وثائق
ويكيلييكس
مقابلة مع عصام شكــــري حول التقارير
المسربة من مؤسسات الحكومة الامريكية
نحو الاشتراكية:
منذ بضعة ايام اثار موقع ويكيلييكس
زوبعة
سياسية في العراق والعالم وذلك بنشرها مئات الالوف من الوثائق التي
تؤكد وحشية الحرب الامريكية على العراق، وتورط الحكومة العراقية
والجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا بممارسة الارهاب. والسؤال
هنا: هل تؤيد صحة ماورد في تلك الوثائق ولماذا تم إثارة هذه
الزوبعة في ظل الاوضاع الحالية بالذات؟ وما هي الأبعاد السياسية
لهذه المسألة ؟
عصام شكــري:
حسب علمي
فان الوثائق مسربة عن الجهات الرسمية الامريكية
وارى
فيها عددا من الاوجه. اولها يتعلق بالجرائم التي ارتكبت ضد الشعب
العراقي والتواطؤ الامريكي في اخفاء تلك الجرائم وعمليات الارهاب.
وبهذا الصدد اسأل: هل سيتم تقديم الارهابيين هؤلاء الى المحاكمة
بتهمة التسبب في الارهاب واعمال التعذيب في السجون والمخابئ
والاعتقالات والاغتيالات والتصفيات والتهجير الطائفي والقومي؟. هل
سيلقى القبض على رؤساء المجاميع الاسلامية والعشائرية والميليشيات
ويساقون الى المحاكمة بعد ان اتضحت ادوارهم ؟. لقد فتحت حكومة
المالكي اوسع الابواب لدخول جهاز المخابرات الايرانية وجيش القدس
سئ الصيت للقيام باعمال الارهاب ضد المواطنين في العراق. فهل سيعمل
على جلب هؤلاء الى المحاكمة ؟
اسأل بالطبع لا لكي اتبين الجواب فالجميع يعرف ان الجلاد هو
القاضي في نفس الوقت.
ان رؤساء
الميليشيات الحاكمة مازالوا
يمتلكون الصفاقة للحديث عن "الطاغية المقبور" و"الدكتاتورية
البغيضة" و"العراق الجديد" وغيرها. ولكن التقرير يبين ان جرائمهم
اكبر بكثير من جرائم صدام. اكبر بالفعل. ورغم ذلك اقول ان ما نشر
في الــ 15000 وثيقة سرية اقل بكثير مما جرى في الواقع منذ 2003
ولحد اليوم. تلك الوثائق تبين ان عدد القتلى المدنيين في العراق
بلغ 66 الفا. عدد متواضع جدا قياسا بالمجازر الدموية التي ارتكبت
ويذكر ايضا ان هناك اكثر من 30 الف انسان قتلوا بالالغام
و30 الف اخرين قتلوا ب"معارك" طائفية. معارك طائفية بين جيش المهدي
وبدر والصحوات وقادتهم. يعني ذلك ان اكثر من 120 الف انسان قتلوا
على ايدي نفس الميليشيات الحاكمة او المعارضة التي يتم التودد لها
للدخول في "العملية السياسية". برأيي هذا رقم تافه قياسا الى
الواقع. المالكي وعلاوي والصدر والحكيم والطالباني والبرزاني
والدليمي والضاري والصغير وبقية الاسلاميين والطائفيين والقوميين
يعرفون ذلك جيدا. انهم يحرضون على تصفية بعضهم من مآذن الجوامع.
هناك ارقام تتحدث عن اضعاف ذلك الرقم ويقال تجاوزه للمليون قتيل.
الجانب الاخر الذي تمثله الوثائق هو اعترافات
الجيش الامريكي بتستره على جرائم الارهاب التي ارتكتبتها
الميليشيات لانه هو الذي نصبها في السلطة كميليشيا بدر والدعوة
وجيش المهدي وعصابات الصحوة وقادة القاعدة "التائبين" مجاميع
العشائر المسلحة وغيرهم. ان جهازي الجيش والشرطة تابعان الى الدعوة
والمجلس وحكر عليهما فيما عدا اعضاء جيش المهدي بالطبع.
الجانب الثالث لتلك الوثائق يتصل بالوضع الاقليمي ودور الجمهورية
الاسلامية الايرانية والمخابرات السورية وربما الاسرائيلية
والتركية والسعودية وغيرها. ولكن ذلك معروف للجميع. لقد بينت تلك
الوثائق ان
جيش
القدس وميليشيات الجمهورية الاسلامية قامت بعمليات ارهابية واسعة
النطاق ضد الجيش الامريكي من جهة وضد المدنيين واعمال تصفية عرقية
او قلاقل عرقية لخربطة الاوضاع. بل وحتى قاموا بهجمات لقتل رفاقهم
الاسلاميين الشيعة في نفس الحكومة. ذلك يبدو خبرا مثيرا ولكنه ليس
كذلك بالطبع. الى ص 3
ان مناطق الصراع والنفوذ تشهد على وحشية تلك القوى وخاصة في مدن
جنوب العراق كالبصرة والناصرية والعمارة والحلة وغيرها. اما سوريا
وتسليحها لمقاتلي القاعدة وتسريبهم عبر الحدود ليستقروا في مناطق
ديالى والانبار وبغداد والموصل وغيرها واتهام مسؤولين في الحكومة
السورية بذلك فهو الاخر معروف ولكن غير موثق. الوثائق السرية
المسربة تتهم ميليشيات الصدر وبدر والمجلس الاعلى وبقية القوى
الاسلامية وباسناد واوامر من الجمهورية الاسلامية بشن الهجوم على
الوزارات والادارات الحكومية ومنها على سبيل المثال لا الحصر وزارة
الصناعة وقتل العشرات من اعضاء السلطة نفسها. ولكن التيار الصدري
له نواب في البرلمان وميليشياته في الجيش كما قلنا. هل تكفي تلك
الجرائم لتقديم المتهمين بها الى المحاكمة ؟. وماذا عن قادة الجيش
الامريكي ؟ وماذا عن جورج بوش وتوني بلير. تلك الوثائق متأخرة
والعالم يعرف بهذه الحقائق منذ زمن طويل ولكن الاعلام كان يخنقها.
قد يمتلك نشر
لوثائق على صفحات الانترنيت في هذا الوقت خلفية سياسية.
وربما تكون تلك الخلفية هي اشتداد حمى الصراع السياسي في امريكا
اثر ازمتها وفشلها على اكثر من صعيد ومنذ العام 2008 بين الحزبين
الرئيسيين حيث يراد تعرية سياسات وممارسات الجمهوريين وفشلها وخاصة
المحافظين الجدد وبالتالي محاولة الديمقراطيين الاستفادة من تلك
التقارير لاعادة تجديد صورتهم التي اخذت بالذبول وحصد اصوات اكثر
في الانتخابات القادمة. ان الحزب الجمهوري بدوره يشن الان حملة
ممنهجة ضد اوباما ويتهمه بالفشل في كل شئ وهناك بالطبع جوانب اخرى
تتعلق بادارة الصراع مع الجمهورية الاسلامية وقطب الاسلام السياسي
على صعيد العالم.
نحو الاشتراكية:على
الرغم من أهمية الوثائق التي تم نشرها
في الموقع المذكور وعلى الرغم من حجم الفضيحة السياسية التي رافقت
نشرها، بالنسبة للاوضاع السياسية الحالية في العراق، إلا ان
الحكومة العراقية وكل التكتلات والاحزاب والقوى السياسية القومية
والمذهبية تتصرف وكأن شيئا" لم يحدث. باعتقادكم! ما هو سبب هذا
البرود السياسي لدى تلك القوى وعدم حساسيتهم لما حدث؟
عصام شكــري:كيف
نريد لهؤلاء ان يبدوا اي اكتراثا ؟ انهم
حفنة من رؤساء ميليشيات تم تنصيبهم بالدبابات وجاءوا بمجازر دموية
ومازالوا يمارسون الاجرام في كل منعطف! كيف يمكن لهؤلاء اي يبدو اي
اهتمام او اكتراث ب "الرأي العام" او بنشر تقارير او حتى بسمعتهم
السياسية ؟ لقد نشرت تقارير عديدة من قبل منظمات العفو الدولية
وهيومن رايتس ووتش ولكنها مرت مرور الكرام. ليس في العراق ثمة ما
يسمى ب "الرأي العام" وبتعبير اخر اي قدرة للجماهير على محاسبة
هؤلاء وسحب البساط من تحتهم بالوسائل السياسية. انهم منصبون بالقوة
وبالارهاب والاعتقالات والاغتيالات.
ربما تستطيع تقارير او وثائق اي تطيح بفرد او نظام سياسي في
دولة متعارفة او فيها نظام سياسي مستقر ولكن العراق بلد ليس فيه
ادنى مقومات الطبيعية والساسة فيها رؤساء ميليشيات اين منهم قادة
الهوتو في رواندا.
رغم ذلك فان المالكي وحلفاءه في
"دولة القانون" اعربوا عن انزعاجهم واعتبروا ان ظهورها
يستهدف اسقاطهم.! ذلك مضحك طبعا. فمن المفترض ان المالكي
يستند الى الاصوات والكتلة الشقيقة ( التيار الصدري) وليس مؤامرات
"الشيطان الاكبر".
يتبجحون بان هناك ديمقراطية وتصويت و“عملية سياسية". فاين هي تلك
العملية ولم يخاف المالكي من ان تسقطه "اوراق"، ولم مرت 7 اشهر ولا
يستطيعون الاتفاق فيما بينهم. طبعا انهم في مهب الريح ولكن ذلك شأن
اخر.
ان المالكي
وعلاوي والصدر والحكيم وطالباني وبرزاني وغيرهم من سياسيي ”البزنز
- مافيا" يريدون ان يحرزوا انتصارات ضد بعضهم البعض ودعم من هذا
الطرف او ذاك وليس لديهم وقت للرد على الاتهامات الكثيرة. وباختصار
فان السياسة في العراق تعتمد على ”البلطجة“. اما الاسس المدنية
والتقارير الدولية ومنظمات "حقوق الانسان" فذلك بالنسبة اليهم شئ
هزلي. المالكي هنا يريد ان يتصرف كمرشح الجمهورية الاسلامية
الايرانية ضد خصمه المدعوم من دول الاسلام السني وامريكا - اياد
علاوي. ومن هنا حرصه على التصريح شكليا على الاقل.
نحو الاشتراكية:من
وجهة نظركم: هل للادارة الامريكية مصلحة
معينة في نشر تلك الوثائق؟ وهل أن طرف سياسي معين في الساحة
السياسية العراقية مستهدف من وراء نشر تلك الوثائق؟ ولماذا تتظاهر
الادارة الامريكية وكأنها مستائة من نشرها وتتذرع بحجة خطورتها على
الأمن القومي وعلى حياة الكثير من الأمريكيين بالذات؟
عصام شكــري:المتحدث
باسم وزارة الدفاع الامريكية نفى ان يكون لدى البنتاغون اتصالات مع
جوليان اسانجي صاحب الموقع الالكتروني "ويكيلييكس". كما صرح
المتحدث باسم الخارجية الامريكية بنفس الاتجاه وقال ان الحكومة
الامريكية لا علاقة لها بالوثائق المسربة. ورأيي ان العكس هو
الصحيح. فالحكومة الامريكية من الخارجية والبنتاغون يعطون معلومات
خاطئة للتمويه. اعتقد ان للحكومة ضلع في التسريب وقد يكون هناك كتل
معينة داخل الحكومة لها مصلحة في نشر تلك الوثائق. وكما بينت ربما
يكون الحزب الديمقراطي وراء ذلك كخطوة تعبوية ضد الجمهوريين.
بالطبع لا اقصد انهم فبركوا الوثائق ولكنهم ساعدوا او سهلوا
اظهارها للعلن لكشف سياسات الجمهوريين ولسلبهم القدرة على انتزاع
اصوات منهم. ان تحذيرات هيلاري كلنتن من مخاطر التقرير جدية بالطبع
لان امريكا تقوم على اساس انتشار واحتلال الجيش الامريكي لعدة
قواعد وبقاع من العالم وان هناك مخاطر جدية لان التقرير يفضح وحشية
الممارسات الامريكية في العراق وافغانستان. ان الجديد هو ان
الوثائق صادرة من المؤسسة الامريكية نفسها وليس من تنظيمات مخالفة
او معادية وبالتالي فان تحذير كلنتن واقعي.
السبب الاخر
لنشر
التقرير برأيي
قد يكون
الوضع الحالي لامريكا على صعيد عالمي وفشلها السياسي والاستراتيجي
والاقتصادي وافول نفوذها ورغبتها في ادارة الصراع مع الجمهورية
الاسلامية وسوريا بشكل مختلف تاكتيكيا بالقول اننا لم نهزم الا
لاسباب مشخصة تتمثل في وجود دعم للارهاب من ايران وسوريا
ومؤامراتهما لزعزعة
”نجاح“ الاخيرة فيه. ليس لامريكا اليوم برأيي ما تخسره وخاصة
سمعتها لانها فقدتها كليا واصبحت مفلسة بعد فشلها وجرائمها في
العراق لذا فليس لديها ما تضحي به في هذا المجال يضاف اليه ان
اوباما والحزب الديمقراطي يريدان الظهور بمصداقية والدفع بسياسات
المساومة التقليدية للديمقراطيين مع الاسلام السياسي الذي تمثله
الجمهورية الاسلامية في ايران. الوثائق المعلنة قد تكون مفيدة لهذا
الغرض.
نحو
الاشتراكية:كشفت
تلك الوثائق بأن ايران تلعب دورا"
في غاية الخطورة في الساحة السياسية العراقية. باعتقادكم! كيف
ستكون تأثيرات تلك الحقيقية على العملية السياسية، وعلى محاولات
تشكيل الحكومة، في العراق؟ وما هو الموقف الرسمي للحزب الشيوعي
العمالي اليساري العراقي من عملية نشر تلك الوثائق؟ وهل هناك خطط
معينة لدى الحزب بصدد ذلك؟
عصام شكــري:لا
ارى ان
تشكيل الحكومة يجيب على الموضوع. كان هناك حكومة في العراق قبيل
الانتخابات اليس كذلك ؟ هل كان هناك طمانينة وامان ومجتمع طبيعي
دون انفجارات واغتيالات ؟ ام تدهور بعد تدهور: مرة تفجيرات
بالهاونات ومرة هجوم على البنوك ومرة اقتحام للمنازل من قبل الجيش
وقتل عوائل باكملها ومرة تفجيرات بمفخخات وعبوات ناسفة ومرة هجوم
على الصاغة ومحلات الصيرفة ومرة قتل نساء في الشوارع ومرة مترايس
وجدران كونكريتية بين المناطق السكنية...وهكذا دواليك. الم يجري كل
ذلك بوجود الحكومات السابقة ؟ من الجعفري الى علاوي الى المالكي.
الناس تعرف ان من سيشكل الحكومة هم نفس رؤساء الميليشيات الاسلامية
والقومية والعشائرية؛ هذا مدعوم من ايران وذاك من سوريا وهذا من
السعودية وذلك من تركيا وامريكا واسرائيل ...الخ. انهم اساس
المشكلة وليس لديهم حل. الحل بايدي الناس، بايدي المجتمع برمته
وليس بايدي هذه المافيات.
نبه الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي الى
اجزاء مما اعلنته تلك التقارير ولكن لم يصدر موقف رسمي بشأن نشر
الوثائق.
وفي النهاية اود ان اقول كلمة اخيرة وهو
ان هناك عامل ايجابي في نشر الوثائق برأيي. ان ذلك يمثل اسدال اخير
لستارة مسرح العبث الدموي على حقبة سوداء كالحة من تأريخ البشرية
وهي مرحلة جورج بوش والنظام العالمي الجديد للمحافظين الجدد
والعنجهية الامريكية التي اعقبت سقوط المعسكر الشرقي. بهذا المعنى
فانه اعلان لبداية نهاية ما. تلك القوى تضع رجلا لها داخل السلطة
ولكن رجلها الاخرى خارج التأريخ. لقد افلسوا كليا وان هذه الوثائق
توضح ذلك الافلاس الاخلاقي والسياسي. وفي العراق بدأت الجماهير
بالتحرك. ان اصدار تلك الوثائق المصنفة سريا وتهريبها وفيها كل هذا
الكم من الجرائم والمؤامرات ضد جماهير العراق لمؤشر على اقرار
الطبقة الحاكمة بالهزيمة. ارى انه على الانسانية المتمدنة في
العراق، الانسانية التي دفعت دماءا غزيرة من اجل طموحات هؤلاء
بالسلطة ان تلملم صفوفها وتبدأ الهجوم من اجل كنس هؤلاء واحلال
بدائلها الانسانية.
نحن في
الحزب الشيوعي العمالي اليساري لدينا بديل الاشتراكية. نحن ندعو
الجماهير الى تبني بديلنا، لماذا ؟ لانه الوحيد القادر على الاجابة
على الاوضاع الحالية في العراق سواء لجهة تخليصه من الكارثة
والتشرذم او لجهة توفير المدنية والعلمانية والحداثة والحريات
والمساواة والرفاه والانسانية.