الديمقراطية الاسلامية – العشائرية: هدية من النظام العالمي الجديد الى الشعب العراقي
محسن ابراهيمي*
يبدو ان الولايات المتّحدة الأمريكيّة قد هاجمت العراق، قلبت دكتاتورًا، نظمت انتخابات حرّة والتي فيها فاز الإسلاميّون بنصر ساحق وجاء القوميون في المرتبة الثّانية. يبدو أخيرًا ان أحلام الشّعب العراقيّ قد تحقّقت!. الرّسالة السّياسيّة في كلّ هذا هي ان الولايات المتّحدة الأمريكيّة هي القوى العظمى الوحيدة في العالم التي من واجبها جلب الحرّيّة والرّخاء لكلّ أركان الكرة الأرضيّة! وان المجتمع العراقيّ بالأغلبيّة المسلمة فيه متشوقون لأن يعيشوا تحت نظام إسلاميّ !.
في إطار الدّعاية الاعلامية المكثفة بقيادة البنتاجون، كان الصّحفيّون الغربيّون منهمكين في تصوير العراق كمجتمع دينيّ عشائريّ . ان تقاريرهم عن "انتخابات" العراق الأخيرة مثالاً مقنعًا على ذلك: حيث شارك الشّيعة بنشاط في الجنوب والأكراد في الشّمال في الانتخابات. فازت الشّيعة بأغلبيّة المقاعد. وجاء الأكراد في المرتبة الثّانية. قاطع السّنّيّون الانتخابات. العرب والتركمان....
بمثل هذه الصّورة المشوّهة، قد يقتنع المرء بان العراقيين هم مجموعة من البشر غير المتمدن معاد لأيّ نوع من العلمانية، او انهم أفراد ممسوخين تابعين امّا للمذاهب الدّينيّة أو العشائر، بشر متخلف محبوس في عقليّته القبليّة الدّينيّة، أفراد بلا طموحات حديثة وعلمانيّة وهلمجرا. لذا يجب أن يكون هؤلاء النّاس شاكرين لبوش وبلير لعمليتهم المسماة "الصدمة والترهيب" Shock and Awe لاستبدال صدام بأية الله السيستاني وقذف الجماهير من الجو بالديمقراطيّة العشائرية - الدينيّة مع صواريخهم الكروزية وقنابلهم العنقوديّة. !
لا, ليس هناك ذرّة من حقيقة في هذا الامر. ان غالبية الشّعب العراقيّ ليسوا اناساً متدينين او عشائريين متشوقين للعيش تحت سلطة نظام قبليّ إسلاميّ ! لم تكن الانتخابات الأخيرة انعكاس حقيقيّ لما يتمناه العراقيون لمجتمعهم.
من الممكن وصف الانتخابات باي شئ الا كونها انتخابات حرة. لقد كانت هبمنة سياسية منسقة للرأي العام العالمي من قبل التحالف المقدس للبيت الابيض واكاديميي الجامعات مدفوعي الاجر وارباب الصحافة الرسمية. هذه هي نسخة النظام العالمي الجديد للحرية المطبوخة خصيصا لجماهير الشرق الاوسط. في هذه النسخة من الديمقراطية، فان جماهير الشرق الاوسط لا تستحق الحريات الفردية حتى باتفه اشكالها السائدة تحت حكم ثاتشر ورونالد ريغن وجورج دبليو بوش.
انه من غير المتخيل اجراء اي انتخابات - ناهيك عن انتخابات حرة ونزيهة - بظل اجواء تّبادل النيران بين القوّات المسلّحة الأمريكيّة و قتلة المجموعات الإسلاميّة التابعة للزرقاوي وميليشيا المجلس الأعلى للثورة الإسلاميّة ومشاغبي مقتدى الصدر وبقايا مجرمي حزب البعث. حتّى نسخة دّيمقراطيّة سّخيفة تبدو مستحيلة في هكذا وضع !
لم يكن ما حدث في العراق انتخابات ولا مسابقةً حرّةً بين الأحزاب السّياسيّة . كان نصبًا واحتيالاً سياسيًّا دوليًّا منظّمًا دون سابق علم لتجميع ائتلاف من جنرالات حرب، وزّعماء عشائر، ورؤوس لإرهابيّين إسلاميّين كهويّة سياسيّة.
فقط من خلال عملية احتيال ونصب دوليين ذات طابع مافياوي يمكن للمرء ان يعتبر المنافسةً بين هذه المجموعات الإسلاميّة والعشائرية – التي إمّا انها تأخذ أوامرها من الجمهوريّة الاسلامية في إيران أو تلك التي تربت في اروقة البنتاجون والبيت الأبيض - بمثابة انتخابات برلمانيّة حرّة. فقط في مثل هذه الديمقراطية المقادة من قبل الاسلاميين والبنتاجون، يستطيع مرتزقة سابقون للبنتاجون ومختلسو الأمس مثل السّيّد الجلبي ان يطمحوا في ان يكونوا رؤساء للعراق !
بعد اجراء "الانتخابات" في العراق و صعود المجرمين الإسلاميّين – القوميين الى السلطة، هنّآ كل من جورج دبليو بوش وتوني بلير جماهير الشّرق الأوسط بانتصار الديمقراطيّة . ان هذا ان دل على شيء فانما يكشف عن المحتوًى الحقيقيّ لنسخة النّظام العالميّ الجديد للدّيمقراطيّة في الشّرق الأوسط.
لم يكن لدى الشّعب العراقيّ أبدًا بيئة آمنة وحرّة يمكن فيها للأحزاب السّياسيّة ذات البرامج السّياسيّة - وليس بضعة جنرالات حرب عشائريون ودينيّون بمسدّساتهم وتّخويفهم - ان يتنافسوا على السّلطة. إذا كانت تلك هي الحالة، فأن أغلبيّة الناس في العراق سوف تختار الأمن، الرّخاء، الحقوق الفرديّة والقيم العلمانيّة بالتّأكيد بدلاً من السّيناريو المظلم لحكم العصابات الإسلاميّة - العشائرية. غني عن القول بان العراقيين يعيشون الى جانب الثيوقراطية الاسلامية سيئة الصيت للجمهورية الاسلامية في ايران. انهم مطلعون تماماً على بؤس 70 مليون من البشر يعيشون تحت حكم نظام إسلاميّ.
بالانتخابات المزيفة في العراق، فأن المواجهة الدّمويّة بين قطبي الإرهاب الدّوليّ، ارهاب الولايات المتّحدة الأمريكيّة وارهاب الاسلام السّياسيّ ، من جماعات الإسلاميّين والقوميين المختلفة لن تنتهي. وبدلاً من ذلك، فانها ستأخذ اشكالا جديدة . هؤلاء الذين دمّروا المجتمع المدنيّ العراقيّ وحوّلوا العراق إلى مرتع لأكثر قتلة مطلع القرن الواحد والعشرين دناءة ووحشية سيواصلون دورهم المدمّر من خلال ايجاد اشكال لائتلافات جديدة.
كلمة نهائيّة، أن الخطوة الأولى لعراق إنسانيّ وحرّ تكمن في التخلص من هذين الدعامتين للإرهاب الدّوليّ : عسكريّتارية الولايات المتّحدة الأمريكيّة والاسلام السّياسيّ . الشّرط المسبق الاساسي لانتخابات حرّة في العراق هو أنّ يلغى وجود القوّات المسلّحة للولايات المتّحدة الأمريكيّة، وكلّ المجموعات القومية والعشائرية والإسلاميّة من المجتمع ! هذا هو التّحدّي الكبير الذي يواجهه الشعب العراقي حتّى الآن.
* محسن ابراهيمي هو عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي الايراني ورئيس تحرير جريدة انترناسيونال.