أيها الســـــادة الرأسماليون
ماذا بعد الســـوق
الحرة؟!
الجزء
الرابع
جليل شهباز
gelilshahbaz@yahoo.com
تحدثنا عن هذه المسالة فيما سبق وأكدنا بأنه من المحال أن يتمكن، النظام الاجتماعي
البرجوازي ونظامه الاقتصادي المتفسخ، التخلص من الأزمات الأقتصادية والسياسية، لا
وبل حتى من الهزات الاجتماعية العنيفة التي من شأنها أن تنسف كل التشكيلة
الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية إذا ما توفر لها الشروط الذاتية والموضوعية
القادرة على إنجاز مثل تلك المهمة التاريخية العظيمة. ولكن بطبيعة الحال من الممكن
أن تتخلص البشرية من شتى أنواع الأزمات إذا ما تخلصت من النظام الاجتماعي البرجوازي
المتعفن. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من الممكن أن تتخلص البشرية من النظام
البرجوازي؟
بكل تأكيد ستتمكن البشرية من إنجاز هذه الخطوة التاريخية العملاقة إذا ما توفرت لها
شرطين أساسيين:
1ـ الشرط الذاتي: ويتمثل هذا الشرط بوجود الحزب الطبقي الذي يتطلع إلى تنظيم وقيادة
النضال الطبقي للعامل نحو دك قلاع الراسمالية بغية هدم نظام العمل المأجور وإلى
الأبد. وعليه إن وجود مثل هذا الشرط، أي الحزب الطبقي للعامل، في ميدان التلاطمات
الاجتماعية أمر لا بد منه ذلك لأن قوة الطبقة العاملة هي في مستوى تنظيمها وتوحدها
وكما هو معلوم إن الحزب الطبقي هو أعلى وأرقى درجات الأتحاد الطبقي وهو في نفس
الوقت الأداة والوسيلة النضالية الوحيدة التي من الممكن أن يستخدمها الطبقة العاملة
في كل معاركها الطبقية ضد النظام الأجتماعي البرجوازي. في حين إن البرجوازية تمتلك
أرقى وأقوى أنواع التكنولوجيا العسكرية المدمرة وكل الأنظمة البرجوازية في العالم
تملك الجيوش النظامية وأجهزة الأمن الاستخبارات وجهاز الدرك المدججين بالالاسلحة
الفتاكة من أخمص القدمين حتى قمة الراس، بالإضافة إلى تجربة طويلة في كيفية التعامل
مع الثورات والتمردات على سلطتهم الطبقية. وبهذا فإن البرجوازية وحكوماتها الرجعية،
وبغية الحفاظ على مصالحهم الطبقية وديمومة تلك المصالح، قد قاموا بتخصيص معظم
الميزانية المالية في بلدانهم للأغراض العسكرية التي من شأنها أن تعزز موقعهم
وسيطرتهم على المجتمع. وعلى هذا الأساس فإذا أرادت الطبقة العاملة وكل البشرية
المظلومة أن تتحرر من التأثيرات الكارثية والماساوية للأزمات الراسمالية ومن
الاستغلال الوحشي الذي يفرضه النظام الرأسمالي على العمال والكادحين وبقية الشغيلة
فما عليهم سوى الألتفاف حول الاحزاب الشيوعية العمالية وأن ترص صفوفهم حول مثل هذه
الاحزاب الماركسية ذلك لأن الحزب الماركسي يسعى دوما" إلى تطوير القدرات النضالية
للطبقة العاملة من خلال نشر الوعي الطبقي بين العمال واستخلاص الدروس من تجاربهم
النضالية السابقة والإشراف على نشاطاتهم السياسية وتوجيهها وفق مصالحهم الطبقية.
وبذلك فإن الحزب السياسي بوصفه إحدى أشكال تنظيم الطبقة العاملة يتميز عن بقية
تنظيماتها السياسية والنقابية
والمهنية، بكونها تأخذا المصالح العمومية لكل الطبقة العاملة بنظر الأعتبار أثناء
تحديد الأستراتيجية والتاكتيك النضاليين للطبقة العاملة، بنظر الأعتبار وليس
المصالح الضيقة لفئة معينة من العمال. كما وأنها لا تعتمد على النضالات المتبعثرة
والمشتتة للعمال هنا وهناك في هذا المعمل أو ذاك أو في هذا الفرع الصناعي أو ذاك
بل، يوحد نضال كل الطبقة العاملة على المستوى الوطني في كل واحد تحت قيادة الحزب
الطبقي.. بقي هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية ينبغي الإشارة إليها ألا وهي أن
الطبقة العاملة عندما تحرر نفسها ستحرر معها جميع البشرية من طغيان رأس المال وعليه
فينبغي أن يلتف كل المناضلين من أجل الحرية والعدل والمساواة حول الحزب الطبقي
للعامل ذلك لأن المصالح المادية للكثير من القوى الأجتماعية تلتلقي مع المصالح
العمومية للطبقة العاملة، حيث يستحيل أن تتحقق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة
إلا في النظام الأشتراكي، ولا نقصد يالمساواة فقط المساواة القانونية كما هي الحال
في الوقت الحاضر في البلدان الغربية، بل نقصد بالمساواة المساواة الأقتصادية
والاجتماعية والسياسية التامة بين الرجل والمرأة. كما وأن طغيان راس المال على
الشغيلة والكادحين يستحيل إزالتها إلا في النظام الاشتراكي وكذلك حقوق الطفل
والشبيبة..إلخ. وهذا هو كنه ذلك الشعار.
وبهذا فعندما يتكامل نضج العامل الذاتي للثورة سيكون الحزب العمالي الطليعي قادرا"
على مواجهة كل التحديات وسيتمكن من جذب كل الطبقات والشرائح التي تعاني من طغيان
وأستغلال النظام الراسمالي إلى القيام بالأعمال الثورية تحت قيادة الحزب الطبقي
للعامل.
2ـ الشرط الموضوعي: يمكن القول بأن العامل الموضوعي للقيام بالثورة متوفرا" عندما
يكون الأوضاع الاجتماعية والسياسية قد توجهتا نحو الوضع الثوري على أثر تناقضات
النظام الراسمالي واستغلاله الوحشي للإنسان من اجل تحقيق الحد الأقصى من القيمة
الزائدة والارباح. إذا" ما هي خصائص الوضع الثوري؟ يكون الأوضاع السياسية
والاجتماعية ملتهبا" وثوريا" عندما يكون كل ضحايا النظام البرجوزي المتوحش من
العمال والكادحين والكسبة وكل الشغيلة والمثقفين الثوريين مستعدين للقيام بالأعمال
الثورية والتمرد ضد النظام الراسمالي، ويكون الوضع ثوريا" عندما يكون الحكومات
البرجوازية الرجعية عاجزة من معالجة أزماتهم السياسية مهما قاموا بتغيير الحقائب
الوزارية ومهما قاموا بتغيير الشكل السياسي لحكوماتهم، وكذلك سيكون الوضع ثوريا"
أذا ما عجزت الأنظمة البرجوازية من حل تناقضات نظامهم الاجتماعي والسياسي
والاقتصاديي وكل مشاكلهم الأقتصادية والسياسية بالأساليب التقليدية. هناك نقطة أخرى
نرى ضروريا" ذكرها، ألا وهو عندما يكون الحزب الطبقي للعامل موجودا" في خضم الأوضاع
السياسية والاجتماعية أثناء فترات الركود السياسي فمن الممكن أن يكون عنصرا" مهما"
في تعجيل تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية نحو الوضع الثوري، ذلك لأن الحزب
الماركسي أثناء فترات الركود السياسي وتقوية الرجعية السياسية داخل المجتمع تقوم
بمهمة سياسية أساسية تتمثل بتجميع القوى الأجتماعية وتحضيرها للقيام بالثورة من
خلال تنظيم تلك القوى في الحزب السياسي ورفع مستوى وعيها السياسي حتى مستوى تؤهلها
من إدراك رسالتها التاريخية المتمثلة بإلغاء نظام العمل المأجور وإلغاء الملكية
الخاصة لوسائل الإنتاج وكذلك نشر التقاليد السياسية الثورية بين صفوفهم مثل
الانضباط الحزبي الحديدي وأساليب العمل الجماعي وروح التضحية والتعاون و..إلخ من
التقاليد السياسية والاجتماعية
الثورية.
وبتوفر هذين العنصرين في الزمان والمكان المحددتين وبتفاعلهما السياسي والاجتماعي
في لحظة معينة ستهب الطبقات الثورية
داخل المجتمع بقيادة الحزب الماركسي لمقارعة قلاع النظام الاجتماعي البرجوازي
والانقضاض عليها بغية هدمها ومن ثم أنتزاع السلطة السياسية منها وإقامة حكومة
المجالس والنظام الأشتراكي على أنقاضها أسوة" بما حدث في ثورة اكتوبر الأشتراكية
العظمى وعندها ستنتقل السلطة السياسية بشكل مباشر إلى الجماهير من خلال الممثلين
والمندوبين الذين يقومون هم بأختيارهم ويكون بمقدورهم هم عزلهم وأستبدالهم بغيرهم
ولأول مرة سوف لن يكون المناصب السياسية في الدولة مغرية
كي يسعى إليها الأنتهازيين والوصوليين ذلك لأن مستوى رواتبهم وأمتيازاتهم
سوف لن يكون أكثر من المعدل العام للأجور السائدة داخل المجتمع. كما وإن حكومة
المجالس سوف تمنح حرية العمل السياسي والفكري والتنظيمي دون قيد أو شرط لكل القوى
السياسية والاجتماعية التي لا تسعى إلى أنتزاع السلطة السياسية من العمال بقوة
السلاح. في حين إن النظام الاشتراكي سوف يضح حدا" نهائيا" لكل الأستغلال والبؤس
والمأساة التي تلحق بالإنسان على أثر نظام العمل المأجور والملكية الخاصة لوسائل
الإنتاج. حيث أن النظام الأشتراكي للإنتاج يقوم على اساس التخطيط المركزي للإنتاج
وعلى اثرها سوف لن يبقى أية فرصة لفوضى الإنتاج التي تؤثر على تقلبات العرض والطلب
في الاسواق المحلية والعالمية وهذا يعني أن حجم الإنتاج وأستثمار الأموال مرهونتان
بالحاجات الاجتماعية. كما وأن الرقابة الشعبية على الإنتاج ستحل محل اليد الخفية
التي تنظم عمليات الإنتاج وتسيطر على الأسواق في النظام الرأسمالي وهذا من شأنه أن
يضمن بقاء النشاط الاقتصادي للمجتمع في إطار الحاجات الأجتماعية وتجدد وتطور تلك
الحاجات وهذا ما يؤدي إلى مزيد من التقدم الأجتماعي والاقتصادي وسيكون توزيع
الثروات داخل المجتمع في المرحلة الأولى من الاشتراكية وفق الشعار التالي ( من كل
حسب طاقته ولكل حسب عمله ) وإن التحقيق العملي لهذا الشعار سوف يضع حدا" نهائيا"
للبطالة والتضخم النقدي والأقتصادي. وعلى الصعيد الثقافي سوف تحل الثقافة الإنسانية
محل ثقافة الحقد والأغتراب والحروب والتمييز العرقي والديني. وفيما عدا كل ذلك هناك
الكثير والكثير من المزايا الأقتصادية والسياسية والأجتماعية والثقافية للنظام
الأشتراكي، للأسف لا مجال هنا لذكرها، ولكنني أردت من وراء سرد كل تلك المزايا
التوصل إلى أن الأشتراكية هي التي تناسب وتليق بالطبيعة الإنسانية وليست الأنظمة
الطبقية.