مقابلة مع الرفيق جليل شهباز عضو اللجنة المركزية حول 

ثورة جماهير سوريا

 

 

 

نحو الاشتراكية: اصدر الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي قرارا سياسيا حول الثورة في سوريا. كيف تنظرون الى الثورة في مرحلتها الحالية حيث يتصاعد الصراع العسكري بدلا من الاحتجاجات الجماهيرية المليونية التي كانت سائدة في الايام الاولى للثورة ؟

 

جليل شهباز: بالنسبة لنا كان الواقع الحالي للثورة السورية امرا" متوقعا"، فعندما تكون الطليعة الثورية للجماهير الكادحة غائبا" في ميدان التناحرات السياسية والتلاطمات الاجتماعية، وعندما تكون قوى التمدن والعلمانية  ضعيفة أثناء الفعل الثوري للجماهير، فستكون الجماهير الثارة بالضرورة عرضة لتأثير مختلف القوى السياسية الغريبة عن تطلعاتها الانسانية وامانيها واهدافها النبيلة. وهذا ما حصل بالضبط.   حيث ان بعضا" الشراذم العسكرية المنشقة عن جيش النظام الدموي السوري بالاضافة الى بعض القوى الاسلامية المتطرفة، المدعومة من بعض القوى الدولية، قد تمكنتا بفعل ذلك الفراغ السياسي من ايجاد موقع لا بأس به الى جانب القوى الجماهيرية الثائرة ضد النظام السوري. ولذلك فان قوى الاسلام السياسي المتطرفة بالاضافة الى بعض الزمر العسكرية المنشقة عن جيش النظام  تبذلان كل ما في وسعهما لاحتواء الثورة وبالتالي تفريغها من اي محتوى ثوري. ولهذا فانه على الجماهير السورية الثائرة ان تبقى يقظة وان تصد بكل قوتها جميع محاولات هذه القوى الرجعية الهادفة الى النيل من الارادة الجماهيرية وتطلعها نحو غد افضل. وبعكسها فان تلك القوى الرجعية سوف تجر الجماهير السورية نحو مزيد من المآسي والبؤس الاجتماعي والاقتصادي فيما اذا تمكنوا من اسقاط النظام . ولذلك فانني اؤكد ثانية" بضرورة اليقضة الجماهيرية امام كل المساعي الخبيثة المعادية للجماهير التي تبذلها تلك القوى الرجعية المعادية للجماهير.

 

نحو الاشتراكية: هناك من يعتبر ان الثورة ستأتي بالاسلاميين الموالين للغرب والاخوانيين وبالتالي تم نفي الثورة نهائيا على اساس ان نتائجها ستكون رجعية. كيف ترد على مثل هذه الاطروحات ؟

 

جليل شهباز: يجب ان نعلم بان ذلك التصور هو تصور ميكانيكي لمجتمع حي  تكون كل مكوناته الاجتماعية تتفاعل مع بعضها وتسير في مسارات مختلفة وفق قوانين التطور التاريخي والاجتماعي. فعندما يجزم المرء مسبقا" دون دراسة علمية شاملة، بان فعل اجتماعي معين سيؤدي الى نتيجة معينىة دون الاخذ بنظر الاعتبار تصور شامل لارتباط ذلك الفعل الاجتماعي بكل محيطه الاجتماعي اضافة الى تحديد طبيعة كل عناصره الداخلية ومسار تفاعلاته، فان ذلك التصور ستكون بالضرورة تصورا" ميكانيكيا" ونظرة" احادية الجانب لتاريخ المجتمع وحركته. صحيح هناك وجود لقوى الثورة المضادة في قلب الثورة السورية وتقوم بدك مضاجع النظام السوري بقوة ولكن مع ذلك هناك وجود قوي ايضا" للجماهير الثائرة ولاتزال تقوم بمختلف الاعمال الثورية كالاعتصامات والمظاهرات والاضرابات، الجماهيرية الكبيرة نراها يوميا" على شاشات التلفزة في مختلف المدن السورية. وينبغي ان نعلم بانه لولا الدعم المالي واللوجستي الغير محدود التي تقدمه مختلف القوى الاقليمية والدولية لتلك القوى الرجعية لما تمكنت تلك القوى ان تصمد حتى ساعة واحدة امام جيش النظام في حين ان الجماهير الثائرة في سوريا تسطر يوميا" ومنذ اكثر من سنة ونصف اروع آيات البطولة والتضحية وافقد النظام السوري صوابه من جراء قوة تأثير النضالات البطولية للجماهير. ثم هناك امر اخر الا وهو مجموع كل تلك القوى الرجعية المسلحة لا تتجاز ثلاثون الفا" في حين ان الجماهير الثائرة تنزل بعشرات الالوف من المناضلين الى الشوارع يوميا". فلماذا تلك القوى الاسلامية والعسكرية الرجعية ستستلم السلطة بعد انهيار النظام السوري وليس ممثلي الجماهير الثائرة؟! وحتى لوفرضنا في ظل اوضاع سياسية واجتماعية معينة قد تمكنت تلك القوى الرجعية من الاستلاء على السلطة السياسية في سوريا. فهل ذلك يعني بان الثورة قد انتهت؟! لا أبدا" هذا لا يعني وأد الثورة !، بل هناك احتمال قوي ان تستمر الثورة ومن الممكن ان تكون ذلك دافعا" أقوى لتطور الثورة وتصر الجماهير اكثر فاكثر على تحقسق مطالبها ومختلف شعاراتها الانسانية وهناك الكثير من الامثلة على ذلك فعندما تمكنت البرجوازية الروسية من انتزاع السلطة السياسية من القياصرة لم تتوقف الثورة، بل استمرت وبشكل اقوى.

نحو الاشتراكية: ينتقد القرار بحدة موقف روسيا والصين من الثورة في سوريا ومن معاناة جماهير سوريا ويعتبر ان موقفهم انتهازي ويحاول التكسب من الام ودماء الجماهير الثائرة التي نهضت لاسقاط النظام. هل تسلط الضوء بشكل اكثر على موقف روسيا والصين الذي يبدو ان له اجندة خاصة به اكثر من تعلقه بالشرعية الدولية ؟

 

جليل شهباز: لقد قلنا في بداية الثورة السورية بان ظروف وأوضاع الثورة السورية تختلف عن ظروف واوضاع بقية الثورات العربية اختلافا" كبيرا" لان الشأن السياسي والاجتماعي السوري تجمع بين الكثير من التناقضات الاقليمية والدولية ولذلك فهناك محورين دوليين يتصارعان على اوضاع سوريا، المحور الامريكي الغربي بالتحالف مع تركيا والسعودية وبعض الامارات الخليجية والمحور الصيني الروسي بالتحالف ايران وحزب الله اللبناني وبعض الاطراف الشيعية في العراق، ولولا التقاء تناقضات هاتين المحورين من خلال الاوضاع السورية لتم حسم قضية الثورة في سوريا منذ فترة طويلة. ولكن ما يهمنا هنا هو المحور الصيني الروسي أما بهذا الخصوص فمنذ استلام القوميين العرب للسلطة السياسية في سوريا تحولت سوريا الى احدى اهم مناطق النفوذ السوفيتي وقد استمرت ولاء السلطة القومية السورية لروسيا حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ولذلك فلا عجب بان نرى كل هذا الدفاع والدعم الذي تقدمه روسيا للنظام السوري ولكن مازاد من الطين بلة هو دخول الصين على خط الدفاع عن سوريا وهذا ما ادى الى تأجيل امد سقوط النظام السوري حيث ان الموقف الانتهازي لهاتين القوتين في مجلس الامن الدولي من القضية السورية قد أدى الى تعطيل كل الجهود الدولية الهادفة الى تضييق الخناق على النظام السوري وبالتالي اضعافه امام الجماهير الثائرة لتتمكن من توجيه المزيد من الضربات الى قوى النظام الايل الى السقوط، ناهيك عن الدعم المادي والعسكري واللوجستي التي تقدمه هاتان القوتان للنظام السوري، اضافة الى تعطيل كل الجهود الساعية الى تقديم الدعم المادي لمئات الالاف من اللاجئين السوريين الذين فروا من المعارك الدائرة في اماكن سكناهم ومعيشتهم. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو انه لماذا هاتين القوتين تصران حتى هذه اللحظة على تقديم مختلف اشكال الدعم لذلك النظام البربري؟ لقد قلنا فيما سبق بان الوضع السياسي السوري قد اصبح ميدانا" لالتقاء الكثير من التناقضات الدولية والاقليمية ومن المؤكد ان القوى السياسية البرجوازية وحكوماتها سواء كانوا مصطفين على يمن المعادلة او على يسارها لا تهمهم على الاطلاق المصالح والحقوق والحريات الجماهيرية، بل هم يسعون دوما" وراء مصالحهم السياسية والاقتصادية والعسكرية حتى وان كان الثمن ابادة شعوب باكملها وهذا مايحصل في سوريا بالضبط، حيث ان احدى طرفي المعادلة المتمثلة بالمحور الامريكي الغربي تبذل كل ما في وسعه لترويض كل القوى الفاعلة في الثورة السورية وجرها لتدور في فلكها وتتحرك وفق مخططاتها لتضمن ولائها بعد السقوط. اما المحور الاخر المتمثل بالمحور الصيني الروسي فهو الاخر يسعى للحفاظ على بقاء النظام السوري ي السلطة باعتباره اخر معقل لنفوذ ذلك ذلك المحور. وبطبيعة الحال ان من يدفع الثمن هو المواطن السوري الذي يقتل ويتشرد ويحرم حتى من ابسط مقومات الحياة الانسانية.

 

نحو الاشتراكية: يتم نفي الثورة من قبل بعض القوى اليسارية ومنها قوى مدعية بالثورية بالقول ان الثورة السورية ليست ثورة وانما "صراع رجعي" وخاصة ان هناك افراز طائفي تحاول البرجوازية اذكاءه . ولكن هل يمكن اسقاط ان الثورة في سوريا سيؤدي الى تدهور وضع محور الاسلام السياسي الذي يشكل النظام السوري احد اهم ركائزه بعد الجمهورية الاسلامية الايرانية ؟. هل يمكن توضيح هذه النقطة الني استند القرار اليها؟

 

جليل شهباز: يعلم القاصي والداني بان انطلاقة الثورة السورية كانت نتيجة مباشر لسخط واستياء الجماهير المحرومة في سوريا على النظام القمعي الحاكم الذي سلب الحقوق والحريات والكرامة الانسانية من المجتمع السوري ودفعه الى لجة الفقر والجوع والحرمان وهذا كان جليا" في الاعتراضات الجماهيرية ولازال فكل شعاراتهم ومطالبهم كانت ولازالت انسانية وثورية. وان كل من يقر بان ما يجري في سوريا هو فقط صراع دموي بين مختلف الاقطاب والاتجاهات الرجعية هو غارق في الوهم حتى الاذنين. صحيح هناك وجود قوي لمختلف القوى الرجعية المضادة للثورة تتصارع من اجل تحقيق مختلف الاجندات السياسية الرجعية والمشبوهة ولكن الى جانب تلك القوى الرجعية هناك تصميم واصرار جماهيريين على المضي قدما" في درب الثورة حتى تحقيق كل امانيهم وتطلعاتهم الانسانية، فلماذا ان ما يجري في سوريا هو فقط صراع رجعي بين قوى رجعية معادية للجماهير؟!. ثم ان القوى الاسلامية من التي تحقق لها استلام السلطة السياسية في بعض الدول العربية على أعقاب الثورات الجماهيرية في تلك البلدان لم تتحقق كنتيجة لصحوة اسلامية داخل مجتمعاتهم، بل تحقق لهم ذلك من خلال عقد اشد الصفقات السياسية حقارة" مع امريكا والغرب وبموجب تلك الصفقات تم ارغامهم على تقديم الكثير من التنازلات المخزية فيما يخص مبادئهم وقيمهم وحتى الركائز الايدولوجية المتعلقة بمنظومة فكرهم الرجعي. ولذلك فبامكاننا ان نقول بان من يحكمون في تلك البلدان هم ليس الاسلاميين، بل قوى سياسية عميلة لامريكا والغربة مكلفين بتنفيذ المخطط الامريكي الغربي في بلدانهم والمنطقة لضمان احتواء الثورة وتفريغها من مضمونها الانساني . ولهذا فان هؤلاء قد اصبحوا من وجهة نظر الجماهير من ألد أعدائهم, ثم ان ارغامهم لقبول وضع كهذا هو بحد ذاته ضربة قاصمة لحركة الاسلام السياسي في المنطقة والعالم. وسوف لن يكون حال القوى الاسلامية في سوريا أفضل من حال اقرانهم في البلدان الاخرى ان فرضنا جدلا" باستلائهم على السلطة السياسية، هذا من جهة، أما من الجهة الاخرى، وكما ذكرنا فيما سبق ان وصول القوى الاسلامية الى السلطة السياسية لا تعني على الاطلاق وأد الثورة وانهائها حيث اننا نرى يوميا" في كل ساعة وفي كل دقيقة على شاشات التلفزة مختلف اشكال الاعتراضات الجماهيرية الواسعة في تونس ومصر واليمن وليبيا من اجل مطالبهم وحقوقهم الانسانية التي انطلقت تلك الثورات اصلا" من اجلها ومن دون شك ان تلك الاعتراضات الجماهيرية سوف تتسع وتتعمق يوما" بعد يوم حتى يتحقق لهم كل ما يبتغون. ونقول بكل تأكيد ان أوضاع سوريا سوف لن تشذ عن تلك القاعدة في حالة وصول الاسلاميين الى السلطة.

 

نحو الاشتراكية: محور احزاب الدعوة والتيار الصدري والمجلس الاعلى وبقية الميليشيات الاسلامية التي تدور في فلك الجمهورية الاسلامية في موقف صعب. فمهما ناور نوري المالكي مع امريكا واستند الى دعمها فان سقوط النظام السوري سينعكس سلبيا، وبشكل حتمي، على موقف هذه الكتل الاسلامية الحاكمة لانهم جزء لا يتجزأ من هذا المحور الارهابي المدعي بالمقاومة والصمود. كيف برأيك يمكن ان ينعكس سقوط النظام في سوريا على الحركة الثورية في العراق وعموم المنطقة ؟ 

 

جليل شهباز: باعتقادي ان سقوط النظام القمعي السوري سيرافقه تغيير لكامل الخريطة السياسية في المنطقة لان النظام السوري الدموي يعتبر احد أعمدة تحالف سياسي وعسكري للقوى الشيعية في المنطقة وعندما يسقط ذلك العمود سيصبح كامل البنيان الذي يعتبر النظام السوري احد ركائزه المهمة معرضا" للسقوط وبسقوط هذا التحالف الاسلامي سينتقل العدوى الثورية بسرعة فائقة الى عموم المنطقة وربما سيتهاوى من جرائها الكثير من الأنظمة السياسية الجديدة، وحتما" سوف لن يكون العراق خارج دائرة عملية التغيير، بل سيكون العراق عرضة للتغيير قبل كل الأنظمة التي ستتعرض للعدوى الثورية ذلك لان حكومة المالكي وبقية الأطراف السياسية الشيعية يعتبرون جزءا" مهما" من ذلك التحالف السياسي الشيعي وعلى الرغم من محاولات المالكي للتقرب من امريكا واستعداده لتقديم كل التنازلات وعقد مختلف الصفقات السياسية الرجعية، ينبغي ان نعلم، بانه حتى لو حازت حكومة المالكي على الدعم الامريكي الغربي كما يتمنى فان ذلك سوف لن يلغي احتمال سقوط هذه الحكومة الاسلامية الرجعية لانها اذا افترضنا سقوط النظام السوري واندلاع الثورة في ايران وتعرض حزب الله لضربات جماهيرية قوية فان حكومة المالكي وبقية القوى السياسية للاسلام الشيعي سيتعرضون بالضرورة للهجمة الجماهيرية لان ذلك التحالف السياسي بين تلك الأنظمة والقوى السياسية في المنطقة يعتبر مصدر قوة لكل أجزائها ومن ضمنها حكومة المالكي بطبيعة الحال. ثم ان الاوضاع السياسية في العراق هي أصلا" ملتهبة واذا اخذنا الأزمة السياسية الخانقة التي تمر بها العراق بنظر الاعتبار، فان اي تحريك بسيط لطبيعة التناقضات القائمة بين بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية في العراق سوف يرافقها لهيب الثورة على الفور. وسوف لن تكون كردستان خارج هذه المعادلة لسببين أولهما: ان المعارضة السياسية في كردستان هي اكثر قوة" وتنظيما" عن باقي مناطق العراق. وثانيهما: هو ان جماهير كردستان تشعر بالظلم الاجتماعي اسوة ببقية مناطق العراق اضافة" الى مخزون كبير من التجارب والخبرة الثوريتن التي تراكمت عند جماهير كردستان وعند اندلاع الثورة في العراق والمنطقة سوف لن تكون هناك حتى موطئ قدم لا للقوى السياسية الاسلامية ولا لبقية قوى الثورة المضادة وعندئذ فقط سيتتحقق الارادة الجماهيرية وكل رغباتهم وامانيهم الانسانية.

 

نحو الاشتراكية: شكرا جزيلا.