تشكيل المنظمات العمالية شأن العمال انفسهم

 

ان القاء نظرة على المطاليب التي طرحها العمال في خضم نضالاتهم على امتداد السنوات المنصرمة تبين مسالة مهمة، وفي الحقيقة نقطة ضعف وخطأ مهمين في عمل العمال الطليعيين. نقول العمال الطليعيين لان هذه المجموعة من العمال ذات دور مهم في صياغة مطاليب وشعارات النضال الجاري للعمال. وبدون شك، في حالة ان هؤلاء الرفاق ينهلون من خط اصولي ومدروس، ستتقدم الحركة العمالية خطوات كبيرة للامام.

ولكن ما هو هذا الخطأ؟ لقد رأينا ان من بين مطاليب العمال من الحكومة وارباب العمل، اي من بين مطاليب مثل تقليص ساعات العمل، زيادة الاجور، جعل ايام الخميس عطلة، الارباح الخاصة، طرد المدراء[١] وغيرها، يُطرح بين الحين والاخر مطلب تشكيل المجالس والنقابات. اي ان العمال، في بعض الحالات، يلتمسون من الدولة ووزارة العمل تشكيل مجلس او نقابة لهم؛ او في حالات اخرى، يطلب العمال من وزارة العمل ان ترسل مندوباً كي يشرف ويراقب "قانونية" مسار انتخابات مجلسهم ونقابتهم.

نحن الشيوعيون نعارض مثل هذا النوع من المطاليب لتشكيل المجلس والنقابة من الحكومة. ليس ثمة جزء من الطبقة العاملة بقدر الشيوعيين يدافع عن تشكيل العمال لمنظماتهم وتنظيماتهم الجماهيرية العلنية. ان هذا شرط تقدم الطبقة العاملة. بيد اننا نعارض ان يطلب العمال تشكيل هذه المنظمات، تشكيل المجالس والنقابات من الحكومة ووزارة عمل الراسماليين. اننا نعارض ان يطلب العمال من الحكومة والراسماليين ان ينظموهم، وان ينضموهم في النقابات والمجالس. اننا نعارض ان يجعل العمال، وبايديهم، الحكومة تحكم على شؤون العمال ويطلبون منها ان "تكون مراقباً" وقاضي "صلاحية" ممثلي العمال.

اننا نقول ان تنظيم المجالس والنقابات هو شأن العمال انفسهم ولايستلزم اجازة مسبقة من الحكومة ومراقبة ممثل او مراقب يعمل لوزارة العمل.

ولكن اي نقابي اصلاحي و ذا تجربة قضى ردحاً في تعقب الحقوق النقابية للعمال سيحتج على كلامنا هذا بالطبع ويقول: "انها لحقيقة وانكم انتم الشيوعيون توافقون عليها هي ان العمال بحاجة الى تنظيمهم الجماهيري. ليس بوسع العمال أن يصبروا وهم يشهدون يومياً تقليص وتصاعد ضغط وشدة العمل وحرماناتهم ويقفوا مكتوفي الايدي. ويقوموا في صبيحة يوم، وبصورة فورية، بالثورة الشيوعية، ليقيموا الحكومة العمالية ويطبقوا كل ماذكرتموه انتم الشيوعيون في برنامجكم. على العمال ان يناضلوا، وبصورة يومية، من اجل تحسين اوضاعهم؛ وان ذلك يستلزم منظمات جماهيرية ومهنية للعمال".

هذا صحيح فنحن متفقون مع ما ذكر حتى الآن وليس هذا وحسب، بل نقول ان المنظمات الجماهيرية للعمال هي ليست الاداة الوحيدة لتحسين اوضاعهم فحسب، بل بوسعها كذلك ان تكون ارضية لتحسين تنظيم العمال وتسريعه تحت مظلة السياسية الثورية للطبقة العاملة، اي السياسة الشيوعية. بل اننا الشيوعيون لانعتبر ليس الاصلاحات فحسب، بل حتى الثورة العمالية امراً عملياً دون المنظمات الجماهيرية المختلفة للعمال، اي دون منظمات تنظم في صفوفها ملايين العمال.

ولكن صديقنا النقابي يستنتج من هذا:

"حسناً اذا كان من المقرر ان المنظمات الجماهيرية تتعقب مطاليب العمال، يجب ان تتواجه مع الحكومة وأرباب العمل. الحكومة وأرباب العمل ليستا على استعداد للتحدث مع تنظيمات لاتعترفا بها من الناحية القانونية. وعليه، علينا ان ندعوهم بكلام جميل الى ان يشتركوا هم انفسهم في مجالسنا ونقاباتنا. ان يمنحوا العمال رخصة تأسيسها ويرسلوا ممثلييهم ويراقبوا انتخاباتهم كي لايتمكنوا بعد ذلك ان يخلقوا المشاكل لنا وان يتملصوا من المفاوضات مع ممثلي النقابة..."

نحن نعارض الاستنتاج بالذات. نقول على ذلك انه استنتاج خاطيء من مقدمات صحيحة. و نسمي ذلك بدفاع أخرق عن حقوق العمال. لماذا؟ لانه:

اولاً، ينبغي ان ننتبه الى ان اية اصلاحات او تحسن، وان يكن جزئياً، في حياة العمال في المجتمع الراسمالي هو نتيجة جانبية وثانوية لنضالهم الثوري. ان اردت ان تجر الحكومة للتفاوض مع العمال، يجب عليك ان تظهر الاقتدار المستقل للعمال بوجه الحكومة والرأسماليين. ليس ثمة حكومة، مهما تكن درجة خداعها وتضليلها، ترغب بالتفاوض مع عمال مطيعين وقانونيين تعلم مسبقاً انهم لايلجأون الى الاضراب والاعتصام والتظاهرات والعمل المباشر. كم مرة رايتم الحكومة وهي تتجاهل العمال وحتى شرعت بتهديد العمال و التبجح ضدهم، ولكن ما أن رأت القوة المستقلة والحازمة للعمال وهي تنتصب امامها، ما ان ووجهت بالتهديد والاضراب العام، كانت نفسها، تتراكض خلف العمال و تعبر عن استعدادها للتفاوض مع الممثلين الحقيقيين للعمال. لايمكن النضال ضد الحكومة وارباب العمل عبر نيل رضاهما. على العمال ان يفرضوا اقتدارهم عليهما.

وفيما يتعلق بتأسيس المجلس والنقابة والاقرار بها، يسري نفس القانون الاساسي للنضال الطبقي. ان الاصلاحات هي نتاج عرضي للنضال الثوري؛ وان اي اصلاح او تحسن جزئي كذلك يجب فرضه بالقوة التضامنية والمقاتلة للطبقة العاملة على الطبقة الراسمالية والحكومة. ان المجلس والنقابة هما أداة لنضال العمال صوب نيل حقوقهم. حقوقاً اغتصبها الرأسماليون ولايتخلوا عنها بالكلام اللطيف. لايمكن عبر نيل رضى الحكومة والرأسمال ان تشكل اداة النضال ضدهما. ليس ثمة دولة برجوازية تؤسس للعمال مجلس ونقابة حقيقيتين وتشرع الابواب امام سبيل انتخاب الممثليين الحقيقيين والثوريين للعمال. يجب ان نفرض المنظمات الجماهيرية وممثليها الحقيقيين على الحكومة. ينبغي علينا، وعبر القوة المتضامنة والمتحدة للعمال، ان نجبر الحكومة وارباب العمل على الاقرار بمجلسنا ونقابتنا. انها قوانا وحسب، قوانا النضالية الموحدة التي تمنح الشرعية لمجلسنا ونقابتنا، وتجعل ممثلينا ذا "صلاحية".

و اكثر من هذا فإن امرءاً يقوم وبمحض ارادته بجلب الحكومة للتدخل في شؤون الطبقة العاملة من اجل تحسين وضع الاخيرة، لايتعدى ان يكون صديقاً احمقاً للعمال في أحسن الاحوال. انه يبيع المصالح الطبقية الاساسية والعامة للعمال بقيمة المصالح الآنية والجزئية التي ليس معلوماً ايضاً الى اي حد يمكن تحقيقها عبر السبل المسالمة. ان مجمل نضال العمال ضد الراسماليين هو نضال من اجل انهاء تطاول الرأسمال والرأسماليين على الحياة الاقتصادية والسياسية للعمال. نضال ينبغي ان يتواصل لحين الاطاحة بمجمل سلطة الطبقة الراسمالية على المجتمع. نضال ينبغي ان يؤدي الى ارساء الحكومة العمالية. بيد ان اصدقائنا قصيري النظر الذين لايشغل بالهم سوى "قانونية" المجلس والنقابة، يبيعون استقلال العمال بنقابة اصلاحية وتتمتع بثقة الحكومة والرأسماليين. والا فانه ليس ثمة اي عامل ذا رؤية ووعي مستقبلي، يطلق اليوم طواعية ايادي الحكومة للتدخل في شؤون العمال ويدعوها لان تأتي وتنظم العمال حسب هواها او ان تخرج ممثلين مسالمين و مطيعين بل حتى متخاذلين و مساومين من صناديق الاقتراع ، لكي تكون الحكومة مستعدة غداً للتفاوض مع ممثلي النقابة حول نسبة مئوية ما لزيادة الأجور. طبقاً لهذا الاسلوب، اي عبر طلب تأسيس مجلس او نقابة من الحكومة ووزارة العمل، لن يكون نصيب العمال سوى نقابة صفراء موالية للحكومة ومجلس اسلامي مأجور من قبل الجمهورية الاسلامية.

اذا ابتغينا ان يكون لنا مجلس و نقابة حقيقية ونجبر الحكومة على الاقرار بمجلسنا ونقابتنا، فان سبيل ذلك هو ان نشرع نحن انفسنا وبصورة مباشرة بتأسيس مجلس ونقابة وان نُعَلِّمْ الحكومة وارباب العمل ووزارة العمل ايضاً ان العمال الموحدين، العمال المتضامنين وجماهير عمال المعمل يعدون المجلس والنقابة هما مجلسهم ونقابتهم يدافعون عنها بصورة موحدة ولايسمحوا ان تمس شعرة من رأس ممثليها وقادتها. هنا ايضاً، بوسع هذه القوة الموحدة والمتضامنة للعمال انفسهم ان تخضع الحكومة.

ان نتيجة اي شكل لتدخل الحكومة في تاسيس المجالس والنقابات معلومة سلفاً. أَلم نرى ونجرب، ولمرات، كيف فرضوا علينا جواسيس حزب الله تحت اسم المجلس. أَلم نرى ونجرب ان ممثلينا الحقيقيين لم يقبلوهم او حتى اعتقلوا وطردوا؟ أَلم نرى ان حضرات سادة وزارة العمل رفضوا "صلاحية" العمال الشيوعيين والثوريين و أعاقوا انتخابهم بالتزوير و شتى الاساليب الملتوية و المخادعة؟ أ من المقرر ان تبقى الامور على هذه الشاكلة وان تتكرر هذه التجارب؟

من الممكن ان يقول احد ما: "ان هذا العمل، اي دعوة الحكومة للتدخل في تأسيس النقابات نابع من انعدام الحيلة. لان الدولة لها اليد الطولى قبالة العمال". بالطبع ان هذا عامل مؤثر في طرح هذا المطلب الخاطيء. بيد ان الذهنية "القانونية" والنقابية لقسم من العمال ذا دور مهم كذلك في هذه المسالة. انه لكاف ان نستذكر تجربة عمال الطباعة في طهران. اذ قرر الرفاق عمال الطباعة في طهران بعد الثورة، اي حين كان للعمال اليد الطولى تماماً، حل نقابة مرحلة الشاه وتأسيس نقابة جديدة. ان ممثلي النقابة السابقة ادعوا ان المدة "القانونية" لتمثيلهم لم تنتهي بعد، ولن يتنحوا طالما ان ليس هناك مرجع قانوني يسلموا له وثائق النقابة واموالها وطالما لم تتحدد "قانوناً" ادارة جديدة. انه لامر لمثير للاستغراب!. في اوضاع هرب فيه الشاه والقوانين ومجمل المؤسسة الصائغة للقوانين من ايادي العمال المسلحين، يأتي ممثل النقابة السلطوية و الملكية و يداعي بقانونيته والادهى من هذا ومبعث اسف ان العمال الطليعيين للطباعة قد استسلموا لهذا المنطق. كانوا يعقدون يومياً، ولثلاثة اشهر، الجلسات كي يعدوا للانتخابات، نشروا في الجرائد بيان الانتخابات ودعوا وزارة عمل الجمهورية الاسلامية الى المشاركة في الانتخابات والاشراف عليها. ان حضرات الممثلين "القانونيين" ادعوا في نفس يوم الانتخابات انه يجب ان يشرفوا هم على الانتخابات لانه هيئة الادارة السابقة، طبقاً للقانون، هي التي تعقد الانتخابات. ماذا حصل؟ لاشيء. جاءوا وتقدموا الميدان ومرروا كلامهم وحقق مرة اخرى اشخاصهم الفوز في الانتخابات. خضع وانهزم العمال الذين انتفضوا يصورة مسلحة امام اوهامهم الداعية لسلوك القانون وسعيهم للمحافظة على رضا وزارة العمل. يجب تعلم الدروس من مثل هذه التجارب!

اننا الشيوعيون دعاة استقلال الطبقة العاملة في النضال. نحن الشيوعيون دعاة ان تتنظم الطبقة العاملة وان تناضل بالاعتماد على نفسها وقوتها المستقلة لنيل مطاليبها الطبقية.

نقول نحن الشيوعيون: ايها العمال ان تشكيل المجلس والنقابة هو عملكم انتم ولايستلزم ترخيص الحكومة ورب العمل واشراف وزارة العمل.

نقول ان دافعتم عن تنظيمكم بصورة متضامنة ومتحدة، ان شكلتم انتم اولاً تنظيمكم، شكلتم مجلسكم ونقابتكم واقريتموها، تعملون فيها كجسد واحد، عندها، وفقط عندها، تستطيعون فرض اعتراف الحكومة، اي حكومة، بها.

نقول ان المجلس والنقابة التي تأسسها الحكومة لكم، وحتى ان تتم الموافقة على ذلك، لن تكون مجلس ونقابة عمالية. ستكون مهزلة نقابية دميتها بهيئة عمال. ان مجلس اسلامي ونقابة صفراء حكوميتين هما ثمرة مثل هذه الطريقة.

نقول، على العمال ان يشرعوا فوراً وبصورة مستقلة تماماً عن الحكومة بتأسيس مجالسهم الحقيقية. يشكلوا تجمعاتهم العامة المعملية، ينظموا جلساتها، ويقروا بها بوصفها اعلى هيئة عمالية لسن القرارات وان تقف بوجه الحكومة وارباب العمل ووزارة العمل. ان التجمع العام الرسمي والمنظم هو اول مجلس واقعي.

نقول على العمال ان يعلنوا، وبصورة متضامنة وموحدة، ليس للحكومة اي حق في التدخل في تأسيس مجالس ونقابات العمال. على الحكومة ان تعترف باي مندوب و اي تنظيم انتخبه واسسه العمال بارادتهم.

نقول نحن الشيوعيون ان الطبقة العاملة تتحرر عبر قواها فقط.على العمال ان يتوحدوا ويتنظموا في منظماتهم المستقلة وعلى راسها في حزبها السياسي، في الحزب الشيوعي، ويصعدوا من نضالهم الثوري لقلب مجمل النظام الراسمالي. سيكون اي اصلاح جزئي و اي تحسن بسيط في اوضاع العمال نتيجة جانبية لهذا النضال الثوري. ومتى ما ينفض العمال اياديهم من النضال الثوري، سيُحرموا من الاصلاحات والتحسن النسبي لاوضاعهم ايضاً.

ايها العمال! ان تأسيس المجالس والمنظمات العمالية هو شأنكم. لاتطلبوه من الحكومة ولاتنتظروا ترخيص واشراف الحكومة. على العكس، اعلنوا ان ليس للحكومة اي تدخل في هذه المسالة ويجب ان تعترف بالمنظمات الجماهيرية للعمال دون قيد او شرط.

ان النضال المستقل والاستناد الى قوة الجماهير العمالية هما السبيل الوحيد للنصر.


منصور حكمت


[١]
كتب منصور حكمت مدراء من حزب الله و يقصد المقربون من سلطة الجمهورية الاسلامية و حزب الله الايراني.

نشرت هذه المقالة لاول مرة في جريدة كومنيست، الشيوعي، الجريدة المركزية للحزب الشيوعي الايراني، العدد الثالث الصادر في ١٩٨٤.(المترجم)


ترجمة: فارس محمود