نطالب بالغاء قانون حظر الافطار العلني

وكل القوانين والتشريعات المستمدة من الدين

 

 

يتذمر ملالي وشيوخ الاسلام من "الاسفاف" في مظاهر الافطار العلني و"الاساءة " لحرمة شهر رمضان. السبب هو عدم اكتراث المواطنين في العراق بالصيام حيث تلاحظ مظاهر الحياة الطبيعية وادامة عمل المطاعم والكافتيريات وبسطات اللحم المشوي والتي تلقى قبول الناس عليها وتشكل جزءا من المظهر الاجتماعي المحبب في العراق.  ان مظاهر الحياة الطبيعية والمدنية والتي عاني الناس طويلا من حرمانهم منها تثير حفيظة رجال الدين والملالي والمشايخ الاسلاميين والذي حاولوا ويحاولون بدلا من ذلك ترسيخ المظاهر السادية والوحشية والدماء، في الوقت الذي يشجعون فيه ادامة اعمال القتل والقصف وانتهاك حرمة وحريات المواطنين. ان شيوخ وملالي الاسلام الذين جندوا كل قدراتهم وقدرات مؤسسات الاسلام السياسي من اجل تحويل المجتمع في العراق الى مجتمع اسلامي — قرووسطي تحكمه السواطير والسيوف ويعيش الملايين منه تحت رعب ”ايات الله“ و “امراء المؤمنين“ وارهابهم وهمجيتهم، بل وصوروا للعالم بان المواطنين في العراق هم كتلة بشرية مؤمنة لا هم لها الا احياء المناسبات الدينية وذكر اسماء الاولياء الصالحين والولولة و جلد الذات واللطم على الوجوه بطريقة سادية وانهم شعب لا يفوت صلاة او صوم او حج، نراهم اليوم يتذمرون من رفض الناس حتى لفرض بسيط واساسي من فروض الدين اي صوم رمضان !!.

 

لقد انتظمت كل حركة الاسلام السياسي والملالي والائمة والمشايخ ومنذ اطلاق ”حملة صدام الايمانية“ الهمجية في تسعينات القرن الماضي ليس فقط من اجل حفر الخنادق الطائفية والدينية وتأليب المواطنين ضد بعضهم البعض في حملات من الكراهية الدينية والطائفية المنظمة فحسب، بل لمنع كل مظهر من مظاهر الحياة المدنية والانسانية وعمقوا كراهية المرأة ودونيتها وحولوا الاطفال الى قنابل بشرية ومارسوا ضدهم كل صنوف الانتهاكات والاستغلال وخاصة تجاه الفتيات الصغيرات من خلال تزويجهن وفرض الحجاب عليهن وانتهاك طفولتهن. رغم كل ذلك، لم يحصد هؤلاء الشيوخ والملالي المتخلفين من فتاواهم وقوانينهم التمييزية والعنصرية الا الرياح وهم يرون ان نفس شرطة حكومتهم الاسلامية (حكومة المالكي) يتناولون الاطعمة في وضح النهار وفي قلب شهر رمضان  !!.

 

ان منظمة الدفاع عن العلمانية والحقوق المدنية في العراق ترى ان تناول المواطنين للطعام او الشراب في الشوارع والساحات والاماكن العامة وفي اي وقت وزمان هي مسألة شخصية لا شأن لاحد بها وخاصة الدولة. الا ان ظاهرة الافطار الواسعة في رمضان هذه السنة، تعبر، في جانب منها، عن رفض المجتمع لقوانين الدين وفتاوي رجاله وائمته. تلك الظاهرة وبغض النظر عن اشارتها الى ضعف وهزال الدولة وحكومة المالكي، فانها تعبر بوضوح ودون مواراة عدم اكتراث المواطنين بقوانين وتشريعات السلطة الاسلامية المستندة الى الشريعة وقوانين الدين لا بل ايضا  الى حب المواطنين الى التمدن وهي تشير الى تراجع الدين وموقعيته الاجتماعية بشكل كبير. ان اتهام رجال الدين والملالي للمواطنين ممن لا يطبقون القوانين الاسلامية بانهم مسيئين ومنتهكين ”لرمضان“ يجدر معاقبتهم، يهدف الى تأليب المجتمع ضد من يمارس  حريته الشخصية في المأكل والمشرب (ناهيك عن عشرات الحريات الاخرى المنتهكة). ان رجال الدين وقوى الاسلام يبغون جعل كل من لا يخضع لقوانينهم الى مواطنين منبوذين ومحتقرين داخل مجتمعهم، في حين ان المجتمع المدني في ظل الدولة العلمانية يوفر كل اشكال الحريات لافراده دون اي اكراه او تمييز لاي مواطن على اساس افكاره او موقفه من الدين، سواء كان مؤمنا ام غير مؤمن اي ملحد.  لا يحق للدولة ولا للاسلاميين التدخل في حياة الانسان الشخصية وخياراته ومعتقداته مهما كانت الاسباب والذرائع.

 

بعد 6 سنوات من القتل والدمار وتسليط الاسلاميين في السلطة في العراق وبمعونة الجمهورية الاسلامية الايرانية ومشايخ وحكام السعودية وغيرها من الدول التي يحكمها الاسلام السياسي فان رجال الدين وقوى الاسلام السياسي لم يستطيعوا ان يحولوا العراق الى بلد اسلامي وفشلوا فشلا ذريعا في ذلك. ورغم كل مليارات الدولارات التي تدفقت عليهم من تلك الدول والانظمة الاسلامية الا انهم عجزوا عن تطبيق حكم اسلامي ”شرعي“ واحد على الجماهير العراقية المتمدنة؛ فلا فرض للحجاب ولا فصل للنساء عن الرجال، ولا تطبيق القوانين البربرية بقطع الايدي، ولا ممارسة القتل الوحشي ب”الرجم بالحجارة حتى الموت“ (عدا حالة الفتاة البريئة دعاء والتي اثارت غضب المجتمع وحركاته المتمدنة برمته)، ولا التعذيب عن طريق ”الجلد بالسياط“  ولا تحريم الموسيقى والفنون والابداع الانساني، بل انهم حتى لم يتمكنوا من تحريم بيع او احتساء المشروبات الكحولية، او فرض الفصل الجنسي بين طلاب الجامعات، وهم اليوم يحاولون ان ”يقنعوا“ المجتمع بمجرد “احترام“ الصائمين لا اكثر، مطالبين وزير الداخلية بتشديد تطبيق القانون المكروه اجتماعيا - اي قانون منع الافطار العلني !.

 

لقد مارس حزب البعث القومي ايام حكمه القمع ضد المواطنين في شهر رمضان حيث كان قانون حظر الافطار العلني ساري المفعول ومطبق بحرفية اكبر بكثير من حكومة المالكي الحالية. ان ذلك لا يعود الى تقوى حزب البعث، بل كجزء لا يتجزأ من انعكاس لقدرة وسطوة الدولة المركزية للبعث على المجتمع بشكل اكبر بكثير مما لقدرة حكومة المالكي الاسلامية حتى بمعونة جيش جرار كالجيش الامريكي وبمليارات الدولارات من الجمهورية الاسلامية الايرانية. ان حكومة المالكي تحذو حذو حكومة البعث في قمع المواطنين والتدخل بحياتهم الشخصية والتمييز بينهم على اسس دينية. الا ان المثير للسخرية ان حكومة المالكي عاجزة لا فقط عن قمع المواطنين في ممارسة حرياتهم الشخصية وفي اكلهم ومشربهم بل حتى عن توفير الامن لاعضاءها ونوابها ناهيك عن السيطرة الامنية على مدينة كبغداد.

 

ان السؤال الذي نوجهه الى الاسلاميين والملالي ومشايخ الاسلام وكل من يريد فرض القوانين الاسلامية على المجتمع المدني في العراق هو: لماذا تريدون لمن لا يهتم بالصوم ان يخضع لقوانينكم ؟ لم لا تنصرفوا الى نصح المؤمنين بدلا من التدخل في حياة الناس الشخصية والتمييز بينهم على اسس دينية ؟ لم لا يكون الدين واحكامه مسألة شخصية تخص الفرد وحده وليست مسألة مفروضة؟. من يريد الصوم والامتناع عن الاكل والشرب والتدخين  فله الحرية في ذلك والاعلان عنه، ومن يريد ان يأكل ويشرب ويدخن فله نفس الحق في الافطار بل وفي اشهار ذلك تماما كما يشهر الصائم صومه. لماذا التمييز بين المواطنين وتسخير شريحة من الناس لاحترام ”قيم“ شريحة اخرى لمجرد ان احداها تؤمن بخرافة ما والاخرى لا تأبه للامر؟ من اعطاكم هذا الحق في اتهام من يمارس حريته الشخصية بانه مستهتر او منتهك ؟!.  ان اتهام ملالي الاسلام وشيوخه للمواطنين يأتي نتيجة عجزهم التام عن "اسلمة" المجتمع المدني في العراق.

 

لا ضمان لحقوق وحريات المواطنين سواء الفردية او المدنية او الاجتماعية الواسعة الا من خلال العلمانية وفصل الدين عن الدولة وعن التربية والتعليم. ان العلمانية توفر الحرية للمؤمنين وغير المؤمنين، المتدينين وغير المتدينين، على حد سواء بممارسة حياتهم بشكل طبيعي وعادي ودون اي اكراه. لكل شخص الحق في تبني نمط الحياة والممارسات الشخصية التي يحبذها ويرتاح لها دون اعتداء على الحريات الشخصية والمدنية والاجتماعية للاخرين.

 

تطالب منظمتنا منظمة الدفاع عن العلمانية والحقوق المدنية في العراق بالغاء قانون حظر الافطار العلني التمييزي والرجعي. نناضل ضد اسلمة المجتمع ونعمل من اجل ترسيخ المدنية فيه وتوفير اوسع الحقوق المدنية والفردية والاجتماعية لجميع المواطنين بلا استثناء سواء على اسس دينية او غير دينية.  تناضل منظمتنا من اجل تمتع المواطنين في العراق بحياة انسانية لائقة بعيدة عن كل اشكال التدخل والتجاوز والانتهاك وهي ندعو الجماهير الى الانظمام لها من اجل تقوية التيار العلماني المتمدن في العراق واخراس الاصوات التي تدعو الى التمييز والعنصرية وانتهاك الحقوق المدنية للمواطنين.

 

منظمة الدفاع عن العلمانية والحقوق المدنية في العراق

25 ايلول 2008