القضية الفلسطينية بين تحديات اليوم وآفاق المستقبل
الجزء
الثاني
جليل شهباز
ولكن
مع كل
الأسف إن البرجوازية القومية الفلسطينية هي التي ركبت موجة الأعتراضات والمقاومة
الجماهيرية الفلسطينية الباسلة وقد نجحت البرجوازية الفلسطينية من أستلام قيادة
المقاوة الجماهيرية بحكم غياب الممثل الفعلي والحقيقي للجماهير الفسطينية عن الساحة
السياسية في فلسطين. وعلى أثر ذلك عجزت المقاومة الجماهيرية الفلسطينية لحد هذه
اللحظة من تحقيق أمانيها وتطلعاتها وأهدافها السياسية، والسبب يعود إلى تذبذب
البرجوازية القومية الفلسطينية وخوفها من الثورة وتحقيق المطاليب والأهداف
الجماهيرية الإنسانية، وهذا ما جعلها أن تسعى بأستمرار إلى عقد مختلف أنواع الصفقات
السياسية الرجعية والمشبوهة من خلف ظهر الجماهير لأن ذلك تضمن لها الحصول على بعض
الأمتيازات السياسية الهزيلة والمخجلة التي من شأنها أن أن تساعدها على المشاركة في
السلطة السياسية وتعزيز موقعها السياسي والطبقي داخل المجتمع الفلسطيني، وهذا ما
حصل لاحقا" بالفعل. ولكنه على أعقاب الفساد الذي غرق فيه منظمة التحرير وحركة فتح
بكل مؤسساتهما الحزبية والجماهيرية وأنحطاطهما السياسي وبحكم فضائحهم المالية
والسياسية عجزتا كليا" من قيادة المقاومة الجماهيرية ومع أستمرارية غياب القوى
السياسية التي تمثل الجماهير وخصوصا"
القوى اليسارية الماركسية من جانب، والجرائم البشعة التي كانت ترتكبتها أسرائيل
بصورة مستمرة، كل ذلك شكل بيئة سياسية وأجتماعية مناسبة لظهور االإسلام السياسي
المتطرف في الساحة السياسية الفلسطينية وهذا ما حصل فعلا" حيث أنه في أواخر
ثمانينيات القرن الماضي برزت حركتا حماس والجهاد الإسلامي بوجه البرجوازية القومية
الفلسطينية وعندما صلبت عودهما تمكنتا برفقة منظمة التحرير بكل فصائلها وأتاجاهاتها
السياسية من تفريغ المقاومة الجماهيرية الفلسطينية من آخر شحناتها الثورية. والسؤال
الذي يطرح نفسه هنا إضافة" إلى ما قلناها: لماذا ظهر الإسلام السياسي المتطرف في
تلك الفترة بالذات وصيرورته عنصرا" هاما" في المعادلة السياسية الفلسطينية؟
باعتقادي إن ذلك يرجع إلى سببين أساسيين أولهما: عجز البرجوازية القومية الفلسطينية
من حسم هذه القضية العادلة لصالح الجماهير الفلسطينية.بعد
أن قامت على أمتداد نصف قرن من قيادة النضال الجماهيري في فلسطين. وثانيهما: هو
صعود الجناح اليميني المتطرف إلى السلطة في أسرائيل والذي تمثل بحكومة المجرم
ناتنياهو ومن بعده الدموي شارون. وأمر طبيعي في حالة كهذه ومع غياب الممثل السياسي
الحقيقي لجماهير فلسطين في المسرح السياسي الفلسطيني أن يقابل التطرف بالتطرف وكما
هو معلوم أن اليمن المتطرف الحاكم في أسرائيل قد إرتكب أبشع الجرائم الوحشية بحق
جماهير فلسطين وتجاهلت بصورة كلية التطلع إلى السلام وبالنتيجة تجاهلت تطلع
الجماهير الفلسطينية نحو تشكيل دولته المستقلة على أراضيه. ولذلك فجاء الرد من
الإسلام السياسي الرجعي والوحشي وبدلا" من، الاساليب الإنسانية والنضالية الشرعية
التي كانت تمارسه الجماهير الفلسطينية ضد الأحتلال الإسرائيلي ووحشيتهم في حسم
مختلف القضايا السياسية المتعلقة بالشأن الفلسطيني بالعنف والدمار والمأسات
والكوارث الإنسانية ، أصبح على الفور الأحزمة الناسفة والقنابل البشرية وقتل
الأبرياء من الأسرائيليين، وسائلهم النضالية وعلى أثرها أصبحت القضية الفلسطينية من
وجهة نظر الرأي العام العالمي قضية" إرهابية وبطبيعة الحال فقدت التعاطف العالمي
ولم تعد القضية الفلسطينية بالنسبة للجماهير العربية قضيتهم المركزية. أما بعد
أنهيار جدار برلين والقطب الشرقي
وبعد أحداث العراق وحرب أمريكا والغرب ضد الإرهاب الإسلامي
لم تعد القضية الفلسطينية حتى بالنسبة للأنظمة العربية تحتل الأهمية
السابقة.
وهناك سؤال
آخر يطرح نفسه، وبأعتقادي إن الجواب عليها سوف يوضح الكثير من الأبعاعاد
السياسية العالمية لهذه القضية ألا وهو: لماذ اختارت الأمبريالية الأنكلو أمريكية
فلسطين دون غيرها من دول العالم لتكون وطنا" لليهود؟ في الحقيقة إن هذه المسألة
وهذا الأختيار لم تكن نتيجة لرغبة ذاتية أو نزعة عدوانية عبرت عنها الأمبريالية
الأنكلو أمريكية ضد الأنظمة الفومية العربية، بل كانت نتيجة لدراسة عميقة وشاملة
بهذا الخصوص، ونتيجة لتحليل دقيق لمجمل التناقضات العالمية والسياسة الدولية وكل
أبعادها التناحرية التي كانت قائمة بين مختلف التكتلات الأمبريالية في ذلك الحين
فبعد كل ذلك عقدوا العزم على تشكيل
دولة لليهود على اسس عنصرية ودينية. وتحديدا" بعد الحرب العالمية الثانية ودخول
العالم في الحرب الباردة وتحالف معظم الأنظمة القومية العربية مع الأتحاد السوفيتي
والقطب الشرقي، بالإضافة إلى أن العالم العربي، كانت ولا زال، تعد بالنسبة لمختلف
مراكز القوى الدولية، من أهم مناطق العالم الأستراتيجية من حيث الأهمية الأقتصادية
والسياسية والعسكرية فكانت السيطرة على العالم العربي عموما" ومنطقة الخليج خصوصا"
ميدانا" للصارع بين القطبين الشرقي والغربي بغية أحتكار مناطق النفوذ السياسي
والأقتصادي والعسكري وما يرافقه من تعزيز للموقع التنافسي بغية السيطرة على العالم.
ولما كانت المنطقة العربية يحتوي على
أكثر من ثلثي الأحتياط العالمي من النفط الخام والغاز الضروريتين لسير عجلة الحركة
الصناعية والأقتصاد العالمي برمته، ولما كان أهم خطوط النقل البحري يمر عبر مضيقي
هرمز وباب المندب وقناة السويس التي تقع هي الأخرى في العالم العربي. فكان لا بد أن
يسعى القطب الغربي إلى بناء قاعدة سياسية وعسكرية قوية ومتينة بأعتبارها وسيلة في
غاية الأهمية لرجحان كفة الصراع لصالح القطب الغربي وبالتالي حماية أمداداتهم
بمصادر الطاقة، هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فكان اليهود ونشوء ديانتهم
تاريخيا" قد إنبعثتا على أرض فلسطين وإضافة إلى كل ذلك كان المعاناة التي تسببها
لهم مختلف الأنظمة السياسية في الدول التي كانوا يقطنونهها قبل الحرب العالمية
الثانية، قد لعبتا دورا" في غاية الأهمية لتقوية نزعتهم السياسية نحو تكوين كيان
سياسي خاص بهم وأختيار فلسطين دون غيرها من دول العالم لتبنى عليه ذلك الكيان. وكان
الأختيار صائبا" بالنسبة للأمبريالية الأنكلو أمريكية لتكون بمثابة أهم قاعدة
سياسية وعسكرية بالنسبة للقطب الغربي و. وهذا ما حصل بالفعل وبالتالي وفرت لهم كل
مقومات أستمرار الصراع مع القطب الشرقي بغية السعي للسيطرة والهيمنة على مناطق
النفوذ وقد تحقق لهم ذلك من الناحية الأستراتيجية السياسية والعسكرية فقد تمكنوا من
خلال ذلك الكيان السياسي المغروس بالقوة في المنطقة العربية من إجبار معظم دول
الخليج العربي وكذلك معظم الدول العربية للخضوع لمصالحهم الأقتصادية ولسياساتهم
الرجعية واللآإنسانية.
وعلى ضوؤ
كل ذلك فإلى أين تتجه القضية الفلسطينة؟ في الحقيقة إذا ألقينا نظرة خاطفة على
توازن القوى السياسية والأجتماعية داخل فلسطين وأسرائيل من إحدى الجوانب، وتوازن
القوى السياسية والعسكرية الدولية من الجانب الآخر، فسنستنتج على الفور بأن توازن
القوى السياسية والعسكرية داخل المجتمع الفلسطيني والأسرائيلي لا زالتا في صالح
القوى السياسية الرجعية من القوميين والمذهبيين من كلا الطرفين. وهذا يعني أن
الحلول البرجوازية القومية والدينية هي الفاعلة لحد هذه اللحظة في كل من فلسطين
وأسرائيل والمهم في هذه المسألة مهما كانت طبيعة الحلول المطروحة على بساط البحث من
لدن تلك القوى والأحزاب السياسية فأنها سوف لن تكون، بكل تأكيد، لصالح الجماهير
الفلسطينية الصامدة والمناضلة، في حين إن واقع الأوضاع السياسية على الصعيد العالمي
في الوضع الراهن هي الأخرى تتجه نحو رجحان كفة قوى اليمين البرجوازي العالمي وتؤكد
بأن قوى اليمين البرجوازي هي التي تتحكم بطبيعة الصراعات السياسية الدولية وهي التي
تتحكم بطبيعة الصراعات السياسية الدولية الجارية بين مختلف التكتلات السياسية
والعسكرية العالمية. وبذلك فمن المحال أن تبادر قوى اليمين البرجوازي العالمي
لإيجاد حلول إنسانية من شأنها أن تحسم واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لصالح
الجماهير الفسطينية وهذا ما يؤكد طبيعة الوقائع السياسية الحالية حيث أن تلك القوى
الدولية الخاضعة لليمين البرجوازي العالمي بدأت تمارس سياسة التلكوء الهادف إلى عدم
حسم القضية الفلسطينية نحو تشكيل الدولة الفلسطينية على أراضي 67 وهذا يبدو واضحا"
منذ أتفاقية كامب ديفد ومرورا" بأتفاقية أوسلو وخارطة الطريق وأتفاقيات شرم الشيخ
وآخرها أتفاقية أنا بولص. وكذلك هذا ما يؤكده كل الأحداث الذي يجري حاليا" على
الأرض بخصوص الصراع الأسرائيلي الفلسطيني. حيث أن كلا طرفي الصراع قد جعلتا المأساة
والدمار والجوع والحرمان الذي تلحق بالجماهير من جراء تناحراتهم السياسية
والعسكرية من أكثر الوسائل فعالية لتنفيذ سياساتهم ومخططاتهم الرجعية
واللآإنسانية. وأن كل حيثيات الحرب الحالية في غزة تؤكد مدى وحشية القوى والأحزاب
البرجوازية بمختلف تلاوينها وأجنحتها ومدى لا إنسانية سياساتهم. فعندما عجز الأتلاف
الحاكم في أسرائيل من تقوية نفوذهم الأنتخابي أما كتلة الليكود وعندما تأكدو بأنهم
سوف لن يفوزو في الأنتخابات بادرو إلى أستغلال فرصة بقائهم القصير في السلطة
وأشعلوا هذا الحرب المدمر بحجة القصف المستمر بالصواريخ الذي يطلقه حماس على جنوب
اسرائيل، ولذلك فإن طريقة تفكيرهم قادتهم إلى تقوية نفوذهم الأنتخابي من خلال ترويض
حماس سياسيا" وعسكريا"، فإذا تمكنو من ذلك سوف يزداد شعبيتهم وبالتالي يزداد حظوظهم
في الفوز بالأنتخابات وللأسف يبدو أن هذا ما هو سيحصل في حالة نجاح الآلة العسكرية
الأسرائيلية من سحق حماس أو ترويضهم، حيث أسهم أيهود باراك وزير الدفاع الحالي
ورئيس حزب العمل قد ازداد من الآن في بورصة الأنتخابات وكذلك أسهم وزيرة الخارجية
التي تتزعم حزب كاديما. وعليه فإذا جزمنا بهذا الأمر فبأي ثمن يتم لهم ذلك.
باعتقادي أن الثمن معروف وأنه يساوي أشلاء مئات الفلسطينيين من الأطفال والنساء
والشيوخ وتشريد مئات الألوف من السكان الأبرياء من مناطق سكناهم ليتعرضوا للجوع
والبرد والمرض وكذلك حرمان الملايين حتى من أبسط مقومات الحياة الإنسانية. أنه ثمن
بهض جدا" بالنسبة لكل من يمتلك ذرة" واحدة من الشعور والإحساس الإنسانيين، ولكنه هو
بالتأكيد ثمن تافه بالنسبة للوحوش البشرية على شاكلة تسيبي لفني وأيهود باراك ومن
لف لفهم.. أما إرهابيو حماس فإن دورهم، في هذه الجرائم والكوارث التي أرتكب بحق
الفلسطينين في غزة، فلا تقل عن دور رفاقهم في الحكومة الأسرائيلية. حيث أن هذه
الحركة الإرهابية بعد أنقلابهم، قبل مايقارب من سنتين، على حركة فتح وأنفرادهم
بالسلطة في قطاع غزة قد أجبر كل سكان القطاع للخضوع لسياساتهم الإرهابية والرجعية
القرووسطية فجردو السكان من كل ما هو إنساني وعصري ومدني ومن الناحية الفعلية جعلت
سياسات حماس القطاع كله سجنا" كبيرا" ومرعبا" للسكان الآمنين. ومن جراء هذه
العنجهية السياسية أصبحت غزة منذ أنفرادهم بالسلطة محاصرة، أقتصاديا" وسياسيا"
وعسكريا"، بأشد الصور وحشية". ولكن بعد أن خارت قواهم بفعل ذلك الأسلوب العنجهي في
ممارسة السلطة أدركو جيدا" إلى أي مأزق قد وصلوأ وعلى حافة أية هاوية يقفون،
فبادروا على الفور أسوة" باخوانهم ورفاقهم العنصريين في الكنيست والحكومة
الأسرائيليتين إلى أستفزاز الجيش الأسرائيلي والحكومة العنصرية الاسرائيلية وذلك من
خلال الإطلاق المستمر للصواريخ على سكان الجنوب الأسرائيلي الأبرياء والآمنين.
وكانوا يعلمون جيدا" ومع سبق الإصرار بأن هذه السياسة الإجرامية ستقودهم إلى الدخول
في أتون حرب مدمرة. إذا" فإلى ماذا يهدف الحماس الإرهابية من وراء دخولهم في هذا
الحرب اللآمتكافئ فهم يحاربون بأشد الوسائل العسكرية البدائية وخصومهم بأكثر
الأسلحة تطورا"؟ في الحقيقة كان حماس أمام أمرين لا ثالث لهما من جراء مغامرتهم
السياسية التي قادتهم للأنفراد بالسلطة وحالة الحصار والعزلة الداخلية والخارجية.
إما الأستسلام لخصومهم السياسيين من حركة فتح والقبول بالأنخراط في المصالحة
السياسية بشروط محمود عباس وحركة فتح! فهذا يعتبر أنتحار سياسي بالنسبة إليهم،
فتجنبوا هذا الخيار. وإما الدخول في مغامرة عسكرية مع الأسرائيليين! وهذا يعني، إذا
حالفهم الحظ وحسم تلك المغامرة لأي سبب كان، لصالحهم فيخرجون منها كأبطال وعلى
أثرها سيتعزز موقعهم السياسي والأجتماعي داخليا" وأقليميا" ودوليا". وبعكس ذلك أي
عند أندحارهم العسكري فأنهم سوف لن يخسروأ شيئا" سوى أغلالهم وبالمقابل سوف يحافظون
على ماء وجههم أمام الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية، وهذا من شأنه أن أن
يساعدهم في البقاء رقما" في المعدلات السياسية الفلسطينية ومتى ما تسنت الظروف من
جديد سيحاولون الخروج إلى الساحة السياسية بقوة. ولكن واأسفاه! كم هو الثمن غال؟!
وكم هو الإنسان رخيص عندهم؟!. وبطبيعة الحال كان هذا هو الخيار المناسب بالنسبة
إليهم.
إذن فأمام
كل هذه الأحداث المأساوية والدموية، ما هو الحل؟ وما العمل؟ بأعتقادي إن الحل واضح
كقرص الشمس في كبد السماء: حيث أن الحل هو بيد الجماهير الفلسطينية وكل القوى
السياسية الحزبية والجماهيرية اليسارية، وكل القوى الداعية إلى الحرية والمساواة،
وكل القوى الداعية إلى العلمانية والتمدن والحداثة، وكذلك بيد أقرانهم في أسرائيل
فعندما يتوحد كل هؤلاء في جبهة نضالية واحدة، وعندما يتمكنون من تنضيم أنفسهم في
أحزابهم ومنظماتهم السياسية والمهنية المستقلة. عندها سيتمكنون من تجميع قواهم
السياسية والأجتماعية في جبهة عريضة وموحدة، وعلى أعقابها سيتحولون على الفور إلى
قوة لا تقهر بوجه القوميين والعنصريين الرجعيين وبوجه القوى الدينية البربرية
القرووسطية وسيسحبون بكل سهولة البساط من تحت أقدام البرجوازية في كل من فلسطين
وأسرائيل. وعندها فقط يمكنهم إيجاد الحلول العملية والإنسانية لكل مشاكلهم السياسية
والأجتماعية والأقتصادية وسوف يتمكن لأول مرة كلا الشعبين الفلسطيني والأسرائيلي من
العيش جنبا" إلى جنب دون أية مشاكل وسيفرضون السلام على الجميع وسيتطلع شعبي كلا
الطرفين إلى تحقيق أمانيهم وأهدافهم الإنسانية النبيلة المتمثلة بالحرية والمساواة
والأزدهار والرفاه.