الديمقراطية بين، البرلمـــــان البرجوازي والمجلس العمالي
جليل شهباز
gelilshahbaz@yahoo.com
االديمقراطية في عصر ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي
من الطريف ان الشيوعيين او الماركسيين هم الذين دفعوا ثمن انحراف ثورة اكتوبر الاشتراكية وكذلك هم الذيين دفعوا ثمن سقوط النظام السوفييتي والقطب الشرقي الذي انحرف قبل 75 سنة من التجربة السوفييتية على اثر السياسات التحريفية للحزب الشيوعي السوفييتي وهزيمتها أمام إنجاز المهمات الاقتصادية للثورة بعد وفاة لينين. ولذلك فإن الظل الثقيل لذلك الأنهيار قد وقع مرة اخرى على كاهل الشيوعيين. ولكن الديمقراطية في عصرنا الراهن وقبل ان نتحدث عن تفاصيلها نرى من الضروري وضعها في إطارها الملموس وبذلك فإن الديمقراطية هي الإطار الاجتماعي والسياسي لحكم وسلطة رأس المال. أما بهذا الخصوص قهناك نقطة مهمة ينبغي ذكرها ألا وهي انه يجب التفريق بين الديمقراطية بوصفها الاطار السياسي والاجتماعي لسلطة رأس المال وبين الحقوق والحريات الانسانية. حيث ان هذه المسألة مهمة لتحديد الماهية الطبقية والمحتوى الطبقي للانظمة الديمقراطية. ان الحقوق والحريات الانسانية ليس لها علاقة على الاطلاق بطبيعة الانظمة الديمقراطية في معظم بلدان العالم. ذلك ان النزعة الانسانية كالمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية هي نزعة اصيلة متجذرة في النفس البشرية رافقت التاريخ الانساني منذ فجره ولحد هذه اللحظة. وهناك الكثير من الامثلة المهمة بهذا الخصوص فهناك في العهود الغابرة ثورة سبارتكوس ( الدولة الرومانية ) وثورة الزنج في جنوب العراق والتمردات الفلاحية في أوربا ضد النظام الأقطاعي والثوراة المستمرة ضد أنظمة الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية. وإن كل تلك الثورات والانتفاضات قد قام بها الانسان من اجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية المتاصلة في النفس الاجتماعي. ولكن الديمقراطية هي مسألة اخرى مختلفة تماما عن هذه المفاهيم والافكار الانسانية الاصيلة لان الديمقراطية هي الاطار الاجتماعي والسياسي لسلطة رأس المال. وكما اشار الى ذلك منصور حكمت فان انهيار الاتحاد السوفييتي والقطب الشرقي لا تعني اطلاقا بزوغ نظام يكون فيه الانسان مرفها او متحررا. بل ان الذي حصل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والقطب الشرقي والذي نعيش فيه حاليا ونلمس نتائجها قد زادت مأساة الانسان وزادت الكوارث والمأساة الانسانية التي لحقت بالمجتمعات وحتى المكتسبات والمنجزات التي حققتها تضحيات العمال والكادحين في مختلف مراحل نضالاتهم التاريخية فبعد ذلك الانهيار قد تم تشديد الرجعية السياسية التي تهدف في عموم مناطق العالم الى سلب تلك الحريات والحقوق. ولذلك فإن النظام الديمقراطي بعيد كل البعد، لا وبل، مناقض للطبيعة الإنسانية وغريب عنها.
المعنى التاريخي للديمقراطية
هنالك بعدان لهذه المسألة اولهما ان النظام الديمقراطي باعتباره اطارا سياسيا واجتماعيا لسلطة رأس المال والتي هي راسخة في بلدان اوربا الغربية وامريكا واليابان وكندا واستراليا وفي كل المراكز الاقتصادية المهمة في العالم. كانت الديمقراطية ضرورة ملحة تاريخيا للقضاء على الموانع والعوائق الاقطاعية التي عرقلت حركة وتطور وتراكم رأس المال على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. وعلى هذا الأساس فان الديمقراطية او تشكيل الانظمة الديمقراطية بأعتبارها الإطار التاريخي والأجتماعي المناسب والضروري لحركة وتراكم رأس المال، قد ساعد في بداية تكوينها على تطور وتوسع رأس المال. وكان يستحيل تحقيق ذلك من دون سيادة الطبقة البرجوازية على الصعيد الأجتماعي وهذا ما لمسناه تاريخيا في كل البلدان الراسمالية العريقة كبلدان اوربا الغربية وامريكا وانكلترا وكندا واستراليا. اما البعد الآخر فان الديمقراطية في بقية بلدان العالم ونقصد بذلك بلدان العالم الثالث في المناطق الخاضعة لسيطرة المراكز الأقتصادية. فان تحقيق الديمقراطية في تلك البلدان أو حتى الحديث عنها ليس سوى وهم ساذج للبرجوازية بكل فئاتها وأجنحتها الاجتماعية ذلك لأن ظروف الأستثمار الرأسمالي وآليات حركته تقوم على أساس الاستغلال الوحشي لقوة العمل الإنساني حيث أن حركة وتراكم راس المال ومجمل العلاقات الاقتصادية في تلك البلدان خاضع كليا" لأحتياجات حركة وتراكم راس المال على الصعيد العالمي. وعلى هذا الأساس يستحيل على البرجوازية من دون السياسة الأستبدادية ومن دون قمع الحريات وسلب الحقوق ومن دون الأستعانة بالانظمة الدكتاتورية أن تحافط على سلطتها السياسية التي تحمي وتخدم الاستثمار الاقتصادي القائم على الأستغلال الوحشي لقوة العمل. ومن هنا ينبع وهم الديمقراطية البرجوازية في البلدان الخاضعة للسيطرة الأمبريالية.
ولكنه وعلى الرغم من وجود سقف معين من الحريات والحقوق في البلدان الراسمالية العريقة ينبغي أن لا ينخدع العمال والكادحين بها. لأنه يستحيل أن ينمو ويتطور الراسمال الأحتكاري من دون ذلك.
الديمقراطية والدفاع عن حقوق الطبقات المظطهدة
إن ولادة وظهور الانظمة الديمقراطية تاريخيا قد رافقت عملية التحول التاريخي للمجتمع الانساني من المجتمع الاقطاعي الى المجتمع المدني. أما بهذا الخصوص فقد تحقق للانسانية تقدما تاريخيا كبيرا تمثل بتحقيق الديمقراطية البرجوازية وسيادة علاقات الإنتاج الرأسمالي على العلاقات الأقتصادية. وهذا ما ساعد على إنقاذ المجتمع الانساني من براثن القيود الاقطاعية والمظالم التي كانت تلحق بالبشرية من جراء العصور المظلمة وسياسات الطبقة الاقطاعية. ولكن الديمقراطية في عهد سيادة النظام البرجوازي على العلاقات الاقتصادية العالمية ومع تعزيز سيطرتها الطبقية على المجتمع الإنساني فقد تغيرت هذه المفاهيم كثيرا من حيث المحتوى الطبقي والمعنى التاريخي الملموس. وبذلك ينبغي ان نميز بين الديمقراطية العمالية وديمقراطية بقية الطبقات الأجتماعية. وعلى الرغم من أن كل طبقات المجتمع قد إستفادت من التحول التاريخي للمجتمع الإنساني إلى النظام الراسمالي والتي رافقتها تحول سياسي إلى الديمقراطية البرجوازية ولكنه مع تعزيز السيطرة الطبقية للطبقة البرجوازية الصاعدة فقد تحولت الديمقراطية البرجوازية إلى اهم أداة سياسية للقمع والأستبداد الطبقي وبذلك فإن الديمقراطية قد فقدت معناه التاريخي المطابق للطبيعة البشرية. وما يهمنا من هذه المسألة فإن الديمقراطية البرجوازية قد ساعدت كثيرا" الطبقة العاملة على تنظيم نفسها وتعبئة قواها الطبقية ونمو وعيها الطبقي بغية الاستعداد والتحضير لمعاركها الطبقية الهادفة إلى إلغاء نظام العمل المأجور وبناء النظام الأشتراكي على أنقاضه. وبهذا المعنى فقد أستفادت الطبقة العاملة من الديمقراطية البرجوازية. أما في المراحل التاريخية اللاحقة لهذه الحقبة من تاريخ النظام الراسمالي، وخصوصا" في مرحلة النضال ضد الامبريالية وظهور حركات التحرر الوطني في معظم بلدان العالم فقد نادت الكثير من الطبقات مثل البرجوازية الصغيرة وحتى العمال، ولا اقصد الطبقة العاملة عندما تكون مستقلة وعند وجود حزب سياسي يمثل الطبقة العاملة من الناحية الفعلية بل اقصد ان بعض الاحزاب التي ادعت الماركسية والتي تظاهرت بتمثيل الطبقة العاملة، بتبني الديمقراطية وتبني المنهج الديمقراطي في نظرتها السياسية وكانها تخدم الطبقة العاملة وبقية طبقات المجتمع الكادحة ولكنه مع إنجاز مهمات التحرر الوطني وقيام الأنظمة الوطنية فإن مجمل القوى السياسية والأجتماعية التي تبنت مثل تلك التوجهات قد تحولوأ إلى أنظمة أستبدادبة ووحشية. وعليه ففي المرحلة الراهنة فإن التوجه الديمقراطي بكل اشكالها لا يمكن ان تخدم مصالح العمال والكادحين بل ان المنهج الديمقراطي الوحيد الذي يدافع عن مصالح العمال والكادحين ويحقق اهدافهم الاقتصادية والاجتماعية هي الديمقراطية العمالية وانها من حيث المضمون الطبقي ومن حيث توجهاتها الفكرية والسياسية تختلف اختلافا جذريا عن الديمقراطية البرجوازية القائم على النظام البرلماني وفصل السلطات.
الديمقراطية البرجوازية ( البرلمانية ) والديمقراطية العمالية ( المجالسية )
إن الديمقراطية في عهد النضال ضد الامبريالية، وكما أشرنا إليها فيما سبق، والتي تبناها الكثير من الاحزاب والقوى السياسية والأجتماعية وجعلت منها منهجا سياسيا بالشكل الماركسي تحت تأثير ثورة اكتوبر العظمى وتحت تأثير المدى والعمق الإنساني للماركسية ومدى محبوبيتها إلى قلوب الجماهير . فقد شكل ذلك تناقضا" مستعصيا". ذلك لان الماركسية والديمقراطية هما شيئان مختلفان ومنناقضان لبعضهما البعض. فالماركسية هي علم لتحرير الطبقة العاملة وإنها كفكر وأيديولوجية تحمل مضمون طبقي عمالي ونقد ثوري أثبتت حتمية أنهيار مجمل النظام الراسمالي وإقامة الاشتراكية على انقاضه. بينما الديمقراطية هي اطار سياسي واجتماعي يجسد سلطة رأس المال. فاذا كانت الديمقراطية قد حققت في بداية ولادتها انجازا كبيرا للبشرية تمثل بالقضاء على النظام الاقطاعي وخلقها لسقف معين من الحريات والحقوق في البلدان الرأسمالية العريقة فهذا لا يعني ان الديمقراطية تدافع عن مصالح العمال والكادحين والشرائح والطبقات المظلومة في النظام الرأسمالي . ان الديمقراطية هي طريقة للسلطة السياسية والليبرالية السياسية هي أيديولوجية ذلك النظام وتنادي بسقف معين من الحريات والحقوق إلى الحد الذي لا تتعارض مع المصالح العمومية للطبقة الرأسمالية وعلى هذا الاساس يمكننا الاستنتاج بان وجود بعض الحريات والحقوق في النظام البرجوازي ليس له علاقة بطريقة الحكم بل، تتعلق بتوازن القوى الطبقية داخل المجتمع. وعلى هذا الاساس فإن الديمقراطية البرجوازية تعتمد على النظام البرلماني التي يجسد الإرادة الفردية وذلك لعلاقتها بالملكية الخاصة الراسمالية وبموجب ذلك فيتم أختيار مجموعة من الاشخاص من قبل الراسماليين وأحزابهم البرجوازية بمعزل عن الإرادة الجماهيرية ويتم أنتخابهم وفق التصويت الجماهيري ليقوموا بتشكيل البرلمان البرجوازي الذي يعتبر مصدرا" للسلطة التشريعية والقانونية ومن ثم يقومون بتكليف شخص موالي للاغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة البرجوازية لتكون مصدرا للسلطة التنفيذية وكذلك تشكيل السلطة القضائية بنفس الاسلوب لتكون بمثابة السلطة القضائية. ولهذا نرى أن النظام السياسي البرجوازي قائم على فصل السلطات وهذا ما يسهل سيطرتهم الطبقية على المجتمع. أما الديمقراطية العمالية فأنها تختلف من حيث المضمون والمحتوى الطبقيتين اختلافا كليا عن الديمقراطية البرجوازية. الديمقراطية العمالية ( المجالسية ) هي الوحيدة التي تدافع عن المصالح العمومية للطبقة العاملة. من الممكن تطبيق هذه الديمقراطية في كل مكان اذا توفرت لها الامكانية الموضوعية ولكن الديمقراطية العمالية تختلف عن الديمقراطية البرجوازية لانها قائمة على تحقيق إرادة الجماهير العمالية والغالبية العظمى من السكان ولذلك فإن اسلوب واليات ممارستها تختلف عن تلك الديمقراطية البرجوازية. حيث أن النواب العمال في المجالس العمالية يتم أختيارهم من قبل العمال أنفسهم ويتم أنتخاب النواب من تحت إلى فوق على شكل هرم للسلطة تشكل الجماهير العمالية قاعدتها الأجتماعية وأعلى قمة في الهرم يسمى المجلس السوفييتي الأعلى. ويتركز كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في يد ذلك المجلس. وأهم خاصية لهرم السلطة في كل مؤسساتها وهيئاتها هو إمكانية عزلهم من قبل الفئات الجماهيرية الذين قاموا بأنتخابهم كما وأن أمتيازاتهم في أية هيئة كان وفي أي موقع كان من هرم السلطة لا تختلف عن أمتيازات أي عامل في المصنع أو المزارع أو القطاع الخدمي. وبذلك فإن الديمقراطية العمالية وعلى عكس الديمقراطية البرجوازية تقوم على اساس جمع السلطات.