هل الاشتراكية ممكنة في إيران؟
(الجزء الاول)
تم تجميعها بناءً على مقابلة مع كنال جديد ( تلفزيون الحزب الشيوعي العمالي الأيرلاني)
حسن صالحي: حميد تقوائي، قمتم بعقد ندوة في جمعية ماركس الكندية قبل أيام تحت عنوان آفاق الاشتراكية في إيران. هذا الموضوع يثير الكثير من التساؤلات، والتي للأسف لم يكن هناك وقت كافي للأسئلة والأجوبة في الندوة. أنا شخصياً كانت لدي أسئلة في تلك الندوة لم أستطع طرحها. آمل أن نتمكن من تغطية هذه القضية بشكل كامل في هذه المقابلة. لنبدأ من الجزء الأخير من الندوة. لقد تحدثت عن تأسيس الاشتراكية في إيران. يرجى توضيح ماذا يعني هذا بالضبط؟ ونحن نعلم أن الاشتراكية تعني إلغاء العمل المأجور والملكية الخاصة. ولكن هذا قد لا يكون ملموسا للجميع. وما نتائج وثمار هذا التطور الاقتصادي للشعب؟
حميد تقوائى: كما ذكرت، على المستوى الاقتصادي الأساسي، الاشتراكية تعني إلغاء العبودية بالاجور والاستغلال وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج من مصانع وخدمات وموارد وغيرها. ولكن إذا كانت الاشتراكية تؤكد على هذه التغييرات الجذرية، فذلك لأن هدف الاشتراكية وفلسفتها وأساسها هوالإنسان وتحرير الإنسان. أساس الاشتراكية هو الإنسان، مما يعني أن الحرية والمساواة والرفاهية والهوية والكرامة الإنسانية واحترام الإنسان والإنسانية هي محور المجتمع الاشتراكي وهدفه.
وعلى المستوى الاقتصادي، فإن إلغاء العمل المأجور يعني إلغاء العمل كسلعة يجب على العامل بيعها للرأسمالي لتوفير سبل العيش له ولأسرته. ولإلغاء العمل المأجور، وهو ما يعني إلغاء العبودية والردع الاقتصادي، ينبغي تنظيم الاقتصاد ليس على أساس الربح والربحية، ولكن بهدف تلبية احتياجات الجميع. في النظام الاشتراكي، تعتبر تلبية احتياجات جميع الناس هي مركز المجتمع وهدف جميع العلاقات والسياسات الاقتصادية.
ومن وجهة النظر الاجتماعية، تعني الاشتراكية القضاء على جميع أنواع التمييز وعدم المساواة. ولا يتطلب الأمر الكثير من التفكير لفهم أن جميع حالات عدم المساواة والتمييز في المجتمع الإيراني وجميع مجتمعات العالم، بشكل مباشر أو غير مباشر، ترتبط بضرورة ربحية رأس المال. من الفارق الصارخ بين الثروة الفلكية لأقلية ضئيلة والبؤس العام لجماهير الناس إلى الاضطهاد الديني، والتمييز بين الجنسين، والاضطهاد القومي، والعنصرية والإثنية، والتمييز الطبقي، وانتهاك أبسط حقوق الشعب، والقمع و الديكتاتورية، وتدمير البيئة، وما إلى ذلك، إلخ. كلها نتائج وضرورات لعمل النظام الرأسمالي.
ومن الواضح أن سبب وضرورة كل هذه التمييزات والاضطهاد والفقر والقمع المتفشي في المجتمع في الجمهورية الإسلامية هو تأمين مصالح عدد قليل من الرأسماليين في الحكومة وعصابات المافيا التابعة لها والتي تتزايد ثرواتها. .
في النظام الاشتراكي، لا وجود لهذه التمييزات والمظالم والمعاناة لأنه لا توجد ضرورة أو أساس اقتصادي لها.
أحد الركائز المهمة للاشتراكية هو توفير الحريات غير المشروطة. حرية التعبير والرأي، حرية تكوين الجمعيات والحزب، حرية الصحافة والإعلام، حرية وسائل التواصل الاجتماعي، حرية الاحتجاج والإضراب، إلخ، إلخ. وهذا بالطبع عكس تجربة الاتحاد السوفييتي والصين والأنظمة الأخرى التي تدعي الاشتراكية، لكن هذه الأنظمة كانت ولا تزال شكلاً من أشكال رأسمالية الدولة. النظام الرأسمالي تحت اسم الاشتراكية والشيوعية، والصين مثال واضح عليه اليوم.
باختصار، يمكن التعبير عن ركائز النظام الاشتراكي بالحرية والمساواة والرخاء للجميع. الحرية على المستوى السياسي والاجتماعي والمدني، والمساواة تعني إزالة وإلغاء التمييز الطبقي وكافة أشكال التمييز، والرخاء يعني الإنتاج لتلبية احتياجات جميع الناس. هذه هي أسس الاشتراكية.
حسن صالحي: لنعد إلى تجربة الاتحاد السوفييتي والصين. لقد ذكرت ثلاثة محاور: الحريات السياسية والمدنية، والقضاء على التمييز في المجال الاجتماعي، والازدهار في الجانب الاقتصادي. أود أن أتطرق إلى الجانب الاقتصادي أولا. ما هي الإجراءات الاقتصادية الأكثر إلحاحاً التي سيتخذها حزب الشيوعي العمالي عندما يصل إلى السلطة؟ ما هو التغيير الذي تحدثه في النظام الاقتصادي؟
حميد تقوائي: خطوتنا الاقتصادية الأولى هي التخلص من عصابات المافيا الحاكمة. ويمكن القول أن الجمهورية الإسلامية قامت بتبسيط العمل في هذا الصدد. كما تعلمون أن أكثر من 50% من اقتصاد إيران ومواردها ومصانعها وخدماتها واستيرادها وتصديرها وغيرها، في أيدي أربع أو خمس منظمات ومؤسسات حكومية ومرتبطة بالحكومة: بيت إمام، والحرس الثوري، والباسيج، توجيهات إمام. المقر التنفيذي، مؤسسة المستضعفين، آستان قدس رضوي ومؤسسة أو مؤسستان أخريان. ويسيطرون على معظم الصادرات والواردات والغابات والمناجم ومصادر الثروة والعقارات والمساكن والسدود ومراكز الإنتاج والخدمات، وجميعها تعتمد بشكل مباشر وغير مباشر على الحكومة والقيادة. وهذه هي التي تحرك الاقتصاد الإيراني.
وتشير الإحصائيات التي نشرها مؤخراً معهد الخدمات المصرفية السويسرية (UBS) إلى أن 246 ألف شخص في إيران هم من أصحاب الملايين بالدولار. يعني أقل من ثلاثة بالالف من السكان. كل هؤلاء ينتمون إلى عصابات المافيا التي شرحتها. ومن ناحية أخرى، يعيش أكثر من 50% من الشعب الإيراني تحت خط الفقر. لقد جعل هذا الوضع التخلص من هؤلاء الرأسماليين الكبار ممكنا وضروريا ومرغوبا في نظر عامة الناس.
إن الإطاحة بالحكومة تعني تلقائياً انتزاع معظم رأس المال والموارد من أيدي المالكين، وبشكل أكثر دقة، من أيدي المغتصبين. لاحظ أن إيران ليست نظامًا رأسماليًا تقليديًا مثل إنجلترا أو فرنسا أو حتى تركيا. وفي أي دولة أخرى يتم استخدام هذا المخدر من قبل عصابات المافيا الحاكمة للاقتصاد الإيراني بسبب الفساد والسرقة والاختلاس وغصب الممتلكات وعدم دفع الضرائب والاكتناز والتهريب ومزادات العطاءات المعمارية وما إلى ذلك، حتى حسب قواعد وقوانين المجتمعات الرأسمالية نفسها، فهم مجرمون ويجب مصادرة ممتلكاتهم. وحتى لو لم تنجح الحكومة الاشتراكية في العمل، فإن أول إجراء يجب أن تتخذه يجب أن يكون محاولة مصادرة ممتلكات عصابات المافيا هذه. إن التخلص من هذه العصابات وعصابات المخدرات هو إجراء ضروري وواجب ومطلب أساسي للشعب وهو مرغوب ومقبول تماما لدى الرأي العام.
ولكن هنا السؤال الأساسي: هل تنزعها ولمن تسلمها؟ الجواب على هذا السؤال هو الفرق الجوهري بين الحكومة الاشتراكية وأي نوع آخر من الحكومات قد يزيل المافيا الحاكمة. فهل الجواب هو تسليم الأموال والممتلكات المصادرة إلى أشخاص آخرين ليس لديهم لحى ولا عمائم؟ وكان يأمل أن يحقق هؤلاء مصالح المجتمع؟! ومن الواضح أن مثل هذا التوقع لا يمكن توقعه، ولن يسمح به الشعب الذي أطاح بآيات الله المليارديرات بثورته على الفقر والفساد.
إن جوابنا نحن الاشتراكيين واضح: السيطرة على الموارد الاقتصادية والإنتاجية والخدمية يجب أن تكون بيد الشعب نفسه. الشعب نفسه يعني الشعب المنظم في المجالس. يجب أن تتحكم مجالس الشعب في ثروات المجتمع وإنتاجه وليس القطاع الخاص أو القطاع العام. إن إدارة الاقتصاد والسياسات الاقتصادية يمكن، بل وينبغي، أن تكون في أيدي المنتجين المباشرين. وهذا هو الشرط الأول لإلغاء الردع الاقتصادي وعبودية الأجر والفجوة العميقة بين الفقر والغنى في المجتمع.
قبل بضع سنوات، طالب عمال قصب السكر المضربون في هفت تبة بإدارة مجلس مركز الإنتاج هذا. لقد أعلنوا أنه يمكننا إدارة قصب السكر في هفت تبة بشكل أفضل من الخبراء والمقاولين. وكانت هذه نقطة الذروة في الحركة المجالسية (السوفييتية -مترجم) التي استمرت منذ ثورة 1979 وحتى اليوم.
وبعد الإطاحة بحكومة الشاه، تم تشكيل المجالس على نطاق واسع في كل مكان، ولم يربط الناس الحرية والديمقراطية بالبرلمان بل بالمجالس. وتشكلت المجالس في المصانع والجامعات والمدارس والمكاتب وفي كل مكان، وأرادت أن تتولى شؤون المجتمع. ولا تزال حية في ذاكرة المجتمع. اليوم، تم تشكيل مجالس وتنشط كمنظمات نضالية، بمشاركة الناشطين والمنخرطين في الحركة العمالية بشكل أساسي، من معلمين ومتقاعدين وطلاب، وشبكة كاملة من الناشطين في مختلف مجالات النضال، وهذا أمرخلق أرضية مواتية للغاية لإنشاء المجالس كأجهزة لإدارة المجتمع في غد الإطاحة بالجمهورية الإسلامية. بعد الإطاحة ( بالجمهورية الأسلامية-مترجم)، من الممكن تنظيم المجتمع على شكل مجالس، وفي الخطوة الأولى، السيطرة على غالبية اقتصاد إيران، الذي يقع حاليًا في أيدي عصابات المافيا، إلى المجالس.
حسن صالحي: لنعد إلى مسألة المجالس. لكن قبل ذلك أريد أن أسأل عن تخلف المجتمع الإيراني. يقول بعض الناس إن الاشتراكية غير ممكنة في إيران لأن الجمهورية الإسلامية دفعت المجتمع إلى الوراء لعقود من الزمن، ولدينا فجوة كبيرة مع المجتمعات الصناعية في الغرب. ومن الأفضل التركيز على قضايا حقوق الإنسان وممارسة الديمقراطية وهذا النوع من القضايا. ومهما كانت التدابير الاشتراكية مرغوبة، فإنها غير ممكنة، أو على الأقل هي مبكرة للغاية. ما رأيك في ذلك؟
حميد تقوائي: أصحاب هذا الرأي ينسون أنه قبل الجمهورية الإسلامية لم يكن هناك ذكر للديمقراطية وحقوق الإنسان في إيران. منذ الثورة الدستورية(مشروطة-مترجم) حتى اليوم، باستثناء فترات قصيرة جدًا تم فيها إضعاف السلطة المركزية وفرض الشعب عمليًا شروطًا على الحكومات وحصل على الحريات عمليًا، طوال القرن الماضي، لم يتم احترام حقوق الإنسان في إيران، ولا الديمقراطية، حتى بمعناه البرلماني، لم نسمع خبرعن احترام كرامة الإنسان والحريات السياسية. صحيح أن الجمهورية الإسلامية قد اوصلت الفوضى والفقر والقمع والقتل إلى أقصى الحدود، وهي الحكومة الأكثر وحشية التي شهدتها إيران الحديثة على الإطلاق. لكن هذا لا يعني أن الجمهورية الإسلامية وحدها هي التي أفرغت أي نوع من الحرية، حتى البرلمان والانتخابات، وحولتها إلى أضحوكة، ففي عهد الشاه كان البرلمان والانتخابات تعسفياً وفارغاً تماماً. في ذلك الوقت، لم تكن هناك حرية للأحزاب. حتى الأحزاب القليلة المؤيدة للملكية لم يتم التسامح معها، وبحلول نهاية حكم الشاه، لم يبق سوى حزب واحد، وهو حزب رستاخيز. كما غطى الظل الأسود للسافاك والرقابة والخنق المجتمع بأكمله. من حيث الظروف المعيشية، كان الوضع على هذا النحو لدرجة أن تمرد الخارجين عن الحدود أشعل شرارة الثورة في النهاية.
واليوم، حتى في المعارضة، تريد القوى اليمينية استعادة النظام الملكي والسافاك واسترضاء الحرس الثوري الإيراني والدفاع بخجل عن "القادة الوطنيين" مثل قاسم سليماني. وحتى في المعارضة، تحلم البرجوازية الإيرانية بدكتاتورية مستقبلية.
ألا تظهر لنا هذه الحقائق أنه مهما "مارسنا الديمقراطية" وطالبنا باحترام حقوق الإنسان، فإن الوضع سيبقى كما كان عليه طوال المائة عام الماضية حتى قيام النظام الرأسمالي؟ ألا تظهر هذه الحقائق أنه من أجل احترام أبسط حقوق الإنسان، وحتى رفض القمع والدكتاتورية، يجب أن يكون لدينا نظام مختلف جذرياً عن الرأسمالية في إيران؟ نظام ليس إسلاميا فحسب، بل ليس رأسماليا أيضا.
إن الرأسمالية في إيران، منذ الثورة الدستورية، التي كانت أول جهود المجتمع من أجل الحرية والعدالة والحضارة، لم تتمكن من خلق مجتمع ولو شبيه بالمجتمعات الأوروبية في إيران، ولو بعشر درجات من الخصم. لقد مرت علينا دكتاتورية تلو دكتاتورية. لقد كان البرلمان دائمًا فارغًا وخاليًا في إيران، ولم يتم مراعاة حقوق الإنسان أبدًا، وتفشى القمع والتمييز والقمع القومي، ولم يكن هناك أخبار عن الحريات السياسية وحرية التعبير والقلم والصحافة وحرية الأحزاب، احتجاجات وإضرابات.
لسؤال الأساسي هو ما السبب؟ هل كان ذلك بسبب خبث المسؤولين والملوك وآيات الله؟ الديكتاتوريون يولدون من الظروف. يجب علينا تدمير أساس هذه الديكتاتورية في إيران المعاصرة، وأساسها هو النظام الرأسمالي. لماذا هذا؟ في الأساس، لأنه تاريخيًا، كانت الرأسمالية في إيران من حيث تراكم رأس المال، ومن حيث التكنولوجيا، ومن حيث إنتاجية الإنتاج وما إلى ذلك، فهي متخلفة كثيراً عن العالم الصناعي، وبالتالي لا مفر من أن تكون قادرة على المنافسة وتحقيق الربح في المشهد العالمي، خاصة اليوم، حيث أصبح رأس المال أكثر عالمية من أي وقت مضى و للتعويض هذا عليها أن تتغلب على تخلفها بالاستغلال الشديد، من هنا تأتي الدكتاتورية ضد الطبقة العاملة واضطهادها السافر، والاضطهاد الذي يمتد إلى المجتمع بأكمله، طوعا أو كرها. إن العمال الصامتين والعمالة الرخيصة ضروريان لربحية رأس المال في إيران، ولهذا الغرض، ينبغي تكميم أفواه الجميع وسحق أي معارضة.
إن كل التجارب والتاريخ المعاصر لإيران تظهر لنا أنه في إطار الرأسمالية، لن ترى إيران لون الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، حتى بالمعنى البرلماني للكلمة. هذا هو الخيال والوهم المطلق بأن النظام الرأسمالي يمكن الحفاظ عليه في إيران دون دكتاتورية وقمع.
أما من حيث الظروف المعيشية، فلن يتغير شيء بالحفاظ على النظام الرأسمالي. وتأكدوا أن كل حكومة رأسمالية ملزمة بتنفيذ سياسة التقشف الاقتصادي في أشد صورها وحشية. إن الدكتاتورية المفرطة والعنيفة في إيران لها أساس اقتصادي موضوعي، وهو ضرورة ربحية رأس المال، ومن أجل تحقيق الحرية والازدهار لا بد من تدمير هذا الأساس الموضوعي.
عندما لا يعود الإنتاج يهدف إلى الربح، لا يمكن للبنك الدولي أن يملي عليك ترك الأسعار والأجور للسوق وخفض الخدمات الاجتماعية، وما إلى ذلك. عندما نتخلى تماما عن النظام الرأسمالي، ستتحرر القوى وستنشأ إمكانيات لا يمكن تحقيقها في إطار الرأسمالية.
حسن صالحي: النظام الاشتراكي الذي تريدون ترسيخه في المجتمع يحتاج إلى إدارة. ولا بد من وجود حكومة لتنظيم هذا النظام، ومن الطبيعي أن تتركز السلطة في يد الحكومة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الضمان بأن هذه السلطة والإدارة المركزية لن تتحول إلى رأسمالية دولة وحكومة شمولية كما حدث في الاتحاد السوفييتي؟
حميد تقوائي: النقطة الأولى هي أننا عندما نتحدث عن الاشتراكية بعد إسقاط الجمهورية الإسلامية، فإن الافتراض هو أن ثورة حدثت في المجتمع وأطاحت بالحكومة، وكانت يسارية وراديكالية إلى حد أنها أوصلت الشيوعيين إلى السلطة. . في مثل هذه الحالة، توفر قوة الثورة وزخمها وقوتها الأساس لمشاركة الشعب في السلطة. ترفع الثورة المثل الإنسانية للشعب وتوقعاته من المجتمع والنظام المنشود، وتجمع الجماهير الصاعدة من الشعب في جميع أنواع المنظمات النضالية، بما في ذلك على وجه الخصوص المجالس والمنظمات الشبيهة بالمجالس، وإمكانية مشاركتها في شؤون المجتمع.
ومثال على ذلك حركة تحرير المرأة، التي تعتبر ركيزة من ركائز الحركة النسائية من أجل حياة حرة، بحيث يسميها العالم أول ثورة نسائية في التاريخ، أو الحركة ضد عقوبة الإعدام، وحركة الدعوى، حركة العمال والمتقاعدين بشعار الوحدة، الوحدة ضد الفقر والفساد، ضد حقوق الفلك والمصائب العامة، حركة التحرر الثقافي الشبابي، الخ، الخ، يطرحون كل المثل والتوقعات الإنسانية والراديكالية وهم على استعداد للإطاحة بحكومتهم لتحقيق مُثُلهم. وحتى في ثورة 1979، التي هيمنت عليها الثورة الإسلامية المضادة، بعد الإطاحة بالملك، استمرت الثورة بالسلطة. لقد انتفض الناس في المصانع والجامعات والمكاتب والشعب الذي يعاني من القمع والتمييز القومي، وخاصة في كردستان والصحراء التركمانية، مطالبين بتحقيق مطالبهم المحقة والاعتماد على قوتهم، بما في ذلك المجالس في المصانع والجامعات والبنوك في كردستان. لقد بدأوا في تحقيق رغباتهم. لقد استغرق الأمر أكثر من عامين حتى تتمكن الجمهورية الإسلامية من سحق الثورة.
ونحن، كحزب يعارض أي نوع من السلطة المتفوقة على رقاب الشعب، سنفعل العكس، وسنعزز المنظمات التي تشكلت خلال الثورة، وسنوسع المجالس ونعهد إليها بإدارة الشؤون.
وكما ذكرت، من الناحية الموضوعية، فإن الثورة تجلب أفكار اليسار ومثله العليا وتوفر الأساس لتحقيقها. على سبيل المثال، كانت الثورة النسائية "مرأة حياة حرية" والانتفاضات السابقة في عامي 98 و96 ( بالتقويم الأيراني -مترجم)، وما إلى ذلك، ولا تزال في الأساس حركات يسارية وراديكالية ذات مُثُل إنسانية. إن شعار حياة مرأة حرية الذي لاقى نجاحا عالميا هو شعار يساري حديث تقدمي إنساني يضع احترام المرأة واحترام حقوق المرأة في القمة، ومن جهة أخرى وحد وجلب القوات النسائية إلى الميدان. وهذا هو ادعاء القوى اليسارية بأن حرية المرأة تعني حرية المجتمع، وحرية المجتمع دون حرية المرأة سخيفة. و"الحرية" التي وردت في شعار المرأة الحرة تحمل هذا المعنى في حد ذاتها. أو "الحياة" تعني الرفاهية وكرامة الإنسان كما شرحت. ويأتي النظام الاشتراكي للعمل على أكتاف مثل هذه الثورة.
ومن حيث التصميم التنظيمي، فقد جلبت هذه الثورة قوة الشعب إلى الشوارع. وقد نظم الناشطون والمنخرطون في الثورة والحركات الاحتجاجية، رغم قمع الحكومة، في مختلف النقابات العمالية والمنظمات المدنية. والمجلس هو إحدى هذه المنظمات التي تعتمد، كما ذكرت أعلاه، على تجربة تاريخية مثمرة. وبرأيي أن العمال والطلبة وكافة شرائح المجتمع اليوم جاهزون للتنظيم في المجالس. ومع إسقاط الحكومة، سيتم تشكيل المجالس سريعاً على مستوى واسع وعلى المستوى الوطني. إن حزبنا، وأي حزب يريد تطبيق الاشتراكية، يعمل على توسيع هذه العملية وتعزيزها.
في الثورات البرجوازية، مثل الثورة الفرنسية الكبرى، تقوم الأحزاب التي تتزعم الثورة بإرسال الناس إلى منازلهم بعد النصر وتتولى زمام الأمور بأيديهم. وحتى في ثورة أكتوبر، حدث الأمر نفسه بعد فترة قصيرة، للأسباب التي سأشرحها أدناه. على العكس من ذلك، نحن دعاة الحكومة المجالسية(السوفييتية)، وبعد الإطاحة بها، سنحاول وضع كل السلطة في أيدي المجالس (السوفييت)، أو المنظمات ذات النمط المجالسي(السوفييتي) التي انبثقت عن الثورة. وينبغي تعزيز المجالس الشعبية وإقامتها كهيئات حكومية. كهيئات صنع القرار في السياسة والاقتصاد وكافة الشؤون الاجتماعية المتعلقة بإدارة المجتمع. وعلى الأحزاب أيضاً أن تتقدم بسياساتها من خلال المجالس، وعليها أن تقنع المجالس.
ولم يحدث ذلك في الاتحاد السوفييتي وغيره من المجتمعات التي تطالب بالاشتراكية، ويرجع ذلك أساسًا إلى قوى وحركات أخرى، مثل الحركة القومية الصناعية في روسيا، أو حركة مناهضة الإقطاع ومناهضة الاستعمار في الصين، أو حركة مناهضة الإمبريالية الأمريكية. في كوبا، شاركوا أيضًا في ثورات تلك البلدان التي انتصرت بقيادة الأحزاب الشيوعية، ولعبوا دورًا. كما كان لهذه الحركات خطة اقتصادية عملية وبديلة تقوم على مواجهة التخلف الإقطاعي. على سبيل المثال، قال لينين عبارته الشهيرة إن الطبقة العاملة الروسية تعاني من تخلف الرأسمالية أكثر مما تعاني من هيمنة الرأسمالية. كان القضاء على هذا التخلف والتقدم الصناعي لروسيا هو هدف القوى السياسية الليبرالية المعارضة مثل حزب الكاديت وحتى المناشفة. ولم تختف هذه القوى والحركات غير الاشتراكية بانتصار الثورة، بل سعت ونفذت أهدافها الطبقية تحت عنوان الاشتراكية. ويمكن رؤية هذا الاتجاه في جميع التجارب الماضية. تسببت هذه الظروف في فشل ثورات القرن العشرين تحت اسم الاشتراكية والشيوعية، وأدت إلى رأسمالية الدولة وما يقابلها من دكتاتورية الحزب الواحد. بالطبع، هذه مناقشة مفصلة قام حزبنا بتحليلها بالتفصيل في الندوات حول الماركسية والقضية السوفيتية في منتصف الثمانينات، وليس هناك وقت لشرحها أكثر هنا.
ومن النقاط المهمة التي يجب ملاحظتها هي أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية في إيران تختلف تمامًا عن الظروف في الصين وروسيا ودول أخرى. كانت ثورة 1979 أول ثورة في التاريخ تحدث في بلد رأسمالي بالكامل، بعد خمسة عشر عامًا من الإصلاح الزراعي وتدمير آخر بقايا الإقطاع. كانت دكتاتورية الشاه دكتاتورية رأسمالية وليست دكتاتورية إقطاعية، أو حتى مزيج من الإقطاع والرأسمالية. اقتصاديا، لم يكن هناك أي إصلاح أو تغيير إيجابي ممكنا في شكل الرأسمالية. وفي مثل هذا الوضع، لم يكن بوسع الطبقة الرأسمالية - المحلية والعالمية - أن تهزم الثورة باسم الثورة إلا بالاعتماد على القوة الأكثر رجعية لمعارضة الشاه، والتي كانت ضد الحداثة والحضارة والتقدم بشكل كامل، أي مع الخميني. وإسلام الخميني. لقد كانت ثورة 1979 في الواقع انتفاضة ضد النظام الرأسمالي من حيث موضوعها، وليس من حيث القوة الرجعية التي قادت الثورة.
واليوم وفي الانتفاضة الحالية، الأمر نفسه في الطريقة الأولى. ويمكنك أن ترى هذه الحقيقة أكثر من كل الثورات الأخرى في موضوع ومحتوى شعاراتها ومطالبها وثقافة الشعب الاحتجاجية.
لقد ذكرت أن الجمهورية الإسلامية أعادت المجتمع عقودًا إلى الوراء. في رأيي، هذا هو بالضبط سبب تحول جماهير الناس إلى أحدث إنجازات الحضارة. ولهذا السبب بالتحديد فإن حركة الاحتجاج والثقافة التي تشكلت في المجتمع تتطلب المستوى الأخير من الحضارة والحداثة والرخاء والحرية والمساواة.
كما ترون، على مستوى أكثر أساسية، فإن المناقشة تدور حول الفعل ورد الفعل. عندما تأخذ الحكومة المجتمع إلى قاع الرجعية، فإن رد فعل الشعب ليس العودة إلى الوضع الماضي، ولكن التمتع بأحدث إنجازات الحضارة الإنسانية. إن رد الفعل في العصور الوسطى ومعاداة الإنسانية في الحكومة يحول أعلى مستوى من الحضارة والتحررية والإنسانية إلى معارضة ويحولها إلى نموذج جماهيري. ونحن نرى هذه الحقيقة بوضوح اليوم.
الانتفاضة الحالية التي بدأت العام الماضي وما زالت مستمرة بأشكال مختلفة تسمى ثورة المرأة الأولى في التاريخ. وهي تحشد أحرار العالم لدعمها. إيران هي الدولة الوحيدة التي يتحدث فيها العمال المضربون عن إدارة المجلس ويرحب بهم المجتمع. إنه المجتمع الوحيد الذي يعارض بالإجماع عقوبة الإعدام على أي جريمة، وقد شكل حركة قوية ضد عقوبة الإعدام. وهي الدولة الوحيدة التي حولت موسيقى الرقص والبوب والراب إلى أسلحة قتالية. وهو المجتمع الوحيد الذي جعل من المقدسات الدينية عملة معدنية، وتنتشر فيه المعارضة ليس فقط للإسلام الحاكم، بل أيضا للإلحاد والكفر بالله. إنه المجتمع الوحيد الذي أصبح فيه الاحتجاج ليس فقط ضد الفقر، ولكن أيضًا ضد الهوة العميقة بين الفقر والثروة، حركة شوارع واسعة النطاق. هذه الحقائق كلها من خصائص النظام الاشتراكي ودليل على أن تقدم وانتصار الثورة والحركات الحالية لا يمكن تحقيقه إلا بتحقيق الاشتراكية وإقامتها في إيران.
ومن ناحية أخرى، فقد أظهرت التجربة الأخيرة التي دامت 45 عاماً للشعب أن النظام الرأسمالي قادر على جعل القتلة واللصوص يصلون الى السلطة. وفي عام 1979، لقد دفعوا هؤلاء الرجعيين الى الأمام لأن الرأسمالية المحلية والعالمية لم يكن لديها بديل آخر. لقد ساروا خلف الخميني والإسلاميين متوهمين أنهم سوف يسحقون الثورة في فترة قصيرة من الزمن ويسلمون زمام الأمور إلى السياسيين التقليديين مثل الجبهة الوطنية وحركة الحرية.
أريد أن أقول إن الجمهورية الإسلامية كانت البديل العملي الوحيد للرأسماليين المحليين والعالميين أمام ثورة 1979. ولا بديل لهم حتى اليوم، لو كان لديهم لغيروا هذه الحكومة التي أصبحت شوكة في خاصرتهم.
وبهذا المعنى، فإن تجربة الجمهورية الإسلامية تظهر للشعب أنه لا يمكن ترك الملالي جانباً والحفاظ على نفس النظام الاقتصادي وتحقيق الحرية والتحرر.
كل هذا يعني أن المجتمع الإيراني حبلى بالاشتراكية. في إيران، يحكم رد الفعل المطلق المناهض للإنسانية، ولا يمكن أن يكون الجواب إلا الاشتراكية، الحضارة الإنسانية النهائية. وفي رأيي أن المجتمع الإيراني أكثر استعداداً لقبول الاشتراكية وتأسيسها من أي مجتمع آخر.
حسن صالحي: شكرا لك. وهناك أسئلة أخرى متبقية سنتناولها في البرامج القادمة.
15 شباط 2024