تأسيس الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي
ضرورة عاجلة
عصام شكــري
تأسس الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي كأجابة على ضرورة موضوعية ملحة وعاجلة في المجتمع، تتمثل في غياب وجود ممثل لحركة الشيوعية العمالية داخل الطبقة العاملة في العراق.
ان الاجابة على هذه الضرورة يتعلق حتماً بالوقوف عند الاختلاف الاساسي بين حزبنا الشيوعي العمالي اليساري والحزب الشيوعي العمالي العراقي. فالحزب الاخير والذي يرفع نفس شعاراتنا ويستند الى نفس برنامجنا شكلاً، لم يعد بمقدوره متابعة هذا الهدف وقد نكص عن الاستمرار في حمل راية الاشتراكية في العراق بل وغدا مهرولاً باتجاه آخر تماماً: اتجاه الاصلاحية والتنازل عن الاشتراكية وعن مستلزماتها؛ اي تنظيم وتعبئة قوى الثورة الاجتماعية.
ان ميل ذلك الحزب باتجاه مغاير لمبادئ وأسس الشيوعية العمالية كما رسمها قائد الحركة منصور حكمت يتجسم من خلال تخندق قيادته السريع مع التيار اليميني المنشق داخل الحركة الشيوعية والذي ما فتأ يطرح خطوطاً تساومية ويمينية؛ خطوطاً تنبذ الاشتراكية وتسخر من الثورة كموضوعتين اساسيتين في حركة الشيوعية العمالية.
تلك الخطوط السياسية تعتمد الاصلاحية والتساومية والمراحلية؛ مناهج "جديدة" تم أعتمادها من قبل الجناح اليميني المنشق في حركة الشيوعية العمالية الايرانية وتم مهرها فوراً بختم الجناح اليميني في حركة الشيوعية العمالية العراقية. ذلك شكل بدايات تمهيدية لمرحلة التطبيق العملي والستراتيجي لذلك المنهج في العراق لنقلها من الورق الى ارض الواقع.
ان العراق يعيش مرحلة انهيار الاسس المدنية والاجتماعية في المجتمع وسيطرة قوى السيناريو الاسود بالكامل على مقدراته بمعونة دولة الولايات المتحدة الامريكية الا ان منهج العمل الثوري الاشتراكي داخل الجماهير يظل ركناً اساسياً من أركان نضال الشيوعية العمالية حتى ضمن ظروف غير ثورية لا بل هي ظروف تختفي فيها حتى ابسط مقومات الحياة الطبيعية للجماهير وتغيب الدولة بالمعنى الحقيقي وتسيطر على مقدراته قوى رجعية متوحشة؛ قوى السيناريو الاسود.
ان راديكالية الحزب الشيوعي العمالي العراقي لم تعد نضالاً يهدف الى ازالة التمييز عن الشرائح المظطهدة في المجتمع كجزء من هدف ثوري شامل (هدم النظام الرأسمالي واحلال النظام الاشتراكي محله) بل اصبح بالنسبة له غاية بذاتها. ان غياب المنظور الثوري تماماً في منهج ذلك الحزب يؤدي الى نفي نفس موضوعة الاصلاح ويحولها من منتج "عرضي" للنهج الثوري في المجتمع الى منتج "مستقل" لخط آخر- اصلاحي يميني داخل الحركة.
ان الانسجام العملي والتطبيقي ( البراكتيكي) لذلك الحزب مع خطه السياسي الذي أصبح ملحقاً به بوعي او بدونه والذي اصبح جزءاً من بنيته السياسية سيتحقق في القريب العاجل؛ سيتم التنازل عن الاشتراكية والثورية والاتجاه قدماً نحو اليمين بشكل تدريجي وبثبات سواء في تاكتيك أو في استراتيجية الحزب المذكور. ان هي الا مسألة وقت. ورغم ذلك فان هذا الميل داخل الممارسة السياسية في العراق بدأ يظهر باسرع من المتوقع؛ وهو يتضح اليوم حتى بظل السيناريو الاسود الذي سببته حرب الولايات المتحدة الامريكية على جماهير هذا البلد. طرح ذلك الحزب توجهه في مسألة الانتخابات العراقية المزمعة في العراق مؤخرا في رسالة من ليدر ذلك الحزب. ان محتوى البيان/ الرسالة يبين وبوضوح الملامح" التفاوضية" لها وبشكل أقل يشي بتخبط واضح. ان اسقاط اعتبار الانتخابات بظل السيناريو الاسود بمثابة ضرورة موضوعية لامريكا في ادامة ذلك السيناريو واعتبارها بمثابة آلية سياسية للتنافس الحر والمفتوح بين قوى المجتمع السياسية لتشكيل الدولة في العراق والوصول الى " السلطة السياسية" مؤشر لا عن جهل بمقومات ذلك الوضع او عدم قدرة على ادراكها بل انه وبظل المؤشرات السابقة ووجود السيناريو الاسود وقواه الرجعية يعد ميلاً تساومياً داخل الشيوعية العمالية ييزيح اتجاهات الحركة بمجملها بوضوح نحو اليمين. ان الطلب من السلطة المنصبة من قبل أمريكا او من اية جهة تستقدمها امريكا بتوفير"النزاهة" والحق المتساوي للجميع في الترشيح وتوفير الامان الانتخابي هي ليست اضغاث احلام او احلام نهارية كما يقال بل طلبات سياسية لحزب شيوعي عمالي، لا علاقة لها البتة بطموحات الجماهير وآمالها.
ذلك الوهم الذي يتم بثه للجماهير كدواء شافي لمآسيهم هو بدايات غير جريئة بالمرة في ممارسة السياسة اليمينية. انها ستؤدي بالتحليل البسيط الى الاستنتاج التالي: "اذا" كانت الانتخابات نزيهة وحرة و"اذا" اعطيت الفرصة بالتساوي مع الاخرين و "اذا" استطاع الامريكان وقوات الحرس الوطني المذعورة توفير الحماية لانفسها قبل الجماهير و "اذا" الخ، فاننا قد نوافق على الانتخابات وينتهي الامر الى المساهمة الفعلية في تشكيل كيان الدولة الجديد الذي سيتألف حتماً من قوى السيناريو الاسود كالاسلاميين وفلول البعثيين والعشائر والقوى القومية الكردية والتركمانية الخ المدعومة من أمريكا. ولا يتطلب الامر بطبيعة الحال ذكاء غير عادي لتبين جوهر هذا الموقف لو غلف بالف غلاف يتغنى بالجماهير ومهماجمة الاسلام السياسي وضرورة "التكتيك واللعب السياسي" و "انتهاز الفرص" وغيرها مما سأمت الجماهير سماعه من ذلك الحزب دون جدوى.
وفي كل الاحوال سيثبت التأريخ الواقعي المتجلي امام اعيننا ان تبني الحزب المذكور للخط اليميني في حركة الشيوعية العمالية العالمية لن يعاني من شحة او ضآلة في الممارسات السياسية التي ستنسجم بالضرورة مع هذا الميل اليميني في كل منعطف سياسي مستقبلي. ذلك سينجم وبلا وعي عن السير الحثيث بركب التيار اليميني.
ادرك حزبنا الشيوعي العمالي اليساري خطر ذلك المنهج واعتبر ان سقوط راية الشيوعية العمالية في العراق سيعني دماراً محدقاً بالطبقة العاملة والجماهير المحرومة لان ذلك يعني تركها عزلاء تماماً أمام أكثر القوى البرجوازية وحشية وتخلفاً. ذلك سيضع كامل مصير المجتمع تحت رحمة قوى السيناريو الاسود تلك. ان حزبنا يتبنى رفع راية منصور حكمت الثورية الاشتراكية الحية في العراق ويعلن انه لن يتنازل عن خط الاشتراكية وقلب النظام الرأسمالي البغيض واحلال الجمهورية الاشتراكية محله. ذلك الامل والشعلة المتوقدة في صدور الاحرار هي هدفنا وسنعمل من أجله بكل طاقتنا.
في هذه المرحلة سيضع حزبنا على رأس اولوياته تسليح الحركة الاشتراكية العمالية بأفق واضح ورؤية ثورية ضمن الظروف الحالية ومن خلال اشاعة نقد ماركسي شفاف للمجتمع الرأسمالي داخل الطبقة العاملة في العراق. ان حزبنا يؤكد على توحيد حركة الطبقة العاملة وجعلها صفا قويا ومقتدرا ومؤثرا في تقرير مصير المجتمع العراقي وتحويل حركة الطبقة العاملة في العراق تحت راية حزبنا الى حركة مطالبة بالسلطة وتحويلها الى بديل اجتماعي حقيقي ومقتدر. ان ذلك سيتم فقط من خلال طرح بديلنا الاشتراكي لتنظيم المجتمع والاشتراكية كسبيل حل واقعي؛ اي من خلال تنظيم الثورة الاجتماعية للطبقة العاملة لتحقيق الاشتراكية في العراق. ومن ذلك المنظور تحديداً يتم نضالنا من اجل الدفاع عن اي قدر من الحرية والمساواة في العراق. من ذلك المنظور فقط سيتم تبني الدفاع عن الاصلاحات الضرورية لتحسين وضع الجماهير.
ندعو الجماهير الى الانظمام الى حزبنا وتقوية هذا التيار الاشتراكي الثوري في العراق. فقط بتحزب العمال وعموم الجماهير المحرومة داخل حزبها السياسي الشيوعي العمالي اليساري يصبح بامكانهم اظهار قوتهم الطبقية العظيمة امام قوى البرجوازية المجرمة والارهابية واستقطاب كل الوضع السياسي لصالح بديلهم الانساني الاشتراكي وقلب كل المعادلات السوداء القائمة اليوم لصالحهم.