لقاء ”الحوار المتمدن“
حول الثورات الحالية والقوى اليسارية
الجزء الثاني
الحوار المتمدن:هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى
اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على
مختلف الأصعدة؟
عصام شكـــري:ان القوى السياسية ليست مجاميع من الافراد الذين يتعلمون
الدروس او يشكلون ارائهم بارادية. ان الحركات السياسية تعبير عن اصطفافات طبقية
(اشخاص يمثلون مصالح طبقية) داخل المجتمع وليس مسألة ان اجلس على مكتبي اراجع نفسي
واصل بعدها الى استنتاجات راديكالية في الصباح التالي. انه موقفك الطبقي من
البداية. ان تأسيس احزاب الشيوعية العمالية مسألة تقع على عاتق الاشتراكيين اليوم
والعناصر الاكثر راديكالية داخل الحركة العمالية والمساواتية النسوية والطلابية
والشبابية. احزاب الشيوعية العمالية يجب ان تشكل او تتقوى او تصحح مساراتها. مرة
اخرى اؤكد ان اسم الحزب "شيوعي عمالي" ليس بنظري مهم. المهم هو برنامجه، سياساته،
مسالة الثورة والاشتراكية، تحطيم المجتمع الطبقي وانهاء الرأسمالية، والحقوق التي
توفرها بدائل الجمهورية الاشتراكية المقبلة للجماهير. هذا هو المهم. اعول على
الاشتراكيين المصريين الان وارى خطوطهم متقدمة بالنسبة للواقع العربي.
الحوار المتمدن:كيف
يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية
السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو
شكل هذهِ المشاركة ؟
عصام شكـــري:الطبقة البرجوازية تريد ان ترتب الامور بشكل يجعل هذه الثورات التي
حدثت بعيدا عن سيطرتها (يمينا ويسارا) تريد ان تعرقلها وتمسك زمامها بيدها. هذا
تصوري للموضوع وهو تصور طبقي وليس
تصور ينبع من اي دروس ديمقراطية فاتت على البعض منهم او كانوا ساهين عن ادراكها او
تعلموها من خلال متابعة قناة الجزيرة او العربية او البي بي سي . ان الطبقة
البرجوازية في مصر اليوم استعانت بالجيش على قمع الثورة وان الاسلام السياسي
الموالي للغرب قد استقدم على انه ممثل جيد للبرجوازية المحلية المصرية والتونسية
والمغربية وربما في سوريا ايضا. هل لليسار كلمة حول الموضوع ؟ هل هناك دعوة للتصدي
لتيارات الاسلام السياسي باعتباره ممثل لحصة او سهم الرأسمالية العالمية في المنطقة
؟ وخير مدافع عن الرأسمالية بعد غياب بدائل القوميين العرب ؟ فهمي يأتي من هنا، من
الاشتراكية ومن الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة ضد الرأسمالية. لا ارى مشاركة
لليسار الثوري في البرلمان المصري القادم وهو برلمان حتما سيكون رجعي. ولكن برأيي
هذا غير مهم. ليس مهم البرلمان ولا العملية السياسية لا في
مصر ولا في العراق ولا المغرب ولا تونس ولا ايران . ليس مهما. ما يهم هو الثورة
المتأججة في الشوارع. انا لست جزءا من معسكر القوى المعادية للثورة لاخطط لكيفية
تنظيم البرجوازية لصفوفها وارجاع شرعيتها التي هزها اعصار الجماهير في ساحات
التحرير. هدفي ان يسيطر العمال على السلطة السياسية ويعلنوا الاشتراكية وليس ثمة
عملية سياسية منظورة قادرة على تحقيق ذلك. ادعواالى ادامة الثورة.
الحوار المتمدن:القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من
التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية
والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية
المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
عصام شكـــري:التحالفات بين قوى اليسار، حتى بين قوى اليسار
العمالي وغير العمالي واردة. ولكن حول نقاط محددة، مثلا الوقوف بوجه قانون اسلامي
او رجعي ضد المرأة او ضد هجمة اسلامية على حقوق الشباب او الطلبة (كما يحدث الان في
العراق ضد الطالبات في تحجيبهن من قبل نوري المالكي وحزب الدعوة الاسلامية)، او من
اجل التنسيق لتظاهرات او القيام بفعاليات حول مسائل الحريات السياسية او اطلاق سراح
قادة عماليين او سجناء سياسيين او وقف الاعدامات او التحجيب الاجباري للنساء
اوغيرها العديد. هذا ممكن ولكن تشكيل جبهة عمومية يسارية حول ماذا ؟. لخوض
الانتخابات ؟ ومن قال ان اليسار كله متفق على خوض الانتخابات؟ نحن مثلا خالفنا
الانتخابات في العراق وكان هناك حزب اخر قريب لنا موافق على الانتخابات ! كيف
والحال هكذا مع احزاب اخرى كانت تجلس على كراسي سمتها السلطة (كراسي شيعية !!). ما
هي سياسات تلك الجبهة حول الالاف من المسائل في المجتمع ؟. برأيي هذا طرح مثالي
ويريد ان يتجنب المسألة الاساسية. هل هذا اليسار يريد النضال من اجل الاشتراكية في
العراق؟ برأيي كلا. اليسار عموما لا يريد الاشتراكية بل حتى مطالبه العلمانية هزيلة
والان اقصى مسألة له هو حقوق الانسان (انسان فويرباخ) و"دمقرطة" الممارسة السياسية.
الجبهة التحالفية لن تكون اكثر من ساحة صراعات ايديولوجية لمثقفين حول مسائل
"ألديمقراطية" والتعددية والشفافية او ماذا قال بليخانوف وكيف ان خروتشوف خائن وان
العراق شعب مسلم ولا يجوز المس بتقاليده مهما كانت متفسخة وكيف وأين ستنصب قدور
"الهريسة والقيمة" في المناسبات الدينية لكي يقبل الشعب باليــسار!!.
التتمة في العدد القادم
الحوار المتمدن:
هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة
ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع
بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
عصام شكـــري:
حزبنا يريد ان يمثل النساء في قيادته قدر الامكان ولكن ليس من اجل الانتخابات.
ولكن لدي الكثير من الكلام حول تصدر النساء للواجهة. هذا الكلام مبهم. مجلس
الشورى الاسلامي الايراني يظم العديد من النساء والبرلمان الطائفي العشائري في
العراق يظم العديد من النساء ايضا. ثم ماذا ؟ السياسات رجعية ومعادية للمرأة مئة
بالمئة وذكورية. ماركريت ثاتشر كانت من اكثر اعداء الحركة النسوية والاشتراكية في
بريطانيا. ان المهم هو السياسة العمالية المساواتية. الموقف الاشتراكي. قد تكونوا 3
شباب ذكور ولكن برنامجكم التحرري المساواتي هو ما يجعلكم حزب نسائيا ومناصرا للمرأة
ومساواتيا مليون مرة اكثر من حزب ملئ بالاف النساء ولكن يحركه الاسلاميون. المهم هو
السياسة لا الجندر، هل يتم طرح موضوع مساواة المرأة بالرجل ؟. للاسف موقف اليسار من
المرأة هزيل عموما. اذكر بهذا الصدد موضوع علياء المهدي وكيف ان اغلب اليساريين
العرب لم يفهموا (او لم يريدوا بالاحرى) سوى ان يصوروا الامر بأنه عري فاضح وصاروا
يتحدثون عن ترهات "انتهاك الضمير الجمعي" وواجهوا حركتها الاعتراضية الجريئة
بالانتقادات وصبوا مياههم في طواحين الاسلاميين، ولكن لماذا ؟! لانها تجرأت ووجهت
صفعة على وجه الاسلام السياسي، وتبرز صرخة كل النساء من الانتهاكات الوحشية ضدهن في
مصر. انظروا كيف عامل اليسار العربي قضية علياء المهدي قبل ان نتحدث عن قبول قيادات
شابة او دور المرأة. ان اليسار العربي ليس راديكالي ازاء موضوع المرأة وموقفه من
المرأة اقرب له من الاسلاميين والقوميين العرب من اي شئ اخر.
التتمة العدد القادم