حول شهادة رايس امام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ
استراتيجية
الهروب
Exit Strategy
عصام شكــري
ishukri@gmail.com
في اول ظهور
لها منذ توليها منصبها في كانون الثاني القت وزيرة الخارجية الامريكية السيدة
كونداليسا رايس بشهادتها امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي يوم
الاربعاء المصادف 19-10-2005. تطرقت وزيرة خارجية امريكا الى مجموعة من المسائل
التي تشكل محاور اساسية لسياسة امريكا الخارجية في العراق في هذه المرحلة.
وفيما يلي نعلق على تصريحات رايس وموقف الادارة اليمينية لجورج
بوش الحالي بالشكل التالي:
-
ان امريكا غير قادرة على انجاز ما بدأت به في العراق – اي
اقتلاع الدولة السابقة وهو ملئ الفراغ بدولة قوية بديلة تمثل مصالحها في الشرق
الاوسط تتشكل من قوى برجوازية عراقية "منسجمة" تنفذ مصالحها بدقة. ذلك وان تحقق
سيستغرق الكثير من الوقت. كونداليسا رايس بدلا من الاعتراف بالفشل في وضع
العراق على مسار الخروج من المأزق والسيناريو المظلم فانها تلوم البلد" المنقسم
الاثنيات والمجتمعات" و" المتأثر بشدة من جراء الحصار". ان النفاق والكذب
والفجاجة هنا لا تضاهى. فوزيرة الخارجية لا تأتي على ذكر دور امريكا في خلق هذا
التقسيم المذهبي والطائفي في العراق وعملها الدؤوب لتقوية المجاميع الاسلامية
والقومية المتخلفة واضفاء التعريفات الدينية والقومية والاثنية على كامل
المجتمع وزرع التقسيمات المذهبية. ان من السخرية ان تعلل رايس فشل امريكا في
احراز النجاح في العراق بالقاء اللوم على "نتائج" سياسات امريكا في العراق؛ اي
"تقسيم المجتمع وتفتيت نسيجه الاجتماعي" الى وحدات دينية ومذهبية متصارعة و
آثار الحصار الاقتصادي الاجرامي– اكبر جريمة اقترفتها امريكا ضد الجماهير العزل
منذ جرائمها المخزية في فيتنام وهيروشيما وناكازاكي والتي ادت الى مقتل قرابة
المليون ونصف انسان في العراق بينهم نصف مليون طفل وذلك بمساعدة وتواطئ الغرب
من خلال منظمة الامم المتحدة. لا يحق لرايس ان تلقي اللوم على الجماهير
المحرومة من اثار الحصار الامريكي عليها لتبرر فشل امريكا وسياستها الاجرامية
في العراق اليوم.
-
ومن جهة اخرى فان امريكا وبحسب رايس تهدف وبسرعة الى ضمان
قيام القوات العراقية الجديدة بحماية مواقعها والحفاظ عليها ضد هجمات قوى
الاسلام السياسي وفلول البعث المعادية لامريكا. ان ذلك الهدف الستراتيجي
لامريكا في العراق يبدو هو الاخر صعب المنال. ان عجز امريكا في الحصول على قوات
امن متدربة وقادرة لا يعود الى تهيأتها عسكريا فقط كما يحاول الامريكان ان
يوحوا بل لان قوات الامن العراقية المشكلة اليوم ليست قوات دولة بالمعنى
المعاصر بل قوات ميليشياتية ومذهبية لا تمتلك " عقيدة وطنية " بالمعنى
البرجوازي للعقيدة القتالة الوطنية. انها ليست قوات عسكرية محترفة لدولة
بالمعنى المتعارف عليه في الدولة البرجوازية المعاصرة. ان ولاء هذه القوات هو
لكيانات سياسية اسلامية مذهبية وطائفية وعشائر. انها تنتمي اولا واخيرا الى
ميليشا الدعوة وقوات بدر وعصابات مقتدى الصدر( لم نأت على ذكر قادة الجيش
العراقي السابق من البعثيين المتعاونين مع الامريكيين والمنصبين كقادة
ستراتيجيين). كل هذه الميليشيات والمجاميع التي تم تجميعها وتدريبها من قبل
المخابرات الامريكية والبنتاغون عاجزة تماماً عن اتمام مهمة حماية الدولة
اللاشرعية المنصبة من الخارج وتحقيق قدر ادنى من الامان للبرجوازية و"قمع
مخالفيها". ان قوات الامن العراقية هي انعكاس وان مشوه للصورة القائمة في
المجتمع والتي هي حصيلة السياسة الامريكية نفسها - صورة التفتت الاجتماعي
والصراعات القومية والمذهبية. تقول رايس في شهادتها امام لجنة العلاقات
الخارجية:" من بين 91 كتيبة مقاتلة شكلت لقوى الامن العراقية فان كتيبة واحدة
فقط قادرة اليوم على القتال دون دعم القوات الامريكية!!". شئ مضحك حقاً ولكنه
يثير الغضب. سنتين ونصف من التواجد الامريكي لم تسفر عن احراز اي نجاح يذكر في
تجهيز احد اهم مقومات الدولة البرجوازية اي جهاز قمع مناسب وتدريبه لتوفير
الامن. بامكان اي انسان ان يسأل المواطنين العراقيين في الشارع عن الوضع الامني
وسيعرف بانه الامان تدهور مئأت المرات عن السابق. ان الصراع الارهابي الحالي
مايزال قائما بين الجيش الامريكي وقوات المارينز في العراق من جهة وقوى الاسلام
السياسي وفلول البعث المعادية لامريكا من جهة اخرى. اما الميليشيات المسماة
قوات امن حكومية فهي قوات مهلهلة ومفككة وتنعدم لديها المعنويات ازاء عصابات
اسلامية معبئة ايديولوجيا وترفع شعارات ديماغوجية "ضد المحتل". ان ذلك لا يجرنا
فقط الى استنتاجات عسكرية بل سياسية تبين فشل امريكا في ايجاد حل سياسي. ولو
انها قد فعلت ذلك حقا لكان من الممكن الاجابة على سؤال: لم لم تستطع السلطة في
العراق لحد الان ان تقوم بدورها في التصدي للاسلام السياسي المعادي لامريكا؟.
-
ان تصريحات رايس تمثل من جهة اخرى تبريرات القيادة
الامريكية اليمينية الحاكمة ازاء المواجهة التي تزداد حدة مع اطياف برجوازية
اخرى داخل القيادة الامريكية اي الحزب الديمقراطي. ان وزيرة الخارجية الامريكية
وهي من اكبر المتحمسين لشن الحرب على العراق مع جوقة اليمين الحاكم قد لاكت
لمئآت من الاكاذيب حول امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل ولعلاقة البعث
بالاسلام السياسي ( القاعدة)، وهي اليوم ترى نفسها وجها لوجه مع اكاذيبها
السابقة ( واكاذيب زميلها وزير الخارجية السابق كولن باول الذي زور صورا جوية
عرضها على الامم المتحدة على انها صور لمعامل بيولوجية عراقية متحركة) على صعيد
كامل المجتمع الامريكي بدرجة عالية جدا من الحدة وخصوصا مع تزايد الخسائر
الامريكية وتجاوز عدد القتلى الامريكيين حاجز ال 2000 (تتحدث وسائل الاعلام
الغربية وبشكل حقير عن هذا الرقم ولكنها لا تنبس بحرف عن ذكر الحواجز الرقمية
للضحايا الابرياء المدنيين في العراق من نساء واطفال وشباب والتي بلغت مئآت
الالاف حسب اكثر التقديرات تواضعاً) . ان الانقسام المتزايد داخل القيادة
الامريكية يصاحبه انخفاض حاد قي تأييد اليمين الامريكي وسياستهم. ان الملايين
من افراد الشعب الامريكي يمقتون هذه الهيئة الحاكمة طوال الوقت الا ان الفرق
يكمن في عدم قدرتهم على مواجهة قوى اليمين واجهزتها القمعية والاعلامية الضخمة.
ان الهجوم الذي تتعرض له القيادة اليمينية الحاكمة في امريكا يأتي من الشارع
الامريكي اساساً وليس من اوساط البرجوازية " الليبرالية" المشاركة في السلطة.
فالجماهير في امريكا عبرت منذ البداية عن مقتها للحرب وكشفت عن اكاذيب ساستها
ونفاقهم. ان المجتمع الامريكي يطالب بمعرفة سبب بقاء القوات الامريكية وماهي
الاستراتيجية العتمدة لانهاء الاحتلال وارجاع القوات. ومن جهة اخرى فان العديد
من الناس في امريكا تتملكهم المرارة وفقدان الثقة لانهم ادركوا ان الحرب التي
خسروا فيها ابنائهم قائمة على اسس كاذبة اساساً اي على اساس تهديد نظام صدام
لامريكا من خلال امتلاكه لاسلجة الدمار الشامل وكذلك على اساس علاقة صدام
بالقاعدة. ان رايس نفسها اظطرت الى الاعتراف (وفي كشف غير مسبوق) على ان
الولايات المتحدة قد قررت احتلال العراق لرغبتها في ضرب " الاسلاميين
الاصوليين" في الشرق الاوسط. يتسائل الجميع اليوم وبمرارة عن زيادة نفوذ
الاسلام السياسي بالاف المرات في المنطقة بعد سنتين ونصف على الحرب المدمرة
وتخريب البنية المدنية للمجتمع في العراق. ان مواجهة رئيس لجنة العلاقات
الخارجية ريتشارد لوكر لرايس بحدة(جمهوري) يدل على ان الحزب الجمهوري نفسه بدأ
يشعر بالخطر الداهم من فقدان سيطرته على الوضع ازاء خصومه الديمقراطيين وبدأ
بتضييق الخناق وان بشكل مسرحي على قادته في الادارة الامريكية. لقد عبر لوكر عن
مرارته من اكاذيب رايس ورئيسها ونائبه بالقول:" سيدة رايس لم يعد احد يصدق
ماتقوليه انت والرئيس وحفنة صغيرة من حولكم تقل باستمرار". ومع ذلك اصرت رايس
على وضوح رؤيتها للاستراتيجية المطبقة في العراق بالرغم من اعترافها انها ربما
تكون فاشلة تماما ولكن عليها على اية حال " ان تنهض يوميا في الصباح لتعمل ما
باستطاعتها".
ان الاستراتيجية الامريكية الجديدة تعتمد على المساهمة في تقديم المساعدة المدنية
ولكن بقيادة عسكرية او ما اسمته بالجيش المدني. هذا اللعب بالكلمات سببه انها لن
تستطيع ان تقبل بالفرق المدنية ولا بالفرق العسكرية فالتكوينان اصبحا غير ممكنين
اليوم في العراق.
استنتاجات من اعترافات السيدة رايس
ان افكار وستراتيجية امريكا في العراق تتعلق :
-
البقاء فترة طويلة لان امريكا عاجزة لحد اليوم عن تامين
دولة تحكم العراق بامكانها القيام بمهمات الدولة واولها فرض النظام وقمع الخصوم
-
ان حربها مع الاسلام السياسي طويلة الامد وستكون اكثر دموية
وشراسة. ان افتراض خلاف ذلك غير صحيح لاننا كنا سنرى رايس اخرى اكثر ثقة
وتفاؤلاً بامكانية سحب القوات الامريكية من العراق قريباً.
-
ان امريكا تلجأ الى الفرق العسكرية المدنية كجواب على الشكل
الاداري الذي خلقته ادارة بريمر في العراق اي المجالس البلدية والتي تغرق في
الفساد والمحسوبيات والموالاة العشائرية والطائفية المذهبية وبالطبع السرقات.
ان مشاكل الجماهير المتفاقمة تشكل معضلة متزايدة لامريكا غير قادرة على حلها
الا من خلال اقتراح فرق الجيش المدنية المطبقة في افغانستان مع ملاحظة ان تلك
التجربة مليئة بالمشاكل العويصة.
-
ان امريكا لا تثق بحفنة الاسلاميين والقوميين الذين نصبتهم
في العراق (خلطة الجعفري - الطالباني). لقد عبرت امريكا في اكثر من مناسبة عن
استياءها الشديد من حكومة الجعفري وهي تحاول ان تدفع بحلول اخرى وتقدم ازاؤه
قوائم "انتخابية" اخرى تمهيدا لانتخابات كانون الاول.
-
ان كوندالسيا رايس يائسة تماماً من قدرة الحكومة الامريكية
على حل المعضلات التي تواجهها في العراق ولا تعتبر ان نجاح حربها في العراق
حتمي ومؤكد. ان ذلك نابع من استمرار الصراع الارهابي بين الدولة الامريكية وقوى
الاسلام السياسي في العراق والتي لا يبدو ان امريكا قادرة على حسمه لصالحها.
-
ومن هذا المنطلق فان حلا اخر يجب ايجاده لا لانقاذ الموقف
الامريكي وانما لانقاذ الجماهير مما صنعته امريكا لها من مستقبل مظلم. ان هذا
الحل يفترض اولا ان بقاء امريكا في العراق يسبب الدمار للجماهير من خلال
استمرار حربها مع الاسلام السياسي (والتي واعترفت رايس بالقدوم لسحقه ؟؟). ان
الحل الذي نقدمه امام العالم كله هو خروج القوات الامريكية الفوري وبشكل متزامن
مع تعهد دولي بتشكيل قوة اممية لحفظ السلام تحل في العراق محل القوات المحتلة (
لا تتظمن تلك القوات ولا اية قوات اسلامية او عربية) وتنزع سلاح كل الميليشيات
الاسلامية والقومية وتؤمن وضعاً مناسبا لاجراء انتخابات تشارك فيها كل القوى
السياسية وباوسع نطاق وفي اجواء بعيدة عن الارهاب والتفجيرات والتقسيم الطائفي
والمذهبي. ذلك الحل سيضمن حق الجماهير في التدخل لتقرير مصيرها بشكل واقعي
وبمساعدة القوى الانسانية والجماهير في العالم. ان حزبنا يتقدم بهذا المطلب
ويناضل من اجل ادراكه وتحقيقه لان البرجوازية العالمية والمحلية وكل قوى
الاسلام السياسي الارهابية وغيرها لن تستطيع ان تحقق ذلك. انها بدلا من ذلك تجر
العراق الى مستنقع الصراعات والدمار والمستقبل المجهول.
-
ان انهاء هذه الاوضاع سيكون لصالح الجماهير لاعتبارين
متزامنين: آ) انهاء السيناريو الاسود؛ انهاء الصراع الارهابي الامريكي –
الاسلامي وتحقيق الامان للجماهير و ب) نزع فتيل الخطة الامريكية بالتحالف مع
البرجوازية الرجعية الاسلامية والقومية والتمهيد لاعادة تشكيل المجتمع المدني
والدولة العلمانية التي تحفظ للجماهير حقوقها المدنية بعيدا عن الطائفية
والتعريفات القومية والعشائرية. ان تحقيق الدولة العلمانية لن يكون ممكنا
انجازه فوراً لان تحقيق مثل تلك الدولة لن يكون على ايدي البرجوازية او قواها.
ان البرجوازية متحالفة مع الدين والطائفية. ان الدولة العلمانية ستتحقق فقط على
ايدي الاشتراكيين والتحرريين في العراق. ان تحقيق النقطة (ب) رهن بتحقيق النقطة
(أ)ا. ان تحقيق الدولة العلمانية غير ممكن بتاتا دون نضال الاشتراكيين وتحديدا
حزبنا من اجل الجمهورية الاشتراكية في العراق. الجمهورية التي ستقضي على حكم
البرجوازية وتحقق مجتمع الحرية والمساواة والرفاه لكل المواطنين. لنعمل معاً
على المطالبة باخراج القوات الامريكية ونزع سلاح الميليشيات الاسلامية والقومية
الرجعية ولنطالب بالدولة العلمانية والمجتمع المدني القائم على اساس المواطنة
والحرية والمساواة.