ملاحظات سريعة
تتناثر هذه الايام مقولات تفتقر لكل حس سياسي واقعي. ومنها "تهمة" اليسار الهامشي التي تطلق على قيادة الحزب الشيوعي العمالي الايراني وتحديدا تيار حميد تقوائي.
ومن جهة اخرى تستند نفس هذه الدعاية على مقولة "الاستيلاء على السلطة" باعتبارها الايقونة المقدسة التي تعلق على الصدور لاتقاء شرور اليسار الهامشي والبرهنة على" حكمتية" التيار الجديد ومنصوريته التي لا يشق لها غبار. صار الجميع متحمسين فجأة لاستلام السلطة ومن ثم ستلحق بقية الاشياء "الايديولوجية" الموجعة للرأس من تنظيم العمال وقيادتهم الى الثورة، الى اسقاط وتحطيم الدولة واعلان الجمهورية الاشتراكية الى غيرها من المقولات "الايديولوجية" "اليسارية الهامشية" الثقيلة على القلب!. بطبيعة الحال، وبقدر تعلق الامر بأيران اليوم وليس العراق أقوم بالتعليق السريع على تلك المقولات ضمن نطاق الحملة الدعائية الاخلاقية غير السياسية الجارية اليوم.
اما مقولة بحث السلطة السياسية اليوم فلها اهداف اخرى. انها اهداف تتعلق "بتجنب الثورة" والقفز فوقها. انها محاولة لحشر شيوعية منصور حكمت وقولبتها في مفهوم "استلام السلطة" لتشويهها وقصرها على ما تسمح به البرجوازية. انها تطرح بشكل مبتسر، مجتزأ من السياق الفكري العام وتبرز بخطوط حمراء ترسم تحتها لتبرير وجود ميل تساومي داخل الحركة الثورية الشيوعية. ان السلطة بالمعنى المطروح هي سلطة داخل الدولة البرجوازية وليست سلطة تحطم الدولة البرجوازية وتنشأ محلها سلطة العمال. انها تعني المشاركة في السلطة البرجوازية وليس انهاء سلطة البرجوازية. انها ميول مرتبطة بسياسة الثورة المراحلية كما نظر لها المناشفة وحلفائهم الاشتراكيين-الثوريين عندما تحالفوا بعد ثورة شباط 1917 الديمقراطية مع الكاديت في تشكيل الحكومة الائتلافية الروسية. ولكن ايران اليوم ليست روسيا 1917. !!
ان المراحلية المقترحة اليوم ليس فقط لا تمتلك "شرعية" موضوعية نتيجة للتطور الكامل لقوى الانتاج في ايران اليوم بل انها تعد مناهضة لهذا التطور تحديدا ونافية للواقع الاقتصادي والسياسي معا. فسياسيا من كان يعد ليبراليا في روسيا قبل 87 سنة اي الكاديت و" كيرنيسكي" ليس له وجود اليوم في ايران لكي يقترح الائتلاف معه في حكومة ما، الا اذا اردنا اعتبار الرجعيين من امثال خاتمي او محمد رضا بهلوي ليبراليين!!. ومن الناحية الاقتصادية فروسيا في 1917 كانت لا تزال تعيش الى حد كبير في مرحلة علاقات الانتاج الاقطاعية بينما ايران اليوم هي رأسمالية بالكامل. فما هي مبررات المراحل الثورية كما تطرح اذاً ( وان بشكل ضبابي). لقد كان لينين قبل 87 سنة ورغم اوضاع روسيا الاقتصادية المتخلفة قاطعاً في معارضته لعرقلة الثورة الاشتراكية الفورية من قبل الحكومة الائتلافية البرجوازية. لقد نظم البلاشفة بقيادة لينين مئآت المجالس العمالية في بتروكراد وموسكو بين شباط واوكتوبر 1917 وتم تنظيفها من المناشفة وتسليحها وحدد يوم وساعة الاستيلاء على السلطة. نفذ الهجوم وقضى على السلطة الائتلافية البرجوازية واعلنت سلطة السوفييتات.
ان المعنى السياسي للبحوث المقدمة والتي هي مثار النقاشات السياسية الحالية لا يهدف الى ايجاد جواب لسؤال "مالعمل". او انه"اقتراح ما" او رسم استرتيجية ما لمسألة السلطة والتي ما زال المجتمع الايراني يغلي بطلب الاجابة عليها. ان المعنى الدقيق لهذه البحوث مظلل سواء بتناول الواقع وتحليله أو بنتائجه المطروحة. يستخدم بحث السلطة بهذا المعنى كعتلة لرفع الاطروحة "المنشفية - الاشتراكية الديمقراطية" الى مصاف الحل الشيوعي العمالي لمسألة السلطة السياسية.
ان الاشتراك في البرلمان او اي شكل من اشكال السلطة البرجوازية بناء على حسابات معينة للقوى في المجتمع ليست مستبعدة بالكامل عن طرح الشيوعية العمالية ولكنها بشكلها المصاغ اليوم تعد راية شرائح اخرى في المجتمع الايراني. شرائح لا علاقة لها بالشيوعية وتسعى الى تقنين الثورة بالتحالفات "مسبقة الصنع". الاستيلاء على السلطة لا يأتي بمعزل عن مجمل العملية الثورية. انها ايصال الثورة الى نتائجها. ان عماد هذه العملية هو تحول الحزب الى حزب مقتدر اجتماعيا يمثل طموحات وآمال اغلبية المستثمرين"بفتح التاء" في المجتمع ومن خلالهم وليس من خلال التحالفات الفوقية. فقط بواسطة الجماهير تستطيع الشيوعية العمالية الوصول الى السلطة وليس هناك من سبيل اخر مختصر و"التوائي". الحزب هو منظم وقائد ومنفذ الثورة الاشتراكية الا انه بدون الجماهير لن يمكنه السير طويلا بلا انهيار. ان التحالف مع البرجوازية كما يطرح سبيلا للوجود في السلطة لا يعني الا ان البرجوازية ستعتصرنا وترمينا كقشور يابسة في اقرب منعطف مناسب. انها تعني فعليا افلاس الشيوعية العمالية سياسيا. ان الاتكاء على مقولات منصور حكمت جول الحزب السياسي الذي يختار الحكام ويجيد المناورة السياسية لا علاقة له بهذه البحوث بل له كل علاقة بتدخل العمال بتحديد مصيرهم السياسي وبالاقتدار الاجتماعي للحزب (تموضعه داخل الطبقة) دون التفريط بتنظيم العمال ثوريا من اجل الاستيلاء على السلطة. ان التكتيك والدهاء والمرونة السياسية كما يطرحها منصور هو جزء من النضال الثوري ولا ينفي ثورية الحزب بل يقويها. لا يلغي الثورة الاشتراكية او يؤجلها او يعكس منطقها بل يقربها ويجعلها بمتناول اليد.
ان الحديث عن الثورة يستوجب بطبيعة الحال الحديث عن العنف المصاحب لها. العنف في الثورة العمالية سيكون حتما اقل لانها ستكون ثورة الاف العمال المنظمين الذين يقودهم الحزب. الا ان نفي الثورة باعتبارها عملا غير متمدن و "عنيف" واللجوء الى اساليب الاحتجاج المدنية الخائرة كالعصيانات المدنية وغيرها من مقترحات القوى السياسية للطبقات الاخرى يعني اننا ننظر الى الامر برمته نظرة الاشتراكية الديمقراطية السلمي. ان العنف متأصل في تكوين الدولة البرجوازية (فما بالك بالجمهورية الدموية الاسلامية!!). ان عنف الثورة ان كان ضروريا يأتي فقط عندما يهب البرجوازيون للمقاومة العنيفة بجيشهم وشرطتهم وباسدرانهم. يبين لينين ذلك بوضوح بالقول" ان الاستعاضة عن الدولة البرجوازية بدولة البروليتاريا لا تمكن بدون ثورة عنيفة. والقضاء على الدولة البروليتارية، اي على كل دولة، لا يمكن عن غير طريق الاضمحلال".***
ان منصور حكمت لا يستثني الاشتراكية عن طريق الانتخابات الا بضمن شروط موضوعية هي في حالة الجمهورية الاسلامية اشبه بالخيالية. وهي توفير مناخ حر كامل لجميع القوى السياسية للقيام بالدعاية لنفسها ومن ثم اجراء انتخابات نزيهة..الخ.
ان الطرح القائم اليوم على "استثمار" طرح منصور حكمت لتبرير النزعة غير الثورية والتصالحية مع البرجوازية بحجة عدم وجود الثورة او ان الثورة الآتية ديمقراطية او لسنا جاهزين او لان السيناريو الاسود قاب قوسين او ادنى من ايران الخ من التبريرات هو بعينه العزوف عن الفعل الثوري. ان تلك ليست بحوث او احتماليات بحثية انها آليات وميول سياسية مشخصة بحد ذاتها وهي ان وصلت الى الجماهير العمالية الغاضبة في ايران سيكون لذلك اوخم العواقب على حركة الشيوعية العمالية واسسها وبنيانها الاجتماعي الطبقي برمته. انها نفي لدور الجماهير والتجاوز على معاناتها وغضبها على الرأسمال والاستثمار. ان من يقول ان كلامي هذا "ايديولوجيا" مجعجعة لا تعمل شيئا للوصول الى السلطة او انها مقولات اليسار الهامشي فانه يحاول في حقيقة الامر اخفاء الطابع الايديولوجي والميول الطبقية غير العمالية لنفس اطروحاته. اني اطالبه بان يتقدم بصراحة وبلا مواراة بالبحث البديل عن تنظيم العمال من اجل الثورة. وسأقبل بخطوط عمومية غامضة. اما ان يقال ان محور البحث هو "تكتيك" تنظيم الثورة فليس هذا الموضوع محل البحث.
ان اطلاق صفة اليسار الهامشي ضد الحزب الشيوعي العمالي الايراني فاقدة لاي معنى سياسي جدي، وهي مجرد تهمة اخلاقية مجتزأة تأريخيا من سياقها ( كما بحث السلطة السياسية مجتزأ من منظومة الشيوعية العمالية ومنتقى حسب المذهب "الاختياري"). انها في التحليل الاخير تهمة لا تنتمي الى نقد منصور حكمت السياسي لليسار الهامشي.
هاجم منصور حكمت اليسار الهامشي والراديكالي في معرض دفاعه عن اليسار العمالي الذي ينبع من الميل الاشتراكي داخل الطبقة ويتموضع في قلب تلك الحركة الجارية وليس اليسار الذي يتخذ من النظرية غاية او منطلق. ان اليسار الهامشي كما ورد في طروحات الشيوعية العمالية هو اليسار الذي نشأ في حقبة تأريخية محددة وذات سمات سياسية مشخصة. انه اليسار الذي اقترن بالتحريفية، او الماوية او التشي غيفارية او التروتسكية او اليسار الجديد او اليوروشيوعية. انه يسار بسيماء مرحلة سياسية تأريخية محددة هي مرحلة الحرب الباردة. هذا اليسار اليوم هو يسار ضعيف ومتلاشي؛ تحولت معظم صفوفه منذ سقوط البلوك الشرقي نحو الليبرالية الجديدة (الثاتشرية – الريغانية - البوشية) والديمقراطية.
لنتابع خصائص اليسار الهامشي كما طرحها منصور حكمت ونحكم بانفسنا. ماهو اليسار الذي اسماه منصور حكمت اليسار الهامشي؟:
كما يتضح تلكم سمات يسار بعيد عن الشيوعية العمالية كما نعرفها وناضلنا ومازلنا لترسيخها. الشيوعية التي اصبحت اليوم في ايران بفضل الحزب الشيوعي العمالي الايراني من اكبر الحركات الاجتماعية ( ربما في العالم) تدخلاً وتموضعا في قلب الاحتجاجات العمالية والشبابية والنسوية. الشيوعية التي تضم الالاف من الاعضاء العمال داخل ايران والتي تمتلك المئات من النشطاء الفعالين والذي اصبحت وجوه كوادره معروفة ومحبوبة في المجتمع. وبما انه لا يمكن الفصل بين النظرية والحركة الى ميادين قائمة بحد ذاتها في تيارالشيوعية العمالية فان اهم سمة لليسار الهامشي غائبة تماماً عن حركة الشيوعية العمالية كما هي معرفة في الحزب الشيوعي العمالي الايراني. ان "استعمال النظرية لنقد الحركات والميول اللاعمالية تحول النظرية الماركسية الى سلاح قاطع للنضال الطبقي وقوة مادية في المجتمع" 2.
ان اطلاق التهم جزافاً للنيل من حزب يعيش في قلب كل عامل وامرأة في ايران هو تحديداً "كل نقد" من تموضع في الهامش ولا يبغي تلويث يديه بالنضال من اجل الثورة الاشتراكية!!.
ملاحظة:
كتبت هذه الاسطر قبيل اطلاعي على القرار الاخير للحزب المنشق عن الحزب الشيوعي العمالي الايراني الصادر عن مؤتمرهم الاول والذي اعلنوا فيه، ولاول مرة منذ ماركس، ان شرط الثورة العمالية هو الاستيلاء على السلطة. انظر ما يقوله منصور حكمت عن شرط الاستيلاء على السلطة السياسية:
" ان التيار الشيوعي داخل الطبقة العاملة وضع تجهيز العمال بذلك الافق كهدف له وتنظيم الحركة المستقلة للعمال صوب نيل السلطة السياسية عبر الثورة العمالية (التـأكيد لي). ان ما يميز الميل الشيوعي عن باقي الميول داخل الطبقة العاملة هو ذات السعي من اجل ترسيخ أمل وهدف الثورة العمالية داخل الطبقة العاملة وتنظيم هذه الثورة". (منصور حكمت - العمال والثورة).
الهوامش
* المطالبة بمعنى الاستيلاء لا المشاركة.
** منصور حكمت – اسس و افاق – نقاط حول وظائفنا واساليب عملنا – ص150
*** لينين – الدولة والثورة – ص 199
**** منصور حكمت – اختلافاتنا – ص59
***** منصور حكمت – اسس وافاق – ص150