اجندة اليســـــار
عصام شكــــري
يتحدث الاعلام البرجوازي في كل مكان عن ”الازمة السياسية في العراق“.
في مقالات سابقة اشرنا الى ان تلك الازمة هي ازمة الطبقة البرجوازية المحلية وقواها اليمينية بعد دخول زعيمتها العالمية امريكا في ازمة عميقة. ازمة تتمثل في فشل الستراتيجية الامريكية التي تبنتها ادارة جورج بوش الاب بعد انتهاء الحرب الباردة ودشنته بالحرب على العراق وتحرير الكويت في ”عاصفة الصحراء“. ان جماهير العراق دفعت فاتورة هذا النظام الاجرامي الارهابي في الحالتين: بروزه وافوله في العامين 1991 و2003 على التوالي.
جانب من الازمة متعلق بنتائج الصراع بين اجنحة البرجوازية - بشقيها، واعادة اصطفافاتها بعد انهيار استراتيجية امريكا، وجانب، يتعلق بنضال الطبقة العاملة وقواها الشيوعية والاشتراكية واليسارية ليس داخل العراق حسب بل على صعيد عالمي وامكانية تصاعده.
نستعرض هنا بعض ملامح وسمات ازمة البرجوازية اليوم لنستند اليها في تحديد اجندة اليسار:
1) ان الاحداث التي ادت الى تراجع النظام العالمي الجديد وانهيار القطب الاساسي فيه تتعلق بالاساس بفشل امريكا زعيمة البرجوازية العالمية وقوى اليمين الاكثر تطرفاً وعسكريتارية – المحافظين الجدد في حل مسالة تشكيل الدولة وارجاع مجتمع مدني دمروه بكل الوسائل—بالحصار الاقتصادي والحروب المتتالية خلال 15 سنة الماضية. وبنفس الوقت جلب النظام العالمي الجديد الاسلام السياسي بمثابة قوة ارهابية شديدة البربرية وسلطها على حياة ومصائر البشر في كل مكان في العالم. لم يبق من اليمين المحافظ وسياسييه اليوم الا جورج بوش. وفي نفس الوقت يلاحظ تصاعد الحركة الاعتراضية العمالية واليسارية. وقد شهدت شوارع واشنطن العاصمة تظاهرة عنيفة ادت الى اعتقال 190 ناشط امريكي. استند نظام واستراتيجية امريكا بعد الحرب الباردة على مبدأ خلق العدو لتبرير سياسة العسكريتاريا والوحشية والعدو -الصنيعة هو الاسلام السياسي.
2) وبتراجع الستراتيجية الامريكية وانهيارها في العراق والعالم فان الاسلام السياسي، يجد نفسه اليوم ضعيفا. ان انسحاب عدوه يسحب البساط من تحت اقدامه ويحرمه من الغطاء الايديولوجي - الجهاد والاستشهاد في سبيل الله وقتل الكفار والصهاينة واليهود وغيرها. ولكن الامر لا يقتصر على رد فعل الاسلام السياسي كقوة بربرية مقابلة لامريكا.
3) فان للطبقة العاملة وقواها الاشتراكية واليسارية جانب من المسألة. فاقتران تراجع النظام العالمي بفشل جناحي البرجوازية في العراق على حل المعضلات الرئيسية للمجتمع يوفر، في نفس الوقت، المجال والارضية للطبقة العاملة وقواها الانسانية على التصاعد وتعبئة الصفوف لاحلال بديلها والحاق الهزيمة الكلية بحركة الاسلام السياسي وارجاعها الى الحواشي والكهوف التي انتشلتها امريكا منها قبيل انهيار المعسكر الشرقي.
ان نضال الطبقة العاملة من اجل حريتها ومساواتها وبروز قادتها وفعاليها ونشطاءها ومشروعها العلماني والمساواتي والاشتراكي سيدق ناقوس النهاية للارهاب الاسلامي وبدائل تلك الحركة المعادية للانسانية. اليسار ومبادئه الاشتراكية والمساواتية والتحررية هو أمل الجماهير للخروج من النفق المظلم الدامي. دون وجود هذا الامل فليس من ضمان في ان افول الاسلام السياسي سيطول وسيكون بامكانها اعادة انتاج نفسها والتموضع في النظام السياسي للبرجوازية.
ان تحديدنا لهذا الاطار هو تجسيد للمكانة الواقعية الاصلية لليسار في المجتمع وليس من باب اشاعة "التكهنات" و“المضاربة“. اليسار حاجة ملحة للبشرية أي ضرورة يجب علينا (كشيوعيين عماليين او يساريين ، انسانيين، علمانيين مساواتيين) ان نحولها الى امكانية اجتماعية مادية—الى قوة مقتدرة. ان الشرط لتحول اليسار الى امكانية واقعية وبديل اصيل في المجتمع هو في ادراكه لاجندته؛ لاهدافه، ومن ثم النضال من اجلها.
الاجندة
اليوم يبرز سؤال امام كل قوى اليسار في العراق والمنطقة كما في العالم : ماهي الاجندة؟. مالذي على اليسار ان يظطلع به تحديداً لكي ينتهز الفرصة المهيئة تأريخياً و"يضرب" القوى الرجعية المتخبطة ويفرض عليها التراجع ويعزلها ويحل بديله محل بدائلها البربرية ويخلص المجتمع من دمويتها ورجعيتها الدينية وادامتها لسياسة القتل والارهاب والتجويع والافقار والبطالة والحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية؟ ماهي وظائف اليسار اليوم وبأية استراتيجية سيتحرك ؟
ان حزبنا الشيوعي العمالي اليساري العراقي كفصيل في الطبقة العاملة ينتهج الماركسية الحية؛ اي الماركسية الاجتماعية التي تناضل في المجتمع وتتصدى لقضاياه العاجلة والملحة من اجل انتفاضة العمال والجماهير. من اجل تحقيق الاشتراكية.
حزبنا يناضل لتكون الماركسية الحية في صلب اجندة اليسار لان يسار دون ماركسية اجتماعية سيكون حركة ذيلية للبرجوازية تسيرها وفق مشيئتها وبالتالي تستعمله لتنفيذ اجندتها الخاصة مهما كانت نوايا افراده طيبة. على اليسار ان يتبنى موقف العامل الاجير المعترض والثوري على النظام الرأسمالي، وليس موقع المثقف اليساري القومي المأزوم المعزول بين جدران النظريات وحدود قوميته.
ان تبني الماركسية الحية يعني الكف عن التعامل مع الماركسية كشروط وعقائد جامدة ونصوص متكلسة في اطرها النظرية. وبدلا من ذلك الاستفادة من اهم سمة للماركسية وهي السمة الاجتماعية. أي كونها تستند الى الواقع لتغييره، عن طريق بناء حركة اجتماعية تحررية قوية ضد الطبقة الاستغلالية. فيما يلي وظائف اليسار العاجلة في هذا الاطار الاجتماعي:
مواجهة القوى الاصلية للبرجوازية في المجتمع: الاسلام السياسي، القومية، العشائرية
ذلك يأتي عن طريق تشديد نقد ومواجهة قوى البرجوازية المهيمنة على مقدرات المجتمع : الاسلام السياسي والقومية والعشائرية. على اليسار ان كان يبغي تحويل واقعه وتغيير مكانته ان يأخذ اجندته من حياة البشر الواقعيين ومطالبهم، من المجتمع، وان يكون الفصيل الاكثر راديكالية وتمثلا لها. ان تحول اليسار الى حركة اجتماعية ممكن بظل تبعية اليسار الطبقية للعمال والجماهير المحرومة والنساء والشباب والاطفال – أي للغالبية الساحقة المحرومة من الجماهير.
الترويج للعلمانية وفصل الدين عن الدولة ومؤسسات المجتمع
ان الركيزة الايديولوجية التي تقوم عليها القوى المهيمنة على المجتمع هي الاسلام. انها تبغي ادامة نفوذ الدين والطائفية على المجتمع لاطول فترة ممكنة من اجل ابقاء الجماهير خاضعة ليسهل استغلالها اكثر بالارهاب والتخويف الديني. ان على اليسار ان يعي ذلك وان ينقد وقلب البرجوازية. عليه ان يناضل من اجل العزل الفوري للدين عن حياة الناس وجعله امراً شخصيا خاصا بالافراد. على اليسار تقع مهمة ارجاع مدنية المجتمع والنضال من اجل العلمانية وفصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم وكل مؤسسات المجتمع.
النضال داخل الحركة العمالية ودعم التيارات الراديكالية فيها:
ان مطالب الجماهير العمالية الغفيرة والنساء الشباب يجب ان تشكل اولويات مطالب اليسار واجندته. ان تصاعد الحركة العمالية في العراق والمنطقة وعلى صعيد عالمي سيزداد اظطرادا مع تراجع السياسة الوحشية لليمين الامريكي يقابله تراجع الاسلام السياسي كقوة عالمية. أي مطالب عمالية لن يكون بالامكان تحقيقها دون النضال ضد الطبقة التي تحرمها منها: الطبقة البرجوازية.
دعم الحركة المساواتية ورفع شعار المساواة الكاملة للمرأة بالرجل:
على اليسار ان يرفع راية تحرير المرأة ومساواتها الكاملة بالرجل في المجتمع. ان هذا المطلب كفيل بتوجيه ضربة مدمرة الى قلب الاسلام السياسي. ان الحجاب الاسلامي هو سلاح الاسلام السياسي لقمع المرأة والمجتمع. وهو في نفس الوقت رمز لقوة تلك الحركة وسلطتها. فالحجاب والزي الاسلامي يرمز الى سطوة حركة الاسلام السياسي وليس الى خرافات رغبة النساء في الحشمة والتحجب. ان ادامة قمع المرأة وحرمانها من حقوقها واعتبارها انسانا ناقصا وعورة يجب تغطيتها وتحجيبها هو جوهر نظرة الاسلام للمرأة. أي محاولة لضرب هذه الحركة دون مس جذرها الاجتماعي ستبوء بالفشل وتستمر البرجوازية الرجعية بممارسة نفوذها وتسلطها على االمجتمع. ان الدفاع عن الحركة المساواتية وتبني نهج راديكالي وهجومي في المطالبة بحرية ومساواة المرأة الكاملة سيعطي لقيم اليسار معنى اجتماعي واقعي وليس نظري. ان المرأة كما العامل تعاني من اثار استغلال البرجوازية وان رفعنا لهذا الحرمان يجب ان يكون من اول اولوياتنا من اجل التحول من ”يسار فرقي“ الى يسار اجتماعي واسع وعريض. يجب ان نحول تحرر المرأة ومساواتها الى ميدان اساسي في نضالنا. سيجعل رفع هذا الشعار، في نفس الوقت، من اليسار قوة اجتماعية تحوز على ثقة واعجاب الجماهير وعموم المجتمع. فالجماهير تريد يسارا قادر على ضرب اعدائها ومستغليها ولا تريد يساراً خائفاً واعتذارياً.