الانتخابات الامريكية
حول فوز الحزب الديمقراطي
عصام شكــري
فاز الحزب الديمقراطي في امريكا في الانتخابات النصفية لمجلسي الكونغرس الامريكي: الشيوخ والنواب. وبذلك تنتهي سيطرة الجمهوريين على الكونغرس والتي دامت فترة 6 سنوات ولم يبق لهم الا الرئاسة. وكنتيجة مباشرة لتلك الهزيمة الجمهورية اعلن رامسفيلد عن "استقالته" كوزير دفاع. واعلن بوش عن نيته بالتعاون مع الديمقراطيين واستقدامه لــ"منظور طازج". تغييرات سياسية داخل الدولة البرجوازية الاكثر ارهاباً في العالم والتي وسمت سياساتها في السنين القليلة الماضية حياة الملايين من الناس؛ قتل جماعي واستلاب الامان من حياة الناس وتدمير المجتمع المدني وتراجع فظيع في الحقوق وتصاعد نفوذ الدين والاسلام السياسي والرجعية وقوى اليمين. هنا تجدر الاجابة عن السؤال: هل سيؤدي تراجع هذا اليمين المتطرف والارهابي للمحافظين الجدد في امريكا الى تغير في اوضاع المجتمع في العراق نحو الاحسن؟. هل يعني فوز الديمقراطيين حدوث تغييرات جدية في السياسة الخارجية للدولة الامريكية ازاء الوضع في العراق؟. هل سيؤثر ذلك على سياسة بوش في "الحرب على الارهاب" ونظام امريكا العالمي لجديد وبالتالي اعطاء تعريف جديد للصراع بين قطبي الارهاب؛ قطب امريكا و قطب الاسلام السياسي؟ هل سيعني تراجع قدرة الميليشيات الاسلامية والقومية القابضة على السلطة بدعم امريكا على الحكم في العراق ؟ ام سيؤدي الى انزلاق المجتمع نحو المزيد من القتل والطائفية والمستقبل المظلم ؟
المؤشرات تتجه الى النفي. فالسيناريو الاسود في العراق هو تجسيد لتحول المجتمع في العراق الى بؤرة وساحة للصراع بين امريكا والغرب من جهة وقطب الاسلام السياسي وعصاباته ودوله من جهة اخرى. ذلك الصراع مازال مستمراً على صعيد عالمي، وعلى صعيد الشرق الاوسط، ومازال قطب الجماهير ضعيفا، فان السيناريو الاسود في هكذا اوضاع مرشح الى الاتجاه نحو المزيد من الكارثية.
فمن جهة ، حتى لو انسحبت القوات الامريكية من العراق حسب جدول زمني حسبما ينادي به الديمقراطيون فان الوضع لن يستتب. فالديمقراطيون وان مالوا الى اعتماد الدبلوماسية والمناورات مع قوى الاسلام السياسي، والى تفاهم اقليمي مؤقت مع محور ايران وسوريا فأن ذلك سيؤدي الى اتفاق هش لمنح قوى الاسلام السياسي الطائفية في العراق ضمانات بشرط قيامها باقناع الاسلام السياسي المعادي لامريكا برمي السلاح او الاشتراك في السلطة. وبعبارة اخرى يحاول الديمقراطيون و الجمهوريون التقليديون اتباع طرق اكثر دبلوماسية ريثما يستطيعون اخذ زمام المبادرة من جديد. الا ان الوضع لن يقلل من احتمالات الصراع الدموي . ولا يمكن لتلك المناورات السياسية ان تخفف من حدة الصراع بين القطبين او تحسين الاوضاع في العراق ناهيك عن انهاء الوضع المأساوي. ان مخارج الدبلوماسية مغلقة سواء في العراق او في فلسطين او لبنان ويبدو ان طبيعة الصراع لن تؤدي الا الى المزيد من المواجهة.
من جهة اخرى، فان بوش ما زال رئيسا لمدة سنتين اخرتين. هذا الرئيس اليميني مازال من اشد المتحمسين لارهاب الدولة الامريكية. انه معارض للانسحاب من العراق لانه يعتقد بانه ساحة المواجهة الرئيسية لامريكا مع الاسلام السياسي وبالتالي فان الانسحاب سيعني التسليم لعدو امريكا وسيؤدي الى خسارة أمريكا في تلك المواجهة عموماً. يعلن جورج بوش بانه سيعارض أي خطة تهدف الى تغيير جذري في مسارات السياسة الامريكية في العراق بالرغم من " منظوره الطازج" . المرجح ان بوش سيعقد ”صفقاته“ مع الديمقراطيين في الكونغرس وارضاءهم بتنازلات داخلية؛ كالضرائب ورفع الحد الادنى لاجور للعمال وزيادة حجم الاعانة الاجتماعية للفقراء ومنع التعذيب في السجون خارج امريكا ومنع انشاء المعتقلات السرية وانتهاكات الحقوق المدنية والفظائع التي يرتكبها الجيش الامريكي كما في معتقلات غوانتانامو و ابو غريب و صياغة جديدة لقوانين الهجرة ودعم الصحة وغيرها. انه من الصحيح التقدير بان تكون السياسة الامريكية في العراق وعموم السياسة الخارجية الامريكية موضع خلاف بين الرئاسة والكونغرس وبالتالي ستظل السياسة الجمهورية للمحافظين الجدد ومقترحات "لجانهم" كلجنة دراسة العراق هي السارية، على الاقل في غضون السنتين القادمتين. ذلك لا يعني الا المزيد من التدهور في الاوضاع.
من جهة ثالثة، فان الديمقراطيين كما الجمهوريين ، عاجزين عن حل الاوضاع في العراق باتجاه استتباب الامن. ان فوزهم بالانتخابات لم يكن بسبب وجود حل سحري في ايديهم للخروج من "الورطة" بل بسبب نقمة جماهير امريكا من الجمهوريين وجورج بوش. ان فوز الديمقراطيين يعود الى "القوة السالبة" التي منحت لهم دون جهد جراء فشل جورج بوش وعصابته اليمينية الحاكمة. ان الديمقراطيين يلوحون بالانسحاب من العراق ولكن فقط حسبما يقتضي الامر للفوز بالانتخابات ومن الناحية الواقعية فانهم اثبتوا وفي حالات كثيرة بانهم اكثر يمينية ووحشية و"قدرة" على تنفيذ ما تتطلبه سياسة النظام العالمي الجديد لامريكا. ان الكذب على الجماهير هو السياسة الرسمية الوحيدة الثابتة للبرجوازية وقواها السياسية سواء في امريكا او في العالم حتى لو تغيرت اجنحتها وتبادلت الادوار بينها عبر تداول السلطة. وحتى وان ادعت انها ستحقق وتحقق. ان النظام العالمي الجديد لامريكا قد قطع شوطاً وهو لا يستطيع ادامة مساراته الا من خلال المواجهة مع العدو؛ قطب ارهاب الاسلام السياسي.
ان حفنة الميليشيات الاسلامية والقومية والعشائرية الرجعية الحاكمة في العراق ستسارع الى عقد الصفقات مع الديمقراطيين ، ولكنهم سيفعلون ذلك مدركين ان مستقبلهم مشبع بالظلمة، ظلمة لا توازيها الا ظلمة مستقبل العراق في ظل السيناريو الاسود الذي خلقوه مع حلفائهم الامريكيين بحجة تحرير المجتمع من نظام البعث. هاهم يجرون المجتمع الى بحار من الدماء ويقترفون جرائم يبدو معها صدام حسين والانظمة القمعية العربية مجرد احمال وديعة.
ان مصالح جماهير العراق متعارضة مع مشروع قوى الاسلام السياسي بمختلف الوانها ومناهجها وطوائفها في انشاء دويلات المشايخ ورجال الدين والملالي وتطبق فيها شريعة بربرية مغرقة في الدموية تعالج مشاكل المجتمع المدني بقطع الرؤوس والتعذيب بالسياط وفتح السجون وانتهاك حقوق الملايين من النساء والشباب والاطفال والعمال والعلمانيين والاشتراكيين والتحرريين. ولكن الجماهير وبنفس القدر لا ترغب في العيش بظل هذا الوضع مع وجود الاحتلال الامريكي وحملات الاعتقال والمداهمات وتحويل مدن العراق الى ساحات قصف وتدمير وهي تطالب برحيل تلك القوات فوراً. الجماهير تعارض مشروعي قطبي الارهاب العالمي وهي بحاجة الى توحيد وتعبئة قواها الانسانية المعادية لكليهما؛ معسكر الجماهير الثالث.
وبالرغم من ان خروج الجمهوريين من الكونغرس في امريكا يعد تحولا ايجابيا نسبياً لاوضاع الجماهير في امريكا الا ان من المهم عدم الانسياق وراء الخيال. ان الصراع بين قطبي الارهاب صراع عالمي. لقد رهن هذان القطبان مصير البشرية برمتها بنتائج صراعهما الرجعي. لن يزيح هاتين القوتين الوحشيتين الا قوة اخرى وهي قوة الجماهير. حزبنا يناضل ويعتقد بضرورة، بل وامكانية وجود هذه القوة، في العراق كما في الشرق الاوسط وكما في امريكا واوربا وكل انحاء العالم. ان القوى الانسانية يهمها تحقيق السلام والامان والرفاهية والتمدن للبشر في كل مكان، اما قوتي الصراع الحاليتين فمصلحة البشرية ليست في حساباتها.
ندعو الجماهير الى تنظيم قطبها المستقل المعادي لقطبي ارهاب دولة امريكا وارهاب الاسلام السياسي ، فوراً، في العراق وكل العالم من اجل ازاحتهما وانشاء البديل التحرري والانساني والعلماني في العراق والمنطقة. نعلن ان حزبنا يناضل في مقدمة الصفوف من اجل ازاحة قطبي الارهاب واحلال بديل الجماهير التحررية المعادية لكلا البديلين الرجعيين. ندعو الجماهير الى الانظمام الى حزبنا من اجل تقوية هذا القطب التحرري في العراق.