دراسات في الأقتصاد السياسي الماركسي
تتمة لبحث تحديد يوم العمل
ففي المرحلة الأولى تمت إطالة يوم العمل، عندما كان اسلوب
الانتاج الرأسمالي لا يزال في مرحلة النشوء، فعمدت الدولة على إطالة يوم العمل
عن طريق القانون، ونصت على مدة تواصله.
فكما هو معلون إن اسلوب الانتاج الرأسمالي قد ولد من
أحشاء النظام الاجتماعي الاقطاعي. وهو في البداية لم يغير شيئا" من عملية
العمل. حيث أن كل ما فعله هو استخدام تكنيك الحرفة القديمة القائمة على العمل
اليدوي. وفي هذه المرحلة لم يظهر بعد اسلوب الانتاج الرأسمالي بالمعنى التاريخي
للكلمة، لأن الرأسمالية تطورت عند بدأ ظهورها، على أساس التكنيك الحرفي. ذلك
التكنيك البدائي الذي لم يكن يسمح في زيادة صنع المنتجات من غير إطالة يوم
العمل. في حين لم يتمكن الفلاحين والحرفيين الذين حرروا بالقوة من وسائل
انتاجهم أن يتحدوا دفعة واحدة مع انضباط العمل الرأسمالي لهذا
«
كانت إطالة يوم العمل هي
الوسيلة الأساسية لزيادة استثمار الرأسماليين. للعمال، والسمة المميزة لتلك
المرحلة. كانت السلطات الملكية الانكليزية، منذ المنتصف الثاني من القرن الرابع
عشر، وحتى المنتصف الثاني للقرن الثامن عشر، تصدر القوانين المطيلة ليوم العمل،
وتفرض الانضباط الرأسمالي للعمل، وعلى هذا المنوال سارت الأمور في البلدان
الاخرى 1 ، إلا أن أطول إطالة
لمدة العمل حدثت مع نمو الصناعة الآلية الكبيرة، حيث كان كل رأسمالي يعمد، مع
إدخال التكنيك الآلي في العمليات الإنتاجية، إلى إطالة يوم العمل خارقا" بذلك
كل الحدود المعنوية والفيزيكية للعمل.
وبذلك فإن الرأسمالي، من حيث تعطشه الذي لا يرتوي
أبدا"، إلى القيمة الزائدة، يستخدم فضلا" عن إطالة يوم العمل المباشر، وسائل
أخرى أيضا"، لينال قيمة زائدة أعظم. حيث إن أصحاب العمل كانوا ينهبون العمال
بوضوح فقاموا بتقصير الفترة المخصصة للوجبات الغذلئية أثناء عملية الانتاج، كما
وأجبروا العمال على البدء بالعمل قبل أوانه وعلى إنهائه بعد مدته المقررة، وذلك
بغية إعداد الآلات والأدوات والمواد، لعملية الانتاج في أوقات اضافية.حتى لا
تكلفهم شيئا" وكان كل رأسمالي يحاول استخدام وسائل انتاجه باستمرار ودون توقف،
ذلك لأن هذه الوسائل تقوم بوظيفة امتصاص العمل الحي باعتباره رأسمالا"، لأنه
بعكس ذلك سيكون الراسمالي مجبرا" على تحمل بعض الخسائر بشكل مباشر، وهذا ما
يدفعه إلى تبني نظام الشفتات أو التناوب على العمل الليلي. وكان هذا العمل في
الليل يؤثر تأثيرا" كبيرا" على صحة العمال.
يتجه الرأسمالي إلى استثمار قدرة العامل على العمل في كل
ساعة ممكنة، لا وبل في كل دقيقة ممكنة، كما ويميل إلى إطالة يوم العمل بمختلف
الذرائع. وكما هو معلوم فأن استغلال الطبقة العاملة بشكل مفرط وإطالة يوم العمل
إلى ما فوق حدوده الطبيعية يؤدي إلى هدم قوة العمل إلى حد كبير وبطبيعة الحال
يزداد على أثر ذلك معدل الوفيات بين العمال، وبالإضافة إلى ذلك يؤدي أيضا" إلى
قصر معدلات أعمارهم.
أما مرحلة تقليص يوم العمل بالقانون. فقد بدأت مع تزايد
الطبقة العاملة من حيث الكم، وتشكلها كطبقة اجتماعية، وتزايد وعيها الطبقي،
الذي أدت بدورها إلى اشتداد مقاومة العمال وازديادها أكثر فأكثر من أجل تقليص
يوم العمل بشكل قانوني
«
فما أن استشعرت الطبقة العاملة التي أصمها ضجيج الانتاج، بوجودها
بعض الشيء، حتى بدأت مقاومتها، وقبل كل شيء في انكلترا، أرض الصناعة الضخمة
» 2
وعلى هذا الأساس فإن مدة العمل يتحدد عمليا" وفي كل مرة بموجب نسبة القوى
الطبقية ونضال الطبقة العاملة المستمر ضد الرأسماليين. ومع تعاظم مقاومة العمال
المنظمة أصبح من الصعب بالنسبة للراسماليين أن يزيدوا القيمة الزائدة بمعدلات
أكثر فأكثر، من خلال إطالة يوم العمل.
وبهذا فإن يوم العمل ينقسم إلى قسمين، ففي أحدهما يجدد
العامل انتاج قيمة قوة عملهم، وفي الثاني ينتج القيمة الزائدة للرأسمالي. حيث
أن ذلك القسم من يوم العمل الذي يجدد فيه العامل انتاج قيمة قوة عمله، يسمى
بالوقت الضروري للعمل، في حين أن العمل الذي ينفقه العامل من أجل انتاج القيمة
الزائدة للراسمالي فيسمى بمدة العمل الفائض.
———————————-
المراجع:
1.
مجوعة من الأساتذة السوفييت,
"الاقتصاد السياسي"، ص 416، بيروت 1973
1
2ـ
ماركس، المصدر السابق، ص 284