لا شئ على ما يرام
!
عصام شكــري
ونحن نتأمل حلول 8 آذار جديدة عنوانها التضامن بين جميع النساء ومحبي المساواة والحرية في جميع أنحاء العالم، فأن جردة حساب للانتهاكات التي ترتكب حتى يومنا هذا بحق المرأة، ليس فقط في البلدان النامية، بل على نطاق عالمي، ضرورية ومستحقة.
لم يشهد وضع المرأة في عام 2012 أي تطور ملحوظ نتيجة لاستمرار وتعميق الممارسات المناهضة للمرأة. ووفقا للمركز الوطني لإحصاءات التعليم، هناك مخاوف جدية حول وضع المرأة، حتى على سبيل المثال، في دول مثل امريكا وكندا. وبطبيعة الحال لا يمكن مقارنة وضع النساء في الغرب مع نظرائها في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا. ومع ذلك، فان وضع المرأة في البلدان التي تحكمها الميليشيات الإسلامية والبنى العشائرية أسوأ من ذلك بكثير. فيما يلي بعض الحقائق عن الانتهاكات والاعتداءات التي تواجهها المرأة في جميع أنحاء العالم. هذه الانتهاكات ليست قديمة أو سابقة، فهي معاصرة ومستمرة، الان واليوم.
في العديد من البلدان تجبر الفتيات الصغيرات تحت سن 16 على الزواج من رجال بالغين بنسبة أكثر من 10٪ من مجموع السكان الإناث في بلدان مثل إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا والهند وماليزيا وإندونيسيا وأفغانستان وباكستان ورومانيا وتركيا واليمن والعديد من البلدان الأفريقية، والعراق. هذه الاعتداءات تحدث بسبب القوانين القبلية والدينية السائدة والممارسات التي ترسخها حكومات تلك البلدان.
وتتعرض نصف النساء في كثير من البلدان لجرائم تشويه الأعضاء التناسلية المعروفة ب FGM. وترتكب هذه الجرائم في بلدان مثل السعودية ومصر والسودان وإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا والصومال وجنوب السودان وتشاد والنيجر ومالي وموريتانيا والصحراء الغربية والسنغال وغامبيا وغينيا بيساو، وغينيا، وسيراليون، وليبيريا وكوت ديلوفر وغانا وبوركينا فاسو وبنين وليبيريا وكينيا وأوغندا واندونيسيا وماليزيا. كما تمارس جرائم تشويه الأعضاء التناسلية أيضا في إيران وتنزانيا والكاميرون. من الجدير بالذكر أن نساء وفتيات كردستان العراق يتعرضن الى تشويه الأعضاء التناسلية في طفولتهن ومراهقتهن. وقد ارتفعت معدلات الانتحار للنساء في كردستان العراق في السنوات القليلة الماضية. هذا الوضع المزري يعود الى الغياب الكامل لحقوق المرأة، العنف المنزلي الممارس ضدها، الاعتداءات الجنسية والتي يتم التستر عليها وتعميقها من قبل حكومة اقليم كردستان القومية العشائرية.
في بعض البلدان، مثل الصين واليابان والهند واسبانيا والسويد وتونس وايطاليا واستونيا وسلوفاكيا وكندا وكولومبيا وشيلي هناك تفضيل جنسي حاد لصالح الأولاد عند الولادة. هذه الظاهرة موجودة أيضا في روسيا، والسعودية وإيران ومعظم دول أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، هناك بيانات مسجلة عن نقص الرعاية الصحية للفتيات ازاء الاولاد. ان تفضيل الأولاد على البنات في المجتمعات عبر التاريخ قد تم تجذيره ضمن تقليد عميق من قمع النساء وترسيخ دونيتها الاجتماعية. ومع صعود الحركة العمالية ونضالها من اجل حقوقها فأن وضع المرأة قد تحسن. ان الحكومات اليمينية الحالية في العديد من البلدان تواقة لابعاد القوانين التقدمية والمكاسب التي حصلت عليها المرأة نتيجة النضال الاشتراكي للعمال قرونا الى الوراء من اجل تمزيق لائحة حقوق المرأة وارجاعها الى العصور الغابرة.وتستخدم الحكومات الحالية الدين والأيديولوجيات الأبوية (البطرياركية) للحفاظ على الشوفينية الرجولية بما في ذلك مسألة تفضيل الذكور على الاناث وهذا الميل الحقير للتمييز منذ لحظة مواجهة الطفل مع هذا العالم المستبد.
تخضع ملايين النساء للتهديد الجسدي إما بسبب عدم وجود أي قوانين لحمايتهن من الاعتداءات الجسدية أو سوء المعاملة. هذا النوع من العنف يشمل العنف المنزلي والاغتصاب والاغتصاب الزوجي ( الزوج يرغم زوجته على ممارسة الجنس معه رغم ارادتها). وفي البلدان التي لديها قوانين لحماية المرأة من الإيذاء فان مسألة تطبيق هذه القوانين ووجود المحرمات والتقاليد الرجولية والتردد في الإبلاغ عن جرائم الاعتداء على النساء أو عن مجرمي قتل الشرف يمنع أي تقدم في انهاء هذه الاعتداءات على النساء وخاصة في مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو ما يسمى بالعالم الإسلامي.
وينتشر الاعتداء الجسدي وضرب المرأة في الشرق الأوسط في دول كالعراق وإيران والسعودية والخليج وأفغانستان وباكستان والهند وبورما وماليزيا واندونيسيا ومصر وليبيا والجزائر والسودان والمغرب ولبنان وسوريا واليمن وروسيا والصين ومعظم دول أوروبا الشرقية والبرازيل وكولومبيا والعديد من دول أمريكا الجنوبية والمكسيك (ظاهرة ضرب المرأة حادة في البيرو). وكما يلاحظ فان ظاهرة الاعتداء الجسدي على المرأة موجودة في البلدان الخاضعة للاسلام وهناك صلة وشيجة بين هذا الدين والاعتداء على المرأة.
وهناك جريمة اخرى تعاني منها ملايين النساء وهي ظاهرة الاتجار بالنساء ولا سيما الاتجار بهدف الجنس. ويتم شراء النساء كعاملات جنس في حالات تشبه كثيرا من التجارة بالعبيد. هؤلاء النسوة محرومات من حقوقهن الإنسانية الأساسية. يتم شيوع هذه الممارسة البربرية في السعودية وإيران ومصر والسودان وأوزبكستان وميانمار (بورما) وغيانا وسورينام وزمبابوي، وكذلك في روسيا والهند والصين وشمال أفريقيا ومعظم أمريكا الجنوبية وكوبا والمكسيك. أما بالنسبة للولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا الشرقية، فان الاتجار بالنساء محظور. ورغم ذلك فان الاتجار بالنساء موجود وممارس في الواقع.
اما التمييز ضد المرأة في التعليم فيمارس داخل ما يقرب من عشرين في المئة من مجموع عدد النساء على الصعيد العالمي. فالتحيز القانوني والثقافي ضد تعليم الفتيات سائد في أفغانستان والسودان وتشاد والصومال وأغلب أفريقيا الوسطى وبورما والصحراء الغربية وإيران والمملكة العربية السعودية وإثيوبيا. وهنالك تفريق بين الاولاد والبنات في التعليم في أمريكا الشمالية وأرمينيا ومعظم دول أوروبا ولكن بشكل خجول اكثر.
ان الشكوى المفضلة للمدافعين البرجوازيين عن حقوق المرأة هي نسبة مشاركة المرأة في "صنع القرار". وليس الامر متعلقا بتفاهة هذا التمييز بل بكونه يعمل كغطاء لهؤلاء لاعفاء انفسهم من نقد الدين والاسلام السياسي. ولكن لننظر الى هذه الدول؛ فالبلدان ذات معدلات أقل من نسبة 10٪ في مشاركة المرأة في اجهزة الحكومة هي جميع الدول العربية وإيران وروسيا والصين والهند وبورما وماليزيا وإندونيسيا والبرازيل وغرب ووسط أفريقيا. هذه النسب تقل في امريكا وبشكل كبير في كندا وأوروبا. مرة أخرى نحن بحاجة الى تمعن النظر في طبيعة القوى السياسية المسيطرة على السلطة في تلك البلدان التي تسيطر عليها الجماعات الإسلامية.
وفي العراق، ينحدر وضع النساء نتيجة للفوضى السياسية والأمنية. فالنساء والأطفال هما أضعف الفئات الاجتماعية بسبب افتقارهم إلى القدرة داخل المجتمع. فهناك الميليشيات واجنداتها المناهضة للنساء وهناك رجال الدين وبلطجية العصابات الطائفية والعشائر وكل المرتزقة، هم أعداء المرأة في المجتمع العراقي. ترتبط مسألة المرأة في العراق بشكل مباشر بمسألة السلطة السياسية (والتي للمفارقة مازالت مفتوحة رغم مرور عشرة سنوات من الفوضى الشاملة !). وفي العراق تعيش ملايين من النساء دون شريك للمساعدة في توفير نفقات المعيشة ، دون تقاعد أو سكن ملائم، أو حتى وظيفة مدفوعة الاجر. المرأة في العراق تعاني أكثر من النساء في العديد من الدول لأنها لا تعيش في مجتمع متعارف. المرأة محاصرة من الفصائل الدينية والطائفية والقومية من كل اتجاه.
********
وفي هذه الاثناء انبثق دفقُ من ضوء انار الظلمة. هذا الضوء انبعث هذه المرة من منطقتنا، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد فتحت ثورات إيران، ومصر، وتونس، ثم العراق نوافذ من الأمل. فقد شاركت النساء بقوة في الاحتجاجات الحالية. في البداية خرجن ضد دكتاتوريات القوميين العرب. ولكنهن الآن يقفن جهارا وعلانية وبشكل واسع لا مثيل له ضد الاسلاميين الذين استغلوا الثورات بوضح النهار. ان شابات العراق ضربن أمثلة على الشجاعة في انتفاضات شباط 2011 في كل من بغداد والسليمانية وغيرها من المدن. ما هو مطلوب اليوم هو التضامن القوي بين النساء، العلمانيين، التحرريين، العمال، والشباب، على صعيد عالمي، من أجل دفع المساواة بين النساء والرجال إلى الأمام. ذلك يتطلب إنشاء جبهة للمطالبة بالمساواة كهدف ملح . هذا يمكن ان يشكل خطوة هامة جدا في مسيرة الثورة في المنطقة.
عندما يسأل الناس عن اوضاع النساء في العالم، يجيب البعض بكسل "كل شيء على ما يرام". رغم كل ما نعرفه الآن عن محنة النساء ينبغي لنا أن نقول لا، ليس ثمة ما هو على ما يرام. لا يجب وقف النضال من أجل المساواة بين المرأة والرجل حتى يتم تحرير جميع النساء بالمساواة الكاملة. امامنا مهمة ان نحول التمييز ضد المرأة الى قطعة مخزية من الماضي المتوحش