لن تسكب الجماهير الماء خلفكم !
عصام شكـــري
ishukri@gmail.com
كتب توماس فريدمان في صحيفة النيويورك تايمز قائلا:
"اعتقد انه فور انسحاب امريكا من العراق سوف يتدفق النفوذ المهيمن
من العراق نحو ايران، اذا، وهنا اؤكد على كلمة اذا، استمرت
الديمقراطية العراقية. اذا استمرت هذه الديمقراطية فسوف ينظر
الايرانيون كل يوم عبر الحدود الى العراقيين الذين ينشرون عشرات
الصحف الحرة مع حرية تشكيل اي حزب والتصويت لصالح اي زعيم وسوف
يتساؤلون لماذا يتمتع العراقيون بكل هذه الحريات فيما يُحرَمون هم
منها رغم اعتقادهم بأنهم أكثر تفوقاً من جيرانهم."
هذا الكلام ليس نكتة. انه طرح جدي. صحفي عالي الاجور في صحيفة
برجوازية كبرى يطرح المسألة بكل جدية. ولكن، لا ادري، الا يبدو
كلامه شديد الحماقة والسخف ؟ ولدرجة الغثيان ؟
هذا الكاتب اليميني (لا نخلط بينه وبين ملتن فريدمان الاقتصادي
ومستشار رونالد ريغان الاقتصادي لضرب الاتحادات العمالية ومكاسب
الطبقة العاملة وقضم حقوقها وطرد العمال اواخر الثمانينات والمروج
لليبرالية الجديدة وبروز البوشية — المحافظين الجدد في السياسة
الامريكية !!)، هذا الكاتب ”المأجور عاليا“ يريد ان يؤكد ان انسحاب
امريكا من العراق ليس هزيمة، وليس فشلا. انه نصر. انظروا جماهير
ايران تتطلع اليكم عبر الحدود تحسدكم على اوضاعكم الهانئة !!
لنراجع المسألة: ملايين البشر في العراق قتلوا وحطمت البنية
التحتية وزج مئات الالاف في السجون وعذبوا وشرد الناس نتيجة
انتماءاتهم الدينية والعرقية والطائفية، وفرضت العصابات الاسلامية
على نساء العراق، وقطعت رؤسهن ورميت في السواقي، وفجر الاطفال في
الملاعب البائسة، وسحق كل امل للناس بالتغيير بطائرات ال
B52
لم يكن عبثا طبعا، لم يكن جريمة كبرى قامت بها البرجوازية
الامريكية بزعامة اليمين المحافظ وصقوره جورج بوش وديك تشيني
ورامسفيلد واولبرايت وساسة اليمين. كلا. ان تلك كانت مآثر خالدة
للديمقراطية الامريكية في العراق. وهاهي ”عصابات“ الديمقراطية تقتل
المعارضين بكواتم الصوت. عاشت ديمقراطية امريكا في العراق !.
لجماهير العراق عادة قديمة وهي سكب الماء خلف الشخص المسافر بأمل
رجوعه سالما. ولكن قطعا لن تسكب جماهير العراق اي ماء خلف القوات
الامريكية المجرمة المنسحبة تجر معها اذيال العار وخط طويل من
الدم، دم مئات الالاف من الابرياء الذين قتلوا دون سبب غير الهيمنة
الامريكية في عهد الجنرالات القتلة وجورج بوش واعوانه.
ان ما يقوله فريدمان ليس رأيه الشخصي. انه رأي القيادة الامريكية؛
رأي الطبقة الحاكمة الامريكية التي ارتكبت الجريمة وتريد اخفاء
هزيمتها؛ الرأي الذي تريد البرجوازية الامريكية ( ومعها اعوانها في
الحكومة العراقية ) ان تقحمه في عقول البشر لكي لا تبدو من جهة
مهزومة، ولا بأنها مجرمة بالمجازر الجماعية دون سبب واضح!. ها هي
جماهير ايران تنظر الى التجربة الديمقراطية العراقية بشوق! تنظر
الى اشلاء الاطفال الممزقة بتعطش !! هل هناك استخفاف اكبر من هذا
بعقول الجماهير وبانسانيتهم !.