حول الثورات الحالية والقوى اليســارية
لقاء الحوار المتمدن مع عصام شكـري
الحوار المتمدن:
هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية
مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
عصام شكري:
اشكركم على اتاحة المجال امامي مرة اخرى للحديث حول هذا الموضوع. اجابتي على هذا
السؤال تمر عبر تقييم للثورات من جهة ولليسار من جهة اخرى. سابدا بتوضيح افكاري حول
الثورة وعلاقتها بالقوى السياسية اليسارية على شكل نقاط:
اولا: العامل المشترك لجميع هذه الثورات هو طابع نافي للرأسمالية. هذه الثورات
تعبير عن احتدام الصراع الطبقي داخل المجتمع العالمي لدرجة لا يمكن حله. ربما اتخذ
طابع الاطاحة بالرأسمالية اشكالا اكثر وضوحا في دول اوربا وامريكا، ولكن الحركات
الثورية الحالية بعمومها تجسد الطابع الطبقي وتحمل جواب معسكر الطبقة العاملة
المحرومة على معسكر الجشع والحروب والقتل والاستبداد والبطش والنهب والتظليل. مسألة
تنظيم هذه الاعتراضات او ادراك الجماهير لبديلها هي مسألة غير محسومة.
ثانيا: فيما يتعلق باليسار وعلى صعيد المنطقة تحديدا فان تأثير حركات اليسار القومي
عموما من المعادية للامبريالية والصهيونية وتيارات الشيوعية التقليدية التي تصور
رأسمالية الدولة على انها اشتراكية والبطش الدموي بالمخالفين السياسيين على انه
ماركسية و "دكتاتورية البروليتاريا" والاعتذارية والاستحذاء للاسلام السياسي وقواه
البربرية على انها دعم "للمقاومة" ضد الامبريالية والصهيونية، اضافة الى قوى
البعثية والناصرية وبقية الاجنحة القومية الاكثر يمينية، كلها بمجموعها تمثل تيارات
داخل الطبقة البرجوازية برزت في مفاصل معينة للاجابة على متطلبات مراكمة رأس المال
في دولها.
ثالثا: لكن الجماهير اليوم لا ترفع شعارات تلك الحركات. لا نفوذ لتلك الحركات اليوم
داخل الجماهير وان تدجين الثورات المصرية والتونسية بالحركة الاسلامية واصعادها على
اكتافها يتم في مسعى البرجوازية افشال هذه الثورات وليس التعبير عن ماهيتها، وطبعا
الفضل يعود للجيش والقمع البوليسي. مقارنة بسيطة بين وضع الاحتجاجات اليوم
بالاحتجاجات الثورية على سبيل المثال في اوربا اواخر الستينات تبين الفرق النوعي
(او الطبقي) بين وضعها اليوم وتلك الاوضاع. الثورات الحالية لا تقع تحت اجنحة
"اليسار القومي" ولا القومية ولا الاسلام السياسي. مطالب الثورات كلها تدل على ذلك.
رابعا، وهنا اود التوسع في مسألة عجز البرجوازية، بيمينها ويسارها، عن الاجابة على
مطالب الجماهير"البسيطة" جدا لدرجة الصدمة؛ نعم فقط يريدون الحرية والمساواة
والرفاه!. وفي نفس الوقت فانه ليس بين تيارات البرجوازية اليوم تيار قادر على تقديم
الاجابة على تلك المسائل "البسيطة" التي تطرحها الجماهير، لا في معيشتها ولا في
حرياتها الفردية والاجتماعية ولا في مناهضة الوحشية والبطش والاستبداد ولا في
مساواة المرأة الكامل غير المشروط بالرجل ولا في العلمانية وفصل الدين عن الدولة،
ولا في تقديم ثقافة انسانية تحررية تمس قلب مساعي البشر نحو الحرية ونفض الازبال
الفكرية التي تنهال على رؤوسهم يوميا. وفي الواقع ولا في اي مسألة لديهم جواب.
برأيي ان الشيوعية بمعناها الماركسي – الراديكالي والثوري ترفع ما ترفعه الجماهير
وترى ان الحل هو الاشتراكية. تغيير العالم نحو الافضل يمر عبر اسقاط النظام
الرأسمالي وبناء الاشتراكية. نعم هكذا ببساطة. اليوم لا يمكن تكرار نفس"تفلسفات"
اليسار القومي من قبيل "مؤشرات النهوض الثوري وتعميق الوعي الطبقي واستكمال تطور
قوى الانتاج" و..غيرها من التعابير الفارغة المحتوى الا من الرغبة في تأجيل كل شئ
واحالته الى المستقبل المجهول. هذه هي الجماهير تقوم بثورتها ونحن نسأل الان : اين
اليسار من هذا ؟.
خامسا، الثورة اليوم، وهذا شئ اخر مثير في احداث اليوم مقارنة بالماضي، قد تجاوزت
الاطر القومية او الحدود الوطنية وصارت تماوجات الاعتراضات تمتد كامواج المحيط لا
توقفها اي حواجز او سدود وضعت هنا وهناك. العالم برأيي مقبل على مرحلة من التغيرات
العميقة والجارفة، وهذه فقط بداياتها.
سادسا، وفيما يخص تدخل النقابات العمالية او وجودها داخل الاعتراضات فلا اراه مهما.
انها كليشيه اخرى شكلها راديكالي ولكن محتواها ليس كذلك. فالنقابة العمالية، اليوم،
حتى في اكثر اشكالها نضالية، عاجزة عن طرح حل سياسي، ناهيك عن كونه راديكالي. انه
تخضع لحلول البرجوازية وكل ما هناك ان لديها قدرة تفاوضية مع ارباب العمل او السلطة
(في الشرق الاوسط ليس لديها اي شئ وغالبا ما يكون السجون والتعذيب نصيبها). لا
تمتلك النقابة العمالية(بقياداتها) حل الاشتراكية للجماهير وغير قادرة على شن نضال
سياسي واسع لكل المجتمع من اجل انتصار الاشتراكية. ان النقابة العمالية لا تتدخل في
اغلب الاحيان في مطلب مساواة المرأة بالرجل ولا الكوارث التي جلبتها القوى السياسية
للبرجوازية كقوى الاسلام السياسي، بل وحتى في الميدان الاقتصادي، فان العديد من
النقابات العمالية لا ترى في العاطلين مشكلة تخصها، رغم ان العاطلين هم انفسهم عمال
ولكن بشكل اكثر بؤسا وعلى تخوم الفاقة والجوع. ماذا كان سيحصل لثورة اكتوبر لو تركت
للمجالس العمالية (السوفييتات) ان تستمر دون تدخل وقيادة البلاشفة ؟ لا شئ.المسألة
الاساسية اذن برأيي، مرة اخرى، هو الحزب الشيوعي العمالي وليس النقابة العمالية.
ولكني اكرر مرة اخرى، ان الثورات الحالية هي ثورات عمالية، لا لان منظميها هي
النقابات، بل لان طابعها السياسي عمالي مناهض للبرجوازية معاد للراسمالية ويريد قلب
العالم رأسا على عقب.
في التحليل الاخير، فان جوابي بشكل عام هو ان اليسار لم يلعب دورا، ليس لان
الجماهير متخلفة او ميالة لليمين، كما يظن البعض (وقد سمعناها من بعض من فشلوا
بالانتخابات في العراق)، بل لان اليسار السائد في المنطقة او حتى على صعيد العالم
هو يسار متراجع عن خطى الجماهير وثوراتها وغير راديكالي اجتماعيا. انه يسار غير
طبقي وحتى غير ثوري. يسار مرتاح لتكرار عبارات العداء للصهيونية والامبريالية وولعه
المفرط بالعروبة والامة مليون مرة اكثر من فتح فمه للتنديد بضرب او قتل مواطنين في
الشارع "العربي" او بالملايين من الانتهاكات ضد العمال والنساء من قبل قوى الاسلام
السياسي. كل تحليلات اليسار ومواقفه لا تنبع من موقف العامل المعترض او المرأة
المميز ضدها جنسيا في كل ساعة من حياتها او الشاب المغرق بالخرافات والبؤس الثقافي
والضحالة المعرفية، حياة الملايين من البشر الحقيقيين في المجتمع، بل من الموقف
المريح الاكاديمي، المثقف، الانتي – امبريالي، مواقف نعوم تشومسكي وطارق فتاح
وروبرت فيسك و كاسترو وشافيز اصدقاء احمدي نجاد وحماس وحسن نصر الله . لا مشكلة
للعديد من قوى هذا اليسار في التحالف مع الاسلام السياسي لمجرد ان تلك القوى تقف
موقفا عدائيا من امريكا او اسرائيل؛ هذا اليسار لم يكن له ضلع في الثورات الحالية
وهو جزء من معادلة الماضي بالنسبة للشباب اليوم. الشباب يريد الحرية والمساواة
والرفاه والعلمانية والتمدن ولا احد يهمه شعارات القوميين والاسلاميين حول "يسقط
الاستعمار والصهيونية والاستكبار وعاشت الامة والمقاومة". هذا اليسار سيواجه
الاضمحلال، وسيخرج من رحم الثورات يسار راديكالي اجتماعي وطبقي وليس يسار قومي
مهادن. هذا ما اعتقد.
الحوار المتمدن: هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص
ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى
الديمقراطية واليسارية؟
عصام شكـــري:
لا اعتقد. القمع كان موجود في زمن القيصرية ايضا ومورس بحدة ضد البلاشفة وتعرض
لينين الى النفي الى سيبريا واعدم ممثلو الحزب في الدوما، وايضا تعرضوا للملاحقة
حتى بعد ثورة اكتوبر الديمقراطية !. كان القمع شديدا في ايران في فترة الشاه وكانت
الحركات العمالية والشيوعية قوية ومسيطرة على الشارع. كان حزب البعث في العراق من
اكثر الاحزاب دموية ولكن التيار الاسلامي كان قويا وله نفوذ. الجمهورية الاسلامية
مشهورة بمجازرها ضد الشيوعيين والاعدام برافعات البناء، ولكن الحزب الشيوعي العمالي
الايراني واحد من اقوى الاحزاب الشيوعية على صعيد العالم. انا فقط اعطي امثلة لكي
اؤكد ان ليس هناك ربط او دليل على وجود علاقة بين القمع وبين ضعف أليسار. المسألة
تتعلق ببعض النقاط التي طرحتها سابقا ولها علاقة بفشل تلك الحركات كتيارات للطبقة
البرجوازية تحمل رؤى او افاق معينة للحكم والسلطة ورأس المال.اليوم اليسار الامريكي
او البريطاني او الكندي او اليوناني او الاسباني لا يواجه القمع. لماذا هو ضعيف
داخل تلك الحركات اذن. برأيي ان الاجابة تتعلق بانهيار بدائل البرجوازية الصغيرة
القومية والشيوعية التقليدية او الايديولوجية او الديمقراطية وعجزها عن تمثيل مصالح
وامال الجماهير الواسعة وليس القمع الممارس ضدها من السلطة.الجواب لن تجده بين طيات
الديمقراطية والبرلمانية.
الحوار المتمدن:
هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية
والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف
الأصعدة؟
عصام شكـــري:
ان القوى السياسية ليست مجاميع من الافراد الذين يتعلمون الدروس او يشكلون ارائهم
بارادية. ان الحركات السياسية تعبير عن اصطفافات طبقية(اشخاص يمثلون مصالح طبقية)
داخل المجتمع وليس مسألة ان اجلس على مكتبي اراجع نفسي واصل بعدها الى استنتاجات
راديكالية في الصباح التالي. انه موقفك الطبقي من البداية. ان تأسيس احزاب الشيوعية
العمالية مسألة تقع على عاتق الاشتراكيين اليوم والعناصر الاكثر راديكالية داخل
الحركة العمالية والمساواتية النسوية والطلابية والشبابية. احزاب الشيوعية العمالية
يجب ان تشكل او تتقوى او تصحح مساراتها. مرة اخرى اؤكد ان اسم الحزب "شيوعي عمالي"
ليس بنظري مهم. المهم هو برنامجه، سياساته، مسالة الثورة والاشتراكية، تحطيم
المجتمع الطبقي وانهاء الرأسمالية، والحقوق التي توفرها بدائل الجمهورية الاشتراكية
المقبلة للجماهير. هذا هو المهم.اعول على الاشتراكيين المصريين الان وارى خطوطهم
متقدمة بالنسبة للواقع العربي.
الحوار المتمدن:
كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي
تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
عصام شكـــري:
المعذرة ولكني لا افهم معنى العملية السياسية. ما معنى العملية السياسية غير انها
خطة وضعتها البرجوازية لانجاح اعادة سيطرتها على السلطة السياسية ؟ هل هناك معنى
اخر ؟ الطبقة البرجوازية تريد ان ترتب الامور بشكل يجعل هذه الثورات التي حدثت
بعيدا عن سيطرتها (يمينا ويسارا) تريد ان تعرقلها وتمسك زمامها بيدها. هذا تصوري
للموضوع وهو تصور طبقي وليس تصور ينبع من اي دروس ديمقراطية فاتت على البعض منهم او
كانوا ساهين عن ادراكها او تعلموها من خلال متابعة قناة الجزيرة او العربية او البي
بي سي مثلا.ان الطبقة البرجوازية في مصر اليوم استعانت بالجيش على قمع الثورة وان
الاسلام السياسي الموالي للغرب قد استقدم على انه ممثل جيد للبرجوازية المحلية
المصرية والتونسية والمغربية وربما في سوريا ايضا. هل لليسار كلمة حول الموضوع ؟ هل
هناك دعوة للتصدي لتيارات الاسلام السياسي باعتباره ممثل لحصة او سهم الرأسمالية
العالمية في المنطقة ؟ وخير مدافع عن الرأسمالية بعد غياب بدائل القوميين العرب ؟
فهمي يأتي من هنا، من الاشتراكية ومن الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة ضد
الرأسمالية. لا ارى مشاركة لليسار الثوري في البرلمان المصري القادم وهو برلمان
حتما سيكون رجعي. ولكن برأيي هذا غير مهم. ليس مهم البرلمان ولا العملية السياسية
لا في مصر ولا في العراق ولا المغرب ولا تونس ولا ايران . ليس مهما. ما يهم هو
الثورة المتأججة في الشوارع.انا لست جزءا من معسكر القوى المعادية للثورة لاخطط
لكيفية تنظيم البرجوازية لصفوفها وارجاع شرعيتها التي هزها اعصار الجماهير في ساحات
التحرير. هدفي ان يسيطر العمال على السلطة السياسية ويعلنوا الاشتراكية وليس ثمة
عملية سياسية منظورة قادرة على تحقيق ذلك. ادعواالى ادامة الثورة.
الحوار المتمدن:
القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل
تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية
العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن
يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
عصام شكـــري:
التحالفات بين قوى اليسار، حتى بين قوى اليسار العمالي وغير العمالي واردة. ولكن
حول نقاط محددة، مثلا الوقوف بوجه قانون اسلامي او رجعي ضد المرأة او ضد هجمة
اسلامية على حقوق الشباب او الطلبة (كما يحدث الان في العراق ضد الطالبات في
تحجيبهن من قبل نوري المالكي وحزب الدعوة الاسلامية)، او من اجل التنسيق لتظاهرات
او القيام بفعاليات حول مسائل الحريات السياسية او اطلاق سراح قادة عماليين او
سجناء سياسيين او وقف الاعدامات او التحجيب الاجباري للنساء اوغيرها العديد. هذا
ممكن ولكن تشكيل جبهة عمومية يسارية حول ماذا ؟. لخوض الانتخابات ؟ ومن قال ان
اليسار كله متفق على خوض الانتخابات؟ نحن مثلا خالفنا الانتخابات في العراق وكان
هناك حزب اخر قريب لنا موافق على الانتخابات ! كيف والحال هكذا مع احزاب اخرى كانت
تجلس على كراسي سمتها السلطة (كراسي شيعية !!). ما هي سياسات تلك الجبهة حول الالاف
من المسائل في المجتمع ؟. برأيي هذا طرح مثالي ويريد ان يتجنب المسألة الاساسية. هل
هذا اليسار يريد النضال من اجل الاشتراكية في العراق؟ برأيي كلا. اليسار عموما لا
يريد الاشتراكية بل حتى مطالبه العلمانية هزيلة والان اقصى مسألة له هو حقوق
الانسان (انسان فويرباخ) و"دمقرطة"الممارسة السياسية. الجبهة التحالفية لن تكون
اكثر من ساحة صراعات ايديولوجية لمثقفين حول مسائل "ألديمقراطية" والتعددية
والشفافية او ماذا قال بليخانوف وكيف ان خروتشوف خائن وان العراق شعب مسلم ولا يجوز
المس بتقاليده مهما كانت متفسخة وكيف وأين ستنصب قدور "الهريسة والقيمة" في
المناسبات الدينية لكي يقبل الشعب باليــسار!!.
الحوار المتمدن:
هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها
الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا
أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
عصام شكـــري:
حزبنا يريد ان يمثل النساء في قيادته قدر الامكان ولكن ليس من اجل الانتخابات. ولكن
لدي الكثير من الكلام حول تصدر النساء للواجهة. هذا الكلام مبهم. مجلس الشورى
الاسلامي الايراني يظم العديد من النساء والبرلمان الطائفي العشائري في العراق يظم
العديد من النساء ايضا. ثم ماذا ؟ السياسات رجعية ومعادية للمرأة مئة بالمئة
وذكورية. ماركريت ثاتشر كانت من اكثر اعداء الحركة النسوية والاشتراكية في
بريطانيا. ان المهم هو السياسة العمالية المساواتية. الموقف الاشتراكي. قد تكونوا 3
شباب ذكور ولكن برنامجكم التحرري المساواتي هو ما يجعلكم حزب نسائيا ومناصرا للمرأة
ومساواتيا مليون مرة اكثر من حزب ملئ بالاف النساء ولكن يحركه الاسلاميون. المهم هو
السياسة لا الجندر، هل يتم طرح موضوع مساواة المرأة بالرجل ؟. للاسف موقف اليسار من
المرأة هزيل عموما.اذكر بهذا الصدد موضوع علياء المهدي وكيف ان اغلب اليساريين
العرب لم يفهموا (او لم يريدوا بالاحرى) سوى ان يصوروا الامر بأنه عري فاضح وصاروا
يتحدثون عن ترهات"انتهاك الضمير الجمعي" وواجهوا حركتها الاعتراضية الجريئة
بالانتقادات وصبوا مياههم في طواحين الاسلاميين، ولكن لماذا ؟! لانها تجرأت ووجهت
صفعة على وجه الاسلام السياسي، وتبرز صرخة كل النساء من الانتهاكات الوحشية ضدهن في
مصر. انظروا كيف عامل اليسار العربي قضية علياء المهدي قبل ان نتحدث عن قبول قيادات
شابة او دور المرأة. ان اليسار العربي ليس راديكالي ازاء موضوع المرأة وموقفه من
المرأة اقرب له من الاسلاميين والقوميين العرب من اي شئ اخر.
الحوار المتمدن:
قوى اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال،
كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
عصام شكـــري:
انا ادافع عن حقوق المرأة بمعنى المطالبة بمساواتها الكاملة بالرجل دون شروط او
قيود. لا اطالب فقط بحقها في قيادة سيارة او حرية اختيارها لملبسها او ما يسميه بعض
اليسار بشكل عجيب ب"موقعية اتخاذ القرار" (في حين انهم يعرفون انها غير قادرة على
التحكم حتى بجسدها !!). انا اطالب بمساواتها الكاملة.الكاملة فعليا في كل شئ. انا
اهاجم الطبقة البرجوازية وتياراتها السياسية التي تعتبر المرأة كائن دوني اجتماعيا.
انا اهاجم الفلسفات السائدة التي تقول ان المرأة مخلوق من ضلع الرجل وانها غير
جديرة. انها ليست انسان وليس لديها كيان. ميراثها الثمن وشهادتها النصف وهي شرف
الرجل والعشيرة وخادمة في المطبخ. انا اهاجم من يقول ان مكافأة الصالحين من الرجال
تكون بمضاجعة 70
فتاة.
هذه الشرائع التحقيرية للمرأة يجب ان نناضل ضد القوى السياسية التي تدفع لتحولها
الى انظمة مجتمع. العلمانية حل اساسي لوضع المرأة في المجتمع. ليس العلمانية بحد
ذاتها تمتلك برنامج لمساواة المرأة (بل الاشتراكية) ولكن العلمانية تزيح على كاهل
الحركة المساواتية عائق جدي وهو الحركة الاسلامية والدينية. برأيي من يريد ان يدافع
عن المرأة عليه ان يطالب بفصل الدين عن الدولة الان وليس فيما بعد عندما يرحل
الاسلاميون بقدرة قادر. كيف يمكن للاسلاميين ان يزاحوا واليسار خانع وذليل واعتذاري
؟ . ان اكبر كذبة هي القول ان المجتمع متدين. لو كان المجتمع متدين لم يحرق
الاسلاميون محلات بيع الكحول اذن ؟
الحوار المتمدن:
هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ
من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة
والتحرر ؟
عصام شكــري:
ليس فقط تتمكن بل لا قوة اخرى بقادرة على ذلك، ولو ان لي تحفظ على مفهوم حقوق
الانسان (اي انسان بالظبط ؟ من يدفع عربة الخضار ام نائب البرلمان ام الارملة التي
تستجدي؟). ان اليسار الحالي كما اسلفت ليس علماني بكل اطيافه فكيف يمكن ان تزيح او
"تحد" من تأثير الاسلام السياسي ولا تطرح بديلك العلماني؟ باي شئ تحد من تأثيره اذن
؟ بالنقاش حول وجود الله ام عدمه ؟. انا لم ار مطالب الاشتراكيين مرفوعة في الدول
التي نشبت بها الثورات بحكومة ثورية علمانية يفصل فيها الدين عن الدولة. لم اسمع
بمطلب دولة لا اسلامية ولا قومية مرفوع عاليا في مصر. هذا مطلب مهم واساسي لمجتمع
يفسح للمرأة المجال ويزيل من امامها اهم العوائق. لا اكترث بالتبريرات المقدمة، وقد
سمعناها كثيرا. المجتمع متخلف، مسلم، متدين، سنبعد انفسنا عن ساحة الصراع، الشعب
غير مستعد لهذه الخطوة، القوى الاسلامية خطرة وارهابية وغيرها من التبريرات.دون ان
تطالب بالحكومة العلمانية اليوم فاني لا اهتم ان تطلق او لا تطلق على نفسك كلمة
يسـاري. يجب ان نقدم النضال والمطلب العلماني لانها تتضمن المساواة وابعاد الدين عن
الدولة وفي وقت تسيطر عليه حركة الاسلام السياسي على المقاليد العامة، فان لهذا
النضال معنى طبقي تحرري . انها احد ابرز وظائف الاشتراكيين اليوم.
الحوار المتمدن:
ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس
بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب
اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
عصام شكــري:
ثورات العالم اثبتت ان الثورة ممكنة بعدان تنازل عنها اليسار وقالوا عنها عنفا و
خشونة وان وقتها قد فات وان البرلمانات والديمقراطية هي الحل. هذا اول ما اثبتته
الثورات بقدرتعلق الامر باليسار. وبالتأكيد يجب ان يتعزز نقل الافكار والخبرات
المكتسبة وخاصة بين الشباب والعمال والكادحين في الدول الثائرة والدول التي على وشك
الثورة. ولكن التاكتيكات لا ترسم في الفيسبوك ولا التويتر ولا قيادة الاحزاب. انها
ترسم في الشارع. ان الفكر الاشتراكي يجب ان يروج بشكل واسع النطاق على صفحات
التواصل الاجتماعي. اتفق مع حسام الحملاوي في تقييمه الموضوعي لموقعية مواقع
التواصل الاجتماعي في ثورة مصر. انا موافق على ان دورها كان يروج له من قبل القنوات
الفضائية البرجوازية لكي يجعل من الثورة سلمية وباسيفية و"حبية" (من الحب). ولكن
المبالغة في تصوير الامر وكأن الثورة حدثت في الواقع المفترض - الفيس بوك - هو شئ
خيالي. مواقع التواصل الاجتماعي مهمة في ترويج الافكار التحررية والاشتراكية ولكن
لا تعوض عن تنظيم الجماهير وعن التحزب السياسي. كنت اتمنى ان اسال عن اهمية التحزب
السياسي وليس اثر الفيسبوك. فالفيسبوك هي خطوط اتصالات فائقة السرعة. لا اكثر.
الحوار المتمدن:
بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته
الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
عصام شكـــري:
الحوار المتمدن هو واجهة الاصوات التحررية بنظري. انا اعتبر انه فسح المجال
للشيوعية العمالية بالتواجد على الساحة. انا لا اتوهم واصف الحوار المتمدن بانه قوة
ثورية وهو ليس كذلك ولا اعتقد رفيقي رزكار يضعه في هكذا موقع.كما لا اعتبر كما
يعتبر البعض ان الموقع "ديمقراطي" يروج للمبادئ الليبرالية. لا اخلط مطلقا بين
الاراء الشخصية للكتاب وبين المكانة الاجتماعية لمواقع تحاول ان تبرز الفكر
العلماني، المساواتي، الانساني، التحرري، الالحادي، التشكيكي، النقدي عموما،
وبالتالي فاني اقيم دوره في وظيفته الاجتماعية هذه وليس من منطلقات ايديولوجية
"يسارية" مسبقة. ارجو ان يكون طرحي مفهوما.الموقع هو فترينه عرض تتيح لي ان اعرض
افكاري على المجتمع والعمال والشباب والعاطلين والكادحين والنساء. ومن هذا المنطلق
اقيمه واشكر القائمين عليه لاتاحة الفرصة لي وللشيوعيين العماليين ان يبرزوا ارائهم
ويحركوا المياه الاسنة ( ان صح تعبيري ) وهي جزء لا يتجزأ من تقييمي العام لدور
موقع الحوار المتمدن التحرري.