حول النداء الموجه "الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي" من قبل ”جمع من الماركسيين العرب في باريس“
السمات المشتركة للشيوعية التقليدية واليســـار في العالم العربي
الجزء الثالث
عصام شكــري
الميل التحالفي والجبهوي
يقول النداء:
"ومن هذا المنطلق تعتبر هذه الأحزاب والشخصيات الموقعة أدناه انه بات من الضروري والحاسم اليوم السعي إلى تنسيق نشاطها على المستوى العربي وفي كل بلد، بهدف بلورة برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي يمثل التقاطعات التي تجمعها من أجل خوض النضال بجميع أشكاله حسب وضعية كل بلد، بشكل مشترك، وبما يدعم من قوتها جميعا، وقوة كل منها كذلك، من أجل أن تصبح الحركة الماركسية العربية قوة فاعلة بصفتها المعبرة عن مصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وكل الطبقات والفئات الشعبية، والمعبرة أيضاًعن قيم التقدم و الديموقراطية التي باتت مطلباً ملحاً، وعن العدالة في أفق مستقبل اشتراكي".
النداء يعبر عن سمة مشتركة اخرى للشيوعية التقليدية واليسار في العالم العربي وهو الميل الدائم للقيام بحلف او ائتلاف او جبهة. الميل للعمل الجبهوي يتم غالباً مع قوى مماثلة في التوجه الطبقي والسياسي. ان القوى الداعية للتنسيق بهدف عمل تحالف تسمي نفسها ماركسية ولكنها لا تذكر من ضمن اهدافها وحتى الاولية منها هدف تغيير النظام القائم او تحقيق الاشتراكية. ان ذلك بالطبع شأن تلك القوى وهي حرة تماما في التنظيم والتشاور والتنسيق السياسي والعمل المشترك، ان المشكلة تتعلق باطلاق صفة الماركسية على تلك الميول بينما هي تدعو الى الاصلاحية البرجوازية والى الديمقراطية والنزاهة ومحاربة الامبريالية وانتهاج منهج البرجوازية الوطنية الخ. انني ارد على تلك النقطة لا على اهداف التجمع والتحاور والتحالف. ان تسمية قواهم بالماركسية بغياب أي سمة ماركسية (اشتراكية) في مطالبهم وتوجههاتهم (حتى الاولية منها) هو الذي يستدعي النقد هنا. ان الدعوة الى اهمال الاشتراكية كمطلب تغلف من قبل حركات الشيوعية التقليدية واليسار العربي بادعاءات توحي بالعلمية والماركسية ولكنها في الحقيقة مجرد تلاعبات لفظية، من قبيل عدم "نضوج الاوضاع" و" تخلف الجماهير" او "عدم تبلور الوعي الطبقي" او "تراجع علاقات الانتاج" وفي بعض الاحيان حتى الادعاء ب "عدم وجود طبقة عاملة اصلاً" كما يدعي بعض الرفاق في الاحزاب الشيوعية العربية التقليدية.
ملاحظات عملية حول التحالف:
اولا: ان التحالف المطروح في النداء وبغض النظر عن مغزاه وميله السياسي البرجوازي وتسمية نفسه بالماركسي يفتقد تماماً الى بلاتفورم مشخص. لا يمكن ان تدعو الى تحالف قبل قيامك بطرح بلاتفورم ذو اهداف واضحة. وبرأيي فان التحالف الذي ينشئ من اجل الوصول الى بلورة افكار مشتركة كما يتضح من النداء ليس فقط امرا عبثيا بل فاشل من الناحية العمليةً ايضا. الناس لا تأتي الى تحالفات من اجل التفكير والجدل. انها تأتي من اجل العمل على Action Plan او خطة عمل مسبقة تتم المناقشة بشأنها والتفاهم حولها مسبقا. فمن يكون قد وافق على هذا البحث سيحضر ومن لا يوافق لن يكلف نفسه عناء المجئ. بهذه الطريقة يكون انشاء التحالف واضحاً وفرص نجاحه اكبر. ولكن اين هي خطة العمل تلك والتي من المفترض ان تكون منهاج لتحقيق الاهداف (لم ليس للنداء أي اهداف او نقاط عملية او محددة؟).
ثانيا: يبين النداء بان هدفه هو تعزيز قوة اليسار. ان تلك العبارة بحاجة الى توضيح. ان اليسار متعلق بالطبع بقيم التحرر وحقوق المرأة والعمال والنضال من اجل المساواة ويتعلق بنقد الطبقة البرجوازية ونظامها الرأسمالي والاستغلال ويعنى بالاهتمام بقضايا الفقراء وتأمين حياة مرفهة للكادحين وتأمين الخدمات الصحية والاعانات الاجتماعية للفئات المحرومة وغير ذلك مما يعرف اليسار به. ان المشكلة الاساسية هنا انه ليس ثمة اهداف اجتماعية بامكاننا تلمسها في النداء للتعرف على ماهية "يسارهم". ماذا لو كانت اهداف هذا التحالف غير "يسارية"؟ حتى بالمعنى العام لليسارية؛ أي انها مبنية على تصورات اعادة الاعتبار للبرجوازية الوطنية وافكار محاربة الامبريالية والصهيونية وهي مطامح ليست يسارية بل قومية وعروبية. بينما تتجنب تماما التعرض الى القوى المعادية لليسار في الواقع الاجتماعي وتتحاشى نقدها تماما. الفكرة الشائعة لدى اغلب فئآت اليسار غير العمالي او الشيوعيين التقليديين حول بناء حركة يسارية مقتدرة وفاعلة، ليست فقط مثالية بل مظللة. انها تشير الى مشاريع وطموحات البرجوازية الوطنية وتسمي تلك الاهداف ماركسية ويسارية.
ثالثاً: لا اليسار (ولا حتى اليمين) بامكانه ان يقوى من خلال الجمع العددي لاجزاءه، بل من خلال قوة وجرأة منهجه واهدافه الاجتماعية او برنامجه السياسي او نوعية الجبهات التي يفتحها ضد البرجوازية في المجتمع. ان وجود قوة يسارية جريئة وقادرة على التعرض للمصاعب الاجتماعية التي تواجه الملايين من البشر وعدم الهروب والاختباء وراء شعارات الامبريالية والصهيونية وغيرها هو الذي سيستقطب قوى اليسار في المجتمع ويكتلها في جبهة حول ذلك المنهج الراديكالي - الاجتماعي وبالتالي يخلق تلك الحالة الاجتماعية الديناميكية القادرة على دفع تلك القوى الى قلب الصراع الاجتماعي ازاء اليمين. ان غياب البرنامج السياسي والاجتماعي الراديكالي التحرري والشيوعي لتلك القوى هو احد اهم اسباب فشل اليسار وغيابه وضعفه. ليس الامر متعلق بعدد القوى المتجمعة والمتحالفة. الامر متعلق بماهية اهداف تلك القوى ومدى تمثيلها لمعضلات الجماهير ومشاكل المجتمع الراهنة.
وهنا اود الاشارة العابرة الى اخطاء وردت في النداء ونسبت للماركسية من قبيل: "الماركسية حركة عربية (هي اممية وليست قومية)، وانها "معبرة عن مصالح كل الطبقات الشعبية " (معبرة عن مصالح عموم الطبقة العاملة وليس كل الطبقات). ان المشكلة كما قلت هو في نسب ذلك الخطاب لنفسه صفة الماركسية ولكنه في الحقيقة خطاب قومي لا عمالي ولا اشتراكي، فكيف يكون ماركسياً؟
رابعاً: ان الميل التحالفي لا يتعلق كما يتضح من النداء المذكور بانجاز مهمة محددة بل انها وحسب النداء تبغي "...بلورة رؤية مشتركة تقرب فيما بينهم"!!. ان هذا برأيي متناقض. لن تكون بحاجة الى تحالف لو كان هدفك توحيد وجهات النظر بل لربما الى جلسات تشاور. ان الاهداف كما قلنا هي التي تجمع الاطراف في تحالف وتحقيق الاهداف ينهي ذلك التحالف او تنشأ اهداف اخرى تستدعي قيام تحالفات جديدة حتى لو اختلفت القوى في البرامج العمومية. بالامكان القول ان التحالف قد ينشأ لتطبيق تكتيك معين والوصول الى هدف ما. وعلى سبيل المثال فان التحالفات التي شكلت في كل انحاء العالم ضد الحرب على العراق هي امثلة واقعية على ان القوى الانسانية المعادية للحرب لا تشترط وجود رؤية مشتركة حول دوافع جورج بوش في شن الحرب او اثار الحرب على اقتصاديات العالم الخ بل ان التحالف بينها قد نشأ بسبب وجود هدف محدد ومشخص : معارضة الحرب من اجل منعها.
في المقطع التالي يتم الحديث عن التوجهات الاولية:
"ولقد ارتأى المجتمعون بأن لقاءهم التحضيري هذا يهدف الى تنظيم العمل من أجل التقاء كل القوى والأحزاب الماركسية وكل المثقفين الماركسيين , المتوافقين مع التوجهات الأولية الواردة هنا، وتحاورها من أجل تأسيس تحالف يجمعهم , عبر صياغة برنامج مشترك يتعلق بالتوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية , كما يتعلق بالنشاط العملي المشترك, وبالخطوات الضرورية من أجل بلورة رؤية فكرية مشتركة تقرب فيما بينهم , وتعزز نضالهم والتحامهم بالطبقة العاملة والجماهير الكادحة وبكل قضايا وهموم الوطن العربي".
ان هدف النداء كما ذكرنا هو الخروج برؤية فكرية مشتركة تقرب بين المتحالفين وتعزز ”التحامهم“ بالطبقة العاملة والجماهير الكادحة ..الخ. العبارة السابقة تدل على عدم وجود "رؤية فكرية مشتركة" لحد كتابة النداء اللهم الا من ”التوجهات الاولية الواردة هنا“ ولكن تلك التوجهات لا تتعلق باليسار فقط بل قد يوافق عليها شيوخ الازهر وقادة حماس وربما ملالي حزب الله ايضا؟ ماذا هناك في تلك التوجهات الاولية غير "الطبقات الشعبية" و"الامبريالية والصهيونية" ومحاربة الطغم الفاسدة ومشروع الشرق الاوسط الجديد؟؟ كيف بامكاننا القول ان تلك الاهداف متعلقة باليسار؟. اين اهداف اليسار الاجتماعية؟ اين الاشتراكية؟ اين مسائل مساواة المرأة بالرجل؟ العلمانية وفصل الدين عن الدولة؟!.
ومن جهة اخرى فان الرؤية المتبلورة! يجب، وحسب النداء، ان تؤدي الى تعزيز "التحام" القوى والاحزاب الماركسية والمثقفين الماركسيين بالطبقة العاملة والجماهير الكادحة. ولكن ذلك متناقض هو الاخر!. كيف بامكان المرء ان يدعي الماركسية ثم يقول ساحاول ان " التحم" بالعمال؟! ان الالتحام بطبقة يعني انك خارج تلك الطبقة ولا تنتمي لها ( اتمنى عدم الفهم السطحي للانتماء الى الطبقة العاملة بمعنى مزاولة العمل المأجور). ان المثقفين ليسوا طبقة بحد ذاتهم ولكنهم اما ان يكونوا جزء من الطبقة العاملة حين يدافعون عنها ويتبنون قضاياها واما من البرجوازية وحينها سيكون لزاما عليهم "الالتحام" بالطبقة العاملة ليتحسسوا معاناتها. السؤال هو: لم لا يمسك المثقف المتعاطف مع العمال والذي ينتمي الى هذه الطبقة المحرومة قلمه الان ويدافع عن مبادئ واهداف تلك الطبقة وينتقد القوى التي تحاربها وتنتهك انسانيتها اليوم وفوراً ويدافع عن امل تلك الطبقة بالخلاص بالاشتراكية؟ لم عليه اولا ان يتحالف ومن ثم يبلور رؤية مشتركة ومن ثم يناقش خطوات العمل وووو واخيرا يلتحم بالطبقة؟!!
خامساً: النداء يستثني في دعوته للتحالف، الجماهير، ويعتبرها كيان مستقل خارجي وبلا ملامح ينبغي انقاذه. انها متلق سلبي لقرارات مجموعة من المثقفين الماركسيين ورغبتهم الواعية بمساعدة تلك الجماهير. الجماهير لا تدعى الى التحالف لان الماركسية هنا تطرح على انها حزمة افكار متجانسة (ايديولوجيا) موجودة في عقول المثقفين والشيوعيين وليست حركة مادية اجتماعية داخل الطبقة العاملة. ان العامل بنظر النداء لا يفهم في الماركسية لانه غير مثقف.
سادساًً: ومن جانب اخر وبشكل مرتبط بالنقطة السابقة، فان النداء يدعو الى "خلق" حركة يسارية. تلك الدعوة الى خلق حركة يسارية او شيوعية يفترض من تلك الاحزاب والتنظيمات والافراد الاعتقاد بان اليسار والشيوعية والاشتراكية، كما بينا، بمثابة "افكار" و“ايديولوجيا“ موجودة في عقول المفكرين وهي ليست حركة اجتماعية مادية حية داخل العمال. ان النداء يدعو الى خلق حركة يسارية بدلا من ان يدعو الى تنظيم وتعبئة تلك الحركة وفي هذا مكمن الفهم البرجوازي للماركسية كونها نظرية. ذلك التصور ينزع اهم خصيصة للشيوعية (العمالية) أي كونها حركة اجتماعية وتمثل نقد العامل للرأسمال واحتجاجه المستمر ضده. ان نداء المثقفين يدعوا الى "توصيل" اليسار بالطبقة العاملة بدلا من تنظيم العمال وقيادتهم نحو الاشتراكية. ان التشويه الذي تعرض له ماركس لعقود طويلة قد اوصلنا الى هذه النتائج. علينا اليوم ان نرد على تلك التشويهات.
ان الحركة الماركسية او الشيوعية او الاشتراكية العمالية لا تخلق من قبل مثقفين او مصلحين. هذا ليس فكرا ماركسيا لانه ينزع عن الماركسية اهم صفة لها - صفتها الاجتماعية. بدلا من النظر الى الحركة الشيوعية والاشتراكية وبالتالي عموم اليسار كحركة حية بدرجات متفاوتة داخل المجتمع يتم النظر اليها باعتبارها "افكار" نيرة قابلة للتلقين الى العمال. ماركس في كتابه رأس المال لم يدع انه "خلق" شيئا بل بين بانه اكتشف القانون العام لحركة المجتمع بظل علاقات الانتاج الرأسمالية وكشف هذا القانون "الصارم" للعمال. ماركس لم يزرع الشيوعية داخل الطبقة العاملة بل درسها من داخل العمال ورسم بالتالي الاطر النظرية لحركتها. حدد ماركس مسارات تلك الحركة وسبل تحقيق العمال للانقلاب على الرأسمالية وشخص النظام البديل للنظام القائم على عبودية العمل المأجور - الاشتراكية.
الهدف الاساسي لنداء التحالف
ضمن ذلك الفهم غير الاجتماعي لليسار والماركسية فان الدعوة الى انشاء تحالف للتيارات "الماركسية" هو في الحقيقة دعوة الى تقوية الاجنحة اليسارية داخل الطبقة البرجوازية لا داخل الطبقة العاملة. ان عدم الدعوة الى دك اسس النظام الرأسمالي وبناء الاشتراكية بمثابة بديل الطبقة العاملة لحكم وادارة المجتمع يعني ان التحالف يهدف في الاساس الى اسداء خدمة للطبقة البرجوازية وانقاذ برنامجها بشكل عمومي من خلال اصلاحها ديمقراطياً. تلك الدعوة تصب في مجرى اضفاء المسحة "الانسانية" على النظام الرأسمالي والطبقة البرجوازية في المنطقة والعالم العربي وبالتالي اعادة انتاج الرأسمالية بشكل اكثر رحمة واكثر "التحاماً" بالطبقات الشعبية. ولكن تلك خرافة. فمن المستحيل تحسين النظام الرأسمالي اليوم.
وفي ظل الغياب الكامل لاي اهداف اشتراكية وعمالية وشيوعية وماركسية والى أي دعوة الى مس أي ركيزة من ركائز المجتمع الرأسمالي في العالم العربي ونفي ان البرجوازية كطبقة حامية ومدافعة عن النظام الرأسمالي هي المسؤولة عن كل ما يجري اليوم من بشاعات وبربرية ومآسي ومجازر ودمار وصعود الدين وانهيار المجتمع المدني واستشراء الطائفية والترهات الفكرية بحجة "تراثنا" و "تقاليدنا" و "مجدنا" والتركيز على "الامبريالية" والعدو الخارجي لتجنب زعزعة مواقع تلك القوى داخل النظام الحالي ونقد القوى السائدة او من اجل التحالف معها، ليس انطلاقا من مسألة خلاص الانسان من الاستغلال او من اجل المساواة واطلاق الحريات، بل من منطلق الارض والتراب والقومية والوطن والموقف من الامبريالية، يصبح واضحا ان الهدف من النداء لا يكمن في تقوية اليسار كتيار اشتراكي عمالي ثوري في العالم العربي بل كجناح برجوازي ذو رؤية مشخصة لانقاذ الطبقة البرجوازية من المأزق (الدعوة الى الديمقراطية "الحقيقية" و محاربة البرجوازية الامبريالية وهلمجرا).
المراحلية - الاشتراكية فيما بعد...!
يدور الحديث بين قوى الشيوعية التقليدية حول ان المجتمعات عموما يجب ان تمر اولا بمرحلة الديمقراطية "في طريقها" نحو الاشتراكية. ان ذلك الادراك لتطور الشكل السياسي هو فهم مجتزأ ومشوه لافكار ماركس. انه اسلوب "القطع واللصق" المعروف لدى حركات اليسار غير العمالي والشيوعية التقليدية. يثبت الواقع ان ما قاله ماركس وصح على تطور القوى المنتجة وعلاقات الانتاج (اي تطور الطبقة العاملة كماً ونوعاً من جهة واشتداد بؤسها واستغلالها من قبل البرجوازية من جهة اخرى) في اوربا الغربية اواسط القرن التاسع عشر اصبح اليوم يصح على قوى الانتاج وعلاقاته في كل انحاء العالم وبلا استثناء؛ من امريكا حتى افريقيا ومن اوربا حتى الشرق الاقصى ومن الشرق الاوسط الى امريكا اللاتينية. استكملت البرجوازية دورة نموها وغزت كل اركان الارض ورفعت معها الطبقة العاملة في كل بقاعهاً. اصبحت الطبقة العاملة اليوم تقف وفي كل بلدان العالم وجها لوجه ازاء البرجوازية التي مع عولمتها الكاملة والشاملة اكتسبت سمة الرجعية الكاملة للجوئها للدين والخرافة (في حين انها كانت في زمن ماركس حاملة لمشعل التحرر والتقدمية). ان الطبقة العاملة قد وصلت الى مرحلة من التطور التقني والعلمي بات معه حل التناقض بينها وبين علاقات الانتاج المتخلفة والاستغلالية مسألة ملحة ولا تحتمل التأجيل. ان التناقض القائم بين قوى الانتاج وعلاقاته اليوم يدل على ان الاشتراكية ليست فقط ممكنة بل ضرورية لحل هذا التناقض وانهاءه واحلال مجتمع اكثر انسانية ورفاه للجميع. ان الطبقة العاملة اليوم بتطورها المذهل وابداعها وخلاقيتها ووفرة انتاجها وتنوعه مؤهلة اكثر من أي وقت اخر لادارة المجتمع بنفسها وتوزيع الانتاج حسب حاجة الافراد لا وفق مبدأ الربحية الرأسمالي.
ان اعتبار خط مسار البرجوازية في الشرق الاوسط او العالم الثالث هو نسخة كاربونية عن مسار البرجوازية الاوربية اواخر القرن الثامن عشر واثرا من اثار الثورة الفرنسية التحررية هو ذلك "القطع واللصق" الذي تقوم به الشيوعية التقليدية (من ماركس) والذي سبق ان تحدثنا عنه.ان القوى الحالية المدعية للماركسية لا ترى ان البرجوازية السائدة اليوم سواء في العراق او لبنان او ايران او السعودية او امريكا او اليابان هي طبقة رجعية بكل معايير الكلمة. لا يمكن مقارنة هذه الطبقة بالبرجوازية التحررية الصاعدة ابان الثورة الفرنسية. ان رؤية نفس جورج بوش وتوني بلير واحمدي نجاد ويهود اولمرت ومقتدى الصدر وبقية ممثلي البرجوازية السياسيين تعطينا فكرة عن ماهية هذه الطبقة ومدى عفونتها. ان المياه الديمقراطية التي يود "ماركسيونا" التقليديون التطهر فيها هي نفسها مياه ملوثة. ليس بامكان الديمقراطية اليوم ان تجيب على مشاكل المجتمع والجماهير. فالبرجوازية نفسها اصبحت رجعية وبالتالي فان أي شكل من اشكال حكم البرجوازية (ديمقراطيا او استبداديا) هو حكم رجعي ومعاد للبشر وللحرية وللمساواة.
ان وصفة المرور بالديمقراطية ليس شرطا لازماً اليوم للنضال من اجل الاشتراكية. المجتمع الانساني اليوم بحاجة الى من يرفع راية الاشتراكية ويبدأ بمواجهة البرجوازية وجها لوجه. المواجهة بين الطبقة العاملة والبرجوازية باتت اليوم شديدة الوضوح والقطبية ولسنا بحاجة الا الى القليل جدا من التفكير حول سبب ارتكاب البرجوازية وقواها الاجرامية لكل هذا الاجرام والقتل والحروب والارهاب وبعث الشرائع البربرية لنعرف ان تلك شروط منع قوى الاشتراكية من الانتظام والتراص. فلولا هذه البربرية لاجتاحت قوى العمال والاشتراكية والانسانية العالم ولتغيرت الخارطة كليا و ما كان لاحد ان يجرأ على طلب التأجيل والامعان في قتل البشر بالحروب الدينية والطائفية والقومية ويتهم من يسعى الى التغيير الفوري والاني بالمثالية وتجاوز المراحلية.
كيف نقوي اليسار في العالم العربي؟
ان ما يقوي اليسار هو وجود قوة اشتراكية ذات برنامج ثوري راديكالي – قوة لا تبرر تقاعسها عن النضال الاشتراكي بغياب الفكر الاشتراكي او تخلف الطبقة العاملة اوعدم ملائمة الواقع او المرحلة، بل تسعى الى تغيير الواقع اليوم والان لصالح الجماهير. هذه القوة الاشتراكية موجودة اليوم ومنظمة في حركة الشيوعية العمالية. ان حزبها في العراق هو الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي.
ان شعار حزبنا هو الاشتراكية الان. ذلك الشعار ليس مثاليا (ان من يفهم هذا الشعار بسطحية وسذاجة عليه ان يتحمل اعباء فهمه الخاطئ). لا يعني الشعار بان الاشتراكية ستقع اليوم او غدا. انه يعني تحديداً جهوزية الاشتراكية وقواها اليوم للاجابة على اسئلة ومعضلات الجماهير اليوم؛ جهوزيتها في حل مشاكل المجتمع اليوم، جهوزيتها لكسب الانسانية لصفتها اليوم، جهوزيتها لانهاء اغتراب الانسان وعزلته اليوم، قدرتها على احلال نظام اخر انساني حر ومتساو اليوم، نظام يساوي بين افراد المجتمع؛ لا يميزهم على اساس دينهم او طائفتهم او مذهبهم او جنسهم بل يساويهم على اساس انسانيتهم واخيرا جهوزية الاشتراكية على حكم المجتمع اليوم. ان حزبنا يسعى الى اعادة الاعتبار للمقولة الاساسية في البيان الشيوعي والتي ليس من شاهد على صحتها اكثر من وحشية البرجوازية المعاصرة وجرائمها ونزعها لانسانية البشر :" اما الاشتراكية واما البربرية". اقول: اما الاشتراكية الآن واما بربرية البرجوازية والتي يقف 6 مليارات انسان شهوداً عيان على فظاعتها.
ادعوا الى الانتماء الى قضيتنا؛ قضية الاشتراكية؛ قضية النضال الاجتماعي والسياسي من اجل تغيير الاوضاع الراهنة تغييرا راديكاليا. ذلك يتطلب تقوية وقيادة الصف الاشتراكي والتحرري والمساواتي والعلماني والانساني في المجتمع وتبني المطالب الراديكالية للفئات والشرائح المظطهدة والمحرومة. يتطلب منا الامر النضال من اجل الاشتراكية الآن. حينها سيقوى قطب اليســار في المجتمع وينهض ليغير مسار الاحداث سواء في العراق او في الشرق الاوسط او في عموم العالم العربي بل وفي العالم اجمع.