حول اظطهاد النساء والمتاجرة بهن في كردستان
خيال ابراهيم
khayal71@yahoo.ca
نشرت مقالة في العدد السابق (116) من جريدة نحو الاشتراكية
بعنوان "جرائم اغتصاب الفتيات والنساء في كردستان" . وقد
وردتني على تلك المقالة من بعض القراء تعليقات مختلفة وفيها
ملاحظات وجدت ان من الضروري الاستجابة لها. وفيما يلي تلك
الملاحظات وردودي عليها:
حول منظمات المجتمع المدني:
ورد تعليق يعبر عن اهمية تفعيل استقلالية منظمات المجتمع المدني في
العراق اذا ما اريد تقوية الحركة المناهضة لاستغلال وظلم المرأة
والدفاع عن النساء.
وبرأيي فان هناك منظمات "مستقلة" تدافع عن قضية المرأة ومن اجل
مساواتها على الاقل من الناحية الشكلية ولكن في الواقع فان هذه
المنظمات موجودة على الورق فقط وليس لها اي دور في الواقع. ان كانت
تلك المنظمات موجودة بالفعل وتمارس نشاطها علنيا فانها ستواجه
بالعنف وباشد اشكال القمع والمحاربة شراسة، سيطارد افرادها او
منتسبيها ويتعرضون للتهديد وحتى القتل. ان لدي مثال حي من الماضي
عن منظمة اسمها "يكساني" بكردستان واسمها يعني "المساواة". انشأت
تلك المنظمة في التسعينات من القرن الماضي واسسها مجموعة من
المدافعين والمدافعات عن حقوق ومساواة المرأة والتحرريين من
طلبة وطالبات الجامعات ومولوها بمواردهم الخاصة و بمساندة القوة
اليسارية في المجتمع و الحزب الشيوعي العمالي العراقي ( في حينها )
ولكن تم محاربتها بكل شراسة وتم مطاردة اعضاءها وهددوا بالسجن
والقتل من قبل الاحزاب القومية العشائرية الحاكمة في كردستان. ثم
منعت المنظمة من نشر جريدتها المسماة هي الاخرى "مساواة" واغلقت
قوات امن تلك الاحزاب مقرها عن طريق قوة عسكرية اقتحمته وصادروا
محتوياته مما اظطر قادة تلك المنظمة الى الاختفاء.
ان هذا المثال البسيط يوضح ان ما يسمى تفعيل استقلالية منظمات
المجتمع المدني لا يمكن ان يحدث بظل تسلط مجموعة من الاحزاب
العشائرية والقومية التي تعتمد على القمع والاستبداد والبطش والتي
لا وسيلة لها للحكم سوى عن طريق كم افواه اي قوة تحررية داخل
المجتمع حتى لو تطلب الامر منها ارتكاب الجرائم من اجل اخراس اي
نقد لممارساتهم وللظواهر الاجتماعية وتعميق تلك القوى الحاكمة
لدونية المرأة. لقد كانوا ينظمون بانفسهم قوائم طويلة باسماء
النساء اللواتي يجب قتلهن "غسلا للعار" وامر اقربائهن بارتكاب تلك
الجرائم الوحشية، فكيف يراد منهم ان يتحملوا نقد المنظمات المدنية
"المستقلة "!. ان ذلك ينقل موضوعنا كليا الى ضرورة تحويل النضال من
اجل حقوق المرأة الى نضال سياسي وليس الى نضال "مدني" لغياب اي
معايير مدنية لتلك القوى الحاكمة.
حول طلب توثيق الانتهاكات ضد النساء في كردستان:
طلب احد القراء مني ان اراعي توثيق المعلومات الواردة في المقالة
حول انتهاكات النساء جنسيا في كردستان وبيوت البغاء وبيع الجسد
التي تحميها الاحزاب القومية الكردية والمسؤولين في السلطة بل
ويستخدمونها هم انفسهم.
وابين انه من الصحيح ان توثيق الموضوع وايراد الحقائق والوقائع
بشكل مرجعي يساهم في تقوية المقالة ويسبغ عليها المصداقية، الا ان
السبب الوحيد لعدم ذكري لاسماء الفتيات او المناطق او الاشخاص هو
الدواعي الامنية والحفاظ على امان الاشخاص من بطش وانتقام
المتنفذين والمسؤولين وقواتهم الامنية وعملاءهم. ان من يزود
المعلومات حول هذه الوقائع هم اناس عاديون يعيشون في المجتمع ولكن
الموضوع يتم عن طريق التناقل نتيجة لاجواء القمع السائدة حاليا
والتي يصعب على اي انسان فيها ان يكشف مثل هذه الانتهاكات الفظيعة
التي ينخرط فيها مسؤولون على مستويات عليا. ولمن يريد ان يتأكد من
تلك المعلومات فانصح بزيارة اي محل عام؛ صالون حلاقة نسائي في
كردستان، مصلح سيارات او مقهى، عيادة طبيب، وحتى الدوائر
"الحكومية" التابعة للقوى القومية الكردية (يقوم الموظفون الرجال
بزيارات عمل وهمية جماعية الى مدن اخرى ولكن الواقع انهم يقومون
بزيارات سرية الى بيوت البغاء تحت ستار العمل الوظيفي)، سواء في
مدينة دهوك او السليمانية او اربيل او ضواحيهم، وتبادل الحديث مع
النساء او الرجال هناك فسيتم التعرف على ادق التفاصيل الخاصة
بعمليات الانتهاك واسماء المنازل واماكنها وحتى المسؤولين
المنخرطين في العملية وكيفية حمايتهم للعصابات التي تقوم بتلك
العمليات.
وساورد قصة يتم تواردها بشكل واسع في كردستان وهي اتهام مدير سجن
دهوك السابق بالاعتداء الجنسي على سجيناته بعد اعطاءهم مادة مخدرة.
وبعد اثبات التهمة عليه واثبات تكراره الاعتداء الجنسي على النساء
السجينات وبعضهن باعمار اكثر من ستين سنة طلب معاقبته. ولكن اي
معاقبة ؟ اي انصاف للنساء ؟ بظل هذه الحكومة . ان السجينات لم يكن
متهمات بممارسة البغاء بل بتهم اخرى مختلفة، ومع ذلك قام ذلك الوحش
باغتصابهن بحكم منصبه، وحديث الناس يقول " ما بالك لو كانت
السجينات متهمات ببيع الجسد " ؟!. هذه عينة بسيطة لاوضاع النساء في
كردستان.
ارى ان طلب توثيق الجرائم تلك بشكل مرجعي، وكأنها تحدث في بلد
طبيعي وفيه دولة مدنية، لا يهدف برأيي الى اظهار الحقائق، بقدر ما
هو محاولة لابطال اي اتهام لهذه السلطات العشائرية وللمسؤولين
بضلوعهم في تلك العمليات وحمايتهم للمجرمين ومنتهكي النساء
والمروجين للبغاء واستخدامهم للنساء كسلع جنسية في اقسى ظروف عجز
النساء عن حماية انفسهن مقابل اموال تذهب الى القوادين والقوادات.
التوثيق لن يغير من الواقع الذي يحدث ويعرف الجميع انه يحدث.
ومع ذلك، فان احد المصادر المطبوعة والمنشورة التي بحوزتي هو كتاب
بحثي يوثق بشكل منهجي العديد من الانتهاكات والجرائم في كردستان،
بامكان القراء الاطلاع عليه باللغة الكردية واسمه :" ئوقيانووسيك
له ناوان" ( محيط من الجرائم ) صادر عن منظمة خنزاد الثقافية
الاجتماعية بالاشتراك مع هاوكار انترناشيونال – المانيا – بحث علمي
حول البغاء وتجارة الجنس
Trafficking
في كردستان للكاتبة خندان محمد جزا سرباج. ان ذلك هو احد المصادر
المنشورة حول هذه الجرائم الوحشية.
هل اثارة الموضوع لهدف سياسي؟
غالبا ما توجه التهمة لمن يدافع عن المرأة ويتهم القوى المسببة (
القومية والاسلامية) لانتهاك حقوقها بانه يقوم ذلك لدوافع سياسية
!. ولكن احد اهم اسباب ادامة وتعميق انتهاك حقوق المرأة هو بالظبط
ان ذلك الميدان لم يتحول الى ميدان نضال سياسي. وانا هنا اسأل: هل
ان مسألة اظطهاد المرأة في المجتمع غير سياسية ؟ هل ان المساواة
بين الجنسين مسألة غير سياسية ولا تمس السياسة ؟ هل ان التشريعات
الاسلامية المحقرة للمرأة والممارسات العشائرية البربرية لا يتم
تمريرها من قبل اجهزة سياسية تابعة للحكومة، كالبرلمان وتطبق من
قبل الوزارات والوزراء ؟.
وفوق هذا وذاك، اليس السياسيين الحاليين منخرطون بدعم هذه
الممارسات الاجرامية الحقيرة وفي نفس الوقت يقومون بالترويج داخل
المجتمع لقتل النساء بداعي الشرف و"غسل العار" بانفسهم ؟.
ان مساواة المرأة بالرجل، المساواة الكاملة، دون قيد او شرط، هي
مسألة تقع في صلب السياسة. الموضوع لا علاقة له مطلقا بمحاربة
"جنس" المرأة ل"جنس" الرجل. ان تلك افكار "فمنستية" بالطبع. نحن
نقول المساواة بين المرأة والرجل. المساواة التامة وغير المشروطة.
هناك من يقول ان عمليات بيع النساء والمتاجرة بالجنس وانتهاك حقوق
النساء وقتلهن تشترك فيها نساء. فما معنى ذلك؟ هل يعنون ان الجرائم
التي تحصل ضد المرأة هي جرائم حكر على الرجال ؟
لا يشترك فيها نساء ؟!. وهل يعني وجود نساء في عمليات
الاجرام الممارسة ضد المرأة انه لا يمكن بالتالي توجيه الاتهام الى
الرجولية والممارسات الابوية والعقلية العشائرية التي تجعل من
النساء مطايا جنسية وبغايا لامتاع الرجل وتوابع للرجال؟ هل تنفي
وجود نساء في عملية اظطهاد المرأة مسألة دونية المرأة في المجتمع
؟.
ان الدلالة ( القوادة ) التي باعت ابنتها بعمر 12 سنة في مدينة
الموصل هي امرأة بالطبع. وشاركها زوجها في هذه الجريمة. فهل يعني
ذلك ان النساء هن المتهمات الان ؟ وان علينا ان نلوم النساء لان
هناك نساء يشتركن في جرائم "غسل العار" او ادارة عملية الدعارة
وبيع النساء وانتهاك حقوقهن ؟. انني اطالب بمعاقبة كل من يشارك في
هذه الجريمة، كل سلسلة المجرمين المتاجرين بالنساء والذين يمارسون
الاستغلال ضدهن من امها الدلالة الى ابيها الى الدلالات الاخريات
وصولا الى المسؤولين و"المثقفين" الذين يقومون بشراء الجنس، وهم
على اطلاع كامل على ظروف هؤلاء النسوة المأساوية واوضاعهن الكارثية
والاحتمالات المؤكدة لقتلهن وتصفيتهن، ويدفعون الاموال لقاء هذه
الاعتداءات. ان جميع من يشارك في هذه الجريمة يجب جره للمحاكمة
والعقاب لان المسألة تتعلق بقتل النساء وانتهاك انسانيتهن وتجري في
ظروف اكراه وتحقير معيشي او اجتماعي. ليس لنساء وفتيات كردستان
العاملات في هذا المجال اي قدرة او حقوق على تغيير اوضاعهن او
الدفاع عن انفسهن ازاء هذه الوحوش البشرية التي تدعي التمدن من على
شاشات التلفزيون.
اؤكد ان المسألة لا علاقة لها بالفلسفة "الفمنستية" (التي تقول بان
سبب دونية النساء في المجتمع هو جنس الرجل). انني افضح واحارب
القوى الرجعية في المجتمع والمؤلفة من نساء ورجال واتهمها بانها هي
التي تسبب انحدار موقعية ومكانة وحقوق وانسانية المرأة؛ القوى
الدينية والعشائرية والقوميين، رجال الدين والملالي والعشائريين
وكل من يروج لدونية المرأة. انني ادافع عن حقوق المرأة لتعيش في
مجتمع ارقى واكثر تمدنا وتحيا حياة انسانية لها وللرجل ولكل انسان
في كردستان. ان القوى السياسية السائدة هي القوى التي تسبب
المعاناة والتمييز والجرائم في المجتمع وانها هي التي يجب ان تهاجم
وتنتقد وتكشف انتهاكاتها ضد النساء وليس جنس الرجل وبالمقابل فان
الاعتقاد بان وجود امرأة في عملية ارتكاب الجرائم ضد النساء سيخلي
طرف المسؤولين والحكومة ومرتكبي الاغتصابات الجنسية هو تصور مغرض
يريد خلط الاوراق وتخليص الحكام من المسؤولية.
اذكر مثالا حيا وهو ان العديد من النساء في برلمان كردستان
( البرلمانيات) صادقن على قانون تعدد الزوجات البربري ووافقن على
امراره رغم كونهن نساء. فهل يعني ذلك ان القانون تقدمي وفي صالح
المرأة؟!. ان نفس البرلمانيات سؤلن: هل تقبلن بان يتزوج عليكن
ازواجكن واجبن: "كلا بالطبع لن نسمح بذلك لانفسنا".! انظروا اذن،
انهم يمررون قانونهم الرجعي على ملايين النساء في كردستان ولكن من
يمرر القانون من النساء لا يردن تطبيقه على انفسهن ومع ذلك يطالبون
الناس بالثقة بهم وب "ديمقراطيتهم"!.
ولكن بيع الجسد ظاهرة عالمية !
وقد اعترض احدهم قائلا بان ظاهرة بيع الجسد والبغاء هو ظاهرة
عالمية وهي ليست حكرا على كردستان وانا اتصور قطعا ان صاحب هذا
الرأي بحاجة ماسة الى زيارة العراق وخاصة المناطق التي تحيط بمدينة
السليمانية. ان كان هناك بغاء خارج العراق او حتى داخل العراق في
السابق فان ما سيلاحظه هو ان هذه الظاهرة منتشرة في كردستان بشكلة
ملفت للنظر؛ عشرات البيوت التي تمارس البغاء ويتم انتهاك حقوق مئات
الفتيات فيها وبشكل بعيد جدا عن عيون المجتمع. ولاوضح نقاط
الاختلاف:
اولا: ان للبغاء ولاظطهاد المرأة تأريخ قديم جدا وهو بالطبع ليس
حصيلة للمجتمع الحالي وحتما ليس حكرا على "الاكراد" او اي قومية
دون غيرها كما يحتج القوميون مدعين بسخرية ان الممتهنات بالبغاء
"هن حتما من قوميات اخرى غير قوميتنا"!.
ولكن في نفس الوقت فان النظام الرأسمالي الحالي يستفيد من
البغاء ويديمه سواء في كردستان او العراق او المنطقة او العالم. ان
البغاء وبيع الجسد يتعلق بالتركيبة الاجتماعية التي يديمها النظام
الرأسمالي ويحافظ عليها وبالملكية الخاصة والتي تكون المرأة في
العائلة والمجتمع امتداد لها. الا ان المرأة في الغرب والدول التي
انتصر فيها النضال العلماني نتيجة تأريخ طويل للحركات المساواتية
ومنها الحركات النسوية التحررية والمصاحبة للحركات العمالية
الاشتراكية فان وجود القوانين والتشريعات التي تحمي حقوق النساء
يشكل رادعا لانتهاك حقوق النساء العاملات في مجال بيع الجسد (
البغاء ).
ثانيا: ان البغاء
محرم في دول معينة ولكنه مسموح في دول اخرى. وفي الدول التي يكون
فيها البغاء قانونيا فان بائعة الجسد تعامل كمواطنة لها حقوق كأي
مواطن اخر وهي عاملة كأي عاملة في مهنة اخرى بل ان ضمانات حمايتها
تكون اكبر. ان لبائعة الجسد في اوربا على سبيل المثال بطاقة صحية.
وتحدد اعمارهن بشكل صارم. وتفرض القيود على من يشغل هؤلاء الفتيات
ويتم اخضاعهن لسلطة الدولة ووفق معايير قانونية. لا يمكن انتهاك
حقوق بائعة الجسد ولا انتهاك انسانيتها او الاعتداء عليها او
اهانتها او اجبارها على افعال لا تريدها.
ثالثا: لقد اوضحت في مقالتي السابقة ان النساء في كردستان يظررن
اظطرارا او يدفعن تحت ضغط الظروف الوحشية في كردستان وتحت النفي
الاجتماعي والجوع والاستجداء او اعالة العائلة او الهرب من جحيم
الوضع اللا انساني للمرأة الى العمل في تلك المهنة ومن ثم تجد
نفسها في ورطة اكبر بكثير وانها معرضة للاهانة والضرب والاعتداء
والاغتصاب (حتى من قبل قوات الشرطة نفسها) وفي كثير من الاحيان
ينتهي بها المطاف (وهي تعرف ذلك) الى القتل على يد الاقرباء. انها
تظطر الى الاستجداء في الشوارع او ان تلقى حتفها على يد احد
الحثالة من ادعياء "الشرف " دائمي الزيارة لبيوت البغاء انفسهم.
نعم ان ذلك يجري في كردستان تحت معرفة وحماية بل ومشاركة مسؤولي
السلطة والاحزاب القومية وتشجيعهم. انه جزء لا يتجزأ من خصائص هذه
القوى الرأسمالية في كردستان والعراق عموما وان كون هذه الجرائم
مستترة لا يعني انها غير موجودة بل هي جزء من طبيعة وتركيبة هذه
القوى تماما كما ان اغتصاب النساء والفتيات القاصرات يجري تحت حكم
الاسلاميين ضمن قوانين الاسلام "الشرعية" ولكن البربرية بكل معنى
الكلمة !.
واخيرا اؤكد بان العديد من الانتهاكات والجرائم الوحشية ضد النساء
والفتيات، ترتكب حاليا بشكل مستتر وعلني، ولكن توثيق ذلك الموضوع
في كردستان سوف يؤدي في الوقت الراهن الى تعريض حياة المنخرطين في
هذه العملية الى الخطر. ومع ذلك فان الاصوات التحررية في كردستان
ستزيد من هجومها على هذه الممارسات الوحشية وعلى القوى التي تديم
الظروف والاوضاع اللا انسانية لملايين النساء في العراق والمنطقة.
**********