خبر وتعليق
تقرير هيومن رايتس ووتش
وخلط السم بالعسل !
نشرنا في هذه الصفحة تقريرا لمنظمة مراقبة حقوق الانسان الامريكية
هيومن رايتس ووتش لما يتظمنه من ادانة واضحة لاعمال القمع والبطش
التي تمارسها الحكومة الميليشياتية الاسلامية والقومية المنصبة في
العراق . ولكن ذلك التقرير رغم ما يسلطه من اضواء على الانتهاكات
التي تقوم بها السلطة فانه يخلط السم بالعسل حين يحاول تمرير
الافكار السياسية التي تخدم اهدافا محددة وتصوير تلك الافكار
وكأنها امورا مسلم بها. كل الصياغة الفكرية للتقرير والافكار
الواردة فيه وايضا المقابلات قد صممت للدفع باتجاه
ما مفاده ان
السلطة الحاكمة غير ملتزمة بالدستور وانها غير ديمقراطية بل
بيروقراطية وربما ديكتاتورية. بهذا الصدد فاننا نحاول ان نرد على
بعض تلك المفاهيم المغلوطة:
مخالفة الدستور العراقي !
ان تقرير المنظمة يحاول فضح السلطة الحاكمة في العراق من خلال
تبيان ان سحقها لاعتراضات الجماهير ” لا شرعي“ او لا دستوري!. ذلك
الادعاء فارغ. فمتى التزمت حفنة الميليشيات الاسلامية والقومية
المافياوية الحاكمة يوما باي قانون؟ ومن ذا الابله الذي يظن ان
قوانينهم التي صاغوها
ليست الا دهان يحاول تغطية
معالم ارهابهم وجرائمهم، نهبهم للمليارات وتهريبها خارج
العراق، فسادهم واختلاساتهم المليارات،
اعمال القتل التي ارتكبوها من اجل وصولهم الى السلطة (عادل
عبد المهدي يحتج على قمع افواه الجماهير وازلامه لم يحاسبهم احد
على جرائم القتل وتهريب ملايين الدولارات !)، على اعتقالاتهم
التعسفية لخصومهم والاغتيالات الشخصية وتصفية الحسابات باستخدام
المرتزقة والمأجورين، على قصورهم وعقاراتهم وحساباتهم الخيالية في
بنوك اوربا وامريكا. من العجيب والتافه ان يتحدث التقرير عن خرق
هذه العصابات للدستور وكأنهم مجموعة من الساسة العصريين المنتخبين
من قبل مجتمع يرفل بالسلام والطمأنينة بلا احتلال وحشي دك المدن
على رؤس سكانها.
وبدلا من الطلب منهم احترام ”الدستور“ المزعوم كان على التقرير ان
يكون نزيها حقا بالمطالبة بتقديمهم للمحاكمة على سلسلة طويلة عريضة
من الجرائم التي ارتكبوها اسوة بجرائم نظام صدام حسين الدموي. الم
يكن ذلك ما سيطالب به لو ان تلك الجرائم في امريكا قد حدثت في
امريكا؟
المظاهرات للشكوى ام للاحتجاج
؟!
ان ما تقوله المتحدثة باسم المنظمة سارا
ليا ويتسن حول ان على الحكومة ”المنحلة“ ان توفر حق
الاحتجاج
كوسيلة لبث الشكوى العامة
تعليق اخرق. انها تريد اسداء النصح لازلام السلطة الميليشياتية
بضرورة انتهاج طريق اخر لحفظ مكانتهم والا فان الجماهير لن تسكت.
ولكنها تغلف عباراتها بدقة ومهارة.
لم تكن الاعتراضات والمظاهرات والمسيرات قنوات للشكوى او التظلم
للسلطة، لا في امريكا ولا في اي مكان اخر. بل على الدوام كانت
وسيلة للاحتجاج والنضال الاجتماعي؛
وسيلة لتحشيد القوى واظهار التحدي. من اجل
اجبار
الطبقة الحاكمة على
الرضوخ
لمطالب الجماهير وليس التوسل بها. ان محاولة التقرير محورة الامور
كلها حول ماهو ديمقراطي وماهو غير ديمقراطي
تهدف الى خلق الوهم بان الواقع يتحرك باشارات المالكي
والصدر وعلاوي وغيرهم من ”الديمقراطيين“!!. وبالتالي فان على
السلطة ان تسمع ”انين الجماهير“ وتفتح له القنوات!. الجماهير
العمالية والمحرومة في العراق لا تريد منهم سماع انينها فهم
يعرفونهم جيدا. انهم يريدون الصراخ بهم لتحشيد كل المجتمع حول
المسائل الملحة من اجل مواجهتهم.
انها مظاهرات احتجاجية بامتياز وليس للتوسل او الشكوى.
ونكرر: من يتظلم لحفنة ميليشيات بهذا السجل الدموي من اعمال القتل
والارهاب والتصفيات والنهب وسرقة الاموال والنفط والفشل في توفير
اي شئ ؟. من يتظلم للقتلة والسراق ومدمري المجتمع؟ ان القمع الذي
مارسه ”الديمقراطي“ المالكي ووزيره اداة القمع حسين الشهرستاني لم
يكن الا شرطا ضروريا لحل سياسي يريدون من خلاله انقاذ ميليشياتهم
الاسلامية والقومية من المأزق.
فامريكا هي التي نصبت تلك السلطة وجلبت المالكي واعوانه. واليوم
فانها تغسل اياديها المدماة من العراق وتحيله شؤونه العويصة الى
”ابناءه“. لذا فان
السلطة الميليشياتية التي نصبوها فوق رأس الجماهير اصبحت في مهب
الريح. لا خيارات امامها وسجلها ملئ بالدم والقتل والارهاب والدمار
والفشل في حين ان الجماهير بدأت تتململ ولم يعد احد يشتري ترهات
الدين والاسلام والطائفية والقومية، بل بدأ الناس بالتوحد حول
مطالبهم في كل مكان. هنا مكمن الرعب من تلك الاحتجاجات والقسوة في
قمعها.
ديمقراطية
ام ديكتاتورية !
يتظمن التقرير مقابلات تشكو كلها ( بما فيها مقابلات مع قادة
عماليين) قد صيغت بحيث تبدو وكأنها شكاوى من انعدام المعايير
الديمقراطية داخل السلطة وان الدوائر الامنية ”للميليشيات“
الاسلامية ترمي منظمي المظاهرات من غرفة لاخرى للحصول على الاذن
بتنظيم التظاهرة. ان محاولة تصوير القوى الحالية وكأنها
“دكتاتورية“ تصوير تافه لانه يهمل ان تلك السلطة لا تمتلك الحد
الادنى من معايير الدولة حتى في اكثر اشكالها تخلفا.
ان الاتهام بالدكتاتورية يشترط اولا وجود دولة ولكن اين هي
هذه الدولة؟.
ان ما جرى من تظاهرات هو اول تهديد جدي توجهه الجماهير للقوى
الميليشياتية الحاكمة. الجماهير عبرت بوضوح لا عن توسلها باعادة
الكهرباء بل عن كرهها للاسلاميين والقوميين وغضبها منهم ومهاجمتها
لهم في تظاهرات كان الكهرباء ذريعتها والاحتجاج غايتها.