زيارة احمدي نجاد
ادامة لنفوذ قطبي الارهاب في العراق
جليل شهبــــــــاز
gelilshahbaz@yahoo.com
احدث استيلاء الاسلاميين على السلطة في ايران في العام 1979 اثراً كبيراً على السياسة الدولية عموما وعلى منطقة الشرق الاوسط على وجه الخصوص. فمن الطبيعي لدولة بمثل حجم ايران وبالامكانيات التي تملكها ان يؤدي التغيير السياسي في نظامها الى تغييرات في السياسة الخارجية والدولية والاقليمية. لقد دخلت الحكومة الاسلامية الايرانية اثر ذلك بحرب مع العراق دامت قرابة 8 سنوات وتمكنت خلالها من تعزيز الركائز السياسية والاجتماعية للاسلام السياسي الحاكم. لقد اصبح لايران دورا فاعلا في عموم المنطقة. فنظامها الاسلامي القائم على الطائفية والمذهبية أصبحت تعبر تطلعات الحركة المذهبية التي ينتمي إليها جزءا من الجماهير القاطنة في دول المنطقة على أثر الإفلاس السياسي التي أصاب التيار القومي في عموم المنطقة وإكتسبت أيضا" موالاتها لنظام الجمهورية الاسلامية لان ذلك النظام يصنفهم على انهم "شيعة" كما في العراق ولبنان وسوريا واجزاء من تركيا وافغانستان والباكستان والخليج. كما انه سعى الى بناء امتدادات ميليشياتية واسلامية شيعية داخل تلك الدول، والتي تعتبر فعليا" جزءاً من النظام الاسلامي الحاكم في ايران.
وبحكم الطبيعة الايديولوجية الاسلامية وتوجهاته السياسية الديماغوجية القائمة على محاربة "الشيطان الاكبر" وال"الاستكبار العالمي" من جهة، وعلى الشريعة الاسلامية القائمة على ممارسة الاستبداد والقمع الواسع ضد النساء و التحرريين والمساواتيين والشيوعيين من جهة اخرى، فان النظام الاسلامي في ايران قد وضع نفسه بتضاد كامل مع المشروع السياسي الامريكي في المنطقة. ولهذا السبب وبعد وصول الادارة الحالية والمحافظين الجدد الى السلطة في امريكا اثر سقوط الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، نرى بان جورج بوش قد وضع الجمهورية الاسلامية في خانة دول (محور الشر) باعتبار ان هذا النظام هو العائق الاساسي لتنفيذ وتحقيق المخطط السياسي الامريكي الهادف الى اقامة " الشرق الاوسط الكبير". لقد برز صراع الجمهورية الاسلامية باعتبارها احد اكبر واهم اقطاب ارهاب الاسلام السياسي في العالم مع قطب ارهاب دولة امريكا وسياساتها العسكريتارية وتجسد ذلك بقوة في المعادلات السياسية العالمية بعد انتهاء الحرب الباردة وهيمنة امريكا الاحادي على العالم.
قد يقال بان زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق تمثل تتويجا لتطبيع العلاقات بين العراق وايران اليوم وخاصة ان كلا من البلدين قد خاضا حربا ضد الاخرى، او يقال بان المحادثات بين جلال الطالباني واحمدي نجاد فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين وغيرها من العبارات الدبلوماسية العديمة المعنى، الا ان تلك تبغي الاخفاء التام للمغزى الحقيقي للاسباب الحقيقية لهذه الزيارة.
ولذلك فإن زيارة احمدي نجاد الى بغداد تأتي اثر النجاح النسبي للحملة الامنية العسكرية الامريكية – العراقية ضد الميليشيات الاسلامية المعادية لامريكا في العراق والتي تمكنت ( ولو مؤقتا على ما يبدو ) من تحقيق حد معين من الهدوء الامني، وعلى وجه الخصوص تنفيذ خطة أمن بغداد المستمرة منذ سنة تقريبا. ان تلك الخطة الامنية قد غيرت الى حد ما من مجرى الاوضاع السياسية في العراق. فالمعروف ان الحملة التي شنتها القوات الامريكية بالاشتراك مع القوات الحكومية وميليشيات "الصحوة" كانت تحديدا موجهة ضد الميليشيات السنية المقاتلة لامريكا ومن ضمنها تنظيمات القاعدة وفلول البعث. بالاضافة الى ذلك فان الحملة العسكرية الحالية للجيش الامريكي في العراق، لا تكتفي بذلك بل، تهدف ايضا الى تحجيم دور الميليشيات الاسلامية الشيعية المقاتلة لامريكا والتابعة لايران وتحديدا ميليشيات مقتدى الصدر وغيرها. على هذا الاساس فانه يبدو ان تلك الزيارة تصب في هذا المجرى أي مجرى ادامة وجود تلك الميليشيات وتقوية مواقعها التي تضمن النفوذ الإيراني في العراق. ان زيارة نجاد الى العراق وقبله زيارة بوش الى بغداد تدل على ان كلا قطبي الارهاب هذين يجهدان في البحث عن السياسات اللازمة لتقوية مواقعهما السياسية في المرحلة القادمة من الصراعات بين الميليشيات والقوى والمجاميع الاسلامية والقومية و المحتدمة العميلة لكل منهما في العراق.
لقد صرح احمدي نجاد بانه يبدي اهتمامه بوجود عراق قوي ومقتدر كضرورته ملحة للمنطقة. هذا التصريح المنافق وأنه بطبيعة الحال يقصد ان يكون متناغما من الناحية السياسية مع التوجهات السياسية العامة للجمهورية الاسلامية في المنطقة. فمن الطبيعي ان ينادي احمدي نجاد بالوحدة العراقية ولكن بشرط ان يكون هذا العراق مواليا لايران. فاذا لم يكن العراق متناغما ومواليا لسياسة الجمهورية الاسلامية في المنطقة ولم يصبح مصدر قوة لتعزيز موقعها التنافسي في الصراع مع التكتلات السياسية والعسكرية العالمية لامريكا فان كونه مقتدراً وقوياً وغيرها من الترهات، سوف لن يكون له أي معنى او ضرورة بالنسبة للجمهورية الاسلامية فحسب، بل سيكون ضاراً بمصالح الجمهورية الاسلامية الايرانية.
ومن جهة مقابلة طالب جورج بوش "العراقيين" ان ينتهزوا فرصة زيارة رئيس النظام الاسلامي الحاكم في ايران الى العراق للطلب من حكومة طهران بوقف تسليح الميليشيات في العراق والسماح للتطور الديمقراطي في العراق!!. وطبيعا والحال هذه ان يطالب جورج بوش اثر محاولته المستميتة لاحراز نجاح في العراق بتحجيم او ترويض الميليشيات والاحزاب الاسلامية المعادية لامريكا والموالية لايران والتي يؤدي وجودها وتسلحها وصراعها المستمر مع الجيش الامريكي الى عرقلة احراز امريكا للنصر. جورج بوش والحكومة الامريكية ينطلقان من ذلك في ندائهما "للعراقيين" بعدم دعم الميليشيات والمنظمات الاسلامية الموالية لايران لكي يتم تسهيل تنفيذ المخطط والاستراتيجية الامريكيتين داخل العراق. ولذلك فلاعلاقة للامر بتحقيق الامان للمجتمع في العراق وابعاد او تهميش قوى الاسلام السياسي الرجعية عن الجماهير في العراق ووضع شروط مجتمع آمن، طبيعي او علماني.
ومن الطبيعي، ايضا، ان يجد رئيس النظام الاسلامي الحاكم في ايران من كلام جورج بوش امراً مثيراً للضحك. فقد عبر احمدي نجاد عن ذلك بقوله " من المضحك ان يتهمنا بمن له 160 الف جندي بالتدخل في شؤون هذا البلد".!! ان قول كلا زعيمي قطبي الارهاب العالميين هؤلاء، أي جورج بوش، بخصوص عدم تدخل ايران في شؤون العراق، من جهة، وتصريحات زعيم قطب الاسلام السياسي، من جهة اخرى، تؤكد طروحاتنا السياسية. ان احمدي نجاد يرى بان وجود 160 الف جندي امريكي مؤشراً للسماح لدولته ونظامها الاسلامي التدخل في العراق وان يمارس ما هو مناسب من سياسات تخدم تعزيز موقع الجمهورية الاسلامية التنافسي في صراعها مع قطب دولة امريكا، داخل وخارج العراق.
ان مرأى احمدي نجاد – كزعيم لاكبر الانظمة الاسلامية وحشية ومعاداة للانسان وللحرية والمساواة يزور العراق هو منظر مقزز لجماهير العراق ويسوء كل تحررييه ومساواتييه واشتراكييه ونساءه. ان كلا من قطب ارهاب الدولة الامريكية وحجم التواجد العسكري والسياسي الامريكي في العراق من جانب ، وحجم تدخل قطب ارهاب الاسلام السياسي الرسمي ممثلا بالنظام الاسلامي الايراني في الاوضاع السياسية العراقية، من جانب اخر، يوضح بجلاء ان كلا الطرفين لا يخدمان ابداً مصالح جماهير العراق او الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والمحرومة في العراق. كلا الطرفان يسعيان الى تحقيق اهدافهما الرجعية التي تخص موقعهما السياسي في المنطقة وعلى الصعيد العالمي. ان القوى السياسية الوحيدة التي تعمل لصالح جماهير العراق والتي تمثل ارادة الجماهير التحررية والعلمانية والانسانية تتمثل بقوى اليسار والعلمانية وكل القوى المدافعة عن الحرية والمساواة والاشتراكية وفي طليعتها الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي. ادعو بقوة الى توحيد صفوف هذه القوى بمواجهة قطبي الارهاب الرجعيين في العراق: قطب ارهاب دولة امريكا وحلفاءها، من جهة، وقطب ارهاب الاسلام السياسي وحلفاءها، من جهة ثانية.
اذا تمكنت القوى الاشتراكية والعلمانية والعمالية والانسانية في العراق التي تنادي بالحرية والمساواة من تقوية موقعها الاجتماعي والسياسي، فانها ستتمكن من صد ودحر كلا قطبي الارهاب و استقطاب الجماهير الى جانبها وتوفير شروط مجتمع آمن ومرفه وعلماني. ذلك يشترط ازاحة قطبي الارهاب واحلال بديل الانسانية وقوى التحرر والمساواة والعلمانية. يناضل حزبنا من اجل طرد قطبي الارهاب اللتان يتزعهمها كلا من احمدي نجاد وجورج بوش ، وازاحتهما من مجتمع العراق.