السيد موسى يتهم الجماهير بالجهل لانها لم تصوت لحزبه !!
عصام شكــري
بدءاً اقول انه رغم موقف الحزب الشيوعي العمالي اليساري بشأن الانتخابات الامريكية التي جرت واعتقادنا الجازم بان تلك الانتخابات هي تزكية للمشروع الامريكي في العراق، ورغم قناعتنا الراسخة بان لا علاقة تربط الحزب الشيوعي العراقي بالشيوعية والتحرر والعلمانية والمساواة والاشتراكية لان هذا الحزب قد اختار امريكا واختار الفكر القومي واختار الاسلام السياسي بدلا من قضية العامل والاشتراكية وقضية الحرية والمساواة الكاملة للمرأة والعلمانية، اقول رغم هذا وذاك الا ان خسارة الحزب الشيوعي العراقي وقائمة اتحاد الشعب والنتائج الهزيلة لهما لا تقدم الا دليلا اخر على تعميق الانتخابات الامريكية للسيناريو الاسود في العراق والذي كنا قد حذرنا من الانسياق وراءه لخطره على الحركة التحررية والعلمانية والمساواتية والاشتراكية في العراق.
ان خسارة الحزب الشيوعي العراقي وقائمته اتحاد الشعب ليس سببها جهل الناس وعدم تمرنهم على الديمقراطية كما يقول السيد حميد موسى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في مقابلته الاخيرة مع قناة الفيحاء العراقية. فمثل هذه الكليشيهات (اذا خسرت فالسبب جهل الناس واذا نجحت فالسبب جماهيريتي وحب الناس لي !!) سمعناها كثيرا وهي لا تقول شيئاً سوى تكرار لمقولات قوى مهزومة. ان خسارة اتحاد الشعب تكمن في مكان اخر لا يأت على ذكره السيد موسى. انها تكمن تحديدا في ضعف النفوذ الاجتماعي وضآلة ما يمتلكه من قوى اجتماعية مؤثرة لافلاس البرنامج السياسي لذلك الحزب وضمور القوة الاجتماعية التي تقف خلفه.
وقياسا الى قوى الاسلام السياسي الشيعي الفائزة ب 140 مقعد وهي المدعومة من الجمهورية الاسلامية وجهاز مخباراتها النشط في العراق (اطلاعات) وضباطه الذين يسرحون ويمرحون ويرمون الملايين في اروقة مكاتب رفاق السيد موسى من الاسلاميين "الفائزين" والتي ما فتأ يتملق لهم منذ ان دخل معهم في المشروع الامريكي، فان الحزب "العريق" للسيد موسى لم يحصل الا على مقعدين !!. وبدلا من ان ينظر السيد موسى الى واقع الاحتلال الامريكي للعراق وتصاعد نفوذ القوى الرجعية من الاسلاميين والقوميين والبعثيين السابقين لملئ الفراغ السياسي وبتحكم امريكا ونفوذ ايران ، فانه يتهم الجماهير بالجهل وقلة الوعي لانها لم تنتخب قائمته !!. يقول في مقابلته المذكورة اعلاه بهذا الصدد: " ..ان شعبنا، وهذا واقع موضوعي وليس انتقاصاً من الشعب، تعرض الى الظلم والتجهيل والقمع. لا توجد تقاليد ديمقراطية. لا توجد ثقافة سياسية ووعي سياسي عميق. هناك جهل...."!.
ان جهل الناس وكونهم بلا ثقافة ديمقراطية وبلا وعي سياسي بنظره واقع موضوعي. اما القوى السياسية الرجعية التي جلس معها في مجلس الحكم السابق واليوم في الحكومة المؤقتة وغدا في الجمعية الوطنية فهي ليست عوامل موضوعية. ان ظاهرة الجهل كما يدعي لا يسببها الاحتلال الامريكي او صعود التيارات الدينية وتسلطها على الجماهير بل ان سببها الاساسي هو اظطهاد صدام والبعث للجماهير. بينما العسكريتاريا الامريكية وسطوة الاسلاميين ومتفجراتهم وحالة الرعب التي سببوها للجماهير والطائفية البغيضة التي تنفح من اجسادهم ليست بنظره "موضوعية" تجثم على صدور الناس وتخنقهم .!
ولكن اذا كانت الجماهير قد انتخبت قوى مستبدة وليست ديمقراطية مثل حزبه فلم لا يعلن انه مناهض لتلك القوى ويكشف عن تخلفها واستبدادها ويعمل على تحديها ؟. واذا كان يرى انها شريكته في الديمقراطية الامريكية فاين المشكلة في خسارة السيد موسى ونجاح اصدقائه الاسلاميين؟! اليست هذه هي الديمقراطية التي يحلم بها وساند الحرب الامريكية من اجل تحقيقها؟. يبدو انه خائب الظن لانه ضحى ولم يحصد الا الريح !!.
ان السخرية من عقول الناس واتهامهم بالجهل والحماقة واعتبار انهم فاقدين للحس الديمقراطي اذا ما انفضوا عن الحزب وذهبوا الى الاحزاب الاخرى هي عقلية برجوازية مترسخة لدى هذا الحزب. انهم يحيلون اسباب نكوصهم في التصدي للاسلام السياسي في العراق وممارساته المتوحشة والمتخلفة والهمجية ضد المرأة والشباب ( باعتبار انهم يدعون اليسارية والتقدم !) الى كون الناس "جهلة" ولا يمكن اصلاح ادمغتها بسرعة وانهم بحاجة الى مراحل للتخلص من هذه الامراض والافات الاجتماعية – اي الخرافة الدينية. وبقدر تعلق الامر بالدين والعلمانية فان هذا ينطبق على مساواة المرأة بالرجل وكل المطالب التحررية في المجتمع ايضا.
لقد قضى الحزب الشيوعي العراقي ومعه الاحزاب الشيوعية البرجوازية الدائرة بالفلك السوفييتي قرابة 15 سنة في تعلم ديمقراطية الدماء الامريكية وتحديدا منذ سقوط حليفهم المعسكر الشرقي حامي رأسمالية الدولة والمناصر للبرجوازيات "الوطنية" ومنها حكومة صدام. وبطبيعة الحال فان الجماهير في العراق لم يحالفها الحظ في تعلم تلك الديمقراطية ومبادئ اقتصاد السوق الحرة لانها كانت مثقلة بالاستبداد والحروب وحصارات الديمقراطية الغربية التي اجهزت على حياة مليون ونصف انسان والان اتت بالسيد موسى الى سدة الحكم في العراق رغم انف الجماهير.
ان السبب الذي يقدمه السكرتير لخسارة حزبه الشيوعي العراقي، ليس فقط يستهين بانسانية جماهير الكادحين والعمال التي مورس ضدها كل صنوف الارعاب والقتل والهمجية والاهانة من قبل كل القوى وعلى رأسها القوى الاسلامية والامريكية، بل هو تكرار فج وببغائي لمقولات اليمين الامريكي وزعيمه جورج بوش حول "طول" طريق الديمقراطية لتبرير المجازر الجارية وتنصيب الاسلاميين المتخلفين واعمالهم الاجرامية بحق الناس وكذلك لتبرير جرائم الجيش الامريكي بحقهم وتحويل العراق الى دولة اسلامية رجعية موالية لامريكا. ان البقاء في المعادلة السياسية بدعم هؤلاء الرجعيين أهم للسيد موسى من اي نزاهة او صدق في قول الحقائق او رسم الواقع كما هو في العراق بلا تزييف.
خلاصة القول ان معضلة الحزب الشيوعي العراقي تكمن تحديدا في" لا شيوعيته" وانتهازية برنامجه وليس في شيوعيته.!! لدى هذا الحزب معضلة مع نفسه فهو يعرف بانه حزب برجوازي ( وليس حتى برجوازي صغير لانهيار هذه الطبقة وتفتتها اقتصاديا). لقد اوضحت في مناسبة سابقة بانه بلا اسمه سيخسر هذا الحزب كل اسهمه لانه سيخسر كل قواعده وجماهيره. واذا لم يحل هذا الحزب التناقض الصارخ بين ماهيته الطبقية وادعاءاته الباطلة بالاشتراكية والماركسية والدفاع عن العمال والتقدمية فانه سائر لا محالة نحو الهزيمة السياسية. وذلك رهن ايضا بقوة شيوعية العامل – قوة الشيوعية العمالية الاشتراكية في المجتمع العراقي.
ان اصطفاف حزب السيد موسى مع القوى البرجوازية الرجعية ومعاداته للعلمانية من خلال دعمه للاسلام، معاداته للاشتراكية، معاداته لقضية العامل، لقضية المرأة، لفصل الدين عن الدولة، لفصل الدين عن التربية والتعليم للناشئة والشباب، للنضال من اجل تحجيم الاسلام السياسي الرجعي، للنضال ضد المنهج القومي العنصري بدلا من محاباتهما بل والعمل الجدي يداً بيد معهما ومع قوى الاحتلال الامريكي ضد الجماهير هو السبب الموضوعي لفشل هذا الحزب في الحصول على اي نجاح. حتى ولو جلب هذا الحزب معه الف "عراقة" والف "تاريخ" فليس بامكانه نفي هذه الوقائع. ليس بامكانه تغيير معطيات اليوم باي ماض او عراقة او مجد بائد.
الجماهير في تلك الانتخابات التي فاز بها الاسلاميين لم تختار. وهي في ظروف مناسبة واجواء حرة خالية من الارهاب وانعدام الامن ووجود الامريكيين والاسلاميين والقوميين لما كانت اختياراتها الا لتلك القوى الاشتراكية التي تمثل مصالحها حقا في الحرية والمساواة والعلمانية. الجماهير ليست بحاجة الى تثقيف وتوعية السيد موسى عن الديمقراطية الامريكية ولعبة النفوذ وتقاسم الارباح بين اطياف البرجوازية لسرقة شقائها وانتاجها، لتُعَير بعدها بجهلها ولا وعيها. انها بحاجة الى الحرية من الاحتلال، الحرية من المليشيات الاسلامية ومن القوميين وبحاجة الى ممارسة حقها بعيدا عن كل القوى الهمجية والمتزلفين لها.