الدستــور
يشدد من قبضة السيناريو الاسود
عصام شكــري
ان مقترح الدستور الذي سيطرح للتصويت في شهر تشرين الاول القادم هو وثيقة رجعية مناهضة لحقوق الجماهير وطموحاتها في المساواة والحرية. انه يؤسس لترسيخ مبادئ غير انسانية في المجتمع العراقي من خلال التعامل مع فراد المجتمع على اساس اديانهم ومذاهبهم وطوائفهم لا على اساس المواطنة. انه يؤسس لابشع ممارسات التمييز الجنسي ضد المرأة واهدار حقوقها. انه يعادي العلمانية والحريات المدنية. انه يناقض حق المواطنة ويقوي التمييز وانعدام المساواة بين الناس. انه مناهض لحرية وطموحات الشباب والاطفال. ان هذا الدستور المعد من قبل الجماعات الاسلامية – القومية المنصبة من قبل امريكا هو، في التحليل النهائي، ترسيخ للسيناريو الاسود في العراق.
ولكن مالذي يبغي تحقيقه واضعي الدستور من الميليشيات الاسلامية – القومية؟: اولا) ان المهمة الاساسية للدستور هو انجاز مهمة اضفاء الشرعية الدستورية على التركيبة السياسية للقوى والجماعات والمحافل الاسلامية والقومية المدعومة من امريكا. وثانيا) تحقيق هدف محاربة وقمع القوى الاشتراكية والثورية في المجتمع عن طريق تعميق دور الاسلام السياسي والتيارات القومية المعادية للعمال والنساء والشباب وعموم الجماهير المحرومة؛ وثالثا) ابقاء المجتمع وشرائحه وخاصة النساء دونية وخاضعة من خلال اقرار ان الاسلام مصدر التشريع. واخيرا، فانه يهدف الى تقوية امكانات امتداد الحرب الحالية القائمة بين قطبي الارهاب العالمي في العراق اي امريكا والاسلام السياسي، الى حرب اثنية او طائفية دموية بين افراد المجتمع العراقي عن طريق اقتراح الدولة الفيدرالية. ان كل ما ذكر يدلل على ان هذه الوثيقة تهدف الى ترسيخ دعائم السيناريو الاسود وادامة للاوضاع المزرية التي تعيشها الجماهير وليس كما تحاول القوى الاسلامية – القومية وحليفها الامريكي ان تصوره للجماهير في انه وثيقة ديمقراطية تمثل مصالح " كل مكونات" المجتمع.
الدستور المقترح يضفي الشرعية على الشراذم الاسلامية - القومية في السلطة وعلى عملية اسلمة المجتمع (فرض الاسلام بالقوة على حياة الجماهير). ان ادراج عبارة "الاسلام دين الدولة الرسمي" تدل على ان المواطنين سيكونون غير قادرين على التعبير عن افكارهم. فان اي فكر ملحد او مشكك او ناكر للخرافات الدينية والاسلامية او علماني مناقض لارتباط الدين بالدولة ومؤسساتها سيحاسب صاحبه ويعاقب وبشدة ووحشية: اقامة الحد او الجلد بالسياط وربما الرجم بالحجارة وقطع الرأس واليدين. وحتى لو كان الاسلام "مصدرا" من مصادر التشريع فان ذلك كاف لجعل حياة البشر في العراق جحيما ارضيا محققا. ان الشريعة الاسلامية، ستفرض اشد القوانين وحشية وظلما واهانة للانسان واكثرها احتقارا للحياة واشدها معاداة للمرأة والمساواة. يكفي القاء نظرة على تاريخ مجتمعات افغانستان او ايران او السعودية او الباكستان او السودان او نيجيريا لندرك هذه الحقيقة.
ومن جهة اخرى فان الدستور يرسم بوضوح مسارات البرجوازية للتفتيت الاجتماعي في المجتمع على اسس الدين والطائفة والاثنية. انه يصنف الجماهير الى مسلمة وغير مسلمة. غالبية واقلية. ذلك يرسخ اوسع حملات القمع والتمييز وفرض الدونية على مجاميع بشرية باكملها فقط بسبب انها تتحدث بلغة مختلفة او انها تحمل ارثا دينيا مختلفا. ان الدستور لا يكتف بذلك بل يعمد الى تقسيم الناس على اسس المذهب والطائفة والعشيرة: شيعية سنية، وهابية حنبلية، كلدانية آشورية، كاثوليكية وهلمجرا، وايضا، على اسس قومية –عرب اكراد تركمان الخ. ان مدينة كركوك ومعاناة سكانها الذين ابتلوا بالعصابات القومية للاثنيات الثلاثة الرئيسية فيها تعيش جماهيرها حالة من الخوف والترقب وانتظار المجهول. ان الهويات الاثنية والطائفية التي تحاول القوى الاسلامية – القومية في العراق اصدارها الى الجماهير بدلا من هويات البعث العروبية ستؤدي الى نتائج وخيمة. انها ستؤدي الى خلق كيانات متصارعة تتحين الفرص لسفك دماء افراد بعضها. ان الحقوق المدنية والفردية للجماهير وفق هذا الدستور ستتعرض الى انتكاسة كبيرة. فالقوى الاسلامية - القومية سيكون لها الباع الاطول في تقرير مدى حرية الافراد. ان الاخيرة ستكون بالطبع وفق حقوق الاسلام والقومية لا حقوق الانسان. ان حقوق الانسان المدنية والفردية ستكون تحت طائلة الانتهاك من قبل الاسلاميين بشكل لا يختلف عن ايام البعث.
علينا كشيوعيين واشتراكيين وتحرريين ومحبين للحرية والمساواة والكرامة الانسانية ان نشدد من نضالنا الاشتراكي والعلماني والانساني من اجل انشاء الدولة العلمانية غير القومية. انها بديلنا ازاء بدائل هذه القوى الهمجية المتخلفة. اننا في الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي لعلى قناعة راسخة بان هكذا بديل وهكذا دولة لن يكون بمقدور احد تحقيقها في العراق غير دعاة الاشتراكية والمساواة والحرية. علينا نقد هذه الوثيقة بكل ما نستطيع وان ننظم الحملات من اجل فضح فقراتها المعادية المساواة والحرية ووحدة الجماهير وانسايتهم. علينا ونحن ننتقد هذا المستند الرجعي الا ننسى بان الجماهير تعتمد على قواها الاشتراكية الانسانية الحية من اجل الدفاع عن مصالحها وحقوقها والتي تحاول امريكا وقوى الاسلام السياسي والقوميين في العراق ارجاعها مئآت السنين الى الوراء.