بمناسبة قرب عقد البلنوم الثاني
المعنى السياسي لبناء الحــــــزب
عصام شكــري
نشأ حزبنا في خضم صراع قوى اشتراكية مع قيادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي بعد اصطفاف تلك القيادة مع تيار اليمين المنشق داخل حركة الشيوعية العمالية وجر تلك القيادة للحزب الى الصفقات مع قادة الاسلام السياسي والقوميين من المعادين لامريكا في العراق. جرت تلك المحاولات تحت لافتة منظمة شكلت بديلا عن الحزب وشرعت تبحث عن حلفاء لها من بين قادة الاسلام السياسي والقوميين العرب الرجعيين.
واليوم وبعد مرور اكثر من سنتين على تأسيسه وتصديه للانحراف اليميني ونجاحه في حمل راية الاشتراكية فان علينا اليوم تقع مهمة استكمال بناء حزبنا كحزب ماركسي ثوري للطبقة العاملة في العراق. لقد بدأنا تلك المهمة ودخل حزبنا في طور جديد من بناءه وهو مقبل اليوم على عقد اجتماع موسع ثان للجنته المركزية.
ما هو معنى بناء حزبنا من الناحية السياسية؟ بعبارة اخرى: وفق أي تصور يجب الدخول في المرحلة الجديدة من بناء حزبنا بعد ان اصبح وبشكل مادي تلمسه الجماهير يمثل القوة الاشتراكية الوحيدة على الساحة السياسية في العراق—الحزب الوحيد الذي ينادي بانهاء النظام الرأسمالي وتأسيس الجمهورية الاشتراكية؟.
ان الظن بان حزبنا بدعوته الى الجمهورية الاشتراكية يعني تحضيرا فوريا للثورة الاشتراكية او يوهم الجماهير بوقوعها في الغد هو تصوير مبتذل. ان الوضع الحالي في العراق غير ثوري وتحديدا بسبب الحرب الامريكية واقتلاع الدولة وملئها بالميليشيات الاسلامية والقومية، وانعدام الامان والجرائم الارهابية. ولكن في هكذا ظروف هل نقف مكتوفي الايدي؟ هل نكتفي بانتظار الظرف المناسب؟ هل نذهب لدعوة قادة الارهاب الاسلامي المعارض لعمل جبهات رجعية معهم و بميكافيللية يعجز حتى ميكافيللي نفسه عن الاتيان بمثلها؟ ام ان علينا ان نبني حزبا اشتراكيا وثوريا منسجماً يدفع بالاشتراكية ومثلها الانسانية والمتمدنة الى قلب المجتمع رافعاً رايتها خفاقة بين صفوف الملايين من العمال والنساء والكادحين والمحرومين؟
لقد اجبنا الجماهير في العراق والعمال والاشتراكيين وكل الشرفاء والاحرار ومنذ اليوم الاول لتأسيس حزبنا على هذا التساؤل. لقد تعهدنا ان نستمر برفع راية الاشتراكية ولم ننتظر. تعهدنا بان الاشتراكية في العراق باقية وشعلتها لن تنطفئ. حزبنا لن ينتظر تغير الظروف نحو الاحسن كيما يعمل، وهو لن يعمل التحالفات المخزية والمشينة مع البرجوازية من اجل المكاسب التي لن تأتي ولن يسير في خط تساومي وانما بخط بناء حزب شيوعي عمالي ثوري يناضل من اجل الاشتراكية. فتحقيق الاشتراكية غير ممكن الا من خلال الحزب الشيوعي العمالي. علينا اليوم تقع هذه المهمة—مهمة استحضار شروط بناء الحزب بما نمتلك من قدرة وطاقات.
ان لحزبنا خطة عمل تم اقرارها في مؤتمرنا الاول وهي الاستراتيجية. انها وبشكل عمومي تهدف الى انهاء السيناريو الاسود في العراق وارجاع المجتمع الى الحالة الطبيعية. ان اول بند في تلك الاستراتيجية يتمثل في تصعيد نضالنا ضد قوتي السيناريو الاسود في العراق؛ دولة امريكا وكل حلفاءها من جهة وقوى الاسلام السياسي والقوميين المعادين لها من جهة اخرى.
ان تحقيق تلك الوظيفة في استراتيجيتنا امر حاسم لا من اجل انقاذ المجتمع من الحرب الارهابية الجارية فحسب بل ايضا من اجل التحول ضمن هذا النضال الى حزب سياسي مقتدر في المجتمع.
بناء حزبنا اليوم يتطلب الشروع ككوادر وقيادة الشيوعية العمالية في العراق بتنفيذ بند الستراتيجية ( كما كل البنود الاخرى). لا يمكن فصل مهمة بناء حزبنا سياسيا عن تطبيق الاستراتيجية ووضع كامل بنودها موضع التنفيذ.
ان مهمتنا على هذا الاعتبار ليست تنظيمية صرف بل هي اساسا سياسية؛ مهمة تطبيق السياسة العامة للحزب في الواقع. ان نجاحنا في بناء حزبنا اذن منوطة بنجاحنا في تطبيق استراتيجيتنا والعمل على تنفيذ بنودها. بهذا المعنى السياسي بامكاننا بناء الحزب من الناحية التنظيمية ايضا.
لا يقف الحزب الشيوعي العمالي، كما كل الاحزاب السياسية، خارج الظرف السياسي والاجتماعي المشخص. ان الوضع في العراق غير طبيعي وبالتالي فان تعامل حزبنا مع مسألة التنظيم والبناء الحزبي من كسب اعضاء الى تربية الكوادر الى مسائل الحزبية والتحزب الى الانظباط الحزبي الى الرفاقية والمعايير الاشتراكية في التعامل وصولا الى التمكن الرصين من المسائل النظرية للماركسية والاشتراكية وتربية المئآت بل والالاف من الكوادر الشيوعيين تربية اشتراكية وماركسية لن تاتي مفصولة عن ادراكنا بان المجتمع يمر باوضاع متأزمة وحادة سيمناها السيناريو الاسود. يتطلب هذا الامر منا بالتالي تجاوز الممارسات التنظيمية لحزب يؤسس في اوضاع طبيعية (حتى في ظل سلطة قمعية).
ان معنى ان تناضل اليوم من خلال حزب سياسي شيوعي عمالي لن تتجسد بشكل نضال مطلبي فقط او عن طريق التعبئة النظرية الايديولوجية فحسب (وان كانت تلك المهمات ضرورية وحاسمة) ولكن اساسا من خلال ادراك مهمة الحزب السياسية الفورية وهي نفسها الاجابة على معضلة المجتمع وحاجته أي حل معضلة الارهاب وارجاع المجتمع طبيعيا ومدنيا.
ان على الماركسية وحزبها في العراق ان تكون اداة لحل معضلات المجتمع ومشاكل الجماهير العملية وان تسعى لتغيير الوضع لصالحهم. من خلال هذا التصور يتجسد المعنى السياسي لبناء الحزب. فشعارنا القائل : الاشتراكية هي الحل يأتي ضمن نفس هذا الفهم المادي لدور الماركسية والاشتراكية وحزبها في المجتمع - تقديم الاجابة العملية وتأتي منسجمة مع فهمنا لتطور امكانيات ونمو الحزب. يجب ان تنشأ اسس بناء الحزب من تلك الظروف، ظروف مجتمع مازوم ، غير طبيعي وبالتالي الا نكون ”طبيعيين“ و“روتينيين“ ونحن نشرع بهذه المهمة.
ان رؤية التدخل السياسي (تنفيذ الستراتيجية وممارستها في المجتمع عمليا) هي التي بامكانها ان تسرع من بناء الحزب وتجعله حزباً يمتلك قوة واقتدار وبالتالي تنقله نقلة كمية وكيفية داخل المجتمع سواء في العراق او المنطقة.
ان النظرة المناقضة لتلك الرؤية في بناء الحزب هي نظرة التقوقع في الاطر التنظيمية "الفرقية"؛ اطر بناء تنظيم نظري لا سياسي؛ تنظيم ذا شعارات نظرية غير اجتماعية؛ تنظيم لا يمارس دوره وفعاليته السياسية بل يكتفي بالايديولوجيا والتنظيم الروتيني. فقط بوضع استراتيجية حزبنا وخطته السياسية في قلب صيرورة بناء تنظيماتنا سيكون بامكاننا تحقيق النجاح على صعيد بناء الحزب وتوسيع قاعدته. ذلك يترجم من خلال نشاطنا كقيادة وكوادر لتطبيق استراتيجتنا؛ تجسيد مطلب طرد القوات الامريكية والبريطانية عن طريق التعبئة العالمية الواسعة ونزع سلاح الاسلاميين والقوميين في العراق والمطالبة بدخول قوات اممية لارجاع الاوضاع الطبيعية واجراء انتخابات حرة نسبياً والدعوة الى دولة علمانية لا قومية ولا دينية.
بتنفيذ وتطبيق كل فقرات استراتيجيتنا سيكون بامكاننا العمل على بناء حزب سياسي وليس تنظيما ماركسيا منطو على ذاته الى حزب سياسي متدخل اجتماعيا ولاعب اساسي.