الجماهير الفلسطينية: ضحايا معسكري الارهاب
مقابلة "كانال جديد" مع حميد تقوائي حول مجزرة المدنيين الابرياء في غزة
ناصر أصغري : واصلت اسرائيل عمليات القتل الجماعي في غزة. قوى
الإسلام السياسي ، بما فيها النظام في إيران ، استغل الفرصة للترويج والدعاية
لذرف دموع التماسيح على الشعب الفلسطيني. عن ماذا تجري هذه الحرب؟ ما هو الدور
الذي يلعبه الإسلام السياسي؟
حميد تقوائي: حسنا ، أولا وقبل كل شيء ، وكما ذكرتم ، فإن هذه
الحرب كانت كارثة كاملة من وجهة النظر الإنسانية. وأعتقد أن مقياس قتل
فلسطينيين على يد اسرائيل هو تقريبا لم يسبق له مثيل حتى في التاريخ الدموي
للحروب بين العرب والاسرائيليين. وكما تعلمون ، فإن غزة هي واحدة من أكثر
المناطق كثافة بالسكان في العالم. اكثر من مليون ونصف مليون شخص ، معظمهم من
الأطفال والمراهقين ، يعيشون في شريط صغير من الأرض. ومن الواضح أن أي هجوم بري
أو جوي على هذه المنطقة سيكون كارثة ، مسفراً عن وقوع خسائر بشرية عالية جدا.
حياة ومعيشة الآلاف من الأبرياء الذين ليس لديهم أدنى مصلحة أو أي دور في هذه
الحرب سوف تضيع أكثر من أي شيء. المأساة هي أن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد
في العالم الذي يعيش في مخيمات للاجئين في وطنه؛ واما إسرائيل ، السبب الجذري
لهذا الوضع ، تشن هجمات عليهم مرة من الجو ومرة من الأرض! اسرائيل حرمت
الفلسطينيين دوماً الحق في حياة طبيعية. كانت دائما ترد على الطلب المشروع
للشعب الفلسطيني، بقبضة من حديد. وهذا هو السبب الجذري للحرب الحالية أيضا.
انها ليست المرة الأولى التي تمر بها اسرائيل عبر المدن الفلسطينية والقرى
ومخيمات اللاجئين فاتحة النار القاتلة
من قوتها العسكرية الجبارة. هذا ما فعلته دائما. وهذه هي استراتيجيتها ، وهذه
المرة أيضا هي مشغولة بخلق كارثة إنسانية أخرى.
على الجانب الآخر ، فأن حماس هي ايضا عنصر في خلق هذه الكارثة. ان اطلاق
الصواريخ وغيرها من العمليات الإرهابية العمياء ضد شعب إسرائيل أسفرت عن وقوع
إصابات ، رغم انها لا تقارن من الناحية الكمية مع تلك التي تسببها إسرائيل. ان
نيران صواريخ حماس منذ وقف اطلاق النار الاخير قد قتلت عدد قليل من الناس ، في
حين انه حتى الآن ، فأن ما يقرب من الف فلسطيني قتلوا في غزة. ولكن الجريمة هي
جريمة. وعلى اية حال ، فان
الجانبين يقتلان من الجانب الاخر بقدر ما يكون لهما قدرة. حماس تقتل عشرات
الناس من جراء اطلاق الصواريخ ، واسرائيل تقتل المئات والآلاف بأقوى جيش في
الشرق الأوسط ، والذي انشأ أساسا بهدف سحق الشعب الفلسطيني ومطالبه المشروعة.
يتقابل اثنان من القوى الارهابية وجها لوجه ، وهما على استعداد لارتكاب اي
جريمة ضد الجماهير. من منظور إنساني ، هذه الحرب هي حرب اجرامية على كلا
الجانبين ، ويجب أن تتوقف فورا ودون شروط.
الجانب الآخر من هذه الحرب ، والذي يثيره سؤالك ، هي الأسباب والدوافع السياسية
وراءها. من هذا المنظور أيضا فان هذه الحرب رجعية على كلا الجانبين. انها تشن
حول القضية الفلسطينية - باسم الدفاع عن الجماهير الفلسطينية المشردة ، من جهة
، وباسم الدفاع عن وجود دولة اسرائيل ، من جهة أخرى. وعند خدشنا السطح ، على
اية حال ، سترى أن هذه الحرب ليست حول حقوق الشعب الفلسطيني على الإطلاق.
الجماهير هم مجرد ضحاياها ، وان كلا الطرفين لهما أسباب سياسية وراء استمرار
هذا الوضع. في رأيي ، وكما اظهرت حرب الــ 33 يوماعلى لبنان عام 2006 ، والحرب
الحالية ، ان المسألة لم تعد وجود قوات تقاتل من أجل حل القضية الفلسطينية
وتأمين حقوق الشعب الفلسطيني ، سواء كان ذلك تحت لواء قومي أو غيرها ، كما كان
الحال ، على سبيل المثال ، في حركة فتح أو المنظمات التي يقودها القادة
الفلسطينيين ذوي الميول اليسارية مثل نايف حواتمة وجورج حبش. تلك الظروف لم تعد
سائدة. اليوم ، ما لديك في الجانب [الفلسطيني] لهذه الحرب هو الحركة الرجعية
للاسلام السياسي ، والتي ، ايديولوجيا ، تتبع استراتيجية ، خط سياسي ، لا
يتوافق كليا مع مطالب وطموحات الشعب الفلسطيني. تشكيل دولة فلسطينية قابلة
للحياة على قدم المساواة مع اسرائيل ودول اخرى ليست على جدول اعمال الاسلام
السياسي. والهدف المعلن لها ، قد وضح مرارا وتكرارا من قبل زعيم حماس خالد مشعل
ورئيس النظام الاسلامي في ايران أحمدي نجاد ، هو عدم الاعتراف باسرائيل والقاء
الاسرائيليين جميعا في البحر!
حسنا ، ما يعنيه ذلك في المصطلح السياسي العملي هو ان مطلب تشكيل دولة فلسطينية
على قدم المساواة غائب عن جدول أعمال الإسلام السياسي. اقصى ما تطمح اليه حماس
في نهاية المطاف هو خلق حالة مماثلة في فلسطين لتلك التي احدثها نظام الطالبان
أو الجمهورية الإسلامية في إيران - دولة تقوم على اسس اثارة الكراهية العرقية
والدينية ضد إسرائيل والشعب اليهودي (أو الكفار المعتدين ، كما يدعوهم في ايران
ما يسمى بالزعيم الروحي الاعلى خامنئي). ذلك لن يحل القضية الفلسطينية ، ولكن
سيحوله الى مسألة مزمنة وعميقة الجذور واكثر دموية.
قوى الإسلام السياسي تنوي إنشاء دول قائمة على اسس عقائدية مشابهة لايران في
الشرق الأوسط ، وذلك هو السبب لدعم النظام في ايران لهم بنشاط. ومن المعروف أن
حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله في لبنان ، وغيرها ، هي موجودة اليوم أساسا
بفضل الدعم السياسي والعسكري والمالي للنظام في ايران. قوى الإسلام السياسي
بحاجة الى الحرب. انها تتغذى على الحرب. الحرب تهيئ التربة الخصبة لنموها. من
خلال الحرب يحصلوا على فرصة لجر اوتار قلوب الناس ودق طبل الاسلام ضد اسرائيل ،
والتي يعرفون انها مكروهة في المنطقة. وهكذا فإنهم يوفرون منصة، دافع سياسي ،
لأنفسهم. برأيي ، على الرغم من ان الهجوم الاسرائيلي قد يضعف الإسلام السياسي
عسكريا ، فإنه في نهاية المطاف سيقويه ، ويؤمن أرضية خصبة لنموه. هذه هي الخدمة
التي يقدمها الهجوم العسكري الإسرائيلي للحركة الرجعية شديدة التطرف للاسلام
السياسي.
ناصر اصغري : الا تعرف اسرائيل والولايات المتحدة ذلك؟
حميد تقوائي : اعتقد انها تعرف. ولكن ليس لديهم مشكلة في ذلك.
اسرائيل لا تمانع رؤية القضية الفلسطينية ، أقصد حالة انعدام الهوية للشعب
الفلسطيني ، مدفونة تحت انقاض حرب دينية. منذ حرب لبنان في عام 2006 ، واسرائيل
ادعت انها تدافع عن معسكر الديمقراطية العالمي ، أي إرهاب الدولة للغرب والذي
يحمل لواءه ، كما نعلم ، ادارة الرئيس جورج بوش ضد الارهاب الاسلامي. المسألة
لم تعد محاربة إسرائيل لقوى الاستقلال الفلسطينية أو المدافعين عن حقوق
اللاجئين ، أو حتى قوى القومية العربية. السؤال قد تم اعادة تشكيله من جديد الى
مسألة ان اسرائيل تحارب الإرهاب الإسلامي ، وهذا ، من منظور سياسي ، وضمن إطار
الأهداف الاستراتيجية الرجعية للطبقة الحاكمة الاسرائيلية ، هو في صالح تلك
الحكومة. في وقت ياسر عرفات وعندما كان لفتح اليد العليا (في الحركة
الفلسطينية) ، ساعدت اسرائيل حماس لتصوير القضية بضوء ديني. إسرائيل نفسها هي
دولة إثنية - دينية توظف من اجل شرعيتها ، العهد القديم ، التوراة ، وغير ذلك ،
ووعدهم بالأرض لبني إسرائيل. ولذلك ، تحتاج سياسيا واستراتيجيا ، الى صف من
المسلمين ضدها ، أي أن تواجه بمعركة بين المسلمين واليهود على مدينة القدس ،
على سبيل المثال ، بدلا من أن يكون القتال بين قوة تقاتل من أجل الاستقلال وبين
دولة مستبدة ، أي بين عدة ملايين من المشردين ودولة مغتصبة ومعتدية. لذا ، من
هذا الموقف الاستراتيجي ، فإن اسرائيل تستفيد من تشويه الكفاح باعتباره حربا
صليبية بين المسلمين واليهود. هذا التشويه للقضية الفلسطينية من خلال تلويثه
بالعرق والدين مسألة شائعة بين اسرائيل وقوى الاسلام السياسي ، مثل حماس
والنظام في ايران. وهذه هي الحقيقة التي تضع الحرب الحالية ، كما حرب الــ 33
يوما في لبنان عام 2006 ، في إطار المعارضة بين معسكرين ارهابيين في منطقة
الشرق الأوسط.
ولهذه الأسباب ، أعتقد أن هذه الحرب ، سياسيا واستراتيجيا ، مواتية لكل من
إسرائيل ، والإسلام السياسي ، ولذلك لم يرد أي منهما حقا وقف اطلاق النار.
لدرجة أنه عندما سئلت حماس عن وقف اطلاق النار فان ردها كان : يجب رفع الحصار
الاقتصادي والاعتراف بحكومة حماس في غزة. من خلال تقديم هذا الطلب ، فان حماس ،
في الواقع ، تقترح النصر لها كشرط مسبق لوقف اطلاق النار. كما تدعي اسرائيل ان
القوات التي تقاتلها هي قوات إسلامية إرهابية ، ولذلك يجب وقف اطلاق الصواريخ ،
والاعتراف باسرائيل ، وهكذا دواليك. كلا الطرفان ، غير راغبين في اختيار وقف
فوري وغير مشروط لاطلاق النار. بالنسبة لحماس فانه كلما استمرت هذه الحرب ،
وارتفع عدد القتلى ففي النهاية ستتمتع تلك الحركة، كما حزب الله بنهاية حرب
الــ 33 يوما في لبنان ، بموقعية اجتماعية وسياسية أكثر ملاءمة. وفي المقابل ،
كلما صارت تلك المعارضة بين الإسلام واليهودية ، كما قلت ، كلما كان ذلك في
مصلحة اسرائيل استراتيجيا. اسرائيل تدرك انه كلما كان الصراع بين قوى تريد رمي
كافة الاسرائيليين في البحر ، وبين دولة تدافع عن وجودها فحسب، فإن اسرائيل لن
تبدو كغاصب ومعتدي ، وإنما مجرد دولة اخرى تناضل من اجل بقاءها.
تقول حماس انها لن تعترف باسرائيل ،
وأحمدي نجاد يريد محوها من على وجه الأرض ، وخامنئي اصدر فتوى للمسلمين لمحاربة
"الكفار المعتدين".' هذه هي الخدمة الثمينة التي تسديها قوى الإسلام السياسي
لإسرائيل. بامكان المرء ، القول ان القضية الفلسطينية قد تم اختطافها من قبل
الإسلام السياسي. وهذا هو بمثابة هدية لاسرائيل كدولة معتدية. قوتان رجعيتان
يتحاربان حول اجنداتهما الرجعية الخاصة بهما ، وجماهير فلسطين هي الضحية
البريئة للصراع بينهما.
—————————
الجزء الثاني من المقابلة في العدد المقبل
—————————ترجم المقابلة عن النص الانكليزي عصام شكــــري