدا. وعندما يشبه الصدر ببن لادن فهو لا يعني نقد الايديولوجيا الجوهرية لهذه الحركة البربرية ولكن في الحقيقة هو يتحدث عن معسكر الاسلام السياسي المعادي لمخططات امريكا في العراق او الشرق الاوسط بشكل عام. المالكي يتحدث كممثل لجورج بوش في العراق ولهذا هو يتحدث ضد مقتدى الصدر والقاعدة من هذا المنظور. ومن المهم ان نعرف ان المالكي هو جزء لا يتجزأ من حلفاء امريكا او من ارهاب الدولة الامريكية وهو جزء من ذلك المعسكر بالاضافة طبعا الى الحزبين القوميين الكرديين والحليف الاخر وهو المجلس الاعلى الاسلامي الذي يرأسه عبد العزيز الحكيم. تلك الاحزاب الاربعة هي دمى تحركها ايدي الحكومة الامريكية. الان يريدون تصفية الحسابات مع الميليشيا الاسلامية التي طالما كانت موجودة في العراق من قبل وهي تتعاون في بعض الاحوال معهم سياسيا داخل ما يسمى بالبرلمان. ولكن اليوم فان الحرب هي بسبب تراجع وفشل سياسة جورج بوش المسماة النظام العالمي الجديد، فان ممثلي هذا المعسكر اي معسكر جورج بوش يحاولون ان يشنوا و يفوزوا بالمعركة الاخيرة مع الاسلام السياسي المعادي لامريكا بعد ان نجحوا جزئيا في دفع قوى القاعدة الى الشمال في الموصل وكركوك. انهم يقومون بذلك نتيجة الضرورة الملحة لان الساعة تزف بانتهاء وقتهم وان الوقت ينساب بسرعة من بين اصابعهم وعليهم التخلص من مقتدى الصدر او التخفيف من غلوائه والدفع بسياسة امريكا في العراق قدما وجعله يتصرف كزعيم حزب سياسي في برلمانهم ، اي يريدونه كحزب سياسي مسالم بدلا من رفع السلاح ضد امريكا وضدهم بين وقت واخر.
باتي دي بونيتاس: لقد وصفت الطرفين بانهم ينتميان الى معسكر الاسلام السياسي. ولكنهم حتما ليسوا نفس الشئ. كيف يفرقون بين انفسهم. وكيف يتحاربون وهم في نفس الوقت كلاهما اسلام سياسي.؟
عصام شكـــري: ان جوهر ايديولوجيتهم، كل المجاميع في العراق، هو الاسلام. انا اتحدث بعمومية هنا. وحتى الاحزاب القومية الكردية تتحدث بلغة الاسلام، ايديولوجيا الاسلام. الايديولوجيا الدينية الرجعية. انهم يتعاملون مع المجتمع ويجيرونه على اتباع القوانين الاسلامية. ان ذلك ما يراه الناس من هذه المجاميع. من الناحية الايديولوجية هم نفس الشئ باعتقادي؛ مقتدى الصدر والمالكي والجعفري والحكيم، وبن لادن... الخ. كل واحد من هذه الميليشيات له نفس الحديث والخطاب مع جماهير العراق. لديهم نفس القوانين التي يودون تطبيقها على المجتمع؛ لديهم نفس الجعبة التمييزية ضد المرأة، ولديهم نفس الكراهية والمقت والحرب ضد قوى العلمانية والتمدن. ولكن من الناحية السياسية هناك فرق بين ذلك المعسكرين. بنظري فان المالكي وحكومة العراق واقعين ضمن معسكر امريكا من الناحية السياسية. ان ذلك المعسكر يريد التعددية والنظام البرلماني والخصخصة للاقتصاد والفدرالية في الجنوب والوسط والشمال، في حين ان مقتدى الصدر معارض لهذه المشاريع على خط مستقيم. ان للصدر اسناد من الناحية السياسية من النظام الاسلامي الحاكم في طهران وله نفس الوجهة السياسية مع ايران اي الدولة الاسلامية في العراق. وبنظري فان الخط الفاصل بين هاتين المجموعتين اليوم هو خط سياسي وليس اثني او ديني بعد الان.
باتي دي بونيتاس: اذا كنا نقول ان معظم الاحزاب او الميليشات في الوقت الراهن لها تاثير سياسي وان لها مسحة اسلامية او خلفية اسلامية الا يمثل ذلك جماهير العراق؟!
عصام شكـــري: مطلقا . انظري الى كامل السيناريو الذي مر على العراق. ان جماهير العراق قد تعرضت الى حصار اقتصادي لمدة 12 سنة في العقد الاخير من القرن العشرين ولم يكن لهم رأي في ذلك. ثم شنت عليهم حرب مدمرة من قبل امريكا ولم يكن لهم قول في ذلك. تم اقتلاع الدولة في العراق ولم يكن لهم رأي. وملئ فراغ الدولة بميليشيات مدعومة من قبل ايران، ومرة اخرى لم يكن للناس رأي او اختيار في ذلك. وبطبيعة الحال قاموا بمهزلة الانتخابات تحت الاحتلال الامريكي واخذوا بصمات اصابع الجماهير العراقية على تلك الانتخابات. وفي الحقيقة يعرف الجميع بان تلك الانتخابات كانت مسرحية وانها لم تمثل الارادة الحرة للجماهير العراقية. ان العراقيين مختبئين في بيوتهم واذا كانت تلك الحرب تمثل اي شئ فانها تمثل كراهية الناس لهذه الميليشيات والاسلام السياسي. وبدلا منهم يودون العيش في مجتمع مدني وامن وانهم متشوقين للعلمانية. ولكن وجود امريكا من جهة ووجود القوى المعادية والمقاتلة لامريكا وهي القوى القومية والاسلامية كمقتدى الصدر والقاعدة كلها تعمل في نفس السيناريو والذي يخلق حالة مدمرة للجماهير في العراق. ان ارادة جماهير العراق لا يمكن ادراكها حتى يصبح هناك سلام ووضع طبيعي في العراق. يجب القيام باجراءات من اجل خلق تلك الوضعية. وانا اعتقد ان القوى الحالية عاجزة تماما عن خلق هكذا اجواء وبالتالي فانهم سيستمرون برميها من كارثة الى اخرى. هذا هو واقع العراق اليوم.
باتي دي بونيتاس: مالذي سينتج عن ذلك فان قلت ان القوى الحالية لا تستطيع ان تساعد جماهير العراق. ماهو البديل بنظرك؟
عصام شكـــري: على طول الخط فان موقف حزبنا واعتقادنا بان تغيير مسار الاوضاع في العراق يتطلب التخلص من قوى الاحتلال. ان هذا شرط ضروري. لا يمكن تغيير الاوضاع جذريا وتوفير الامن كما لا يمكن احترام حقوقهم بالعيش كبشر مع قوة احتلال باكثر من 160 الف جندي مسلح تسليحا كاملا ومعدوم الضمير والانسانية حتى لانه قادر على قصف اي مكان في العراق واعتقال اي مجموعة من الناس وممارسة التعذيب في السجون ناهيك عن القتل الواسع. وكذلك المجاميع الاسلامية والتي هي من اسوأ ما شهدته جماهير العراقية في حياتها بل وحتى اسوأ من نظام البعث في بربريتهم. اعتقد ان الخطوة الاولى هي في التخلص من قوات الاحتلال اي قوات امريكا وبريطانيا والاخرى التي تزينها وتحاول جعلها ”اممية“ وبدلا منهم تحل قوة سلام دولية. فجماهير العراق الان غير قادرة بانفسها على توفير الامان في بلدهم. ان احد اهم المهمات لتلك القوة الدولية هي في نزع سلاح الميليشيات سواء كانت ميليشيات المالكي او مقتدى الصدر او السنية كالقاعدة في الوسط والشمال وبغداد وبهذا الحل فان تلك القوة الدولية تستطيع ان تجلب الامان وتهي الارضية لاقامة مجتمع طبيعي وايضا تهيئة الوضع السياسي لاقامة انتخابات حرة لكي يقرر الجماهير اي مسار او اتجاه سياسي يريدون السير باتجاهه.
باتي دي بونيتاس: اردت ان اسالك عن شئ في الميديا هنا خاصة. عندما نقرأ شئ ما عن العراق فاننا نقرا بان هذا الشخص سني او شيعي وكل شئ الان مقسم حول خطوط طائفية. كيف كان الوضع في السابق قبل الاحتلال؟ هل عرف الناس انفسهم حول محاور طائفية؟ ولم تغير الوضع منذ الاحتلال؟ هل لان هناك مجال الان لتخرج هذه التعريفات الى الظاهر؟ ام ان العراقيين قد دفعوا لذلك؟ ام ان الموضوع ليس هكذا وان نستلم صورة مشوهة كليا من قبل اجهزة الاعلام الغربية هنا؟
عصام شكـــري: بالتاكيد فان اجهزة الاعلام وخاصة الغربية هي احدى الوسائل المستخدمة لتغيير وعي الجماهير وحرف وهندسة مداركها ووعيها وصورها الذهنية لحقيقة الامور من اجل الاستفادة من ذلك لمصالح الغرب ومعسكر امريكا من اجل التسيد. ذلك مفهوم. ان الميديا الغربية هي في الحقيقة وسائل لتشويه المعلومات وان الجماهير في العراق وفي الماضي خلال حكم نظام البعث لم يكن يعرفوا انفسهم حتى كمسلمين ناهيك عن طائفتهم كشيعة او سنة. وبالطبع فقد كان التمييز مرتبطا يالقومية العربية ومعاملة ما يمسى الاقليات بوحشية سافرة وخاصة جماهير كردستان والتركمان وغيرهم ولكن لم يكن المجتمع مصابا بهذا المرض الطائفي. ان المجتمع العراقي كان يعرف افراده على اساس المواطنة بشكل اكبر. ان تلك ليس نتائج او محاسن نظام صدام حسين ولكن ذلك حدث بسبب صعود الحركات والمطالب الطبقية العمالية والتحررية والنسوية ونتيجة لقوة هذه الحركات في تشكيل المجتمع المدني في العراق. بعد انهيار وتهشيم الدولة ومن ثم تحطيم ركائز المجتمع المدني في العراق فان الناس صاروا تحت رحمة رجال القبائل والاديان والاثنيات والميليشيات الاسلامية القادمين من ايران والمدعومين من ايران والسعودية وباكستان وافغانستان وهم يهددون الجماهير من خلال الارهاب والتخويف. من هنا جاء تقسيم الناس الى طوائف. لقد تم بناء جدران كونكريتية حقيقية داخل المناطق السكنية في بغداد بعد موجات من القتال والتصفية الطائفية. هذا غير مسبوق في تاريخ العراق الحديث وان لذلك اسباب في غزو امريكا للعراق وفي نفوذ الانظمة الاسلامية المحيطة بالعراق بالطبع. انا على يقين بان الناس في العراق وبوجود دولة علمانية تفصل الدولة عن الدين فان الناس على اتم الاستعداد لتقبل هكذا نوع من الحكومة لان لهم خلفية علمانية وتاريخ تقدمي على مدى قرابة 100 سنة. هناك العديد من البشر في العراق قد اطلع وقرأ وتعاطف مع افكار مساواتية حديثة كالشيوعية والاشتراكية وتحرير المرأة ومساواتها بالرجل. لسوء الحظ فان الميديا الغربية تساعد على تأزيم الوضع وارجاعه الى الوراء في العراق من خلال اعادة انتاج فكرة ان هوية الناس في العراق هي هوية دينية وقومية وليست هوية انسانية. ان الاعلام الغربي هو جزء لا يتجزأ من النظام السائد باكمله ومن وسائل ادامته.
باتي دي بونتياس: لقد تحدثت عن ضرورة وجود قوة اممية لحفظ السلام داخل العراق حسب رأيك. كيف تفكر بان ارادة المجتمع الدولي واعتقد اننا نتحدث عن الامم المتحدة، كيف تعتقد انهم راغبين في توظيف هكذا قوة.؟
عصام شكـــري: اعتقد انه لدى اتخاذ اي قرار، سواء كان قادما من الامم المتحدة، وانا لم اخص الامم المتحدة بالذكر ولكني ساقبل يحقيقة ان الامم المتحدة قد تكون هي الجسد الذي يتخذ هكذا قرار، او أي ارادة للتدخل في العراق واستبدال القوات الامريكية والبريطانية، اعتقد ان ميكانزم ( آلية ) اتخاذ هكذا قرار يجب ان تكون من خلال تعبئة الجماهير. هذا هو دور حزبنا ودور الحزب الشيوعي العمالي الايراني وكل القوى الانسانية في المجتمع، ولكن ليس في العراق فقط ، فالجماهير في العراق غير قادرة اليوم لانها لا تستطيع ان تنظم قواها او تعبئ نفسها حول أي مسألة ، حتى المسائل الاكثر اساسية في حياتهم كارسال ابناءهم الى المدارس او توفر الصحة المجانية والكهرباء والمياه النظيفة وغيرها، ناهيك عن تعبئتهم حول مسائل سياسية اكثر الحاحا كهذه. ان جماهير العالم وخاصة جماهير اوربا كبريطانيا وفرنسا والسويد والمانيا وجماهير امريكا خصوصا، و التي لم اشهد معاداتها للحرب كما اشهده اليوم، كلها قوى الانسانية التي يجب ان تعبئ حول هذا الهدف وبالتالي، وحين تتحول الى حركة عالمية، تستطيع ان تجبر منظمة كالامم المتحدة او غيرها على ايجاد الحل والقبول بهذا البديل الواقعي وتغيير مسار الاحداث. انا لا اقصد ان ذلك يحدث من خلال الدبلوماسية مع البرجوازية فنحن نعرف جيدا من يتحكم بالامم المتحدة، ولكن من خلال ضغط الحركة المتمدنة والتقدمية فان باستطاعتنا ان نتقدم بهذا الحل اذا عبئنا الناس حول بديلنا واستخدمنا دعاية كافية للدفع به داخل اوساط الجماهير.
باتي دي بونيتاس: نشكرك على هذه المقابلة.
عصام شكـــري: اشكركم على استضافتي.