اذاعة انترناسيونال: منصور حكمت... اسمح لي ان ابدء من نقطة: اساساً، لماذا تدافعون انتم والحزب الشيوعي العمالي عن الغاء العمل المأجور؟ ماهو مأخذكم وانتقادكم الفلسفي على وجود العمل الماجور نفسه في المجتمع؟
منصور حكمت: ان ابعدنا انفسنا قليلاً ونظرنا الى العمل من اجل الاجر، سنرى ان حدثاً غير محبباً يجري. ان يتوجب على المرء ان يعمل مقابل اجر، فانه يوضح لنا امر يخص الوضع القائم لهذا المرء، الا وهو ان ليس بوسع هذا المرء ان يذهب هو نفسه ليعمل. لااقصد من ان يذهب هو نفسه ليعمل ان يكون له انتاجه الصغير، بل انه لايشارك بوسائل الانتاج باي شكل من الاشكال، وليس له ارادة عليها او تحكم بها. ولهذا عليه ان يبيع عمله لاخر، هو ذلك الوجه الاخر من المسالة، اي اناس يشترون العمل. وعليه، كقاعدة، ينبغي ان تكون لديه (الاخر) وسائل الانتاج. عدة تملك وسائل الانتاج الاجتماعي، وسائل الانتاج هذه من المسمار والمطرقة واصغر ادوات الانتاج الى المعامل، وسائل الحمل والنقل العملاقة الى المؤسسات والانظمة التي تنتج المنتجات الاجتماعية بكل تعقيداتها. انها تخص فئة وقسم من المجتمع، وعلى اغلبية كبيرة ان تمضي لبيع قوة عملها لهم كي تتقاضى اجراً عن ذلك، اي بأجر، وهو المال الذي يتقاضوه جراء بيع قوة عملهم، ومن ثم بوسعهم ان يمضوا للسوق كي يشتروا منتجات انتجوها بالامس، يشتروها من السوق بذلك المال.
بعبارة اخرى، تمضي لتعمل، لتبيع قوة عملك. ان قوة العمل تلك هي قوة عملك. ويستفيد اناس ذوي راسمال، ذوي وسائل انتاج من قوى العمل هذه، وتستهلك قوة العمل هذه لانتاج بضائع. رغم انك عملت من اجل انتاجها، بيد انها تخص ذاك الذي يملك وسائل الانتاج، يخص ذوي الراسمال. هو يرسلها للسوق، وتمضي انت لشراء قسم منها باجرك كي تستطيع البقاء. تذهب لتشتريها كي تستطيع ان تعمل غدا. ان اغلب اجرك، تسعين ونيف بالمئة منه، ينفق صرفاً على بقائك حياً، صرفاً كي يكون لك ولعائلتك مكان تؤمه، كي تستطيع ان تعمل غداً مرة اخرى. انها قضية بقاء، كل يوم.
ان العمل الماجور هو امتداد للانظمة العبودية الاخرى. مر زمن كان الانسان العامل وجسده يخص صاحب العمل. ان العبودية ليست شيئاً سوى ان يعمل العبد، ويتكفل صاحب العامل صيانة بقائه.ان نظام العمل الماجور هو اسلوب يجسد فيه المجتمع المعاصر، المجتمع الراسمالي المعاصر، العلاقات الاستغلالة القديمة نفسها. اي ان يُجبر الانسان على العمل لدى اخرين. في النظام السابق، كان يطلق عليه طوق العبودية وذلك للطوق المفروض على رقاب العبيد. اما اليوم، فبسبب الانفصال عن وسائل الانتاج وغياب اي تحكم عليها، أُجبر في المجتمع على بيع قدرته الجسدية بوصفها سلعة كي ينال قسم من ثمارها ويستهلكه!
انها لوضعية بشعة. لم تكن هذه الوضعية موجودة من اليوم الاول، ولن تستمر كذلك للابد. انها ليست وضعية غريزية على البشر ان يعيش في كنفها. انها حصيلة علاقات اجتماعية، وهذه العلاقات الاجتماعية يمكن تغييرها. ان اساس القضية هو اننا نمضي لنعمل ونبيع قوتنا الجسدية الى اخرين احتكروا وسائل الانتاج سابقاً، وان وسائل الانتاج نفسها كانت في مراحل سبقتها نتاج اعمالنا، حرمونا منها. ولهذا، علينا ان نمضي لاستخدام قسم من هذه الوسائل من اجل معيشتنا، نمضي للعمل لديهم.
ان من البساطة تصور امر: اذا كانت وسائل الانتاج عموما بيد المجتمع، عندها لايمنح احد ما لاخر اجراً. يمضي الناس للعمل بوسائل العمل هذه، بغض النظر عن طبيعة تنظيم الانتاج، وبعدها يعودون لبيوتهم، يستهلكوا منتجاتهم، يحق لهم الحصول على حاجتهم من البنزين من هذا المجتمع. لايتبادل احد نقداً، ولايبيع احد شيئاً. في نظام تكون وسائل الانتاج فيه ملك خاص لعدة قليلة، عليك عندها بيع قوة عملك كي تتمكن من تأمين معيشتك عبر العمل بوسائل العمل تلك.
اذاعة انترناسيونال: ان احد اوجه النقد التي تطرحها هي نقد اخلاقي للنظام الراسمالي. هل الامر كذلك؟ ماهي الجوانب الاخرى لنقدك لمسالة بيع قوة العمل؟ مثلاً الاجر لبيع قوة العمل، ظروف بيع قوة العمل وغيرها؟
منصور حكمت: ربما لاتكون عبارة نقد اخلاقي عبارة مناسبة. اذا كنت امرء داع للمساواة، وتؤمن انه ينبغي النظر الى جميع الناس بعين واحدة، وينبغي ان لايكون المجتمع تراتبياً وان لايقسم البشر الى فئات عليا ودنيا. عندها ستحتج على علاقة يحكم بها مجموعة من الناس، اقلية صغيرة، وذلك لسيطرتها على وسائل الانتاج، تراكم الثروات. وفي الجهة المقابلة، اغلبية كبيرة ليس لديها شيء تبيعه سوى قوة عملها وتبيع قدرة عملها او قدرة انتاجها، ستحتج على هذه الظاهرة ذاتها. هل ان هذا نقد اخلاقي؟ بمعنى ما نقداً اخلاقياً وذلك لانه ناجم عن نزعتك المساواتية، ولكنه في المطاف الاخير، ليس اخلاقياً. بل علمي جداً كذلك، لان المجتمع لايستطيع ان يتحمل انعدام المساواة هذه. لاتتحمل تلك الاغلبية انعدام المساواة هذا. ولهذا، انه نداء يتعلق بالمستقبل وتبيان السبيل المقبل للمجتمع.
فيما الجوانب الاكثر عملية من هذه المسالة، انه لامر معلوم في هذا النظام، تُحرم تلك الاغلبية الساحقة من الكثير من ميزات الحياة. حين ينظرون في اخر عمرهم الى حياتهم، يرون انهم، ولمدة ٣٠ او ٤٠ عام، كانوا اسرى يومياً ايجاد مشتري لقوة عملهم وباعوها؛ وفي ختام هذه العملية، اذا خلال هذه المدة لم يتمكنوا، رغم الف تحمل ورغم الضغوطات، من نيل تقاعداً مناسباً لانفسهم، وخرجوا خالي الوفاض. في وقت شيدت هيولا امامهم، هيولا الراسمال، شيد بقواهم، تقوى مئات المرات. كلما يعملون اكثر، يغدوا الطرف المقابل اقوى امامهم. كلما تعمل اكثر، ينمو الراسمال اكثر ويقوى الراسماليون اكثر وتتعاظم قدرتهم الاقتصادية والسياسية.
ان قوة العمل مثل سلعة تاخذها للسوق وتبيعها ويعطوك مقابلها اجراً بحدٍ تستطيع ان تعيد انتاج نفسك وتاتي غدا لتشارك في مسار العمل. من الواضح ان اعادة الانتاج لاتعني بالضرورة عيش الكفاف. ان العامل، على اية حال، سواء في المجتمعات المتقدمة او في المجتمعات المتاخرة مثل مجتمع ايران هو فئة اقل دخلاً مقارنة باصحاب الرساميل والمدراء وغيرهم. ولان العامل، طبقا للتعريف، يبيع قوة عمله، وعليه ان يشارك في عملية العمل، يواجه دوما خطر المنافسة الموجودة في صفوف هذه القوة الكبيرة، يستلم اجراً بقدر بقائه في اطار مقاييس المجتمع في وقته وليس اكثر. وان هذه بادئة مقولات مثل الفقر، الحرمان، التخلف والكثير من العواقب الاخرى مثل الادمان على المخدرات، البغاء، انعدام الثقافة والف ماساة اخرى غرق بها المجتمع المعاصر. تقف وراء هذه كلها صلة العمل الماجور ذاتها.
اذاعة انترناسيونال: اسمح لي ان اطرح سؤالاً اخراً، انك تطرح مجتمع لايُجبر الانسان فيه على بيع قوة عمله او اساساً تنتفي فيه مثل هذه الالية لتامين المعيشة، ان اول سؤال يطرح نفسه هو: مثلا اي الية موجودة تحل محل هذه الالية التي تنتقدها؟ كيف يمكن تلبية حاجات الانسان على الصعيد الاجتماعي؟
منصور حكمت: على اية حال، اننا نتحدث عن الجانب الانتاجي من الامر وليس التوزيعي...
اذاعة انترناسيونال: نعم
منصور حكمت: ان الجانب الانتاجي لاليات استبدال هذا النظام سهلة. اذا في الهيكلية الانتاجية القائمة نفسها غيّرناعلاقات الملكية والملكية المسيرة له، بوسعه ان يعمل لمدة طويلة. من الواضح انه ستطرأ عليه تغيرات في اسلوب ادارته. من الواضح انه ستطرأ عليه تغيرات فيما يخص ساعات العمل او ظروف العمل او سلامة محيط العمل وغيره.
على اية حال لنفرض ان هناك معمل انتاج كومبيوترات، سيبقى في مكانه وعلى حاله، ونمضي انا وانت لنعمل فيه، ولكن هذا المعمل لا يعود لشخص معين باسم السيد فلان او السيدة او الانسة فلانه، وتعود عائداته له او لها، وبعدها يرجعون لنا قسم منه على شكل اجر، بل ان هذا المعمل وتلك المواد المنتجة تعود للمجتمع. ينظر المجتمع في هذه الحالة لنا كلنا بوصفنا مواطنين متساوي الحقوق ولنا حصة فيه ومشاركين فيه، لايتم تبادل النقد. نذهب للعمل ونعود لبيوتنا. مدرستنا معروفة، معروف من هو طبيبنا، بوسعنا ان نركب وسائل النقل العامة متى شئنا، اذا اردنا الذهاب الى المسرح فان ابوابه مفتوحه امامنا جميعا، ان اردنا ان نشتري مواد غذائية فانها في متناول ايدينا. الان الناس في اوربا تشتري عبر الانترنيت، تضغط على زر او زرين او تذهب الى السوق لتاخذ حاجتك دون ان تكون مجبراً على ان تسلم نقوداً لاحد.
لماذا ينبغي ان يكون النقد موجوداً الان؟ وذلك لان في الاوضاع السائدة القائمة، لهذه البضائع صاحب، ويريد ان يستلم النقود ويراكمها بهذه الطريقة، ووذلك لان هناك اناس محرومين ولاتوجد وفرة. والا اذا اعتبرت مسالة السكن حق كل امرء، وينظم المجتمع السكن وتوفيره بشكل بحيث يحق لكل انسان التمتع باجواء مناسبة ومسكن مناسب، ومضت العديد من البلدان حتى في الاوضاع الراهنة خطوات صوب هذا، عندها حين نبلغ الثامنة عشر من العمر نذهب لمراجعة مجلس السكن في محلتنا وندرج اسمنا ويعطوننا بيتاً نستطيع العيش فيه. لماذا ينبغي دفع مال لاحد؟ وان لا ادفع اجرة السكن ولا ادفع مالاً للمدرسة، ومالاً للطعام كذلك، للنقل، وللكومبيوتر، وللملابس، عندها لاتبقى لالية المجتمع حاجة ان يعطيني مالاً لاذهب لشراء هذه. بمحض كوني مواطن، استطيع ان استفاد من هذه الاشياء.
يتحفنا الراسماليون بالقول: عندها ستهجم الناس وتنهب كل شيء. ولكن في الحقيقة لن يحصل هذا. وذلك لان من الممكن ان تهجم الناس، ولكن حين تعتقد بصورة عادية ان هذه الاشياء التي ينهبوها لاتعطى لهم. اقطع التيار الكهربائي لحظة واحدة في لوس انجلس، ستُنهب البلد كلها. تنقطع الكهرباء في نيويورك او لوس انجلس لعشرين دقيقة، يعم النهب في المدينة. بيد ان مجتمع يرسى على اساس ان الاشياء هي ملك الجميع وبوسعك متى شت ان تراجع الطرف المعني، مثل المكتبة العامة، انها موجودة الان، وبوسعك ان تذهب لها وتستعير الكتاب الذي تريد، مثل هذا المجتمع لن يقع في وضع مثل هذا (وقصده النهب-م). اذا انقطعت الكهرباء الان لن تهجم مجموعة لتستعير كتاب من المكتبة دون ادراج اسمها. تهجم الناس على شيء تعتقد انه لايُمنح لها، وتعتقد انها حصلت على امتياز، لن تحصل عليه وقت اخر.
اذا كان حقاً طبيعياً ومفروغاً منه لكل شخص ان يستفاد من المراكز الفنية، ان يجلس في طرف الشارع في المركز الثقافي لمحلته ويستفاد من الكومبيوتر، او ان يمضي لمسبح المحلة، عندها على اي شيء يهجم؟ السلعة ليست امراً مطروحا حتى يسعى احد ما لنهبها. ان هذا الجشع والطمع انتجه المجتمع الراسمالي نفسه وينسبه للانسان. وبعدها يحاجج الشيوعيين ان مثل هذه الوضعية التي اتحدث عنها هي امراً مستحيلاً، في الوقت الذي هي امراً ممكن تماماً.
اذاعة انترناسيونال: اسمح لي ان اطرح السؤال التالي. ثمة احتمال ان يطرح سؤال على ردكم الا وهو كيف يمكن تنظيم النشاطات الانتاجية؟ كيف يمكن تنظيم النشاطات الاقتصادية الانتاجية في المجتمع؟ كيف ينظم ويبرمج مساهمة كل فرد لانتاج الحاجات الاجتماعية؟
منصور حكمت: لايزول بمعنى ما تقسيم العمل كتقسيم عمل، ولكن سيزول تقسيم الناس على العمل. على سبيل المثال، لست مجبراً على ان اعمل في تعبيد الطرق. من الواضح ان تقسيم عمل موجود، اي ان على جمع ان يمضي ليعبد شارع ما بالاسفلت، او ان يجمع سلال المهملات، او على جمع ان يمضي للطبابة، على جمع ان يمضي للبناء او اي عمل اخر. ولكن هذا الجمع الذي عليه ان يقوم بهذا العمل، ليس بالضرورة هم انفسهم الذي قاموا به امس، وان هذا العمل لايعني بالضرورة ان يكتب هذا العمل على جبينهم. لايتوجب علي ان اقضي ٢٥ سنة في جمع السلات المهملة، او عامل فولاذ، او علي بالضرورة ان اكون جنديا او غير ذلك. ان امرء ياتي للعمل يقوم بممارسة اعمال مرتبطة بطاقاته او رغبته في الاعمال المختلفة. ثمة اعمال كثيرة شاقة وغير نظيفة وتمسك بخناق البشر سنين طوال، مثل على سبيل الفرض الاعمال الثقيلة او اعمال المليئة بالمواد الملوثة ، اولا تطورت تكنولوجيا هذه الاعمال وثانياً تصبح بالمناوبة. وفي المطاف الاخير، يذهب المرء على دفعتين شهريا للعمل في فريق تنظيف اجواء البيئة. ولكن، وبصورة واقعية، بمقدور الانسان ان ينتقل من هذا العمل لذاك، بوسع الفرد مثلما يتحدث ماركس ان يعمل صباغاً في الصباح وعصراً صائد سمك. لايجبر الانسان على ان يكون عامل فولاذ او سائق نقل الوسائل العامة، ان يغدوا العمل هو حياتنا وقصة حياتنا. نعم بالوسع ان تعمل ساعات محددة في الشهر بوصفك سائق قطار وساعات محددة اخرى تقدم محاضرات في الجامعة. ان هذا امراً عملياً، بوسع المجتمع ان يقوم بهذا. ولكن المسالة من يقوم بتنظيم هذا؟ غدت الامور اسهل كثيراً بفضل تطور شبكات الاتصال والانترنيت والتطور التكنولوجي للمعلومات.
كيف يتم ذلك، ثمة اناس كثر بوسعهم ان يجلسوا ويخططوا ويمحصوا طرحهم وينفذوه. على اية حال، هناك تقسيم عمل، ولكن الاعمال هي من تُقَسَّمْ وليس الناس. يصبح تقسيم العمل ذاك خطة، مشروع. ان تسيير قطارات البلد وجميع القطارات وايصالها بموعدها لمحطاتها في بلد هو من الواضح عمل بذاته. ولكن اناس يراجعون، ويكون معلوم مسبقاً اي شخص وفي اي ساعة يقوم بذلك. ينخرط الناس في دورات تدريبية من اجل ذلك. يتعلموا تخصصات متنوعة كما هو الحال عليه الان، فالكثير من الاعمال كانت تؤدى سابقاً من قبل شخص، الان الكثيرين ماهرين فيها ويقوموا بها بمهارة. وبالاخص مع تطور التكنولوجيا، يغدو تعلم الاعمال المتنوعة اسهل واسهل بمعنى ما. بوسع الناس ان يسيّروا الاعمال القائمة ويشاركوا بموجب امكانياتهم في تقسيم العمل.
من الواضح ان الامر يستلزم مركزة للامور واتخاذ قرار. ولكن هذه المركزة واتخاذ القرار ليس بمعنى المركزة السياسية، لايعني قوة ذلك المركز. ان المرء الذي من المقرر ان يقرر على كيف ينبغي صيانة نظافة المدينة او كيف تشيد الحدائق العامة او كيف يمكن فرضاً التقدم بصناعة الحديد والمعادن اعمالها، ليس هم بالضرورة انفسهم الذين يقررون من ينبغي ان يودع السجن! تمحى السلطة السياسية، ولكن تقسم السلطة الادارية والقدرة الادارية بين المواطنين.
اذاعة انترناسيونال: اسمح لي في نهاية المقابلة ان اتطرق الى مسالة وهي سعادة الانسان. في ادبيات الشيوعية العمالية، ادبيات الماركسية الكلاسيكية بصورة خاصة تطرح مسالة سعادة الانسان مرتبطة بتحقيق الثورة الاقتصادية والغاء العمل الماجور على وجه الخصوص. وان مساعي كبيرة في التاريخ قد بذلت لم تنجح في الغاء العمل المأجور، ولهذا اخفقت، وجرت مرة اخرى في التاريخ. ان امكن توضيح هذا المسالة اكثر.
منصور حكمت: اعتقد ان عدد الناس الذين بوسعهم في ليلة مقمرة ان يمضغوا حبات اللوز وينظرون للسماء ويحسوا بالسعادة هم قلة على اية حال. نعرف ان البعض يقول ان المال لايجلب السعادة او ان السعادة امر معنوي وليس مادي. بيد ان عدد اؤلئك الذين بوسعهم ان يكونوا سعداء هم قلة. ان الاغلبية الساحقة بحاجة الى امكانات لتغدوا سعيدة، تحتاج الى بيت، الى طبيب، الى التمتع بالامان الاقتصادي، بحاجة لحرية الحركة والتنقل كي تتجول في الكرة الارضية التي نعيش عليها، بحاجة الى التعرف على اناس جدد، بحاجة الى تجربة اعمال جديدة وان تتعلم اعمال جديدة. وكل هذه تعني الحرية الاقتصادية للانسان، اي القدرة الاقتصادية للانسان. اذا حكمت على قسم من المجتمع بان يعمل ٨ ساعات او ٦ ساعات، يمضي ليبيع عمله، وبعدها يمضي مرهقاً لبيته كي يجدد نفسه، فانك حرمته من السعادة وفقاً للتعريف. ان الانسان السعيد هو الانسان الذي يوظف ابتكاراته وابداعه. انسان يشعر ان اموره وخيارات حياته بيده. انسان يعتقد انه ليس مجبراً. انسان يعتقد ان بوسعه ان يتخذ قراراته بصورة حرة. السعادة، على اية حال، مرتبطة بالحرية. وان هذه الحرية مستحيلة دون الحرية الاقتصادية.
في قلب اقتصاد العمل الماجور، في قلب نظام العمل الماجور، اناس كثيرون محرومون من الحرية. اناس كثر لاندحة لهم من بيع قوة عملهم يومياً، والا لن يكون لهم وجود غداً، وجود حتى بالمعني الفيزيقي، اي من الممكن من الغذاء وحاجاته اليومية والسكن وغيره، من جميع الامكانات التي تبقي الانسان حياً ولا تلبى حتى حاجاته الثقافية والجمالية والمعرفية؟ وعليه، ان يبيع قوة عمله يومياً وان يتواجد في سوق العمل صباحاً كل يوم، والبحث عن مشتري وافناء العمل كله في خشية وخوف ان لايفقد عمله، يتنافى هذا الامر مع سعادة الانسان. الماركسية ذلك المكتب الذي لديه ماوراء كل الكلام الفلسلفي والصوفي وغير الصوفي الخاص بمعنى حياة الانسان وسعادته، يطرح جواب واضح تماماً ويقول: ينبغي للانسان ان يكون مرفها وحراً. ولكي يكون مرفه وحر، ينبغي ارساء نظاماً اجتماعيا يعيش فيه، نظاماً تشكل الحرية، المساواة والرفاه، ورفاه البشر فلسفة ذلك النظام.
المجتمع الراسمالي ليس كذلك. انه ليس حر وذلك لاني مجبر على بيع قوة عملي، ليس حر وذلك لان حكومة طبقة حاكمة تقف على رأسنا. الرفاه ليس هدف المجتمع، الربح هدفه. وعليه، فان القسم الاعظم لايشعر بالسعادة.
رغم كل هذا فان الانسانية في كل منا بحد من القوة بحيث ان حتى في هذه الاوضاع
الكارثية، في قلب هذه الاوضاع المليئة بالضغوطات، ننظر لبعضنا بعض ونرسي علاقات
طيبة، باطفالنا وباطفال الاخرين وبابداعات الاخرين. حين نستطيع في قلب هذه الاوضاع
ان نشعر بدرجة من السعادة، فكر لو تم تامين هذه المساواة الاقتصادية، لو تمحى
عبودية الاجر، لو يزال القسر اليومي للعمل عند الاخرين والخضوع للاخرين من كاهل
الانسان ، فاي امكانات عظيمة لان يعيش الانسان فرحاً وسعيداً.
النص اعلاه هو مقابلة اجريت في اذاعة الحزب الشيوعي العمالي الايراني، نشرت
لاول مرة في مختارات منصور حكمت (صفحات ١٥٣٣-١٥٣٧)، من اصدار الحزب الشيوعي العمالي
الايراني-الحكمتي، ٢٠٠٥. وتمت الترجمة عن النص المذكور.
ترجمة: فارس محمود