حكومة الشراكة الوطنية، مشروع قومي مذهبي!
جليل شهباز
منذ ايام ومدينة أربيل تحولت إلى
ورشة سياسية، حيث أنه بمبادرة من مسعود البرزاني توافد ممثلي الكتل الأربعة الكبيرة
الفائزة في الانتخابات إلى أربيل، وفور وصولهم بدأوا بالاجتماعات الثنائية
والجماعية عسى أن يتوصلوا لحل يرضي جميع الأطراف.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:
لماذا جاءت هذه المبادرة في هذا الوقت بالذات، وما الذي يسعى اليه مسعود البرزاني
والقوميين الكرد من وراء هذه المبادرة؟ في الحقيقة لو ألقينا نظرة خاطفة على
الأوضاع السياسية الحالية للعراق والموازنات السياسية التي تكونت على أساس تلك
الأوضاع سوف يتبين في الحال الجواب الواقعي للشق الأول من السؤال!
فكما يعلم الجميع أنه بعد مهزلة الانتخابات الاخيرة في العراق فازت اربع
تكتلات سياسية بغالبية المقاعد البرلمانية ومن ضمن تلك التكتلات كانت هناك كتلتين
اسلاميتين شيعية احداهما تميل الى امريكا والغرب وتستمد قوتها من الوجود الامريكي
في العراق والذي يقودها آل الحكيم والاخرى تميل لإيران وتستمد قوتها وعوامل
استمراريتها من وجود النفوذ الايراني في العراق والذي يقودها المالكي برفقة الصدر
اما الكتلة الاخرى فمحسوبة على السنة وتتألف من بعض القوى والاحزاب السياسية
الدينية السنية وبقايا البعثيين وبعض الشوفينيين العرب من أمثال اسامة النجيفي
والذي يقودها البعثي السابق أياد العلاوي. أما الكتلة الأخيرة فهي كتلة التحالف
الكردستاني الذي يقودها ممثل
وعليه ففي ظل هذه الأوضاع السياسية جاءت مبادرة مسعود البارزاني وذلك لدعوة ممثلي
الكتل البرلمانية الفائزة للالتقاء ببعضهم البعض في أربيل، ومن هنا يمكن توضيح
مسألة، إلى ماذا يهدف مسعود البارزاني والقوميين الكرد هذا اللقاء؟! لقد قلنا فيما
سبق بأن كل محاولات الكتل البرلمانية الفائزة في تشكيل الحكومة والانفراج السياسي
في العراق قد وصلت الى طريق مسدود والصراع بين تلك التكتلات قد بلغ أوجه ولا يوجد
في الافق أي دليل على تحسن الأوضاع لا داخل تلك التكتلات نفسها ولا فيما بينها.
وعلى هذا فان الكتلة البرلمانية الوحيدة التي تتميز بوجود نوع من الانسجام السياسي
فيما بينها، ولكن فقط بخصوص طبيعة العلاقة مع المركز وليس بخصوص الشأن الداخلي
لكردستان، هو كتلة التحالف الكردستاني. وعليه فإن كتلة التحالف الكردستاني تتميز في
ظل الأوضاع السياسية الحالية بموقع تنافسي أفضل من الجميع بخصوص مسألة الصراع على
السلطة في العراق ويستحيل نجاح اي جهد سياسي يسعى الى تشكيل الحكومة من دون اعطاء
دور بارز للتحالف الكردستاني في مثل هذه المساعي، ولذلك فأمر طبيعي أن تقوم هذه
الكتلة باستغلال الفرصة حيث التشرذم السياسي وحدة التناقضات داخل الخارطة السياسية
للعراق. وعلى هذا الأساس فقد وضعت كتلة التحالف الكردستاني لائحة سياسية تتالف من
25 مطلبا" للتفاوض عليها مع بقية الكتل النيابية وأثناء اللقاءات الثنائية بين
التحالف الكردستاني وبقية الكتل خلال الأشهر السبعة المنصرمة مختلف بنود هذه
اللائحة تشكل محور المداولات السياسية فيما بينهم وليس هذا فقط بل، وقد جعلت من
الموافقة المسبقة على تلك اللائحة شرطا" للدخول في التفاوض والتحالفات السياسية
المتعلقة بعملية تشكيل الحكومة والاستمرار في العملية السياسية. وبهذا ونتيجة"
للضغوط الدولية والأقليمية على مختلف القوى والأحزاب السياسية والتكتلات النيابية
وتشابك مصالحهم اضطر اغلب القوى والتكتلات النيابية على الموافقة معظم بنود تلك
اللائحة ولذلك نرى بأنه حتى الشوفينيين العرب وقدماء البعثيين في الكتلة العراقية
قد وافقوا على أغلب بنود تلك الورقة وبذلك أصبح الجو مناسبا" لمبادرة البارزاني
وعندما تم عرضها قوبل بالموافقة من قبل الجميع وتوافدوا على الفور إلى أربيل. ولا
شك في حل نجاح هذه المبادرة فإن القوميين الكرد سيحصلون على المزيد من المكاسب
السياسية التي تساعدهم على تعزيز موقعهم السياسي والاجتماعي داخل المجتمع
الكردستاني وبالتالي سيضمن استمرارهم في السلطة حتى دورة اخرى ومن جهة اخرى سيتعزز
موقعهم ودورهم في السياسة الدولية بخصوص الشأن العراقي ذلك لأن كل المراهنات
السياسية من دون الورقة الكردية ستكون غير مضمونة النتائج.
أما بخصوص مايجري في أربيل فبالاضافة الى الورقة الكردية فإن الشيء الوحيد الذي
يجمع كل ذلك المزيج السياسي الغير متجانس على طاولة المفاوضات هو حكومة الشراكة
الوطنية. الغريب في هذه القضية هو أن هذه القوى والأحزاب الفائزة في الانتخابات
الأخيرة، بدلا" من أن يتحدثوا عن حكومة الشراكة السياسية على أساس الاستحقاقات
الانتخابية، صاروا يتحدثون عن حكومة الشراكة الوطنية وهذا يعني حق المشاركة في
السلطة بموجب النسبة السكانية لكل مكون من مكونات المجتمع العراقي العرقي والمذهبي!
فإذا كان الأمر كذلك !! فما الحكمة من وراء اجراء الانتخابات البرلمانية؟ أهو الضحك
على الذقون، أم ماذا؟! فعندما يتم تحديد رئيس الجمهورية بموجب التوافق ورئيسي
الوزراء والبرلمان كذلك وتوزيع المقاعد الوزارية بنفس الطريقة!! فماذا يبقى من
الديمقراطية والانتخابات النيابية؟!! وعليه فحتى إذا افترضنا نجاح هذه اللقاءات
والاتفاق على تشكيل الحكومة وتمت تسمية الرئاسات الثلاث فإن حكومة كهذه ستكون في
أحسن الأحوال حكومة قومية ومذهبية! ثم كيف ستكون بامكان حكومة كهذه ان تقدم شيئا"
نافعا" لجماهير العراق. والأسوء من كل ذلك ففي حالة كهذه فأنه بوسع أتفه خلاف سياسي
أن يقوض كل شيئ ويزج البلد من أقصاه إلى أقصاه في أتون حرب أهلية يزهق أرواح ألوف
الاشخاص الأبرياء يوميا"، وتجربة الحكم السياسي لسبعة سنوات خلت، بعد سقوط النظام
أثبت ذلك. ولذلك فإن جماهير العراق ليس بحاجة إلى ديمقراطيتكم التوافقية ولا
التعددية بل، بحاجة إلى حكومة إنسانية منتخبة مباشرة" منهم وتجسد إرادتهم وتسعى
لتحقيق أهدافهم وأمانيهم.