اخراج العراق من طائلة البند السابع، لن يحقق الرفاه لجماهير العراق!
جليل شهباز
انعقد
مجلس الأمن يوم 15 ديسمبر 2010، برئاسة جو بايدن نائب الرئيس الامريكي لإنهاء
العقوبات الامريكية الغربية على العراق التي فرضها المجلس المذكور على جماهير
العراق وذلك على أعقاب احتلال النظام البعثي الوحشي للكويت. وبغية فهم المغزى
الحقيقي لقرار مجلس الأمن القاضي برفع العقوبات عن جماهير العراق، ينبغي القاء نظرة
خاطفة على تلك العقوبات الاقتصادية الجائرة وآثارها المدمرة على المواطن العراقي
وأسباب فرضها في حينه على الجماهير. في الحقيقة كانت القائمة الطويلة للعقوبات
البربرية التي أقرها مجلس الأمن حينذاك تحت عنوان العقوبات الدولية على النظام
البعثي الدموي في العراق، لم تكن سوى خداع وتضليل للرأي العام العالمي والمجتمع
الدولي، ذلك لأن من تم معاقبته من خلال تلك العقوبات لم يكن النظام البعثي المجرم،
بل كان الغرض من تلك العقوبات هو تدمير المجتمع العراقي وتجريده من كل عوامل
ومقومات المعيشة، لغرض سنأتي على ذكره فيما بعد، فعلى أثر تلك العقوبات وعلى الصعيد
الاقتصادي وتحديدا" القطاع الصناعي انهار كل ما تبقى من الركام المتبقي على أعقاب
القصف الجوي والصاروخي فتهاوت الغالبية العظمى من المعامل والمصانع والبنى التحتية
للاقتصاد العراقي بفعل التقادم التكنولوجي وتآكله وفقدان قطع الغيار في الأسواق
وانعدام التوسعات الصناعية الضرورية والمتناسبة مع نسب الزيادة السكانية والقدرة
الصناعية والاستثمارية للاقتصاد العراقي بغية تزويد الأسواق بالبضائع والسلع
الضرورية لسد الحاجيات الأساسية للمواطن العراقي. أما القطاع الزراعي فأصبح هو
الاخر في حال يرثى له فتوقفت عمليات مكننة المشاريع الزراعية
وتهاوى المتبقي منها وتوقف تزويد
المزارعين بالأسمدة العضوية وتم تدمير المئات من المزارع الكبرى للنخيل
والحمضيات ومزارع الحبوب وتم تجفيف الأهوار والعديد من المصادر الاخرى لمياه الري
تحت حجة الضرورات الأمنية المتعلقة بحماية النظام البعثي وسلطته السياسية، ومن جراء
ذلك انخفض الانتاج الزراعي الى معدلات رهيبة. في حين أصبح القطاع الخدمي أسوء بكثير
من القطاعين الصناعي والزراعي حيث أن الشبكة الوطنية للطاقة الكهربائية قد تم تدمير
معظم أقسامها من جراء القصف الجوي في بداية العمليات العسكرية والمتبقي منها تهاوت
من جراء توقف ضخها بقطع الغيار ونفس
الشيء يمكن قوله بالنسبة لشبكة تزويد المواطنين بالمياه أما حالة التعليم والصحة
فسارت من سيء إلى أسوء، وبسبب كل ذلك أصبح المواطن محروما" حتى من أبسط المقومات
الاساسية للمعيشة مثل المأكل والملبس والدواء وبفعل هذا الوضع الكارثي للاقتصاد
العراقي انخفض المستوى المعاشي للمواطن العراقي إلى مستويات كبيرة فأصبح غالبية
المجتمع يعيش دون خط الفقر وتوسعت معدلات البطالة من جراء توقف عجلة الانتاج وانضم
ملايين جديدة لجيش العاطلين عن العمل. وعلى الصعيد الاجتماعي فإن ما حصل للمجتمع
العراقي بسبب تلك العقوبات الجائرة ستبقى وصمة عار على جبين الانسانية حتى أبد
الدهر حيث تفكك النسيج الاجتماعي بأكمله وشاعت عادات وتقاليد اجتماعية فاسدة وسيئة
لم تشهد التاريخ الانساني مثلها من قبل وأصبح الانسان العراقي مستعد لفعل أي شيء
بغية كسب كسرة خبز له ولعائلته، أما بهذا الخصوص فلولا برنابج النفط مقابل الغذاء
لوصل حالة المواطن العراقي إلى الحد الذي يكون فيه الإنسان مستعدا" ليأكل لحم أخيه،
وكل ذلك قد أدى إلى قوقعة النزعة الإنسانية داخل المجتمع فصارت القيم الإنسانية
سلعة نادرة من جراء تدمير الذات الإنساني في العراق وأصبح المجتمع خاضعا"
لقوانين الغاب الذي تحركه الغريزة وليس الوعي والحس الإنساني. في حين إن
الوضع السياسي في العراق كان لابد أن يكون انعكاسا" للوضع الاقتصادي والاجتماعي
السائد في البلد بعد فرض العقوبات.
فمن جهة فقدت الدولة هيبتها وسيادتها وأصبح النظام العراقي مكروها" حتى عند أشد
الأنظمة رجعية" وفسادا" في العالم وأصبح محروما" من المشاركة في غالبية المحافل
الدولية وفقد فاعليته في المحيطين الأقليمي والدولي وليس هذا فقط، بل وفقد
استقلاليته أيضا" حيث أن العراق أصبح مقيدا" بالعقوبات الدولية وخاضعا" لإرادة
الدول العظمى بشكل تام وأصبح بامكان أضعف الدول في العالم أن تملي على النظام
البعثي اتفاقيات جائرة ومشبوهة مقابل الحصول حتى على أتفه الأمتيازات، أما من
الجانب الاخر فأصبحت جماهير العراق مسلوبة الإرادة واختزل منه كل عناصر الوعي
والتفكير الإنساني السليم وأصبح عاجزا" عن الادراك ليفهم ما يجري حوله وكيف السبيل
إلى الخلاص وذلك لاضطراره على تركيز كل امكانياته وطاقاته لكيفية تأمين لقمة العيش
له ولعائلته ولهذا السبب اضطرت حتى أعلى الكفاءات العلمية لمزاولة أكثر من عمل بغية
تأمين معيشته.. ونتيجة" لكل ذلك أنعدم الاعتراض الجماهيري ضد الظلم والحرمان
وانعدام الحقوق ولم عجز الجماهير عن القيام بالأعمال النضالية والثورية ضد النظام
ونسفت كل العوامل والأوضاع التي من شأنها أن تساعد على تنظيم الجماهير في الأحزاب
والمنظمات والجمعيات الجماهيرية والقادرة على أرتقاء وعيها ورفع حسها الثوري
والطبقي وتوحيد صفوفها من أجل الدفاع عن مصالحها الاقتصادية وحقوقها وحرياتها.
فإذا كان هذا كل ماحصل لجماهير العراق فلاشك ان العقوبات الامريكية الغربية كانت
بمثابة أفضل هدية قدمت للنظام البعثي الدموي في ظل تلك الظروف والأوضاع السياسية
والاجتماعية والاقتصادية المزرية للعراق ذلك لأن أصحاب البطون الخاويه لايمكنهم أن
يفكروا إلا بالخبز وبما أن الجماهير العراقية قد انتفضت ضد النظام البعثي الدموي في
أعقاب طرد القوات العراقية من الكويت وبما أن الانتفاضة قد حدثت وسارت خارج الارادة
الامريكية وعلى عكس ما خططت لها الإدارة الامريكية ودون أن يكون لها أي دور أو
تأثير يذكر على مسار تطور الأحداث فكان قمع الانتفاضة في مثل هذه الحالة بالنسبة
لامريكا والغرب أفضل بكثير من اسقاط النظام البعثي ومن عدم ضمان مجيء نظام موالي
لامريكا والغرب الى سدة الحكم، أو احتمال تطور الاعتراضات الجماهيرية إلى مستوى
الوعي الثوري والطبقي الذي من شأنه أن يهدد الركائز الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية للملكية الخاصة الراسمالية ونظام العمل المأجور! وهذا ما حصل بالفعل
فبينما كان النظام على وشك السقوط سمحت أمريكا للنظام البعثي بالانقضاض على
الانتفاضة فتم قمعها بمنتهى القسوة والوحشية وبأبشع الصور بربرية" ثم شددت امريكا
والغرب العقوبات الاقتصادية على جماهير العراق من خلال ادواتهم الوضيعة والخبيثة في
الامم المتحدة ومجلس الأمن، ومن ثم وصل أوضاع المواطنين العراقيين إلى الحالة
المأساوية وكما ذكرناها فيما سبق. وخلال كل هذه الفترة كانت الإدارة الامريكية تعد
العدة وتحضر الطبخات السياسية في الغرف المظلمة ووراء الكواليس بالاتفاق مع أشد
القوى والأحزاب والشخصيات السياسية رجعية" من المذهبيين والقوميين على اختلاف
أشكالهم ومشاربهم وبعد أن أصيحت تلك الطبخة جاهزة وبعد أن اسكت النظام البعثي كل
كلمة وكل نفس مناهض لنظامهم السياسي الدموية
وللنظام الرأسمالي داخل العراق، وبعد أن ضيق الحصار الأقتصادي الجائر الخناق
على الجماهير ونسفت حتى أتفه الفرص للنهوض الجماهيري المستقل، فأصبح الظروف ملائمة
لاسقاط النظام البعثي البربري فانقضت القوات الامريكية الغربية على النظام البعثي
بذريعة خطورة هذا النظام على امريكا وبقية العالم الحر وتهديداته للسلم العالمي
وذلك لاحتمال امتلاكه أسلحة الدمار الشامل وربما الأسلحة النووية وبعد سقوط النظام
واستلام السلطة من قبل القوميين والمذهبيين سارت الامور من سيء إلى اسوء بفعل
الاحتقانات والحروب الطائفية والمذهبية والعرقية وارتكبت جميع تلك القوى أثناء
حروبهم وتناحراتهم جرائم بشعة يندى لها الجبين بحق بعضهم البعض أولا" وبحق جماهير
العراق ثانيا" وإضافة" إلى ذلك لم تكن وجود الدولة ومختلف مؤسساتها سوى وجودا"
شكليا" في حين كانت السلطة الفعلية تتجسد في مختلف المليشيات والعصابات والمجاميع
والزمر القومية والدينية والتي لم تتردد من أجل حماية وتوسيع مصالحهم الفئوية
والحزبية أن تحرق حتى الاخضر واليابس وليس هذا فقط، بل ومن جراء كل ذلك دخل العراق
في مختلف الأزمات السياسية الخانقة وتعثرت ما يسمى بالعملية السياسية ودخلت النفق
المظلم وما زال الحبل ماشي على الجرار.
وعليه فبعد أن تعرفنا على واقع الحصار الاقتصادي وأسباب فرضها! بقي لماذا قررت
امريكا إلغاء العقوبات والحصار الاقتصداي على العراق في ظل الأوضاع السياسية
الحالية؟ وماذا سيستفيد جماهير العراق من الغائها؟. كما يعلم الجميع فإن مجلس الأمن
قد قرر الغاء العقوبات على العراق بذريعة ان العراق قد أوفى بكل التزاماتها الدولية
المترتبة عليها بعد احتلال الكويت ولكن الحقيقة هي على غير هذه الصورة تماما" لأنه
بعد سقوط النظام البعثي لم يكن هناك دولة وحكومة بالمعنى المتعارف عليه في القوانين
والأعراف الدولية ولازال الوضع على هذه الصورة تقريبا" فما الذي تغير خلال السنين
السبعة بعد سقوط النظام أو فعله الاسياد الجدد للبلد بخصوص تلك الالتزامات! لا شيء
على الاطلاق وعلى هذا الأساس اذا ألقينا نظرة خاطفة على العقوبات الدولية التي تمت
فرضها على العراق بعد احتلال الكويت فإن أهم بند في تلك العقوبات يتمثل بحرمان
الحكومة العراقية من التسليح وانشاء الصناعات العسكرية الثقيلة وهذا البند كان
ضربة" قوية للشركات المنتجة للأسلحة ولكن بعد الفشل الامريكي في العراق وانسحاب
قواتهم جاءت هذه المسألة أي اخراج العراق من طائلة البند السابع، لتحقق لهم هدفين
أولهما: تغطية الفشل السياسي والعسكري الامريكي في العراق حيث أن امريكا عجزت من
تمرير مخططاتها وسياساتها عبر العراق فكانت بحاجة الى قوة اخرى لتحل محلها ولذلك
فإن سلطة مقيدة بالعقوبات ومحرومة من التزود بالأسلحة واقامة التصنيع العسكري
لايمكنها أن تمثل الإرادة السياسية والعسكرية الامريكية وبالتالي ستكون عاجزة عن
تحقيق الأهداف اللآإنسانية التي كانت تسعى امريكا إلى تحقيقها في العراق وعلى صعيد
المنطقة فكان لابد من رفع العقوبات عن العراق لتكون قادرة على تجهيز نفسها بكل
الوسائل الدفاعية والهجومية الضرورية لتكون جاهزا" على مواجهة الخصوم القوية
لامريكا في المنطقة مثل إيران وبقية الحركات الدينية المتطرفة والمناهضة لامريكا
والغرب. أما ثانيهما: فإن تسليح الجيش العراقي وانشاء الصناعات العسكرية وخصوصا"
الثقيلة والاستراتيجية منها وكذلك حق العراق بانشاء الصناعات القائمة على الطاقة
النووية من شأنهما أن تجلب مئات المليارات من الدولارات للشركات الاحتكارية
الامريكية، وبهذه الصورة فقد دخل العراق منذ الان في مختلف الاتفاقيات السياسية
والعسكرية المشبوهة مع امريكا والتي من شأنها أن تحقق للشركات الاحتكارية الامريكية
الأرباح الخياالية. وبناء" على كل ذلك فإن من يستفيد من رفع تلك العقوبات هي
الشركات الاحتكارية الامريكية وتجار الحروب في العراق وهذا سيؤدي بالضرورة إلى
الحاق الضرر بجماهير العراق لأنه من إحدى الجوانب ستساعد عملية تسلح الجيش العراقي
وبقية الأجهزة القمعية في العراق، إلى تقوية قبضة الرجعية السياسية في العراق التي
تمثلها مختلف القوى الدينية والقومية وستتمكن بسهولة من قمع مختلف الاعتراضات
الجماهيرية وخنق الأصوات المعارضة وكذلك تهديد أمن واستقرار عموم المنطقة. ومن جهة
اخرى فإن توسيع الانفاق العسكري ستؤدي إلى تخصيص الجزء الأعظم من موارد العراق
وثرواته لتمويل ذلك الانفاق وهذا بدوره سيؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة في العراق
واستمرار حرمان جماهير العراق من الدواء والغذاء والسكن.