بايدن واغاثة
القومية العربية!
عصام شكــــري
ishukri@gmail.com
أياد
علاوي الذي كان كادرا قياديا في حزب البعث ايام السبعينات والذي تحول مع
”الانتخابات“ الاخيرة الى حصان طروادة للتيار القومي العربي يطلب النجدة من جو
بايدن من اجل انقاذ القوميين العرب من مخالب ”عملاء“ الجمهورية الاسلامية الذين
يتآمرون لاغتيال ”الديمقراطية الوليدة“ التي جلبتها امريكا للعراق، حسب زعمه !.
ليس الهدف هنا التهكم من تحول اياد علاوي من داعية قتل ومجازر جماعية وحروب دموية
الى داعية وطنية و“عراقية“ وناشط ضد الطائفية وضد ”التدخل الايراني“ ، بل الى
الاجابة على مكانة وموقعية القوميين العرب في معادلة اليوم ومعرفة حجمهم الحقيقي
كطرف من اطراف البرجوازية في العراق،
ان فشل الاسلاميين قد صاحبه على صعيد المجتمع تدهور حاد في مكانتهم بسبب من نفور
وكراهية الجماهير ومقتها للاسلاميين بعد معاناة طويلة استمرت منذ احتلال العراق (
بكل الوانها الطائفية من شيعية او سنية). ان تراجع نفوذ ومكانة هذه القوى وتخبطها
وتمزق كتلها وانقسام ميليشياتها قد جعل من أياد علاوي وقائمته العروبية - الاسلامية
السنية تطرح نفسها كبديل لحل معضلة امريكا في تصفية او تحجيم نفوذ الجمهورية
الاسلامية ولتدعيم نفوذ ومكانة القوميين العرب الذين يعرضون خدماتهم اليوم لامريكا
ومصالحها تحت شعارات ”الديمقراطية“.
ولقد التقطت امريكا ذلك وراهنت لدعم
علاوي ومعها بعض الدول الاقليمية
الموالية لامريكا كالسعودية وتركيا
وربما لبنان والاردن من اجل ضرب نفوذ الجمهورية الاسلامية ولجني ثمار فشل قوى
الاسلام السياسي الشيعي.
ولكن اياد علاوي لن يقبل باقل من ان يقال عنه ”علماني“
”وطني“ صاحب مشروع توحيدي و“منقذ الديمقراطية الوليدة“!. ان اطراف قائمته
العراقية لم يصرحوا بالطبع بحقيقة
مواقفهم القومية العروبية -الاسلامية السنية - البعثية، بسبب مقت الجماهير لممارسات
وايديولوجية حزب البعث طوال 40 سنة من سلطتهم في العراق.
وبدلا من ذلك فقد رأوا في ادعاء العلمانية مسعى اكثر نجاحا لانه اكثر قبولا لدى
الجماهير وكما بينا لكي يتمكنوا من الاجابة على تراجع نفوذ ومكانة وايديولوجية حركة
الاسلام السياسي الشيعي والسني بكل اطيافه والوانه. فعلاوي والقائمة العراقية لا
برنامج علماني لهما. ان سؤال بسيط من صحفي مبتدأ لاي عضو في تلك القائمة يفضح بسرعة
سخف ادعاءاتهم بالعلمانية. فحين يسألون: ولكن قائمتكم فيها تشكيلة من البعثيين
السابقين والاسلاميين السنة وان الطائفية جزء من معادلتكم، يسارعون للقول: كلا كلا
فاياد علاوي نفسه شيعي!. ذلك يعني ان هذه القائمة هي، في الواقع، جزء من التركيبة
الطائفية والدينية والقومية السائدة في العراق ولن تستطيع، رغم كل ادعاءاتها ان تفك
نفسها عن هذه التركيبة.
ان من المثير للسخرية ان البي بي سي او بقية ابواق الاعلام البرجوازي العالمي تود
ان تقدم علاوي على اساس انه علماني وليس ممثل للقوميين العرب لكي يفعلوا تماما ما
هو بحاجة له، اي استثمار نفور وكره الجماهير العراقية للاسلام السياسي دون ان
يصرحوا بذلك طبعا.
ولكن هل يعني ذلك ان القائمة العراقية واياد علاوي تنوي ارجاع حزب البعث والتيار
القومي العربي كما كان سائدا في ايام بطش سلطته السياسية ؟.
في الظاهر فان اياد علاوي ينفي ذلك ويصر على ”الديمقراطية“ والتعددية ولكن في
الواقع فانه يتمنى ذلك. انه يود ان يحكم المجتمع بقبضة بعثية كقبضة صدام حسين ولكنه
يفتقد كليا الى الامكانيات والظروف السابقة. فقد تغير كل شئ اليوم. فحزب البعث
كما كان في السابق لم يعد موجودا وان كل من يدعي ذلك يتناسى ان الاخير كان
قابض على السلطة وان مرحلة ”الامة العربية“ و ”الوحدة العربية“ و“تحرير فلسطين“ من
”الصهيونية“ قد اصبحت تراثا سياسيا استدعى في حينها ظهور التيار الميليتانتي
للقومية العربية ممثلا بحزب البعث والانظمة القومية.
التيار القومي العربي بشكله المعاصر يستنجد بامريكا ويريد ان يثبت انه قادر على
تمثيل مصالحها وعلى دمج العراق بشبكة الرأسمالية العالمية وامكانيته لضرب الطبقة
العاملة وشل قدرتها بمسميات جديدة (ومن هنا ادعاءات الديمقراطية والتعددية).
ان امل التيار القومي العروبي برئاسة اياد علاوي بلعب ذلك الدور هو امل واهم. فذلك
التيار لن يستطيع ان يتقدم سنتمترا واحدا الى الامام في مشروعه دون ان يخرج من
الوحل الذي غطسوا فيه مع رفاقه الاسلاميين الشيعة والقوميين الكرد والمتمثل بتقسيم
المجتمع والسلطة الى محميات وكانتونات دينية وطائفية وقومية واثنية وعرقية ومذهبية
وعشائرية بطابع ميليشياتي وبصراع وحشي.
انه وقائمته جزء من التركيبة الميليشياتية التي اوجدها المحافظون الجدد في امريكا
بالعراق بعد حربهم المجرمة عام 2003 ولن يتمكنوا من الفكاك منها حتى لو قرروا ذلك.
ان ذلك التيار جزء من مشكلة الجماهير وليس جزءا من الحل.
ان العلمانية لا يمكن ان
تأتي الا من الطبقة العاملة؛ اي من القوى الشيوعية والاشتراكية والتحررية
والمساواتية والراديكالية. الطبقة العاملة هي صاحبة المشروع العلماني في العراق لان
لا مصلحة للعامل المعترض مطلقا في ان يعرف
على اساس الدين او الطائفة او القومية
لانه يريد ان يقوي طبقته وذلك يتطلب
التوحد والتضامن وتلك التعريف تقسم طبقته وتفتتها وتشتتها. انها اسلحة طبقية
بيد البرجوازية لشل وتفتيت الطبقة العاملة من اجل تسهيل السيطرة عليها وشلها كطبقة.
تلك التعريفات اللا انسانية تعبر عن عجز البرجوازية في حمل راية العلمانية لان
العلمانية ستقوي الطبقة العاملة وصف الجماهير ازائها.
ولنلخص ما قلناه:
اولا: ان التيار العروبي الذي يتزعمه اياد علاوي يقدم نفسه على اساس كونه علماني
لعدة اسباب. اولها انه لن يتمكن من الادعاء بالقومية او العروبة لان تلك
الايديولوجيات اصبحت معرفة داخل المجتمع بفاشيتها وعداءها للانسانية. ان مجرد ذكر
اسم حزب البعث او القوميون العرب تعيد الى اذهان الجماهير ذكريات السحل والمعتقلات
منذ انقلاب 1963. وثانيهما ان الجماهير عبرت عن مقتها للحركة الاسلامية وقواها
الميليشياتية وميلها نحو العلمانية
وان التيار القومي يحاول ان يلعب على وتر ذلك الميل الاجتماعي نحو العلمانية.
وثالثهما افول نفس تيارات الاسلام السياسي وفشلها في خدمة المشروع التي ارتكبت
امريكا من اجله الاف المجازر
وبالتالي تقديم علاوي لتياره العروبي
كمنقد لذلك الفشل الامريكي ولانهيار بدائلها في العراق.
ثانيا: ان القوميين العرب وتيار اياد علاوي ليس علمانيا بل قوميا رجعيا. ان تبرير
مساندة التيار القومي على انه ”افضل“ الموجود يتعامى عن ان القومية هي تيار يميني
معاد للعمال وللاشتراكية، وبطبيعته
متحالف مع حركة الاسلام السياسي كما
حصل تاريخيا في العراق منذ انقلاب 63 وتحالف البعثيين مع الحركة الاسلامية وفتاوي
شيوخ الاسلام التي صدرت بهدر دم الشيوعيين ولكن بشكل اكثر وضوحا حين انهار نظام
صدام حسين العام 1991 اثر انسحابه من الكويت وخط عبارة ”الله واكبر“ على العلم وبدأ
جرائمه الوحشية المسماة ”الحملة الايمانية“ وتنازله عن الايديولوجية القومية نتيجة
افلاسها.
ثالثا: ان القوميين العرب الذين جمعهم اياد علاوي حوله والاتصالات التي يجريها مع
قيادات البعث في الخارج وغير ذلك لن تتمكن سوى من تقديم خدماتهم الى المصالح
الامريكية وللرأسمال العالمي مقابل منحهم سهم من ذلك الرأسمال وتمثيلهم لمصالحه في
المنطقة. لا قدرة مطلقا للبعث والقوميين العرب على لعب دورهم السابق واسترجاع
مكانتهم الضائعة.
ورابعا واخيرا فان الوضع الراهن الان بما يحمله من تشنج وانسداد افاق وتلبد سيكون
في نفس الوقت، بظني، اخر ما تحمله جعبة البرجوازية من ”مكائد“ لقمع وتخويف وحرمان
وتغييب الجماهير . ان الوضع لن يحتمل المزيد من المناورات وان
الطبقة الحاكمة
قد جربت كل شئ. جربت امريكا حكم العراق بالجيش والمرتزقة والدبابات والسجون وفشلوا،
جربوا تسليط الاسلام السياسي الشيعي والسني والقوميين وعصاباتهم وفشلوا، جربوا
الانفجارات والمجازر الجماعية للاسلاميين من كل طيف ولون وفشلوا، جربوا التنسيق
لارجاع شخصيات البعث والقوميين العرب
و“ظمهم للعملية السياسية“ وفشلوا ايضا. انهم اليوم يمزقون بعضهم البعض حول من
الفائز ومن يحق له تشكيل الحكومة وهلم جرا...
فشل على فشل على فشل والجماهير تغلي ولكنها لا تجد سوى الانفجارات والمجازر
الجماعية جوابا على غضبها.
ان هي الا مسألة وقت لانقضاض الجماهير على هذه القوى الوحشية وطرحها جانبا واحلال
بديل اخر. ارى بشائر ذلك في كردستان العراق كما اراه في ايران وستلعب القوى
الاشتراكية والانسانية في العراق دورها في تلك المنازلة.
ولكن ذلك ليس حتميا.
انه يتطلب من الطبقة العاملة جهدا فائقا من اجل ان تقوي نفسها :التوحد حول نبذ
الدين، والطائفية، والقومية والمذهبية والعرقية والتقسيم الجنسي ودونية المرأة،
التضامن والوحدة مفتاح قوة هذه الطبقة العملاقة حول الاهداف الانسانية.
ان حزب الطبقة العاملة المتدخل - الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي يحمل هذه
الراية ويريدها خفاقة في العراق وكل مكان.