تحرر المرأة
بين النسوية الاشتراكية، والمعتذرة للاسلام السياسي
عصام شكــري
تختلف مطالب الحركات النسوية في تحرر المرأة في العراق بين ما هو مساواتي انساني وآخر اعتذاري للاسلام السياسي. ان تلك الحركات النسوية التي تطالب بمطالب خجولة ومتدنية ليس فقط لا تساهم في الدفع بقضية تحرر المرأة الى الامام بل تزيد في الحقيقة من القوة المعاكسة للاسلام السياسي الرجعي المناوئ للمرأة لانها تخلق بحكم هزالة طروحاتها تفوقاً نسبياً لقواه يضاعف لديها العزم والامل على الايغال في قمع حرية المرأة والحط من اعتبارها وترسيخ دونيتها في المجتمع.
ان هزالة طروحات تلك الحركات يتضح من خلال المطالبة بــ"السماح" للمرأة بمشاركة الرجل في "الاعمار" والسماح لها "بالعمل" والتمتع بــ"السلام". تلك المطالب متدنية تهمل المعاناة الحقيقية للمرأة في العراق اي من جراء هيمنة قوى الاسلام السياسي. ان اهمال السبب الاساسي لدونية المرأة في الشرق الاوسط اي هيمنة الاسلام السياسي من قبل الحركات النسوية المعتذرة هو تمويه مقصود. دونية المرأة في المجتمع ليست متعلقة بموقعها في العملية الانتاجية بل بهيمنة القوى الرجعية للاسلام السياسي والقوميين.
ان المفهوم البرجوازي لحرية المرأة في العراق اليوم ينظر الى تلك الحقوق من منظار المصالح العمومية للطبقة البرجوازية ومنها بالطبع مصالح قوى الاسلام السياسي والقوميين والعشائرين. وعلى هذا الاعتبار تكون اقصى مساواة للمرأة في نظر تلك الحركات مقتصرة على مطلب اشراك المرأة بما يسمى "بناء المجتمع" او " الدورة الانتاجية الاقتصادية" وفي احيان اخرى مطلب "زيادة نسب التمثيل البرلماني" !!.
وفي الوقت الذي يهلك فيه العامل من الجوع والاملاق والارهاب المستمر في عراق الاحتلال الامريكي والهجمة اليمينية لقوى البرجوازية فان تلك الحركات ( والتي هي جزء من حركات سياسية مشخصة) تنأى بنظرها عما يحدث في المجتمع من انتهاكات اجتماعية فظة ولا انسانية وتفضل ان تغرق نفسها في اوهام وخرافات التنمية الوطنية التي لاكتها لسنين طويلة وخدعت بها الملايين من النساء وجعلتهن يرضين بالنزر اليسير من الحقوق بانتظار حدوث معجزات التنمية الوطنية للبرجوازية التي لم تأت. وبدلا منها حصدت النساء القمع والحروب القومية والهيمنة الاسلامية والعشائرية على كل مفاصل حياتهن. اليوم، لم يعد هنالك من وجود لما يسمى بخطط التنمية ولا لاي خطط برجوازية غير خططها لنهب المجتمع وزيادة حدة استثمار العمال والكادحين واهدار كرامة النساء بفظاظة ووحشية. انتهى عصر خرافة البرجوازية الوطنية ومازالت تلك القوى تصرخ باعلى صوتها "بناء العراق" و "بناء الوطن" و"نرجوكم ايها الاسلاميون التقاة ان تشركوا المرأة ".!!
ان مطلب المساواة الكاملة للمرأة بالرجل وفي جميع ميادين الحياة تختزل بنظر الحركة البرجوازية النسوية الى حق "بناء المجتمع" و "رعاية الاطفال" و"الامومة" على اساس كونها مسؤولة عن اعادة انتاج البشر وانها " الام الولود"، ولا تنطلق ابدا من انسانية المرأة وطموحها في الحرية الكاملة كأي رجل، عاملة كانت ام غير عاملة مثقفة ام غير مثقفة متزوجة ام غير متزوجة لديها ام ليس لديها اطفال.
ان الماهية اللاانسانية لتلك الحركات تتضح لنا شيئا فشيئاً رغم الادعاءات بالتقدمية او الماركسية. فماركسية تلك الحركات تطابق تماما مواقف قوى الشيوعية البرجوازية المتخلفة والتي جعلت من المرأة رهينة لما يسمونه "تطور علاقات الانتاج" في المجتمع. ان تلك القوى عموما تنظر الى حرية المرأة من منظار البرجوازية الوطنية او القومية التي سادت في القرن العشرين والتي نهلت من المنهج السوفييتي في وضع المرأة كعاملة منتجة (تربط الخرقة على رأسها وتحمل المعول في يدها) شرطا لتحررها من الرق ومن السجن الاجتماعي والانظمة التحقيرية المهيمنة فيه. تلك القوى لا تنظر الى المرأة من خلال انسانيتها بل من خلال قيمتها الانتاجية وفي ذلك تود ادامة وضع المرأة كمنتج لفائض القيمة. تماماً كما تنظر البرجوازية الى العمال كأمتداد لادوات الانتاج والربحية. وكما ينظر الاسلام الى المرأة كاداة للمتعة الجنسية والتكاثر.
ان التقدمية في نظر تلك الحركات هو في جر النساء الى سوق العمل واجراء بعض التحسينات الطفيفة على اوضاعهن. بينما الانتهاك الواسع للحريات الشخصية والاجتماعية وعمليات الاستبداد الواسع الممارس ضد النساء في البيوت والشوارع وسائر المجتمع لا اهمية له تذكر لدى هؤلاء.
وبطبيعة الحال فان تطور علاقات الانتاج حسب تلك الحركات تتطلب تطور القوى المنتجة اي الطبقة العاملة اولا لكي يتم تخليها عن الدين والخرافات المحقرة للانسان بعد اكتسابها الميكانيكي "للوعي الطبقي" و (حينها فقط) يكون بامكان النساء المطالبة بحقوقهن المنتهكة. !! ولا نعرف ان كانت حينها ستتضمن حريتها تلك الحريات البسيطة مثل حرية الملبس واختيار الشريك وفصل الدين عن حياتها ام لا!!. ان تطور القوى المنتجة بنظر هؤلاء الماركسيين المزيفين والتبريريين "غير ممكن اليوم" لان الطبقة العاملة مازالت برأيهم مرتبطة بانماط الانتاج " المتخلف" ويجب اولا التحول كاملا الى الرأسمالية لكي نحصل بعدها على قوى انتاج متطورة وحينها فقط (برأيهم) تكون المطالبة بالتحرر والتخلي عن الدين والاسلام مسألة ممكنة التحقيق. من هنا يمكن ادراك مطالب قوى البرجوازية "اليسارية؟" بالديمقراطية الامريكية والتحول الى رأسمالية السوق الحرة بينما تستمر تنظيراتهم ألاجتماعية والسياسية تنهل من متاحف الشيوعية السوفييتية. ان تلك القوى تحولت الى قوى رجعية معيقة لحرية المرأة دون اي شروط او قيود.
تلك القوى تكذب ايضا عندما تحاول التصوير بان الاسلام السياسي يمثل علاقات الانتاج الاقطاعية وعليه يجب الانتظار لكي يتخلص المجتمع من هذه الحركة الهمجية. انها تعرف ومنذ 25 سنة في ايران وابعد من ذلك في السعودية بان الاسلام السياسي هو التجسيد السياسي المعاصر والمحلي للرأسمالية المستبدة المتوحشة المعاصرة في الشرق الاوسط وهم وبمعاونة البرجوازية الغربية يحاولون اعادة انتاج الاسلام السياسي في العراق اليوم. ونعم ، في القرن الواحد والعشرين!!.
غني عن القول ان علاقات الانتاج في العراق وغير العراق قد خرجت تماما من مرحلة التطور واصبحت اليوم مغلقة على النظام الرأسمالي بالكامل. ان العراق اليوم كما كل دول العالم يعيش علاقات انتاج رأسمالية صرفة والصراع الاجتماعي الطبقي اليوم محتدم وبشكل عالي الشفافية بين قطبي العملية الانتاجية الرأسمالية اي الطبقة العاملة والبرجوازية. لا وجود لطبقة ثالثة بامكانها تغطية ذلك الصراع او تلطيفه او التخفيف من غلوائه او التغطية على محتواهً.
ان المسؤول عن تدهور اوضاع المرأة اليوم تحديدا ليس عدم تطور الطبقة العاملة او تخلفها. ان المسؤول عن ماساة النساء واستعبادهن واهانة كرامتهن هي البرجوازية نفسها. ان الطبقة العاملة لم تجلب قوى الاسلام السياسي الرجعية الى السلطة في العراق بل البرجوازية العالمية وعلى رأسها امريكا هي التي فعلت ذلك. ان قوى الاسلام السياسي والقوميين والعشائريين الرجعيين ليسوا قوى اقطاعية بل قوى رأسمالية ترتبط باوسع العلاقات التجارية والصناعية والمالية مع البرجوازية العالمية وهي حين تحاول مستميتة ان ترسخ الرجعية في العراق من خلال الحكم الاسلامي فلان هذا هو جوابها- هي - على معضلة تراكم الرأسمال والدول المنكوبة بالاسلام تماما كما كانت الفاشية جواب القوى الرأسمالية القومية في العقود الماضية.
ومن هذا المنطلق تحديدا نرى ان الحركات النسوية التي بامكانها فقط ان تتقدم باعلى المطالب راديكالية وانسانية في المجتمع هي الحركات النسوية ذات الافق الاشتراكي والتي لا ترتبط افاقها بالبرجوازية. فقط الاشتراكيون بامكانهم المطالبة بالحرية الكاملة للانسان او تحقيق الدولة العلمانية اللاقومية وليس هنالك من قوى برجوازية اخرى تتقدم بهذه المطالب في العراق اليوم. ان اهمية ذلك تنبع من اهمية ادراك ربط النضال النسوي بالاشتراكية.
ان حركة نضال المرأة مرتبطة اذا لا بهذه القوى او من يتزلف لها بحجة "خصوصية المجتمع" و"دين الشعب" وغير ذلك بل مرتبط بالقوى الاكثر راديكالية في صفوف الطبقة العاملة. الطبقة التي لا مصلحة لها في ادامة اغتيال حرية المرأة وانتهاك كرامتها الانسانية على يد قوى البرجوازية الاسلامية- القومية المتخلفة.
ان الشيوعية العمالية وهي تمثل التيار التحرري الاكثر راديكالية في المجتمع لقادرة على تجسيد مطالب الملايين من النساء العراقيات وتجسيد صوتهن المغيب والذي صادرته الحركات البرجوازية الانتهازية والتي ادعت الشيوعية والماركسية طويلا.
في 8 اذار يوم المرأة العالمي لن تتنازل الحركة النسوية الراديكالية الاشتراكية والتي ربطت مصيرها بمصير الجماهير الغفيرة للعمال والكادحين عن مطالبها الكاملة بالمساواة الكاملة للمرأة بالرجل والحريات الفردية والاجتماعية الواسعة للمرأة دون تدخل الدين او الناموس او العرف او التقاليد المتخلفة البائدة في حياتها الشخصية. في 8 آذار هذا العام سيقوى هذا التيار ويناضل بلا هوادة من اجل احقاق المساواة الكاملة للمرأة بالرجل وابعاد الدين كليا عن المجتمع وتثبيت ذلك في دستور الدولة في العراق.