الدولة العلمانية
حول هزيمة محكمة الشريعة في كندا وبرنامج الانتهازية التحالفي الفوقي
عصام شكــري
ان انتصار الحركة العلمانية على مشروع اقامة محكمة الشريعة واندحار قوى الاسلام السياسي في كندا يتجاوز بكثير حدود كندا الى ارجاء العالم. الاكثر من هذا، انه يصل الى العراق ويتردد الى اسماع جماهيره المتعطشة الى الحرية والمساواة لسببين؛ الاول هو ان الاسلام السياسي يحاول هنا وبنفس القدر من الاصرار والصلافة ان يؤسس لمحاكم شريعة اسلامية رجعية من خلال فبركة دستورية؛ وثانيا ان القوة التي هزمت الاسلام السياسي في كندا هي قوة حزبنا؛ الحزبان الشيوعيان العمالي الايراني وحزبنا الشيوعي العمالي اليساري العراقي. في هذه المرة لم تكن هزيمة الاسلام السياسي على يد حكومات الغرب بالمعنى الحصري بل على يد الجماهير المتمدنة وبقيادة حزبنا الشيوعي العمالي ونشطاءه الشيوعيين. انه لحدث مهم وذو تأثير عالمي. ولكن ، ماذا يبين لنا هذا الحدث؟.
يبين لنا وبالشواهد الحية هذه المرة، بان حركة الشيوعية العمالية (وبحكم برنامجها الاشتراكي الثوري تحديدا) هي المؤهلة على احراز النجاح للحركة العلمانية والتحررية في المجتمع من خلال قيادتها لتلك الحركة. يبين بان حركة الشيوعية العمالية ممثلة بحزبنا في العراق والحزب الشيوعي العمالي في ايران وبسبب برنامجهما الاشتراكي قادرة على انجاز مهمة تحقيق الدولة العلمانية.
ان ذلك ينفي ما يشيع من قبل الحركة الانتهازية المدعية بالشيوعية بان انتصار العلمانية في المجتمع يأتي نتيجة " تظافر" الجهود او التحالف بين قوى " تحررية" و"علمانية". لا بل انه يفضح الماهية الحقيقية لمشروع تلك القوى المعادي للاشتراكية لانه ومن خلال ميله التساومي ينوي فعلا لا قولا، تسليم دفة المجتمع الى قوى برجوازية هي، بالاساس، معادية للعلمانية.
ان كلامنا حول ان القوى الاشتراكية هي الوحيدة القادرة بحكم برنامجها الاشتراكي الثوري ليس اسقاطا تأمليا مثاليا، كما هو الحال عند التيار الانتهازي، بل انه انعكاس لواقع مادي وحركة جارية في المجتمع. لقد اثبتت تجربة حزبنا في كندا وبشكل مشخص وحي ومن خلال قيادته للحملة المناهضة للشريعة الاسلامية مقولة ان الاشتراكيين (حتى في ذلك الغرب العلماني) هم الوحيدون المؤهلون لقيادة الحركة العلمانية نحو النصر. لولا وجود حزبنا في كندا والغرب لاكتفى الكثير من العلمانيين والتحرريين وما يسميه التيار الانتهازي في العراق ( بالجاليات الشرق اوسطية) بوضع ايديهم على قلوبهم خوفاًً من انتصار الاسلام. ولانتصر الاسلام السياسي فعلاً ولشرعت المحاكم الاسلامية في قلب اوروبا وامريكا الشمالية العلماني.
دون وجود حركة اشتراكية قوية ومتجذرة ومقتدرة تعمل من اجل قلب كامل النظام الرأسمالي واحلال نظام انساني، اشتراكي ، لن يكون بمقدور اي احد على تعبئة وقيادة الجماهير لتحقيق اي انتصار على البرجوازية المدججة بالسلاح والاموال والخرافات والحماقات، ناهيك عن تحقيق الانتصار على قوة ارهابية دموية شديدة التوحش والرجعية كالاسلام السياسي.
ومن المفيد هنا ان نستدل بالبيان الاخير لمنظمة حرية المرأة في العراق حول انتصار العلمانية في كندا. فقد بينت المنظمة المذكورة في بيانها بان ما حدث كان" نصر" للقوى التحررية وتم بفعل "القوى العلمانية والتحررية" و"الجاليات الشرق اوسطية" !!. وقد اسقط بيان تلك المنظمة كليا (وبشكل متعمد) الاشارة الى قيادة هذه الحركة العلمانية والتحررية "والجاليات الشرق اوسطية"، اي قيادة الحزب الشيوعي العمالي الايراني ومساندة الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي.
ان التعامي عن ذكر تلك الحقيقة ومحاولة اخفاءها وكانها لم تحدث لا يتعلق بالتهرب من ذكر اسم الحزب الشيوعي العمالي الايراني الذي اتهم باحط الاتهامات حينما انشقوا عنه وتوجهوا نحو اليمين الانتهازي قائلين انه ممثل اليسار الهامشي والايديولوجية الثرثارة والحزب المخرب والعاجزعن تغيير المجتمع واننا (والكلام لهم) من نمثل خط منصور حكمت واننا اشتراكيون عمليون وننوي تغيير المجتمع من خلال العمل وننتهز الفرص وننزل الى الميدان الخ الخ .
بطبيعة الحال لا يحتاج الامر الان الى اي تعليق بعد افتضاح ادعائاتهم الفارغة.
ان السبب الرئيسي في صمتهم ازاء قيادة الشيوعيين وتحديدا الشيوعية العمالية للحركة الاعتراضية العلمانية في كندا يعود الى انهم لو فعلوا ذلك لكانوا سيضعون انفسهم في مأزق التناقض مع منهجهم الانتهازي التساومي نفسه – اي التناقض مع خطهم السياسي الانتهازي نفسه؛ اي ان التحالف مع القوى العلمانية - اقرأ البرجوازية - سيوصل الى تحقيق العلمانية في العراق (وذلك يعني الاقرار علناً بالتناقض مع جوهر تعريف حركتهم كحركة تسعى الى الاشتراكية). ان قول تلك القوى الدائم بان العلمانية ستحققها " القوى العلمانية والتحررية" في المجتمع يعني في الحقيقة " تحالف" القوى البرجوازية ممن يدعون بانها علمانية كذباً. ان استبدالهم لقيادة الاشتراكيين للحركة ودعوتهم بدلا من ذلك الى التحالف مع البرجوازية الرجعية وتحت راياتها وبرامجها، سيتم نفيه حالما يتم التسليم بان الانتصار الذي حققته الحركة العلمانية في كندا قد تم بقوة وقيادة وتصميم الحزب الشيوعي العمالي. ان الاقرار بذلك سيضع كامل ستراتيج حزبهم في العراق اليوم تحت طائلة السؤآل. هذا جوهر سبب اسقاطهم لذكر قيادة هذا الاعتراض الناجح.
ورغم الاختلال في ميزان القوى بين البرجوازية والشيوعية العمالية في العراق او ايران فان القوى الاشتراكية ستثبت مرة اخرى وفي طليعتها حزبنا الشيوعي العمالي اليساري العراقي بأنه جاد في التصدي لمهمة تحقيق الدولة العلمانية لا من خلال الدعوة الى التحالفات وانشاء المنظمات الحاضنة لاكثر القوى رجعية بحجة انها قوى علمانية ( مثال منظمة حرية العراق) بل من خلال تعبئة الجماهير ببرنامج سياسي اشتراكي يهدف الى تحقيق الجمهورية الاشتراكية - التجسد الوحيد الممكن للدولة العلمانية في العراق اليوم.
دون برنامج اشتراكي، لن تحقق اي قوة سياسية اي نجاحات في نضالها ضد محاولة اسلمة المجتمع واستعباد المرأة، او تحقيق التمدن الاجتماعي وانشاء دولة المواطنة المتساوية. لانه فقط من خلال القضاء على الرأسمالية برمتها ستحقق الجمهورية الاشتراكية الشرط الموضوعي الاول لاقامة الدولة العلمانية. ان الجمهورية الاشتراكية ستحقق الحرية والمساواة والرفاه وباوسع اشكالها وللجميع بلا تمييز.
تلك هي الدولة العلمانية المنشودة.