مقابلة هومى ارجمند مسؤولة منظمة "الاطفال أولا الآن" ، مع خيال ابراهيم عضوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي ومسؤولة رابطة تحرير المرأة في العراق
همى ارجمند : باعتبارك أحد النّاشطات في منظمة ألأطفال أوّلاً الآن وقد عدت مؤخراً من العراق هل بامكانك اخبارنا عن وضع الأطفال في العراق خصوصًا في بغداد ؟
خيال ابراهيم: أريد ان ابين بأن الوضع في العراق حزين جدًّا، وبخاصّة وضع الأطفال. ليس لدى الأطفال أيّ قدرة أو سيطرة على هذه الظّروف الوحشيّة. الأطفال في العراق هشّون جدًّا ويتم استغلالهم بطّرق مختلفة. وعلى سبيل المثال انهم يفتقرون إلى الوعي والمعرفة سواء في البيت أو في المدرسة .أطفال العائلات العراقيّة الفقيرة يعملون أعمالاُ شاقة ولسّاعات طّويلة. انهم يشعرون بالفزع والقلق بسبب الاوضاع الامنية السيئة والأوضاع المعيشيّة الشّاقّة الّتي تسود في بغداد وعموم العراق. لا يحاول العالم المساعدة في حين تسوء الحرب ويزداد الارهاب وتفكّك المجتمع . داخل البيت، ومع سيطرة القيم الإسلاميّة و العشائرية وتناقص مستوى الرفاهية بشكل كبير، فان الأطفال يضربون ويعاقبون جسدياً من قبل البالغين في عوائلهم بينما يتم تبرير هذه الانتهاكات ضدّ الأطفال باعتباره جزءاً أساسيّاً مما يسمّى "التّقاليد". ان الاطفال يتعرضون الى الصراخ والشتم والاهانة في المدرسة من قبل معلميهم كما انهم يصفعون ويهانون جسدياً. الكثير من الأطفال في بغداد أمّيّون الآن لأنهم توقّفوا عن الذّهاب إلى المدرسة لمختلف الاسباب واهمها الفقر. انهم مجبرون على العمل من اجل عائلاتهم .ومن جهة اخرى، يعاني الأطفال من الأمراض المختلفة بسبب الإهمال والأوضاع المعيشيّة الصّعبة . كثير منهم يعانون من نقص التغذية وبعض المنظمات العالمية تقول أنّ معدّل سوء التغذية اليوم في العراق هو ضعف معدّله للأطفال ( تحت 5 سنوات ) والتي سجلت أثناء فترة الحصار الاقتصادي التي فرضتها الامم المتحدة وكرستها امريكا في التّسعينيّات. ان المجاميع المتصارعة في الحكومة الجديدة مشغولة من اجل تحقيق مصالحها و لا تعير ادنى اهتمام بقضايا الاطفال ومستوى معيشتهم. ان الاغذية المستوردة او تلك التي تصنع في العراق تفتقر الى الإشراف المناسب من قبل الهيئآت الصحية أو الى مقاييس الأمان الغذائي، أو انها باهضة الثمن بالنسبة للملايين من الأطفال المعدمين من ابناء وبنات العمال والكادحين الّذين يفتقرون إلى الماء النّظيف والأطعمة المغذّية. وأساسًا ليس ثمة برامج حكومية لتأمين إعانة للأطفال.
همى ارجمند: ثلاثة سنوات بعد الغزو الأمريكيّ، كل مانسمعه هو ان عدد العراقيين المهجرين من مناطقهم يرتفع يوميًّا. الأخبار تقول بانه قد تم تهجير 65،000 عراقيّ ، و من المتوقّع أن يصل العدد إلى 180،000 بمنتصف حزيران. لا يمر يوم دون هجوم بالقنابل، تفجير شّاحنة او سيارة مفخّخة او هجوم انتحاري. نادراً ما نسمع عن الاطفال الذين يعيشون في هذا الظّرف، لا أخبار عن إعانة اجتماعية للاطفال او التغذية او العلاج الصحي. لا أخبار عن اية رعاية طبّيّة او علاج ، او عن تعليم لهم؟
خيال ابراهيم: بعد الحرب الأمريكيّة - البريطانية على العراق و في معظم المناطق الحضرية والمدن مثل بغداد، فان الانفجارات أصبحت من الوقائع اليوميّة للملايين من النّاس . يذهب الأطفال إلى المدارس وهم في رعب وقلق كبيرين. ليس لديهم أيّ بيئة للحركة والحلم بحياة أفضل . ليس لديهم أيّ العاب أو دمى او درّاجات. ليس لديهم أيّ متنزّه أو حقل أخضر او ملاعب أو شوارع نظيفة حتّى ليتنزهوا فيها، انهم يعيشون بين الاتربة والاوساخ والقاذورات والمياه الاسنة. انها أسوأ أوضاع معيشيّة في العالم .
البلد محتل و الولايات المتّحدة و بريطانيا تقصفان المدن والبلدات والقرى يومياً مسببة موت او جرح او ترويع مئات الالاف من البشر. النّاس يُجَرُّونَ من بيوتهم جراً من قبل الميليشيات الاسلامية التابعة للسلطة و"فرق الموت" المختلفة على مرآى أطفالهم. الأطفال الصغار بين عمر 5 و 6 سنوات يعملون كبائعين مفرد بين السيارات ويتعرضون لانتهاك طفولتهم تحت شّمس بغداد القائضة. الفتيات الصّغيرات بعمر 7 - 10 سنوات يعملن كماسحات احذية في كراجات الحافلات والنقل الخطرة والمزدحمة وفي الأسواق القذرة ويتعرضن الى التحرش والاذى الجسدي والنفسي البليغين.
و ما عدا الفقر والاوضاع المعيشيّة غير الانسانية التي سببتها الحرب ودمار المجتمع المدنيّ فهناك انتهاك حقوق الأطفال كما ذكرت. ذهبت يوما! اثناء زيارتي للعراق إلى احد المستشفيات. لن تصدّقوا كم هو مؤلم و حزين مشاهدة طفل يبلغ من العمر سنة واحدة فقط وقد أُحْترِقَ وجهه الصغير بالزّيت المقليّ حينما كانت ترعاه أخته البالغة من العمر خمسة سنوات، حيث انها كانت تطبخ لأبيها بغياب أمّها . شهدت ايضا حادثة الفتاة المراهقة التي بلغ عمرها 13 سنة ولكنها قررت احراق نفسها عقابا لعائلتها الّتي دفعتها الى زّواج بالاكراه وهذا النوع من التزويج الاكراهي قد اصبح اليوم من العادات السائدة في مجتمع سقط كلياً تحت رحمة الإسلام والعشائرية والرّجعيّة. لا يستطيع الأطفال ان يحموا أنفسهم وليس لديهم مهرب لحمايتهم. يقرّر الأطفال والفتيات المراهقات عادة ان يضعوا حداً لحياتهم بنفسهم لانعدام اي امل او سعادة في حياتهم.
همى ارجمند: ماذا يحدث للأطفال بدون وجود عائلة أو اهتمام عائليّ ؟
خيال ابراهيم: في حالات الأطفال الذين يعيشون بلا عوائل ترعاهم، فهم إمّا يجدون أنفسهم وحيدين فيتركون المدرسة ويجدون أعمالا غير مناسبة أو يتحوّلون إلى متشرّدين ومتسولين. في حالات أخرى يتم تبنيهم من قبل أقاربهم لكنهم يعاملون بقسوة جدًّا وبلا انسانية. البنات يُجْبَرْنَ على الزواج في سن مبكّرة أي بعمر 10-11 سنة. الأطفال في مثل هذه الحالات يمرون بظّروف شديدة القسوة من اجل مساعدة أمّهاتهم أو الاهتمام بإخوتهم الصّغار وأخواتهم . أعرف عن صبي يبلغ من العمر 9 سنوات يعمل في مخبز لسّاعات طّويلة في جوّ حارّ خانق ترتفع درجة الحرارة فيه إلى ما يزيد عن 50 درجة مئويّة. وهو الى تلك الظروف الصعبة يعاني من اساءة معاملته من قبل صاحب الفرن و يضرب و يهان لنقص خبرته. انه يعمل حد الانهاك مثل عبد صغير. هناك المئات من الأمثلة لأطفال يعملون في كراجات تصليح السيارات كمساعدين للميكانيكيّ أو بائعين متجوّلين أو متسولين يطاردون النّاس يترجّونهم شراء الأشياء الرخيصة منهم كعلب الكلينكس او السكائر أو ان يعطوهم بعض المال .
همى ارجمند: تتلقّى منظمة الأطفال أوّلاً الآن أخبارا حول تجارة الأطفال للدّعارة و أشكال اخرى للعمل . هل شاهدت أو سمعت عن أيّ اجراءات تتخذ لإيقاف هذه الجريمة غير الانسانية؟
خيال ابراهيم: لا أعرف عن أيّ تجارة أطفال بغرض الدعارة في العراق لكنّ هناك ظاهرة جرائم قتل الشّرف ( او غسل العار كما تسمى) للنّساء بخاصّة بين الفتيات المراهقات. أعرف عن فتاة اخرى تبلغ من العمر 13 سنة قُتلَها عمّها في شمال العراق بعد أن اُغْتُصِبَتْ من قبل زوج أمّها وأُصْبِحَتْ حامل. في الحقيقة لم تسجل أيّ دعوى قضائيّة لدى المسئولين لإيقاف او ردع هذه الجريمة الوحشيّة .ان الحكومة المحلّيّة القومية – العشائرية المتخلفة في مدينة دهوك تعاملت مع هذه الجريمة على انها "خلاف عائلي" وتم حله وكالعادة عن طريق القتل الوحشيّ للمراهقة الحامل بعد أن تم سجنها في غرفة. المئات من الفتيات بعمر 13 و أصغر يتم قتلهن او انتهاك حقوقهن الفظ والوحشي من قبل ذكور العائلة و يتم اجبارهن على الزّواج. ان كل القيم الرجولية والعشائرية والاسلامية تتآمر لسلب انسانية النساء والفتيات. ان تلكن الفتيات يجبرن ايضا على ترك مدارسهن ليصبحن عبيدات لرجل يقوم باغتصابهن محوّلا طفولتهن البريئة إلى كابوس. هذه الأفعال لا تعتبر بنظر السلطات المحلية سواء في الشمال او الجنوب او الوسط على انها جرائم بل نّزاعات او "مشاكل" في العائلة يجب أن يتم التعامل معها باسلوب الانتهاك الجسدي والعاطفي والمالي للحلقات الاضعف في المجتمع اي النّساء والأطفال وخاصة الفتيات. هذه الوحشية هي ما يدعونه تبجحاً " ثقافتنا وعاداتنا " من قبل رّجال شوفينيين من اجل إبقاء النّساء والبنات مهانات و خاضعات لسلطتهم الرجولية.
همى ارجمند: طبقًا لروجر رايت، ممثّل اليونيسيف الخاصّ بالعراق فان : " معدّل سوء التغذية المزمن للأطفال في الأسر التي لا تمتلك دخلا ثابتا قد وصل الى 33 بالمئة، أي طفل واحد مصاب بسوء التغذية من كلّ ثلاثة أطفال". ويبين التّقرير أيضًا بأن سوء التغذية المزمن يؤثّر على الاطفال الأصغر عمراً والاكثر تعرضا للامراض، من عمر 12 شهر إلى 23 شهر، بدرجة حادة. بينما صرّح السّيّد رايت:" اذاما استمر هذا الوضع دون تغيير فان ذلك سيؤدي الى اعاقة النّموّ العقليّ و المعرفيّ للطّفل الصّغير، لا النمو الجسدي فحسب". ماذا بامكان البشريّة ان تعمل لحماية حقّ الحياة للطّفل؟ كيف تستطيع البشريّة ان تحمي هذا الحق الأكثر جوهريّة / اجسام الاطفال وارواحهم من كل اشكال العنف؟
خيال ابراهيم: ان سوء التغذية المزمن ينشأ بسبب الفقر والبيئة غير الصحية، ان النّسبة المئويّة للأطفال المصابين بالرّبو والامراض المرتبطة بسوء التغذية عالية جداً. كل ذلك حدث بسبب الحرب الامريكية على العراق. ان سوء التغذية بين اطفال العراق اليوم هي اعلى من اسوأ ايام الحصار الاقتصادي كما ذكرت. لا ينبغي أن يأخذ العالم هذا الوضع بمثابة قصّة اخرى حزينة لبعض الأطفال في بلد ناء. على كل ناشطي حقوق الإنسان وكل محبي الحرّيّة والمدافعين عن حقوق الأطفال أن يعملوا معاَ لإبراز هذه القضيّة ودفع حكوماتهم في الغرب لإيقاف الانهيار في صحّة وحياة الأطفال في العراق .ان منظمة اليونسيف غير قادرة على حلّ المشكلة بنفسها لأنّ القضيّة اساسا سياسيّة وليست اقتصاديّة. ما أعنيه أنّ ما يسمّى بالحكومة الجديدة في العراق والتي هي تجمّعاً دينيّاً وعشائرياًّ لميليشيات عسكرية ومجاميع اسلامية تتنازع لنهب موارد العراق هي السبب (وليست العلاج ) لهذا الانتهاك الفض لحق الأطفال في حياة لائقة وانسانية مرفهة . ومن نافلة القول أنّ الحرب بين قطبي الإرهاب في العراق، اي الولايات المتحدة الأمريكيّة والإسلام السّياسيّ مسئولان مباشرة عن هذا الوضع المأساويّ. إنّها السّبب الرّئيسيّ لدمار المجتمع و مؤسّساته المدنيّة ولذلك، فان المعيار الصحي للأطفال يزداد هبوطاً وتردياً. يجب أن يكون الحلّ للمعضلة سياسيّاً إضافة إلى الحل الاقتصاديّ و الاجتماعيّ و ينبغي أن نشارك جميهاً في معارضة الحرب الحاليّة بين المعسكرين المتوحّشين من اجل استعادة الاستقرار وتطبيع الوضع في المجتمع في العراق . واعادة قدرة المجتمع على حماية الطفولة.و بالطّبع ينبغي أن ندفع اليونيسيف ومنظّمات الصّحّة العالمية الأخرى لمساعدة الأطفال ولكنّنا بحاجة الى فعل اكثر من ذلك. ينبغي أن ننضمّ قوّانا معًا، كلّ محبي الانسانية، كلّ الإنسانيّين، كلّ ناشطي تحرير المرأة والمدافعين عن الاطفال، كل العلمانيين والاشتراكيّين، البشريّة اجمعها، تستطيع الاشتراك لطرح بديل اخر، بديل اكثر نجاحاً لأن بامكانه أن يستجلب ارادة الناس والجماهير الواسعة المتمدنة ليس فقط في العراق لكنّ في كلّ انحاء العالم. يمكن أن تعمم جهودنا الرّخاء، والمساواة والسّعادة للبشر، بخلاف قوى الإسلام السّياسيّ والدولة الأمريكيّة وحكومات الغرب. ان طموحاتنا تمثل طموحات كل جماهير العالم.