لمَ يدافع خليل زاد عن حكومة "وحدة وطنية"؟
عصام شكــري
شن خليل زاد السفير الامريكي في مؤتمره الصحفي في مقر السفارة حربا على كتلة الائتلاف الشيعي بشكل مبطن منددا بالطائفية وداعيا الى حكومة "وحدة وطنية".
فما معنى ان يستنكر زاده الحاكم الفعلي للعراق، الطائفية فجأة وهو عراب مؤتمر صلاح الدين ومنسق جهود الميليشيات الشيعية والسنية والقومية الكردية والعربية والتركمانية بل وواضع حدود حركاتها وسكناتها؟ هل معنى تصريحاته انه معاد للطائفية؟ وهو المدرك جيدا ان كل تقسيمات امريكا للعراق كانت مبنية على اسس طائفية ومذهبية وقومية وعشائرية. ان امريكا التي يمثلها خليل زاد واضحة في سياستها العالمية منذ البدء وقد كانت تخطط لتفتيت المجتمع في العراق بعد الحرب وارجاعه الى مجتمع اسلامي متخلف قرووسطى من خلال سبغ الهويات الطائفية والقومية والعشائرية والاثنية على افراده. هذا المنهج الامريكي قد دشن ابان سقوط السوفييت. واليوم يعتبر العراق مرتكز تدويله كنموذج عالمي جاهز للتصدير.
) خليل زاد يستنكر الطائفية من منطلق الصراع المحتدم بين قطبي الارهاب في المنطقة؛ أي قطب دولته امريكا من جهة وقطب الجمهورية الاسلامية في ايران، احد اقطاب الاسلام السياسي العالمي، من جهة اخرى. احد اوجه ذلك الصراع الاقليمي هو العراق. وبطبيعة الحال فان الصراع بين هذين القطبين لا يقتصر على العراق بل يشمل مناطق اخرى كلبنان وفلسطين ودول جنوب اسيا السوفييتية سابقا. العراق هو الساحة الامامية لاستعراض امريكا لنظامها العالمي الجديد. من هنا بامكاننا فهم اعتراض زاده على الطائفية. فهو ينبع من احتمالات تفرد ممثلي النظام الاسلامي في ايران الى السلطة وبالتالي منافسة ايران للهيمنة الامريكية في العراق وبشكل جدي يهدد معه مصالح امريكا او يعرقلها على اقل تقدير.
2) ومن جهة اخرى فان استنكار زاد للطائفية لايمت باي صلة باي منحى انساني او تقدمي لادارته والتي لن يهمها لو حكم العراق حفنة من اللصوص او القتلة اذا ما تعهدوا لامريكا بتنفيذ مصالحها. ليس مبعث خليل زاد ولا قيادة امريكا اليمينية الخوف على مجتمع العراق او جماهيره ولا يهمهم حتى درء أي احتمال لحرب اهلية او طائفية ولا التحسب من ضرب قواعد المدنية والعلمانية في المجتمع العراقي من قبل قوى الاسلام السياسي. كلا. ان زاد يفكر دوما بتحقيق نظام امريكا العالمي الجديد في الهيمنة. وعلى هذا الاعتبار، يدعو الى تشكيل حكومة وحدة وطنية في العراق. ومن جانب اخر فان المطالبة بحكومة وحدة وطنية يسرع لامريكا ما تريد انجازه ( ادارة بوش اليمينية المحاصرة دوما بـ" موعد نهائي للانسحاب" من العراق) وهو انشاء دولة تكون بمثابة خاتمة لسيمفونيتها الدموية المرعبة التي فرضتها على جماهير العراق منذ 3 سنوات ولم تتوقف لحد هذه اللحظة. ان قمع المخالفين (وهي مهمة أي دولة) سيشترط تنوع القوى المؤلفة لها من اجل ان لا تكون تلك الدولة طرفا في صراع طائفي (واليوم فان المعارض لتلك الدولة تيارات الاسلام السياسي الطائفي المعادية لامريكا ولسلطتها). تطمح امريكا ان تحيد الدولة في صراعها مع معارضيها الاسلاميين المناهضين لامريكا من اجل تسهيل قمعهم وانهاءهم وتتجنب بالتالي خطر احداث استقطاب وشرخ على كامل صعيد المجتمع.
3) واخيرا هل يعني اصرار زاد على حكومة الوحدة الوطنية انه يدافع عن الجماهير ووحدتها وكيانها الاجتماعي ومواطنيتها ومدنيتها او علمانيتها؟ ام ان الوحدة الوطنية لديه تعني" وحدة البرجوازية التابعة لامريكا" من اجل تنفيذ الخطة الامريكية بكفاءة اعلى وبيد مطلقة من اية منافسة اقليمية؟
الجواب هو ان امريكا تود ان توحد القوى التي وضعت يدها في اللعبة الامريكية وقبلت الانخراط في المخطط الامريكي في العراق. ان خليل زاد ينادي بوحدة المجاميع البرجوازية الرجعية التابعة لامريكا في تلك الحكومة ويود ان تاخذ دورها لتشكيل الدولة ولا يرمي مطلقا الى وحدة الجماهير او وحدة المجتمع ازاء محاولات تفتيته وتقطيع اوصاله.
على الاشتراكيين والعلمانيين والتقدميين وكل احرار المجتمع ان ينادوا بدولة علمانية ومدنية لا قومية ولادينية؛ دولة تمنح اوسع الحقوق والحريات الفردية لافرادها على اسس المواطنة المتساوية. دولة بامكان الجميع ان يعيشوا فيها في مساواة وحرية وبلا ادنى تمييز ديني او طائفي او قومي او اثني. في الظروف الراهنة بامكان الاشتراكيين وحدهم تشكيل هكذا دولة.