رسالة الى مصر 7
ياجماهير مصر الثائرة،
ان الدولة التي يحاولون ان يشكلوها اليوم هي دولة انتقالية مهمتها الاساسية الاجابة
على معضلتهم العويصة والكبرى اي ثورتكم التي تضغط عليهم من كل جانب. لذا فان هذه
الدولة هي دولة مضادة للثورة. ما معنى دولة مضادة للثورة ؟ تعني ان مهمتها الاولى
اعادة قبضة الطبقة البرجوازية على مقدرات الامور في مصر وهزيمة الثورة.
ان نجاح الاسلاميين في الانتخابات المهندسة بدقة من قبلهم لم يكن بارادة الشعب
المصري الحرة كما تم الترويج، بل نتيجة لترتيب الاوضاع بشكل معين ليبدو ان الشعب
المصري هو من قرر جلب الاسلاميين، ولكن هل ننسى التعبئة الواسعة من قبل دول الاسلام
السياسي في السعودية والخليج ومن خلفهما ادارة باراك اوباما ودول الاتحاد الاوربي
(اي كل البرجوازية العالمية) والاموال التي انهمرت و القدرة الاعلامية والدعائية
والتنظيمية التي منحت لتلك القوى؟. هل ننسى ما قاله اوباما في جامعة القاهرة عند
توليه السلطة حول الاسلام و"سماحة الاسلام" ؟ ان تبريراتهم حول ان الاسلاميين اكثر
ترسخا في المجتمع هي تبريرات مفضوحة. يقولون الشعب اختار ولكن الشعب لم يخرج كله من
جهة، ولم تسنح الفرصة المتساوية لكل القوى السياسية في عرض افكارها وبرامجها لا
ماديا ولا اعلاميا ولا سلميا (دون قمع الجيش المتواطئ مع الاسلاميين) لكي تظهر
ارادة الشعب المصري كما هي دون تزييف. لقد "طبخوا المسألة" لكي يجلبوا الاسلاميين
تحديدا للسلطة. وهنا سنعرف لم يريدون لهؤلاء ان يستلموا السلطة.
ان الاسلام السياسي هو القوة السياسية الضامنة للبرجوازية في الوقت الراهن للقيام
بما يجب على الدولة انجازه في هذه المرحلة وهو هزيمة الثورة. هذه مهمة الاسلاميين
ولكني اقول انها مهمتهم المؤقتة العاجلة. فقط من هنا نستطيع ان نفهم لم اختاروا
الاسلاميين واوصلهم العسكر للسلطة.
ان ما يجري اليوم في مصر لا يشبه ما جرى في مصر باوضاع سابقة؛ اوضاع المجتمع ما قبل
الثورة. فالدولة الحالية ليست دولة قانون او مؤسسات دستورية حتى بالقياسات المهزلة
التي كانت سائدة زمن نظام حسني مبارك. انها اليوم دولة تواجه مجتمعا مختلفا. مجتمعا
يغلي بالروح الثورية. ليس مجتمعا هامدا وخانعا بل مجتمعا متيقضا ومتأهبا. ان رؤية
الجيش وهو يركل المتظاهرين ويطلق الاعيرة النارية الحية ضدهم ويسحلهم ويدهسهم
بسياراته بالشوارع ليس سببه ان العسكر "بلا اخلاق" او "انها حالات فردية لجنود
مذعورين" كما يدعي المشير واعوانه في المجلس العسكري بل انه رد فعل ممنهج وقرار
جماعي بقمع الثورة باي ثمن. الطبقة البرجوازية التي يمثل الجيش الان (وليس الامن
المركزي المكروه من كل الشعب) جهازها القمعي الضارب تريد باي ثمن اعادة ترتيب
اوضاعها المنهارة. وان ذعرها هو الذي يجعلها تلجأ الى البطش غير المسبوق.
الفتاة التي تم سحلها من شعرها عارية الصدر وركلها في قلبها من قبل حفنة من وحوش
الجنرال طنطاوي لم يتم، ولا يتصور احد مطلقا انه كان ليتم، دون اوامر واضحة من
طنطاوي والجنزوري ومن خلفه الطبقة البرجوازية كلها بان لا رأفة ولا رحمة مع الثوار
الذين يريدون ازاحتنا من السلطة. انها عنف جاء باوامر مباشرة من الجنرالات
والسياسيين وليس مسألة اعتداء جندي منحط على فتاة. رسالة المشير وحفنة الجنرالات
والجنزوري ووزراءه والطبقة البرجوازية كلها هي كالتالي: اما ان نكسر عظامكم ونجعل
ثورتكم كسيحة حتى لو اظطررنا لسحل كل شباب مصر في الشوارع وسحقه بالسيارات (او فقأ
عيونه كما فعلوا مع الناشط الطبيب احمد حرارة)، واما ان تهزمونا وتشكلوا حكومتكم
الثورية. هذه الرسالة ليس فقط رسالة طنطاوي ولا الجنزوري ولا المجلس العسكري الحاكم
فحسب بل رسالة ملك السعودية ومشايخ قطر والكويت والامارات وباراك اوباما وهيلاري
كلنتن وانجيلا ميركل وساركوزي وكاميرون.
اما حول ما جرى من تشهير للمجلس العسكري بالاشتراكيين والقوى الثورية حين التقطوا
موضوعات اسقاط النظام وحوروها لتبدو قوى الثورة كانها تريد اغراق المجتمع بالفوضى
فهو جانب من الصراع بين القوى الثورية والمضادة للثورة. دولة الثورة المضادة تسمي
الثوريين بالمخربين والعناصر الفوضوية لتأليب الجماهير او بعض الشرائح التي ترتبط
مصالحها بالبرجوازية، بينما الطبقة العاملة والقوى الاشتراكية والثورية كالطلاب
والشباب تقول لا يمكن لهذا النظام ان يستمر، لا نريده ونريد ازاحته واسقاطه وابداله
بنظام اخر. ان من الاهمية بمكان معرفة ان كامل الوجود الفيزيائي للطبقة الحاكمة
الان في حالة تهديد. ومن الاهمية بمكان معرفة ان شعار (الشعب يريد اسقاط النظام)
يعني ماديا وعمليا اسقاط الحكومة الحالية وتشكيل حكومة ثورية. لقد كان ذلك واضحا من
البداية حين اطلق الشعب الشعار ولم يكن القصد اسقاط الحكومة فقط بل كل النظام.
وواقعيا، فما دام الشعار لم ينجز بعد، فان الثورة مستمرة.
لن يأمنوا على نهارهم مادامت الثورة تتصاعد. الشارع والميدان بايديكم ايها الثوار
والشباب المتحرر والعلماني واليساري والطبقة العاملة في مصانعها ومناطقها هي عامل
اساسي وجوهري في ادامة الثورة وليس البرلمان ولا "حكم القانون" ولا مؤسساتهم
السابقة ولا القمع الذي انتقل من يد الامن المركزي الى جيش الطنطاوي. ان نجحت
البرجوازية في تزييف ارادة الجماهير في الاحوال الطبيعية (بالمهازل البرلمانية
والدستورية وما يسمى بدولة القانون) فانها بظل الثورة لن تستطيع حتى الادعاء بذلك
دون ان تبدو اكثر من جلاد عاري بلا اي غطاء للخداع. ولكن ماهو بطش الدولة الحالية
سوى الزيت الذي يصب على لهيب الثورة ليزيدها تأججاً ؟!.
عاشت ثورة مصر !
عصام شكــري
سكرتير اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي
25-12-2011