إلى ماذا ترمي نادية محمود
من حملتها ضد أتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق ؟!
الجزء الاول
نشرت نادية محمود سلسلة من المقالات تضمنت هجوما حادا على أتحاد المجالس والنقابات
العمالية في العراق ورئيسها فلاح علوان. الا ان
الأمر الغريب الملاحظ على تلك المقالات هو أنها، بدلا" من أن تركز
أهتمامها على أتحاد المجالس ومشاكله الجدية والواقعية وكيفية
إيجاد الحلول العملية
لتجاوزها بغية تعزيز الموقع السياسي والأجتماعي للمجالس داخل الحركة العمالية
والمجتمع في العراق، فانها خصصت أكثر من ثلثي مساحة تلك السلسلة من المقالات لتصب
جام غضبها ونقدها على الرفيق فلاح علوان رئيس أتحاد المجالس وموقفه الناقد لمنظمة
برجوازية شعبوية ليس لها ادنى صلة بالعمال ولا بمصالحهم اسمها مؤتمر حرية العراق.
وقبل الدخول في الكشف عن اهداف نادية محمود، بودي أن أوضح للقارئ وبشكل مختصر
المفهوم الماركسي للعمل النقابي والمهني وعلاقة الحزب الماركسي بالنقابات المهنية
والمنظمات الجماهيرية.
إن العمل المهني والنقابي هو بكل بساطة، ذلك الجهد الإنساني الذي يبذله جمع من
البشر داخل المجتمع على شكل طبقات أو فئات وشرائح، أجتماعية معينة، وفي نفس الوقت
تجمعهم إما مصالح مادية محددة أو روحية وثقافية وحقوقية، مشتركة، والذي يظهر ـ أي
ذلك الجهد ـ على السطح الأجتماعي على
شكل كفاح ومقاومة وسخط وغضب، ضد الأستغلال الوحشي والإذلال الإنساني الذي تمارسه
المؤسسات الأقتصادية والأجتماعية الرأسمالية الخاصة أثناء قيامهم بالعمليات
الإنتاجية، بحق العمال من أجل زيادة أرباحهم، وكذلك ضد الدولة عندما تعود ملكية مثل
تلك المؤسسات الأقتصادية والإنتاجية إليها، وبطبيعة الحال يسعى ذلك الجهد إلى تحقيق
تلك المصالح والحقوق المادية والروحية المشتركة أو على الأقل ضمان تحقيق الحد
الأدنى منها. إذن إن فلسفة وجود النقابات المهنية والمنظمات الجماهيرية ينحصر في
تنظيم وقيادة ذلك الجهد والمقاومة بوجه كل من يستغلهم ويسلب حقوقهم. وكما هو معلوم
كان الظهور التاريخي الأول للنقابات والأتحادات العمالية والمهنية تعتبر شكل
التنظيم العفوي لمقاومة ونضال العمال وعموم الجماهير الكادحة بوجه بقايا قيود
التنظيم الحرفي للإنتاج وبعدها بوجه نظام العمل المأجور الراسمالي وكان أبرز
خاصيتين للعمل النقابي والمهني عند ظهورها التاريخي البدائي هو حصر المقاومة
والنضال في ميدان النضال الأقتصادي فقط، بالإضافة إلى الأستقلالية التامة لتلك
الأتحادات والنقابات وبكل معنى الكلمة، وكانت حقا"، تعبر بشكل واقعي عن نضالهم
الأقتصادي ضد الأستغلال الرأسمالي. ولكن عندما أصبح النضال الأقتصادي للعامل خطراً
على مصالح الراسماليين ويهدد موقعهم الأقتصادي، وعندما أصبح مكاسب العمل النقابي
يؤثر سلباً على المعدل العام لأرباح الراسماليين، بادر الرأسماليين وخدمهم من
الحكومات البرجوازية، وبالطبع برفقة الكثير من الأحزاب والشخصيات السياسية
والنقابية من المتآمرين على الطبقة العاملة الذين باعوا أنفسهم للبرجوازية، ببذل كل
ما في وسعهم للضغط على الحركة النقابية والمهنية لتصبح ذيلا" للأنظمة والسياسات
البرجوازية وبالتالي تحويلها من نقابات مهنية تجسد مصالح العمال ونضالهم الأقتصادي
إلى نقابات صفراء لا تخدم إلا المصالح الضيقة والأنانية لحفنة من الخونة الذين
باعوا ضمائرهم وكرامتهم الإنسانية بثمن بخس لأسيادهم الرأسماليين ليتمكن هؤلاء من
إطالة عمر العبودية المأجورة. وبطبيعة الحال ظهرت على اعقابها، الأرستقراطية
العمالية وصلبت عود الكثير من الأتجاهات السياسية اللآعمالية، داخل الحركات
العمالية كالفوضوية والليبرالية والقومية...وإلخ. وبهذا فإن النضال النقابي والمهني
في تلك المرحلة لم يتجاوز الحدود الأقتصادية التي تضمن للعمال بعض الحقوق المتعلقة
بمعيشتهم وظروف عملهم.
ولكنه عندما ظهرت الأحزاب الماركسية على سطح الأحداث السياسية داخل النظام
الأجتماعي البرجوازي فأنهم وقفوا خلف مختلف النقابات والأتحادات العمالية المستقلة
بكل قوتهم وبذلوا كل ما في وسعهم للحفاظ على أستقلالية تلك النقابات والأتحادات.
وكانت تلك الوقفة ترمي، في الحقيقة، إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية:
1ـ كسر قوقعة النضال الأقتصادي الذي كانت تعتبر الميدان الوحيد لنضال الطبقة
العاملة أثناء بداية الظهور التاريخي للنظام الرأسمالي وأثبتت الأحزاب الماركسية
بأن أقتصار العمال على النضال الأقتصادي فقط، سيطيل العبودية المأجورة إلى أجل غير
مسمى. وبذلك فإن الأحزاب الماركسية إدراكا" منهم لقانون الحركة الأقتصادية للنظام
الرأسمالي وحتمية الزوال التاريخي لذلك النظام قد جرت الطبقة العاملة إلى ميدانين
جديدين للنضال الطبقي وفتحوا الباب أمامهم لخوض النضال في هذين الميدانيين: وهما
ميدان النضال السياسي وميدان النضال الفكري. وبهذا فإن أرتقاء نضال الطبقة العاملة
إلى مستوى النضال في هذين الميدانين أيضا" من شأنه أن تعجل من التحرير النهائي
للطبقة العاملة من نظام العبودية المأجورة.
2ـ بما أن كل نقابة مهنية أو أتحاد مهني وجماهيري لها أهداف محددة وتسعى إلى تحقيق
مطاليب وحقوق معينة، وبما أن تلك الأهداف والمطاليب تخص، طبقة، أو شريحة، أو فئة،
معينة من المجتمع، وإن تحقيق تلك المطالب والأهداف، من خلال تلك النقابات
والأتحادات بأعتبارها وسائل نضالية لبلوغ مبتغاهم، أمر حياتي ملح بالنسبة إليهم.
فإن وقوف الحزب الماركسي خلف نضالهم لتحقيق تلك المطاليب والأهداف تعتبر في غاية
الأهمية. ذلك لأن تحقيق المطاليب والأهداف الخاصة بكل فئة أو شريحة أجتماعية وبدعم
مباشر من الحزب الماركسي سيساعد أولا": على أزدياد شفافية النضال الطبقي داخل
المجتمع؛ وثانيا": سيعجل من عملية الأستقطاب الطبقي داخل المجتمع وبالتالي أنقسام
المجتمع إلى معسكرين رئيسيين أي المعسكر الأشتراكي العمالي والراسمالي البرجوازي،
وبطبيعة الحال، بغية خوض المعركة الطبقية الكبرى والنهائية بين العمل والرأسمال.
3ـ تعتبر النقابات والمنظمات المهنية والجماهيرية بالنسبة إلى الحزب الماركسي
ميدانا" لالتقاط اشد العناصر كرها" للراسمالية داخل تلك الأتحادات والنقابات، ومن
أشدها تحمسا" لخوض النضال ضد الراسمالية، وأكثرها راديكالية" وإخلاصا" للنضال ضد
الرأسمالية وجذبهم للأنتماء إلى الحزب الماركسي. وكذلك تعتبر تلك النقابات
والمنظمات مدرسة لإعداد أجيال جديدة من المناضلين الشيوعيين وتربيتهم بالفكر
الشيوعي الثوري وبالتقاليد والسنن
الشيوعية التي من شأنها أن تساعدهم على تقوية وتوسيع وتجذير النضال الطبقي وكيفية
خوض المعارك الطبقية الصغيرة وفقا" للظرف الأجتماعي والسياسي الراهن على أساس معرفة
دقيقة بتوازن القوى الأجتماعية التي تظمن النصر للعمال في تلك المعارك والتي من
شأنها أن تحقق المزيد من تعبئة القوى الأجتماعية لصالح النضال الطبقي للعامل بغية
توسيع جبهة النضال العمالي لتكملة الاستعدادات اللآزمة والنهائية للخوض في المعركة
الطبقية الكبرى والحاسمة التي تجلب للعمال النصر النهائي والحرية والمساواة.
وبناءاً على تلك المقدمة، نسأل: هل أن أتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق
يعتبر منظمة عمالية مستقلة، وتمثل المصالح العمومية للطبقة العالملة في العراق
وتسعى إلى تحقيق الاهداف والأماني التي يتطلع إليها العمال والكادحين في العراق؟
وهل أن نادية محمود وحزبها قد تعاملا مع الأتحادات العمالية والمنظمات الجماهيرية
عموما" وأتحاد المجالس والنقابات العمالية خصوصا" وفق ذلك المنظور؟ وإذا كان الأمر
كذلك، فلم كل تلك الضجة التي تفتعلها نادية محمود ؟! ماذا تريد أن تحقق في دفاعها
المستميت عن منظمة برجوازية حاولت التحالف مع اقذر القوى المعادية للعمال
وللاشتراكية ؟! إلى ماذا ترمي من ذلك ؟! بأعتقادنا أن الإجابة على تلك الأسئلة سوف
تسلط الضوء على كل تلك الضجة التي إفتعلتها نادية محمود وبالتالي ستكشف النوايا
الحقيقية التي تسعى للوصول اليها.
في العدد القادم سنكشف جانبا من تلك المقاصد والاهداف....
وللموضوع بقية