حول رسالة البرت أينشاين الى كوتكين
الالحاد والفكر المادي
عصام شكــــري
ishukri@gmail.com
تم نشر رسالة العالم الفيزيائي انشتاين والتي ارسلها الى اريك كوتكن في العام 1954. تكشف تلك الرسالة عن جوانب في فكر انشتاين الاجتماعي وتحديدا عن موقفه من الدين. يبين انشتاين بوضوح في تلك الرسالة التي تم بيعها في احد المزادات ، الحاده ، وعدم اعتقاده بوجود كائن علوي خارق قائلا :" الاعتقاد بوجود اله خرافة صبيانية". معظم الكتب التي كتبت عن انشتاين لم تتطرق لحد الان لموقفه الالحادي من الدين. بل اكتفت بتبيان مواقفه من الدين باعتبارها لا ادرية او تشكيكية agnostic / skeptic(اي عدم الجزم او القطع بوجود او عدم وجود اله او كائن خارق). الا ان رسالة اينشتاين التي نشرت قبل ايام تبين بوضوح لا لبس فيه ان اينشتاين لم يكن مشككا او لا ادريا بل كان ملحداً دون مواربة.
يقترب انشتاين في رسالته التي يتحدث فيها عن الدين والمعتقد بوجود كائنات خرافية علوية وكذلك عن رأيه بالدين اليهودي كثيرا من جذر الفكر المادي. يقول انشتاين في رسالته: " ان كلمة الاله، بالنسبة لي، ليست باكثر من تعبير ومنتج للضعف البشري، وان الانجيل هو تشكيلة من الاساطير النبيلة ولكن البدائية والتي هي شديدة الصبيانية. ليس ثمة تفسير مهما كان موارياً ( بالنسبة لي ) سيغير من اعتقادي هذا". كما يهزأ انشتاين من ان اليهود هم شعب الله المختار ويقول لا ارى في اليهود اي شئ خاص بهم يميزهم عن باقي البشر .
ان تأكيد انشتاين على ان الدين هو منتج انساني هو فكرا ماديا. ان الفكر المادي هو فكر الحادي ويرتبط باحد جذور الفكر العلمي ( العالم -بكسر اللام- لا يقبل بنظرية الا بعد ان يتأكد من نتائجها وفق شروط ومبادئ التجربة العلمية - وبناء على تجارب العلماء الاخرين ). الا ان العالم انشتاين قد تم اغماط مواقفه لاهداف تخدم الطبقة البرجوازية وفي محاولة مستميتة للدفاع عن الدين ولصق التدين، او على الاقل التشكيك، بشخص انشتاين.
ان من الخطأ التمادي في اعتبار انشتاين يمتلك نظرية عن التاريخ والمجتمع لها عمق الا ان اضافة اسم انشتاين الى قائمة الملحدين يعد انتصارا كبيرا للفكر المادي، باي زاوية يتم النظر بها الى الموضوع. ان البرت آينشتاين اهم عالم في الفيزياء في القرن العشرين هو الان رسميا ملحد.
ان الالحاد هو النكران القاطع بوجود كائنات خرافية او الهة. والالحاد ظاهرة قديمة في المجتمع وقد كان سقراط Socratesمن اوائل الفلاسفة الذين تعرضوا للقمع بسبب الحادهم وقد تم محاكمته من قبل الدولة اليونانية، لا لانه انكر وجود الالهة، بل لانه انتقد المؤسسة الدينية القائمة والتي اعتبرها مؤسسة تنشر الاكاذيب بين البشر من اجل ادامة نفوذ الطبقة الحاكمة (الاسياد) على طبقة العبيد وادامة اظطهاد البشر واستغلالهم من خلال الدين. ومن اوائل المفكرين الماديين في العصر اليوناني القديم كان ديموقريطس Democritus (اول من قال بالنظرية الذرية للكون) و ابيقور Epicurus (صاحب نظرية مادية تعتبر ان السعادة الانسانية تنبع من التغلب الفكري على الخوف من الالهة...الخ). وقد ارسى فكرهما الحجر الاساس للفكر المادي للقرن 18 الميلادي فيما بعد.
وفي القرن 18 لعب كل من ديفيد هيوم David Hume وايمانويل كانت Emanuel Kant دورا اساسيا في تطوير الفلسفة المادية. لم يكن هذان المفكران ملحدين بل كانا تشكيكيين ولكنهما ارسيا دعائم المنهج المادي ومهدا لمفكرين ماديين اكثر صرامة وان كانت ماديتهما والحادهما مشوبة بمثالية كما في لودفيج فويرباخ Ludwig Feuerbach الذي كان كتابه "جوهر المسيحية" اعلان حيوي عن تلك الافكار المادية والالحادية للقرن 19 . ومن جهة اخرى فان هيغل Hegel والذي انشأ كيانه المثالي الشامل ولكنه في نفس الوقت انتج الصيروة المعرفية التي سميت بالديالكتيك قد ساهم هو الاخر مساهمة فعالة في تطوير الفكر المادي وان كان بشكل مقلوب ( قال انجلز فيما بعد ان المنهجية المادية لديالكتيك هيغل كانت تقف على رأسها وان ماركس قد اجلسها على رجليها ). ان مما يجدر ذكره ان الفكر المادي والالحاد لم يتطورا بعملية التفكير المجرد او ما يعرف بالتأمل. ان احد اهم دعائم تطور الفكر المادي الفلسفي ومعه الالحاد هو تطور العلوم الطبيعية وخاصة الخلية الحية والكيمياء. ان اكتشاف حقيقة علمية واحدة يحيل ، بين ليلة وضحاها، رزمة كاملة من الافكار الفلسفية المثالية الى رماد. لذا فان دعائم الفكر المادي والالحادي لم يكن الا تاريخا اخر لتطور العلوم الناجم عن التطور الاجتماعي بشكله العام.
ومن الجدير بالذكر ان الفكر المادي او الفلسفة المادية هي الفلسفة التي ترى اسبقية المادة على الوعي او التجربة على الفكر. الا ان المادية لم تنزل هكذا كاملة وبشكل نهائي. انها تطورت من افكار مثالية تصارع وتتشكل داخل المجتمع وليس خارجه ( ليس في عقول المفكرين حسب). اما علاقة المادية بالالحاد فهي قد تكون مفصولة من الناحية المعرفية ولكنها مترابطة بشدة من الناحية الواقعية. ان الفكر المادي وهو الذي يؤكد على ان المفاهيم والصور والفكر يتطور داخل عقل الانسان ومن خلال التجربة المادية فانه هو نفسه قد مر بمرحلة كان فيها شديد المثالية وكان فويرباخ وقبله استاذه هيغيل يمثلان بشكل حاد هذه المادية المشوبة بالمثالية الفكرية.
وعندما جاء كارل ماركس ونقد مادية فويرباخ فانه في الحقيقة نقد مثالية تلك المادية او ما علق بتلك المادية من مثالية وفكر خرافي. لقد بين كارل ماركس بوضوح في افكاره السريعة "اطروحات حول فويرباخ" تلك الافكار وارسى الجذر المادي الحقيقي للفكر المادي وايضا الالحادي. اي انه حدد دور المجتمع والصراع الطبقي داخل المجتمع على انه المحرك الاساسي للتغيرات والقفزات المادية والفكرية على حد سواء وبالتالي نقد تصورات فويرباخ على ان المادية هي ناتج لتأمل انسان فرد معزول داخل ما يسمى بالمجتمع المدني. ( انظر اطروحات حول فويرباخ – كارل ماركس ).
ان الحاد كارل ماركس كان هو الاخر الحادا ماديا ولكنه ليس الحادا فكريا تأمليا ( لم يكتشف عدم وجود الاله بتأملاته الفذة ) بل نتيجة ادراكه لدور الدين في تدعيم طغيان وظلم طبقة اجتماعية طفيلية للملايين من البشر المنتج والمحروم والمعدم. لقد استطاع فقط نقد الدين بعبارته الشهيرة ( الدين افيون الشعوب ) وفق نظرة تقوم على اساس ان الدين هو منتج بشري يهدف الى تعميق الظلم الاجتماعي من خلال تبريره وبالتالي ادامته ابديا وخداع الملايين بجنة وهمية.
واليوم فان الطبقة البرجوازية بجناحيها المحلي الاسلامي – القومي والعالمي اليميني المتطرف قد ارجعت الدين تماما كما كان سائدا في زمن الاقطاع والعصور المظلمة المسيحية وعصور حكم الخلافة الاسلامية.
لقد باتت الجماهير بعد ان تطورت الامكانيات العلمية والتقنية والانتاجية والفكرية للملايين من البشر الى درجة فائقة وبعد ان ذابت الطبقات جميعها في طبقتين اساسيتين هما الطبقة البرجوازية والطبقة العاملة، وبعد ان تم دك اسس الفكر الديني من خلال الاكتشافات العلمية الكبرى ونظريات التطور والارتقاء لداروين والنظرية النسبية لانشتاين وما تمثلانه من دحض خرافة الافكار الدينية، فان القوى البرجوازية اليوم وفي كل انحاء العالم لا تجد من نصيرا لها يقيها من الثورة الاجتماعية وغضبة الجماهير من جشعها وظلمها ونهبها الا الدين والخرافة الدينية.
ان الالحاد اليوم لا يشكل ترفا فكريا او تحديا اخرقا للمؤسسات القائمة بل ، ضرورة وحاجة للطبقة العاملة ، لا من اجل تغيير اعتقاداتها الما - ورائية او حل لغز وجود او عدم وجود كائن يعيش في ( اللا مكان ) او حول وجود او عدم وجود جنة موعودة فيها حوريات وخمر ، بل في الاساس الى تحديد العدو الطبقي للعمال والكادحين والنساء والملايين من البشر المحروم في هذا العالم، واليوم. ان قوى الدين ( سواء القس اليميني الاخرق جون هاغي الذي دعم اليميني جون مكين وجورج بوش والمحافظين الجدد ودولة اسرائيل المجرمة او بن لادن ومقتدى الصدر واحمدي نجاد وبقية الائمة الرجعيين من قوى الاسلام السياسي الداعمين للارهاب والقتل والمجازر الجماعية ) كلها بمجموعها تبغي اهانة وتحقير وتدمير الطبقة العاملة بالخرافات الدينية، لا لكي يلتقوا بها في الجنان الوهمية فيما بعد، بل من اجل شل حركتها كليا وتفتيتها ومنع وحدتها من اجل اهداف الاشتراكية والعمل لتغيير العالم لصالح الملايين من البشر المحروم والجائع والمريض.
ان قوى الدين تريد ان يصطف العمال لا بوجه الطبقة الرأسمالية المستغلة والتي تنهب المليارات من الدولارات وتفقر المليارات من البشر، بل لكي يقفوا بوجه بعضهم البعض ويقتلوا بعضهم من اجل خرافات واوهام يحاول الاسلام السياسي وكل قوى الدين يوميا زرعها في عقولهم واجسادهم المتعبة لزيادة مأسيهم ومعاناتهم وتخلفهم وتفتتهم.
**************