مقابلة مع جليل شهباز عضو المكتب السياسي
ما قامت به اسرائيل جريمة بشعة
نحو الاشتراكية:
قام الجيش الاسرائيلي بهجوم وحشي على قافلة المساعدات الانسانية
وقد اصدر الحزب بيانا حول ذلك الهجوم. هل لك ان تشرح سبب استنكار
هذا الهجوم؟ اسرائيل تقول ان الناشطين على متن السفينة التركية قد
اعتدوا بالضرب على الجنود الاسرائيليين وتوضح الصور ايضا ذلك. كيف
تجيب على هذا الادعاء ؟
جليل شهباز:
إن ما قام به الجيش الأسرائيلي ضد اسطول الحرية يعتبر جريمة بشعة
مهما كانت الأسباب والتداعيات المتعلقة بذلك. لأنه كان بإمكن
الحكومة الاسرائيلية أن تعالج الأمر بغير طريقة العنف. أما وقد
أستخدم العنف فإن الحكومة الاسرائيلية ترمي من وراء ذلك إلى توجيه
رسالة إلى العالم أجمع لتؤكد فيها بأنه لا يجوز لأحد أن يعمل على
عكس الإرادة الاسرايلية فيما يخص الشأن الداخلي الاسرائيلي
والقرارات التي
تصدرها الحكومة بنفس الخصوص، هذا من جهة، ومن الجهة الاخرى ، فإن
الحكومة الاسرائيلية هي حكومة عنصرية وفاشية، وعلى هذا الاساس فأمر
طبيعي أن تتصرف حكومة فاشية وعنصرية في مثل هذه الحالات بسلوك وحشي
ولا إنساني مع كل ما لا يتفق مع مصالحها العليا وأهدافها
اللاإنسانية.
إننا في الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي عندما نستنكر كل
فعل لا إنساني يصدر ضد كائن من كان، فإننا لا نحدد مواقفنا في مثل
هذه الحالات على أساس تشخيص المعتدي أو من الذي بادر إلى الاعتداء،
بل أن مواقفنا يتم تحديده على أساس تشخيص مضمون الحالة أو الموقف
القائم وعندها يمكننا أن نحدد من هو الظالم ومن هو المظلوم. وفيما
يخص اسطول الحرية، فإننا نرى من حق العالم أن يساعد ويتضامن مع
الفسطينيين في محنتهم بمدينة غزة. وليس من حق أحد أن يفرض الجوع
والحرمان من الدواء والغذاء وبقية الخدمات الإنسانية على الإنسان
بسبب المواقف السياسية. أما بقية التداعيات والافرازات فهي حصيلة
لهذه الحالة، وبناء" على ذلك فمهما كانت الحالة بالنسبة لاسطول
الحرية فاسرائيل هي المعتدية وهي الظالمة.
نحو الاشتراكية:
مدينة غزة محاصرة اقتصاديا منذ مدة طويلة والجماهير الفلسطينية
هناك تعيش في ظروف كارثية . دولة اسرائيل تقول ان الحصار ضروري وان
من يطالبوا برفعه "منافقين". كيف تنظرون الى سياسة الحصار
الاقتصادي من اجل تنفيذ اهداف سياسية او عزل انظمة كما حصل مع
الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق لمدة 13 سنة وادى الى قتل
وتجويع الملايين ؟
جليل شهباز:
في الحقيقة إن سياسة الحصار الاقتصادي التي تفرض على الإنسان بسبب
المواقف السياسية والخلافات العقائدية، تحت ذريعة ترويض الأنظمة
ومعاقبتها، تعتبر من أقسى انواع العقوبات التي عرفها المجتمع
الإنساني على امتداد كل التاريخ الإنساني، ذلك لأن سياسة الحصار
الاقتصادي لا يؤدي إلى حرمان الإنسان من المأكل والملبس والدواء
فقط ، بل يؤدي ايضا" إلى تدمير الإنسان وتفكيك النسيج الاجتماعي
للجماهير وتجريد الإنسان من إنسانيته ودفع المجتمع نحو أشد أشكال
العادات والتقاليد تخلفا"، والنتيجة سيصبح الإنسان في ظل سياسة
الحصار الاقتصادي، مسلوب الإرادة ومهيأ نفسيا" للخضوع تحت وطأة
أكثر السياسات وحشية" وهذا ما يسعى أليه منفذي الحصار الاقتصادي.
وهذا ما جرى في العراق على امتداد 13 سنة من الحصار الامريكي
الغربي على جماهير العراق.. وما يجري الآن في غزة هي صورة مصغرة
لما كان يجري في العراق، حيث أن منظمة إرهابية تتحكم باسم الدين،
حتى بأدق مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية في مدينة غزة ناهيك عن
الحرمان من الحقوق والحريات والخدمات الإنسانية، وفي الجانب الاخر
هناك وحش كاسر يقوم بذريعة، الدفاع عن الأمن الوطني وصد العمليات
الإرهابية، بمعاقبة جماهير غزة الأبرياء من خلال سياسة الحصار
الاقتصادية بمباركة أمريكية غربية وصمت دولي. ولذلك فإن هذه
السياسة اللاإنسانية القذرة عندما تجابه الرفض والأعترض فإن
من ينفذونها لا بد ان يبحثوا عن ذرائع وحجج مثل
الانصياع للشرعية الدولية، تنفيذ قرارت مجلس الأمن ...إلخ
من الحجج الواهية، كي يبرروا بها الاستمرار بتنفيذ تلك السياسة
البربرية، وهذا ما تفعله اسرائيل للاستمرار في فرض الحصار
الاقتصادي على غزة.
نحو الاشتراكية:
احتجت تركيا على لسان رئيس وزراءها اردوغان وصار يهدد اسرائيل بشكل
استعراضي ومن جهة اخرى وجدت الجمهورية الاسلامية في الاعتداء فرصة
لاعادة شعاراتها حول اليهود والمؤامرة " الصهيونية"..الخ. كيف تنظر
الى تصريحات اردوغان والاسلام السياسي وكيف تفسرها في ضوء الوضع
الحالي ونقصد افلاس القوى الاسلامية وتشبثها بالصراع مع اسرائيل
(ولو اعلاميا) من اجل ادامة وجودها؟ كيف تنظر الى الموضوع؟
جليل شهباز:
فيما يخص الدور التركي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، في الحقيقة
إن الحكومة التركية تلعب دورا" خبيثا" للغاية في هذا الصراع. فكما
يعلم الجميع كانت تركيا أثناء الحرب الباردة تتمتع بأهمية
استثنائية بالنسبة للقطب الغربي وكانت تركيا نتيجة لذلك تحصل على
الكثير من المنافع الاقتصادية والمنح والمساعدات المالية. ومع
انتهاء الحرب الباردة توقفت تلك المنح والمساعدات وعلى اثرها تعرضت
تركيا للكثير من الأزمات الاقتصادية والسياسية الخانقة واستمرت تلك
الأزمات حتى مجيء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة فتمكنت من
احتواء تلك الازمات بفضل بعض الاصلاحات الاقتصادية والسياسية. وهذه
الحكومة ذات النزعة الاسلامية والقومية الليبرالية بعد أن فشلت في
الانضمام إلى الاتحاد الأوربي تسعى الآن لتلعب الدور الرئيسي في
الشرق الأوسط عموما" والمنطقة العربية خصوصا" وذلك لتعزيز موقعها
التنافسي على اسواق المنطقة، فكان أفضل سبيل لتمرير مثل هذه
السياسة هو الصراع الفسطيني الاسرائيلي سيما أن القوميين العرب قد
تخلوا تقريبا" عن القضية الفلسطينية وفقدت خاصيتها كقوة رئيسية
امام امريكا والغرب. وعليه فبعد أن تمكن القوميون العرب في
خمسينيات القرن الماضي من جعل، الصراع الفسطيني الاسرائيلي،
والصراع الاسرائيلي العربي، القضية المركزية للعالم العربي
والإسلامي، فعلى أعقاب ذلك كان كل من يلعب الدور الرئيسي في هذا
الصراع يصبح اللاعب الأساسي في الصراعات السياسية الاقليمية
والدولية المرتبطة بالشرق الأوسط. وأعتقد أن القضية الفلسطينية لا
زالت تمثل القضية الاساسية للشرق الأوسط ، فعلى الرغم من إفلاس
الإسلام السياسي وتعرض القوى الإسلامية لضربات قاسية، فإن القضية
الفلسطينية لا زالت تعتبر أهم عنصر في تأجيج مشاعر المسلمين
وبالتالي تهيئة الأجواء لاعداد وتعبئة القوى. وهذا ما تفعله تركيا
بالضبط. وكذلك فإن دخول إيران على الخط هي لنفس الغاية ايضا".
نحو الاشتراكية:
القضية الفلسطينية والاسلام السياسي مرتبطان. هل تعتقد ان حل
الدولتين المتساويتي الحقوق بامكانه التحقق بوجود قطب كالاسلام
السياسي؟ مادور تيار القوميين العرب في الضفة الغربية ؟ وهل ان
المشكلة تكمن هنا فقط (لجانب الفلسطيني) ام في الجهة الاسرائيلية
ايضا. ان كان الطرفان عاجزين عن الحل فكيف يمكن برأيك الوصول الى
حل الدولتين وما دور الجماهير وقواها اليسارية والشيوعية
والاشتراكية ؟
جليل شهباز:
بأعتقادي أن حل الدولتين غير ممكن لا مع وجود الإسلام السياسي ولا
بغير وجوده، وفيما إذا كانت القضية الفسطينية مرتبطة بها أم لا!
ذلك لأن حل الدولتين هو حل إنساني وسينهي إلى الأبد هذه القضية أي
أن هذأ الملف سيغلق نهائيا" ولكن السؤال هنا هو لمن مصلحة في عدم
تحقيق حل الدولتين؟ ربما يكون هناك رغبة لدى الطرفين، أو لدى إحدى
الطرفين، في تحقيق حل الدولتين. ولكن السياسة الواقعية تتعارض مع
الرغبات والإرادة في معظم الأحوال. ففي ظل الأوضاع الحالية فإن حل
الدولتين في أسرائيل يتعارض مع تربع حكومة يمينية عنجهية ومتطرفة
ذات أهداف توسعية على سدة السلطة لأن حكومة كهذه تهدف إلى المزيد
من النفوذ والهيمنة. ومن الجانب الآخر تتعارض أيضا" مع حالة
الانقسام الفلسطيني أي أن انقسام جماهير فلسطين بين سلطتين أحدهما
إسلامي متطرف في الغزة والاخر قومي في الضفة الغربية، ما أريد قوله
هو أن تشكيل دولة فلسطينية في ظل مثل هذه الحالة من الانقسام أمر
مستحيل ذلك لأن الأول لا يرضى إلا بطرد الاسرائيليين وقذفهم في
البحر والاخر مستعد حتى لبيع جماهير فلسطين مقابل الحصول على أتفه
الامتيازات السياسية.. ولذلك فإن القوميين العرب في الضفة الغربية
مستعدين للدخول في أحقر
المساومات ولجميع التنازلات مقابل الحصول على اي مكسب كان،
حيث أن مثل هذه السياسية تعتبر من
أبرز خصائصهم الطبقية ولذلك فإن المسألة لا تتعلق لا
بالإرادة ولا بالرغبات.
بأعتقادي إن إلقاء مسؤولية عدم تحقيق حل الدولتين على هذا الطرف
أوذاك هو تصور ميكانيكي وبعيد عن التحليل الماركسي لمعرفة كل حالة
مشخصة على حدة حيث أن تحليل هذه الحالة المشخصة، أي حل الدولتين،
من حيث علاقاتها الداخلية والخارجية وتشخيص محركها الرئيسي والقوى
المؤثرة فيها هي التي تعطينا الصورة الواقعية لعدم تحقيق حل
الدولتين وليس غيره.. أما بالنسبة للدور الجماهيري المستقل ودور
القوى اليسارية والشيوعية والاشتراكية بالنسبة لحل الدولتين، أقول
بكل اسف أنه ضعيف إلى ابعد الحدود واستطيع ان اقول بأنه دور غير
ملحوظ ذلك لأن المجتمع الفلسطيني قد انقسم في ظل الأوضاع الحالية
بين القوميين والإسلاميين وعلى هذا الاساس قلت فيما سبق بأن حل
الدولتين امر غير ممكن عندما تكون الإرادة الحرة والمستقلة
للجماهير والدور الفعال للقوى اليسارية والشيوعية غائبتين في ميدان
الصراع على مسألة حل الدولتين.
نحو الاشتراكية: جليل شهباز نشكرك على اللقاء.
********