خطاب اوباما تجسيد للعجز السياسي والفكري للبرجوازية
المستندة الى التقسيم الديني وسلب الهوية الانسانية من البشر
القى الرئيس الامريكي باراك اوباما خطابا الى ما سماه "العالم الاسلامي". يبسط خطاب
اوباما امام الانظار بكل وضوح التوجه السياسي الجديد الذي تنتهجه امريكا تحت سلطة
الادارة الجديدة بعد فشل امريكا في العراق وهزيمة سياسة المحافظين الجدد - النظام
العالمي الجديد، ولكنه محض اعادة انتاج للعجز السياسي والفكري لكامل الطبقة
البرجوازية التي تستند الى التقسيم الديني والقومي والعشائري وسلب الهوية الانسانية
من البشر.
ان كلام باراك اوباما في خطابه "السياسي" بلغة ومنطق الداعية الاسلامي ورجل الدين
لم يكن سوى تجسيدٌ فجٌ وصارخٌ لمنهج الطبقة البرجوازية المعاصرة العاجز واجترار
بائس لفلسفة اليمين الامريكي وسياسة المحافظين الجدد وجورج بوش المستندة الى تقسيم
العالم الى كتل دينية يسمونها "حضارات". استشهد اوباما في خطابه بمقاطع من الكتب
الدينية وتطرق الى "سلمية" الاديان ونقد "العنف" الذي يرتكبه "المتشددون". كما ركز
على "حوار الحضارات" و احترام "ثقافة الاخر". تلك المفاهيم الفكرية الرجعية
والمعادية للانسانية والمساواة قد سحبها اوباما من جعبة جورج بوش وصاموئيل
هانتنغتون والمحافظين الجدد، ولكن ليسير بخاطبه نحو تطبيقات عملية تتجسد بقوله ان
للمرأة المسلمة "حق ارتداء الحجاب". ان الهدف الاساسي من خطابه هو توجيه الدعوة الى
قوى الاسلام السياسي للحوار ومنحهم شرعية الوجود السياسي والاعتراف بهم شركاء في
تمثيل الرأسمالية من خلال "القدرة على ادارة الحكم".
سياسة اوباما تمتلك جوهرا ايديولوجيا تتمثل في مفاهيم النسبية الثقافية ومابعد
الحداثة والتعددية الحضارية والتي روج لها اليمين الامريكي بعد انتهاء مرحلة العالم
ثنائي القطب وانهيار المعسكر الشرقي. وجدت تلك المبادئ الفكرية اليمينية تطبيقات
العملية من خلال اخضاع مليارات من النساء لقوانين الشريعة الاسلامية وسلطة ونفوذ
الملالي والشيوخ ورؤساء الاديان والعشائر كمقتدى الصدر وحسن نصر الله واسماعيل هنية
وحركة الطالبان ونظام الجمهورية الاسلامية في ايران والسعودية والباكستان ودعم
اليمين الديني في اسرائيل واوربا وامريكا وعلى صعيد عالمي. ان افكار ومبادئ باراك
اوباما هي ذات المبادئ التي استند اليها جورج بوش وقادة المحافظين الجدد ولكنها
اكثر تظليلا وخداعاً؛ ان لها ذات الطبيعة المعادية للانسانية والمستهينة بالمساواة
والمنادية بالحقوق المجتزأة وخاصة للمرأة بحجة اختلاف ثقافتها و" حضارتها "!.
ان المأزق الفكري والاجتماعي، السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه البرجوازية
الامريكية وانحسار نفوذها العالمي اثر فشل منهجها القائم على العسكريتاريا والحروب
ومحاور الشر والقصف الجوي للمدن والتفجيرات والمجازر الجماعية والتقسيم الديني
للعالم والتي شكلت القطبية الثنائية مع ارهاب الاسلام السياسي طوال ال 17 سنة
الماضية مناخا لها، هو الذي يدفع اوباما كممثل للطبقة البرجوازية الى انتهاج سياسة
"التسامح" والمساومة مع قوى الاسلام السياسي املا في انهاء الصراع. باراك اوباما
يريد ان يديم الاوضاع والشروط اللا انسانية التي يعيش تحت وطأتها المليارات من
البشر وخضوعهم لحركات الاسلام السياسي البربرية بحجة ان "الاسلام هو حضارتكم
وثقافتكم" وان مطالبتكم بالحقوق العالمية هو تجاوز على تلك الثقافة. ولكنه يفعل
ذلك، وبكل رياء الطبقة البرجوازية وخداعها من اجل انقاذ موقعية امريكا المنهارة
عالميا لتجديد قدرتها على التنافس مع الكتل الاقتصادية الاخرى والانتصار عليهم.
لقد بين حزبنا بان الطبقة البرجوازية لم يعد لها اي حلول او بدائل لمعضلات الجماهير
في كل انحاء العالم وخاصة في العراق لا بل تحولت الى عائق يقف امام تقدم الانسانية
ومنذ امد طويل. وفي العراق اكثر من اي مكان اخر يتوضح ذلك العجز واثار تلك السياسات
الرجعية من خلال عجز امريكا مع حلفاءها الاسلاميين والقوميين والطائفيين
والعشائريين عن تشكيل دولة وارجاع مدنية المجتمع، او تثبيت حقوق المواطنة، وبدلا
عنها رسخوا حقوق الاديان والطوائف والعشائر ووزعوا الادوار بين حفنة من ملالي
الاسلام والقوميين والعشائريين باعتبارهم ممثلي الديمقراطية !. وضح باراك اوباما
الذي اتى مقنعا بوعود "التغيير" في خطابه المعنى الواقعي لافلاس الطبقة البرجوازية
اخلاقيا وايديولوجيا وسياسيا وعدم قدرتها الخروج من الوضع الراهن، ليس في العراق
فحسب بل في انحاء العالم وفي امريكا نفسها.
حزبنا وهو يكشف للجماهير العمالية الغفيرة في العراق والمنطقة، المحتوى السياسي
والاجتماعي والفكري الديني والتمييزي الرجعي لخطاب اوباما ويفضح اهدافه المعادية
لحرية ومساواة ورفاه البشر، لعلى يقين بان الحركة المعاكسة والمقابلة قد شرعت
بناضلها وقامت من سباتها وهي تناضل من اجل القيم والمبادئ والاهداف الانسانية؛
مبادئ الحرية والمساواة والتمدن والرفاه لكل البشر. ان حزبنا يناضل ضد فرض الهوية
الدينية والطائفية والقومية والعشائرية والاثنية على البشر وضد اغتراب الانسان
وتشيئه بالدين والطائفة والقومية والمذهبية والاثنية والعشائرية. حزبنا يؤكد بان
سبب كوارث البشرية وظهور هذه التيارات المغرقة في اليمينية والمستندة الى الدين
والقيم المتعفنة هو وجود النظام الرأسمالي وحاميته الطبقة البرجوازية التي لا يهمها
سوى مراكمة الارباح على حساب شقاء وتعاسة البشر.
يدعو حزبنا الجماهير وقواها العمالية
والاشتراكية واليسارية والنسوية والعلمانية المتمدنة في العراق الى تصعيد نضالها
والالتفاف حول الاهداف الانسانية الكبرى للحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي
وتقوية مطالبتها باقصى الحقوق واكثرها رقيا وراديكالية. حزبنا، ومن خلال مطالبته
بالجمهورية الاشتراكية ونضاله من اجل تحسين حياة الجماهير المادية والمعنوية، فانه
في نفس الوقت يضع امام جماهير العراق نموذج لبديله الانساني الواقعي مبينا ان عالما
افضل خال من التمييز والحرمان هو امر ممكن وضروري. لنناضل من اجل عالم يرجع للبشرية
هويتها الانسانية المسلوبة.
الحزب الشيوعي العمالي اليســــاري العراقي
10-6-09