ثورات انسانية
عصام شكـــري
ان الثورات التي تتأجج اليوم في معظم دول المنطقة هي ثورات انسانية. ان الجوهر
المادي لهذه الثورات اشتراكي تبرز
للملايين في كل انحاء العالم شعاراتها المطالبة بالمساواة والحرية وبالرفاه، ليس
لطبقة دون اخرى، وليس لفئة دون اخرى، وليس لمجموعة دينية او عرقية او اثنية او
طائفة دون اخرى، ولا لفرد دون اخر، بل لكل الناس. ان الحركة الثورية المتأججة في
العراق لا تحيد عن هذا الجوهر الانساني.
الثورات الحالية ليست ثورات من اجل الديمقراطية او البرلمانية او التعددية كما تدعي
الفضائيات ووسائل اعلام السلطة، بل ان من الواضح ان الثورات لا تكترث لهذه
الديمقراطيات والتعدديات والبرلمانيات لانها تعرف الماهية الخادعة والمزيفة لهذه
الديمقراطيات التي هي عبارة عن تداول للسلطة بين حفنة من اللصوص والقتلة
والميليشيات التي تغرق الناس بكل ما هو منحط ومعادي للانسانية وللهوية الانسانية.
ان الثورات التي تقوم بها الجماهير في عموم المنطقة اليوم تقف على تقاطع واضح
ومعاداة كاملة للطبقة المالكة ونظامها
الاستغلالي المعادي للانسان. وما شعار تلك الثورات "الشعب يريد اسقاط النظام" الا
تعبير مكثف ومختزل جدا عن تلك الاستعدائية. فليس ما يقصده الناس في اطلاق ذلك
الشعار هو رغبة الجماهير الثائرة في تغيير النظام السياسي فحسب، بل ان الامر يتجاوز
ذلك الى ما هو ابعد؛ اي الى تحطيم وتغيير ركائز الاستغلال التي يقوم عليها النظام
السياسي الحاكم، المستبد والقمعي والدكتاتوري، وذلك لا يتحقق دون تغيير النظام
الاقتصادي الذي هو ركيزة السياسة والنظام السياسي والثقافي السائد. النظام المقصود
بالاسقاط ليس فقط حكومة بن علي او حسني مبارك او بشار الاسد او علي عبد الله صالح
او القذافي او نوري المالكي او البرزاني، بل هو النظام بأكمله؛ النظام القائم على
الاستغلال والوحشية والحط من انسانية الاغلبية الساحقة من البشر لاجل اثراء حفنة
طفيلية لا عمل لها هو الحفنة الرأسمالية الحاكمة. ان هذا النظام الجائر الرأسمالي
هو الذي جلب هؤلاء القتلة والدكتاتوريين وهم، لاجل هذا، يريدون الحفاظ عليه وحمايته
باي ثمن حتى لو اقتضى الامر الى زج الجلاوزة والجلادين والبلطجية في التظاهرات
وقتلهم بالرصاص الحي وفي جانب اخر قتل المئات بالمفخخات وكواتم الصوت وغيرها من
اساليبهم الاجرامية.
آن الاوان لتغيير هذا النظام واحلال نظام اخر انساني محله. ذلك نظامٌ لا يمكن ان
يكون سوى اشتراكيا ، حراً ومساواتياً، حديثاً ومتمدناً وانسانياً. ان جماهير العراق
وشبابه المتحرر الجرئ تندفع اليوم، كما الجماهير الحرة في عموم المنطقة، من اجل
بلوغ هذه الاهداف. وستبلغها.