شحة المياه في العراق من
اخطر الكوارث الانسانية
عباس كامل
Abbas_left@yahoo.com
ذهبت
الى البصرة جنوب العراق قبل أيام وشاهدت بأم عيني كيف ان شط العرب في مدينة
البصرة ذلك الشط العملاق كيف اصبح اليوم عبارة عن حوض لتصريف مياه الصرف الصحي
ومجمع للمياه الاسنة والميكروبات ومجمع للاوساخ.
اضافة الى التلوث الفظيع هو كمية المياه غير المعقولة التي فقدت من هذا الشط
الكبير اضافة الى تزايد نسبة الاملاح التي وصلت الى اكثر من 33 بالمئة او اكثر.
صحيح ان العراق كله يعاني من شحة المياه خصوصا هذه السنة، ولكن الحقيقة ان شحة
المياه في المناطق الجنوبية اكثر حدة من باقي المدن، وان المشكلة في الجنوب
ليست وليدة هذا العام فقد مضى زمن على هذه الازمة في المياه وتدهور نوعيتها
تقارب العشرين سنة. هذه الشحة ناتجة في معظمها من غياب برنامج فعال
وديناميكي لادارة الموارد المائية في العراق، يكون الانسان اساسه وهدفه .
ان مجرد القاء نظرة على شط العرب يوحي للناظر ان امامه مستنقع، وليس شط او مياه
عذبة كانت قبل سنوات مع الكورنيش المحيط به ورواده من جميع الالوان مصدر للهواء
العذب التي كان رواد مقاهيه يستنشقونه ويتمتعون بليالبه الجميلة.
اليوم فقد ذلك المكان جماليته ومياهه الغزيرة التي ينعم بها سكان المدينة. الا
ان واقع الحال في كل العراق اصبح جحيما، حيث اصبح كل شيْ محال وفي حالة ذواء
وتدهور كالشجر والالوان والحياة.
ان زيادة نسبة الملوحة في مياه شط العرب اخذت بالتصاعد في الفترة الاخيرة اكثر
بكثير من قبل عدة سنوات بسبب نقص
منسوب المياه. والذي يريد ان يغتسل فقط سيحتاج
الى مهدئات تهدئ من الام الاستحمام بتلك المياه المالحة وكثرتها التي
تنطمر في الاجسام .
الناس في البصرة يتألمون حيث تنعدم مظاهر الحياة،
فلا حياة دون الماء واهالي البصرة والفاو يشترون المياه العذبة من
خزانات (التناكر) بمبلغ خمسمائة
دينار للبرميل الصغير حيث لايكفيهم ليوم واحد في ظل حرارة الجو المرتفعة
والشديدة . حتى المزارعين اخذوا يتركون اراضيهم للعمل في اعمال اخرى طلبا
للعيش. فقد بارت الاراضي وجفت لقلة المياه وشحتها وزيادة ملوحتها واهملوا
مزارعهم ولم يعد هنالك زراعة الذين بدأ الناس بهجرتها وكذلك بدأوا بترك مدنهم
وقراهم لتلك الاسباب.
ان معاناة الناس حقيقية وتنذر بكارثة ليس في البصرة او المناطق الجنوبية وحدها
بل في جميع انحاء العراق كوارث
ستجلب للملايين من البشر المزيد من الفقر والبؤس وانعدام الحياة الطبيعية .
ان هذه المشكلة الكبيرة ورائها دوافع سياسية من دول جوارالعراق وانعدام وجود
الخدمات داخل العراق واستشراء السرقات والنهب والفساد نتيجة انعدام الدولة وضعف
الخدمات. فالمصادر الرئيسية للمياه تدخل الى العراق هي عن طريق تركيا وايران
وسوريا. وبات معروفا للجميع بأن هذه الدول المجاورة للعراق
تلوح بقطع المياه وتقسيطها على العراق. ان هذه هي اشبه بالمؤامرة على
جماهير العراق لحرمانها من ايسط مقومات الحياة الطبيعية والتحكم بمعيشتها.
ويبدو ان تصدير الارهاب والجماعات المسلحة وحدها لاتكفي لقتل المواطنين
العراقيين كما هي الحال مع ايران وسوريا والسعودية
بل انهم ذهبوا الى قطع المياه من اجل الاجهاز على حياة المواطنين في
العراق كلياً.
ان الحكومة الاسلامية القومية في العراق وكما هو معروف تقف ساكتة ومتواطئة ولا
تحرك ساكنا من هذا العمل العدائي بحق الجماهير المليونية. فهي نفسها عاجزة كليا
عن ادارة العراق وثرواته الطبيعية لانها جزء لايتجزا من المشكلة ومشاركة في
التسبب، مع بقية الدول بموت العراقيين وانهيار مجتمعهم.