ثانيا":
إنتاج القيمة الزائدة
بما أن السلعة، هي قيمة استعمالية وقيمة
تبادلية في آن واحد، فعندما يتم إنتاج السلع فهذا يعني نشوء قيم استعمالية وتبادلية
في نفس الوقت. وإذا نظرنا إلى القيمة من حيث المحتوى فإن قيمة أية سلعة من السلع
تحددها كمية العمل الاجتماعي المتبلور فيها. وعليه تنحصر خاصية الإنتاج السلعي في
إن نفقات العمل تأخذ هنا، شكلا" اجتماعيا" خاصا"، شكل قيمة. وإن بسطاء منتجي السلع
مجبرون على مبادلة نتاج عملهم وفقا" لقيمته. وتنعكس الضرورة الموضوعية لمثل هذا
التبادل في قانون القيمة. وبمقتضى هذا القانون يجري تبادل السلع وفقا" لما انفق على
إنتاجها من العمل المجرد الضروري اجتماعيا". وهو أمر يجبر المنتجين على الانتباه كي
لا تتجاوز نفقات عملهم النفقات الضرورية اجتماعيا". وعلى هذا الأساس فإن وقت العمل
الضروري لإنتاج أية سلعة، يتضمن وقت العمل الضروري اجتماعيا" لإنتاج موادها الأولية
وكذلك الأمر بالنسبة للوقت الضروري لتحديد الأدوات التي تستهلك أثناء عملية
الإنتاج. وعند حساب قيمة السلعة، أي عند تحديد الوقت الضروري لإنتاجها، يجب أن نأخذ
بنظر الاعتبار مختلف الأعمال المنفصلة عن بعضها البعض من حيث المكان والزمان وكذلك
مختلف مراحل إنتاج السلعة المتعاقبة في العملية نفسها. وعليه فإن كل العمل المتضمن
في السلعة سيصبح عملا" سابقا". فإذا كان إنتاج سيارة معينة تتطلب 20 يوم عمل، فإن
مجموع العمل المتجسد فيها لا يتغير من حيث المقدار على الرغم من أن اليوم العشرون
من العمل لا يدخل في إنتاج تلك السيارة إلاّ بعد اليوم الأول بتسعة عشر يوما". وفي
نفس الوقت فإن العمل المتضمن في المواد الأولية التي تدخل في صنع السيارة وأدوات
العمل التي يتم استخدامها أثناء عملية إنتاج السيارة، يجب أن تحسب كما لو أنه قد تم
إنفاقها أو استهلاكها خلال مجرى عملية الإنتاج في المدة المذكورة. إذن فإذا كانت
المسألة بهذه الصورة، فكيف يتم إضافة القيمة الزائدة أثناء عملية الإنتاج؟ وكيف يتم
إضافة تلك القيمة إلى كتلة السيارة بوصفها سلعة ؟
أما بهذا الخصوص فإن عملية العمل في اسلوب
الإنتاج الرأسمالي، هو بيت القصيد، لأن النظام السلعي في الإنتاج، قد ظهر تاريخيا"
فقط في النظام الرأسمالي وهذه العملية تتميز بخاصيتين :
1 ـ إن العامل يدخل في عملية الإنتاج تحت
إشراف ورقابة الرأسمالي الذي يملك حق حيازة عمل العامل.
2 ـ إن منتوج عمل العامل هو ملك الرأسمالي
صاحب العمل.
وبما أن، الأساس الاقتصادي للنظام الرأسمالي
قائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وإن العمال محررين من ملكية وسائل الإنتاج
وفي نفس الوقت مجبرين على بيع قوة عملهم بسبب ذلك الحرمان، فإن الرأسمالي عندما
يشتري قدرة العامل على العمل يصبح مالكا" لتلك القدرة، ويملك حق استخدام قيمتها
الاستعمالية وفي تلك اللحظة يفقد العامل حقه في التصرف بقوة عمله. وعندما يمتص
وسائل الإنتاج قدرة العامل على العمل، يتم خلق المنتوج الذي يستأثر به الرأسمالي.
ولكن هدف الإنتاج والرأسمالي ليس هو خلق
المنتوج بوصفه منتوجا"، أي ليس خلق قيم استعمالية لإشباع الحاجات الإنسانية بحد
ذاتها، بل يهدف من خلال ذلك إلى الحصول على القيمة الزائدة.«
بيد أن هدف
الإنتاج الرأسمالي ليس خلق المنتوج كمنتوج، ليس خلق قيمة الاستعمال بذاتها. إن هدفه
المباشر لا سد حاجات الناس، بل إنتاج السلع للبيع، بهدف نوال فضل القيمة، لهذا
فالقيمة الاستعمالية تنتج لا لذاتها، بل تنتج كحامل للقيمة، وليس كمجرد قيمة، بل
فضل قيمة »1 .
حيث أن الإنتاج الرأسمالي يعني إنتاج السلع وهذه السلع يتضمن قيم
استعمالية وقيم، وعلى ذلك فلابد من معالجة عملية الإنتاج لا كعملية خلق قيم
استعمالية فقط، بل وكعملية خلق للقيمة أيضا".
وفي مثالنا حول إنتاج السيارة، فبعد أن يوفر
صاحب العمل كل المواد الضرورية التي تدخل في إنتاج السيارة والتي تحمل العمل
السابق، وبغية تكملة إنتاج السيارة، يجب أن يضاف إليها العمل الحي المتمثل بقوة
العمل الإنساني. وبالضرورة يقوم صاحب العمل بشراء قوة العمل من العمال ويجبرهم على
العمل. وفي سياق عملية الإنتاج يندمج عملية العمل مع وسائل الإنتاج والمواد الأولية
فيتم خلق قيمة استعمالية جديدة متمثلة بالسيارة. ونتيجة لذلك فإن الجزء المستهلك من
وسائل العمل وكذلك قيمة جميع مواد العمل الأولية ستدخل في قيمة السيارة. ومهما تبدل
شكل تلك المواد والوسائل فسوف تبقى كجزء ثابت من قيمة السيارة ذلك لأن وسائل
الإنتاج هذه تستهلك في سياق العمل. فيختفي الشكل القديم للقيمة الاستعمالية وتظهر
قيمة استعمالية جديدة. ولكن مع ذلك فإن قيمة وسائل الإنتاج، القديمة، لا تختفي، بل
تنتقل إلى المنتوج الجديد الذي صنعه العمل الحسي. وبهذا فإن قيمة مواد العمل
ووسائله تشكل القسم الرأيسي من قيمة المنتوج. وإن تلك الكمية من القيمة تدخل ضمن
قيمة السيارة بفضل عمل العمال ، أثناء العملية الإنتاجية، وبالإضافة إلى ذلك فإن
العمل المنفق في إنتاج السيارة قد خلق قيمة جديدة إضافة إلى القيم القديمة المتمثلة
بالعمل الماضي المنفق في عملية الإنتاج. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف تم ذلك
؟.
إذا عدنا إلى مثال حول إنتاج السيارة، وإذا
إفترضنا بأن كل عامل مستخدم في تلك العملية كان قد أنفق 4 ساعات من عمله بغية نقل
قيمة قوة العمل المستهلكة في عملية الإنتاج، إلى قيمة المنتوج النهائي. وإذا كان كل
عامل بمفرده في الساعات الأربعة الأولى، والتي هي وقت العمل الضروري، ينقل قيمة
قدرها 40$، إلى قيمة السيارة وهي بطبيعة الحال تمثل قيمة الراسمال المتغير أي ذلك
المبلغ الذي يسلفه الرأسمالي للعمال على شكل أجور، فأنه سوف ينقل خلال الساعات
الأربعة الباقية من يوم العمل، وهو يمثل وقت العمل الزائد، 40$ إضافي إلى قيمة
المنتوج، وإذا اعتبرنا بأن يوم العمل يتكون من 8 ساعات من العمل فإن عملية المحاسبة
لقيمة المنتوج بالنسبة إلى الرأسمالي ستكون بالصيغة التالية:
إن كل عامل قام فعليا"
بنقل 80$ إلى قيمة السيارة، خلال يوم العمل البالغ 8 ساعات، ومن هذا المبلغ فإن 40$
تساوي قيمة الرأسمال المتغير، التي يسلفها الرأسمالي للعمال على هيئة أجور، خلال 4
ساعات الأولى من العمل، في حين أن 40$ المتبقي يمثل قيمة زائدة غير مدفوع الثمن.
وهذا المبلغ الجديد يعتبر قيمة جديدة مضافة إلى قيمة المنتوج.
إن قيمة قوة العمل، كما أشرنا إليها فيما
سبق، تساوي قيمة وسائل المعيشة الضرورية لحياة العامل وعائلته، والتي من دونها
لايمكن أن يبيع العامل قوة عمله مجددا" في اليوم التالي إلى الرأسمالي، وهي تساوي
في مثالنا 40$ متمثلة في 4 ساعات من العمل. وعليه فإن الراسمالي بتسليفه للعامل هذا
المقدار من المال يكتسب حق استخدام قدرة العامل على العمل خلال يوم عمل كامل، أي
خلال 8 ساعات من العمل. وبهذه الصورة فإذا كان العامل ينتج خلال 4 ساعات من العمل
قيمة قوة عمله، فإن ذلك لا يعني أن العامل سوف لا يكون بمقدوره أن يعمل خلال يوم
العمل البالغ 8 ساعات بأكمله. وبهذا فإن العامل بعمله ينقل من خلال 4 ساعات من
العمل قيمة قدرها 40$ إلى قيمة السيارة وهي تمثل عمله الحسي، في حين أنه ينقل خلال
4ساعات من العمل المتبقي قيمة جديدة مقدارها 40$ أيضا" إلى قيمة السيارة، وهي تمثل
عمله المجرد. وبطبيعة الحال فإن 40$ من ذلك المبلغ تساوي قيمة قوة عمله، أما 40 $
المتبقي فتمثل القيمة الزائدة التي يستحوذ عليه الرأسمالي دون أن يدفع لقاء ذلك أي
شيء.
وبذلك فإن قيمة قوة العمل والقيمة المنتجة في
سياق استهلاكها عبارة عن مقدارين متباينتين، والرأسمالي عندما يشتري القدرة على
العمل فأنه يأخذ بنظر الاعتبار هذا الأختلاف بين القيمتين. وعليه فإن الرأسمالي
يقوم بشراء كل ما يلزمه من وسائل العمل والمواد الأولية بقيمتها ويبيع المنتوج
الحاصل أيضا" بقيمتها، ومع ذلك فأنه يحصل على قيمة زائدة أي يحصل على قيمة أعظم من
القيمة التي قام بتسليفها في مختلف مراحل عمليات الإنتاج. فإذا كان قيمة مجمل
الرأسمال المتبلور في المنتوج تساوي 160 $، وإذا كان 80 $ من هذا المبلغ يساوي قيمة
الراسمال الثابت ( وسائل الإنتاج والمواد الأولية ) و 80 $ يساوي القيمة الجديدة
التي أنتجها العامل أثناء عملية الإنتاج والتي تنقسم بدورها إلى : 40 $ للتعويض عن
الرأسمال المتغير ( التي يدفع على شكل أجور من قبل صاحب العمل ) و 40 $ المتبقي
التي تساوي قيمة زائدة يسيطر عليها الراسمالي بحكم أمتلاكه لوسائل الإنتاج. من
الممكن التعبير عن كل ذلك من خلال المعادلة التالية المذكورة فيما سبق:
ن ـ س ـ ن-
بتحليل هذه المعادلة: فإن ( ن ـ س ) يعبر عن
عملية الشراء من قبل الرأسمالي والتي يتضمن شراء المواد الضرورية لعملية الإنتاج،
بالإضافة إلى قوة العمل، وإن ( س ـ ن- ) يعبر عن عملية البيع للمنتوج الجديد الذي
حقق للرأسمالي قيمة أكبر من القيمة التي قام بتسليفها في العملية الإنتاجية. وهذا
يعني أن القيمة الزائدة الذي نالها الرأسمالي يتم خلقها أثناء عملية الإنتاج، خارج
التداول، أما في سياق التداول فإن الرأسمالي قد قام بشراء وسائل الإنتاج وقوة
العمل، وعندما يقوم بببيع المنتوج من جديد فيحقق قيمة زائدة تضاف إلى رأسماله
المسلف.
«
وعلى هذا الأساس، فإذا كانت عملية تكوين
القيمة تستمر فقط من خلال الزمن الذي يجري فيه تجديد إنتاج قيمة قوة العمل ( أي زمن
العمل الضروري )، فإن ذلك سيكون عملية بسيطة لتكوين القيمة. أما إذا استمرت عملية
خلق القيمة إلى ما بعد الزمن الضروري أي ( زمن العمل الفائض ) فأنها ستصبح عملية
نمو القيمة أي عملية خلق القيمة الزائدة »2 .
المراجع:
1ـ ماركس. أنجلس. لينين،
"الشيوعية العلمية"، ص 54، دمشق 1972
2ـ
د. فالح الشيخلي, "آفاق التصنيع دوليا"، ص 68. بغداد 1985