من سيكمل ( وصية ...المنبوذه ) ؟
ليث الجادر
laithgader@yahoo.com
اذا كان البيان الشيوعي قد صدر عام 1848 ثم جاء لاحقا دستوره المفصل (( راس المال
)) فان ما يمكن ان نعتبره اول بيان لحركة تحرر المراءه قد صدر عام 1790 بكتاب تحت
عنوان ((اعادة الاعتبار )) لكاتبنه الفرنسيه ماري ولستكوفر ..واذا كانت قضية تحرر
الانسانيه قد اجملت في البيان الشيوعي بانعتاق وسيادة سلطة الطبقه العامله فاننا
بذلك نستطيع نوعا ما من ان نعتبر البيان الشيوعي قد كان دستورا اجاب على مطالب
((اعادة الاعتبار )) وتساؤلاته ولخص قضية تحرر المراءه من عبوديتها والدونيه التي
لحقت بها (((( ليست امراءة البرجوازي عنده سوى اداة انتاج وهو يسمع ان ادوات
الانتاج يجب ان تكون مشتركه ويستنتج من ذلك ان النساء انفسهن سوف يسري عليهن ذلك
ولا يدخل في وهم البرجوازي ان المساله على العكس تماما واننا نريد اعطاء المراءه
دورا غير هذا الدور الذي تقوم به كاداة انتاج ))) ماركس - انجلس - البيان الشيوعي
... لقد كانت النسويه قبل ذلك تعبر بصوره كبيره عن مطامح وصبوات فئه قليله من
النساء وعاجزه عن تشكيل حركه اجتماعيه منظمه ..مما اضفى على الفعاليات الفرديه تلك
طابعا صوفيا اكثر مما هو برنامجا ثوريا تغييريا اتخذت فيه الكثير من التحرريات
طريقة تحطيم هيمنة الذكوريه على العالم من خلال جعل انفسهن حبيبات الله او خادمات
له كتعبير لهن عن رغبتهن في مشاركة الرجل بما كان يحتكره ..زوان تحقق مثل هذا الامر
كان يتطلب تخليهن عن مواصفات انوثتهن ليؤكدن ما يمكن ان يفصلهن عن اطار النموذج
السيء الذي رسم لعامة النساء ..ومع هذا فان مثل هكذا اتجاه ونشاط كان يستلزم ويفرض
على القائمات به توفر قدر كبير من الجراءه والشجاعه المقرونتيين بامكانيات فكريه
مقتدره ..ويجعل من ناشطاته متمردات اكثر بكثير من انهن مظلومات محتجات ..اي انهن
اقتربن من خط الثوريه والتغيير في مجال حقوقهن النسويه ومارسن نضالهن كرديف قوي
لحركة تطور مجتمعاتهن ..حتى ان بعضهن استطعن من ان يبرزن كقائدات فعالات لعموم تلك
الحركه ... فهذه ( فيلهيمن ) تعلن في اواخر القرن الثالث عشر ان ماثرة فداء المسيح
لا تشمل النساء وان المراءه ما زالت تنتظر الخلاص ...وقد استطاعت بدعوتها هذه ان
تجتذب من حولها النساء من مختلف طبقات الشعب بما فيها نساء الطبقه الارستقراطيه وقد
نتج عن هذه الانطلاقه حركه نسويه تطرح دور المراءه في خطة الطبيعه وتراها في اتصال
مباشر مع الله ولها الحق الكامل في تفسير الكتابات الدينيه وحق التنبىء ))) وما
لبثت ان تحولت هذه الدعوات الى حركه ذات طابع اجتماعي ابدع انشاءات مدهشه الغت وجود
الله واحلت مكانه الحب .. وحينما كانت الديمقراطيه الطهرانيه التي اجتاحت المجتمع
الاوربي في القرن السابع عشر تقوم على فكرة ان الفرد سيد شخصه وطاقاته وان من حقه
الذود عنها ضد كل تدخل وضد كل انتهاك ...كذلك كان فكر هذه الديمقراطيه ينطوي ظمنا
على ان للنساء حقوقا غير قابله للاستلاب في موضوع الحريه المدنيه والدينيه ...وهكذا
وفي عام 1640 كتبت ماري تاتل وجوان هت مؤلفيهما (( انتقام النساء العاجل )) ومن ضمن
ما جاء به استشهادهن بالتوراة لبيان ان النساء لم يخلقن اماء او خادمات وان صح منطق
انهن لم يخرجن من راس الرجل ليعلمهن فانهن ايضا لم يخرجن من قدميه حتى يسحقهن وبما
ان النساء ((خرجن من جنب الرجل )) اذن هن مؤهلات ومدعوات الى ان يكن ندات ورفيقات
له وانهن لم يخلقن من ضلعه العوجاء المنحنيه كما تدعيه بعض تلك الاساطير ... لقد
جاءت الحركه الطهرانيه بحالة تحسن نسبي اسبغت على النساء نوعا من الكرامه وخاصة في
المجال المعنوي حيث كونت تصورات اكثر انسانيه عن العلاقات بين الجنسيين ونبذت كل
الفضاضات التي كانت تقترف بحق النساء والغت طقوس تطهير المراءه في الكنيسه بعد
الوضع وهو طقس كان يجعل منها مخلوقا نجسا وحيوانييا يجب تطهيره ...ولعل ابعد ما
وصلت اليه الطهرانيه في مجال نصرة المراءه هو انها اعطتها الحق الكامل في انتقاد
والتشهير بالاخلاق الجنسيه ذات المعايير المزدوجه . اما في المجال السياسي فان
الطهرانيه وبحكم نوازعها الطبقيه لم تتقدم خطوه واحده باتجاه منح المراءه حقها
وحريتها السياسيه فمع انها اقرت مبداء اقتراع المواطنيين على شكل الحكم الا انها
حصرت ذلك الحق لارباب الاسر بعد ان فسرت ان حق الاقتراع لا يمكن ان يعود الا على
اؤلئك اللذيين لا يخضعون لمشيئة الاخريين وان النساء قد تنازلن بعقود الزواج بحقهن
السياسي لازواجهن تماما كما تنازل العمال والفلاحيين وسواد الشعب بعقود العمل لكبار
المزارعيين وارباب الحرف ...ومنذ ذلك الوقت بداء نضال المراءه وحركتها النسويه
يندرج شيئا فشيء كرديف قوي لحركة النضال الطبقي ففي مطلع القرن الثامن عشر كتبت
صوفيا وهي من ابرز ناشطات ذلك القرن (( لنا ذكاؤنا وبفضله ندرك ان الرجال ...بهائم
))) وكان هذا الوصف موجها الى الرجل البرجوازي بوصف اخلاقياته وامتيازاته ..وذهبت
الكاتبه صاموييل ريتسادسون الى معارضة الزواج الذي تفرضه العائله بينما اكدت ان
قوانيين المجتمع يسنها الرجال لتبرير طغيانهم وطالبت بالمساواة بين
الجنسيين..وحينما تفجرت الثوره الفرنسيه واستطاعت ان تضع حدا لاضهاد اكثر الناس
واشدهم معاناة من الطغيان بمن فيهم الرقيق السود لكنها تركت ملايين النساء رازحات
تحت نير ازواجهن ..كتبت مجموعه من الناشطات الى مجلس الشعب عريضه يذكرن فيها (((لقد
هدمتم الاراء المسبقه القديمه جميعا لكنكم تركتم اقدمها واكثرها عموما ..تركتم
الراي المسبق الذي يستعبد نصف سكان البلاد ويدفعهن عن المراكز والمكارم وعلى الاخص
حق الجلوس بينكم )) ... وهكذا بدات تتبلور في واثناء الثوره الفرنسيه حركه علمت
النساء ان يفكرن على اساس الحركات الاجتماعيه ..فاعلنت ماري ولستكوفر ((انني ارافع
عن جنسي لا عن نفسي )) و((ما يفتقر اليه عالمنا هو العداله وليس الاحسان )) وبين
اجتماعيه النضال الذي اشارت اليه وبين مبرره ((العداله)) و ((ليس الاحسان ))
استطاعت ماري ان تتقدم خطوه اخرى بالاتجاه الصحيح ..لكن ما كان ينقصها ويضعها في
تلك الحيره التي لازمتها هو الاجابه عن سوال فرض نفسه على منطقها الا وهو ما هو ذلك
الطريق الذي يفضي الى تلك العداله ؟؟ ولعل منذ ذلك الوقت وفي الفتره التي تلته
بقليل بدى ان مجرى الحركه النسويه يتفرع باتجاهيين منفصليين احدهما بقى عاجزا امام
ذلك التساؤل ((ماهية العداله)) التي تحقق للمراءه شروط حريتها وانعتاقها والاتجاه
الثاني الذي ادرك وبالتدريج حقيقة تلك العداله على انها تعتمد في اهم مرتكزاتها على
الغاء الاضطهاد الطبقي ..ونتيجة لاختلاف المفهوميين بقت اتباع الاتجاه الاول يتارجح
نشاطهن بين المساومه وطلب الاحسان تارة واخرى يتخذ موقفهن صفه ذات طابع مطلبي طبقي
مستند على امكانيات المراءه البرجوازيه ..بينما اندمجت داعيات الاتجاه الثاني في
بوتقة النضال الطبقي مع حفاظ بعظهن على طابع مطلبهن النسويه داخل صفوف ذلك النضال
..وكلا الاتجاهيين قد تقدم بصورة راديكاليه نحو الهدف فكان نتيجة ذلك ان دخل في
مضمار الحركه النسويه رجالا مفكريين استطاعوا ان يدلوا بدلوهم وان يتزعموا في احيان
كثيره مسيرة هذا النشاط ففي عام 1825 انبرى الكاتب وليم طومبسون ليصدر بحثه
((احتجاج نصف الجنس البشري )) فيذكر بتحديد لا سابق له (( يندر ان تعبر العواطف
الطبيعيه عن نفسها بحريه فالجانب الحيواني الصرف من اللذه الجنسيه يشتريه الطرف
الاغنى من الجنس الاخر بابخس سعر تعرضه عليه المنافسه )) ثم يستدرك (( الحل الوحيد
من اجل نصرت المراءه هو اقامة نظام جديد للسعاده الاجتماعيه ياخذ بعين الاعتبار
مصالح جميع الكائنات الانسانيه )) ...وعلى هذه الخطى ومنذ ذلك الوقت انبثق ما
يمكننا ان نشخصه باسم الحركه النسويه الاشتراكيه وبداء نسيجها يتلاحم على يد فورييه
التعاوني الذي اقام صله واضحه المعالم بين القمع الاقتصادي والقمع السياسي للمراءه
وترجم ايمانه هذا بشكل عملي في تجاربه التعاونييه ....ومثلما تصدى بعد ذلك ماركس
الى توجهات وافكار الاشتراكيه الطوباويه ونقض ركائزها ليبدلها بمبادىء الاشتراكيه
العلميه فانه ايضا وفي نفس الوقت استطاع ان يبلور جوهر قضية المراءه ويشيد امامها
معالم حريتها وانعتاقها الحقيقي ..واذا كان موضوع اضطهاد المراءه النوعي لم يكن
موضوعا لدراساته الشامله والمفصله كما يبدوا بنظرة سطحيه فان سبب ذلك يعود على انه
اقرن ومنذ البدء ظاهرة اظطهاد المراءه بواقع الاظطهاد الطبقي ولانه دعى واكد على
وجوب خوض الصراع وصولا الى تحرر الطبقه العامله فانه كان في واقع الامر يشير بصورة
رائعه الى شروط انبثاق حركة تحرر المراءه من القاعده الى القمه ..فتحرر المراء
العامله بالتاكيد سيحر بنات جلدتها وينسف طوق العبودية والدونيه عنهن ...وبينما كان
ماركس يخوض معركته الفكريه بكل تلك الاتجاهات الشامله ..ظهرت على مسرح النضال
النسوي مثالا ونموذجا فذا مثل صورة المراءه الاشتراكيه المناضله ففي عام 1843 كتبت
فلورا تريستان مؤلفها ((الاتحاد العمالي )) داعية فيه الى اقامة امميه عالميه افردت
فيه فصلا عن حقوق النساء وخاضت في سبيل مبادئها نضالا لا هواده فيه نالت من جراءه
اعجاب ومساندة الكثيريين والكثيرات مثلما عانت من عداء الكثير من الجانب الاخر ...
كتبت ذات يوم (( جميع الناس ضدي الرجال لانني اطلب انعتاق المراءه ..والملاك لانني
انادي بانعتاق الاجراء )) ...لقد دفعت فلورا تريستان ثمن مواقفها الرائعه والشجاعه
تلك ثمنا باهضا من حياتها وسعادتها الشخصيه فوجدت نفسها منبوذه يلقى بها من قبل
اعدائها وخصومها من مدينة الى مدينه ومن بلد الى بلد ..لكنها بقيت رابطة الجاش
عنيده حتى تمكن منها المرض وخارت قواها فلجئت الى احدى صديقاتها لتمضي في منزلها
لحظاتها الاخيره وليحمل نعشها فيما بعد العمال المسانديين لها واللذيين نظموا حملة
تبرع لتشييد ضريح لها وكانت قبل وفاتها قد تركت كتابا غير مكتمل سمته (((((((وصية
المنبوذه )))) ..وفي عام 1848 توجه العمال الاوفياء الثائريين الى ضريحها وهم
ينشدون (((فلورا بحاجه ....الى ضريح )))) واخذت هذه الانشوده تتردد بصوت صاخب في
ارجاء المعامل والمصانع حتى حقق هذا المطلب ...ولان وبعد ان بنى اؤلئك الاوفياء
ضريحا ..لفلورا ... فان كتابها ((وصية المنبوذه )) ما زال بانتظار من سيكمله لها
.....ترى هل سيتحقق ذلك ...وهل هناك اليوم من مثل تلك المنبوذه ... او من هو مثل
ذالك المجنون الذي انهرت بمنطقه ذات يوم فلورا حينما راح يشرح لها كيف ((انه يزمع
ان يضع حدا لكل صنوف العبوديه ولن يحرر المراءه من طغيان الرجل )) فكتبت فلورا
حينها وباعجاب (((( كل ما كان يتفوه به يكشف عن مخلوق متمرد على فساد ورياء اؤلئك
اللذيين يحكمون العالم ولا يستطيعون السيطره على غضبه )))