الدور المشبوه لجامعة الدول العربية، وآفاق ثورة الجماهير السورية؟

 

 جليل شهباز

gelilshahbaz@yahoo.com

ان ما يميز ثورة الجماهير السورية عن بقية الثورات والانتفاضات الجماهيرية في المنطقة يتمثل بامرين، أولهما: كون النظام الدموي السوري حليفا" رأيسيا" للجمهورية الاسلامية في ايران واحدى اهم المناطق للنفوذ السياسي والعسكري الايراني في المنطقة وهذه الخاصية جعلت من سوريا رقما" صعبا" في الموازنات والمعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة وهذا الامر دفع ايران لتشكيل الهلال الشيعي من ايران وسوريا وحزب الله والتي ستنضم اليها العراق قريبا" بعد تكملة الانسحاب الامريكي من العراق في أغلب الظن. ولهذا السبب رأينا بان العراق قد امتنع عن التصويت لصالح العقوبات التي اقرتها جامعة الدول العربية مؤخرا" على النظام السوري. ولذلك فنتيجة" لهذا الموقع السياسي المهم لسوريا في المنطقة فان النظام السوري يرى بان استخدام القوة المفرطة في ضرب الثورة وقمع الجماهير امرا" مباحا" له. ولهذا فان الاجهزة القمعية لهذا النظام البربري ومنذ ما يقارب من عشرة اشهر مستمر في ضرب الجماهير الثائرة في سوريا بمختلف انواع الاسلحة ودون تمييز بين الشباب والاطفال والنساء حيث ان آلتهم العسكرية قد حصدت لحد الآن أرواح الآلاف من الثوار المعزولين من السلاح وزج ألاف اخرين منهم في زنزاناته الرهيبةأما م أنظار المجتمع الدولي والرأي العام العالمي. أما ثانيهما: فهو كون سوريا من المنظور القوموي الاسلامي، العربي الدولة العربية الوحيدة في المواجهة مع اسرائيل ولهذه السبب فقد اقدم النظام السوري الرجعي لتضليل الجماهير والرأي العام في سوريا والمنطقة ببعض البدع الباطلة على شاكلة نظرية المؤامرة واخراج سوريا من خط المواجهة مع العدو الاسرائيلي!!، وقد لجأ هذا النظام الى هذا الاسلوب الرخيص ليبرر بها استخدام القوة ضد المعترضين العزل أما في الحقيقة فلا يمكن أن يوجد نظام سياسي أفضل من النظام البعثي الدموي لرعاية أمن اسرائيل واستقرارها في عموم المنطقة لأن هذا النظام القمعي الفاسد قد جعل من اسرائيل شماعة لتعلق بها كل جرائمه وممارساته القمعية ضد الجماهير.

ونتيجة" لهذا الوضع المميز والخاص لسوريا فقد أصبح امريكا والغرب عاجزين عن استخدام القوة العسكرية  للاطاحة بالنظام السوري اسوة" بما فعلوا في العراق وليبيبا ذلك لان استخدام القوة العسكرية ضد هذا النظام، من شأنه ان يؤدي الى دخول ايران وحزب الله في خط الماجهة وهذا سيشكل بالضرورة تهديدا" خطيرا" لأمن اسرائيل، وربما يؤدية الى زعزعة أمن واستقرار المنطقة بأكملها للخطر. أما بهذا الصدد فان ايران وحزب الله يعلمان جيدا" ان سقوط النظام السوري الدموي يعني ان الدور ات لامحالة" اليهما ايضا"، ولهذا فأنهما لا يترددان من فعل أي شيء للدفاع عن النظام السوري. ومن جراء كل ذلك فان امريكا والغرب قد اعطوا الضوء الأخضر لتركيا وجامعة الدول العربية للقيام بما هو مطلوب نيابة عنهم، أي التدخل في الأزمة الثورية لسوريا بما يؤمن تغيير الأوضاع في سوريا وفقا" لمصالحهم العليا في المنطقة، حيث ان التدخل العسكري الغربي ربما ستدفع الهلال الشيعي الى، نسف امن واستقار المنطقة باكملها، والى تدويل الأزمة السورية وتوسيعها الى مديات خطيرة لا يعلم أحد، متى ستتوقف؟ وماذا ستكون نتائجها وتداعياتها؟. وعلى هذا الأساس فان تدخل تركيا والجامعة العربية بالنيابة عن امريكا والغرب في هذه الازمة الخطيرة ستجنبهم وستنقذهم من النتائج الخطيرة لتدخلهم في هذه الازمة الثورية وستسحب المبرر من أيدي تحالف الهلال الشيعي لتدويل الأزمة والعمل على توسيعها. ولهذا فكان تدخل الجامعة العربية بهذه الصورة أمرا" مفاجئا" لكل المراقبين والمحللين السياسيين لأنه على امتداد عمر هذه المنظمة لم تتدخل في أية أزمة أو مشاكل سياسية تعاني منها الجماهير بسبب النظام السياسي الحاكم، ولا في أية دولة عربية ومن ثم لتقرر العقوبات ضد النظام الرسمي الحاكم اسوة" بما فعلته في الأزمة الثورية السورية الحالي، أما بهذا الصدد فان الجامعة العربية هي منظمة سياسية للأنظمة الاستبدادية العربية ولم تكن في يوم من الأيام أمر الجماهير العربية وحقوقهم وحرياتهم ومشاكلهم تعني شيئا" بالنسبة للهذه المنظمة الرجعية، ولذلك فاذا كان مصالح الجماهير السورية والوضع الانساني المتدهور في هذا البلد من جراء الممارسات القمعية للنظام السوري هي التي دفعت الجامعة العربية لاتخاذ مثل هذا الموقف من النظام السوري، فالكل يعلم بأن الوضع الانساني الذي كان يعاني منه جماهير ليبيا على يد دكتاتورية القذافي وكتائبه المتوحشة، وكذلك ضحايا المقاومة الثورية لجماهير ليبيا التي تجاوزت عشرات الالوف، اضافة الى بقية الفضائع والكوارث والمأسات الانسانية التي لحقت بالجماهير نتيجة" لثورتهم المجيدة، كان أسوء بكثير مما يعانيه جماهير سوريا على يد دكتاتورية نظام الأسد وأجهزته القمعية. فلماذا لم تتدخل الجامعة العربية في الأزمة الثورية الليبية ولم تتخذ مواقف مماثلة ضد النظام الليبي اسوة" بالمواقف التي اتخذتها ضد النظام السوري؟. ويمكن ان يقال نفس الشيء بالنسبة للثورة اليمنية والوثبة الثورية لجماهير البحرين علما" ان وحشية نظام علي عبدالله صالح ضد اليمنيين وملك البحرين ودرع الجزيرة ضد البحرانيين لم تكن أقل وحشية" من من قمع نظام الأسد البربري. في حين ان التدخل الفعال لتركيا في هذه الأزمة هي لغايات اخرى مختلفة كليا" عن غايات الجامعة العربية وعلى الرغم من أن التدخل التركي هي الاخرى حظيت بالموافقة الأمريكية ألا ان الهدف التركي الذي يقف وراء هذا التدخل هو لتعزيز موقعه السياسي والعسكري ضمن خارطة الموازنات السياسية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط  وذلك من خلال جذب الحركات الاسلامية المعتدلة الى سياساته. ولهذا فكان امريكا والغرب يعلمان جيدا" بأن تدخلهم العسكري في الأزمة الثورية الليبية سوف لا تؤدي الى تدويل الأزمة في منطقة القرن الأفريقي وأنه من الممكن السيطرة بكل سهولة على كل تداعيات تلك الأزمة واخضاعها لمصالحهم واستراتيجياتهم السياسيه والاقتصادية في المنطقة، وهذا ما يؤكد صحة طرحنا بخصوص دور الجامعة العربية والدور التركي. وفي هذا الأثناء جدير بالذكر الاشارة الى الموقف العراقي من الأزمة الثورية في سوريا، في الحقيقة لقد كان الموقف العراقي، بالنسبة الى كل الذين يرون فقط ظاهر الامور دون التمعن في جوهرها، غريبا" ومفاجئا" بقدر مفاجئتهم بموقف الجامعة العربية، ذلك لأن غالبية القادة العسكريين والامنيين العراقيين كانوا يؤكدون بأن 90% من الارهاب والارهابيين تدخل العراق من سوريا، ويام! اتهم القادة السياسيين العراقيين من مختلف الاتجاهات السياسية، النظام السوري بتصدير الارهاب الى العراق، واضافة" الى ذلك فقد حدثت لنفس السبب أزمات سياسية ودبلوماسية كثير بين النظامين العراقي والسوري، ولكنه وبشكل مفاجئ امتنع العراق في الجامعة العربية عن التصويت لصالح قرارات الجامعة العربية التي اقرت ضد سوريا. وهذا يؤكد مرة" اخرى صحة طروحاتنا وتحليلاتنا السياسية بخصوص المديات الخطيرة للنفوذ الايراني في العراق، ذلك لأن العراق حتما"، عندما امتنع عن التصويت على قرارات الجامعة العربية ضد النظام السوري، لم تكن من قبيل احساسهم بالوضع الانساني في سوريا، بل جاء تلبية لنداء ولاية الفقيه بتنفيذ الأجندة الايرانية.

على الرغم من أن الثورة السورية قد قطعت شوطا" كبيرا" نحو اسقاط السلطة السياسية، ولكنه حتى لو تم اسقاط السلطة السياسية في البلد فهذا لا يعني شفاء كل جروح الجماهير التي سببتها دكتاتورية وقمع النظام البعثي على امتداد اكثر من اربعون عاما"، ولا حتى تحقيق الحد الأدنى من المطالب والحقوق الجماهيرية، اذا ما اكتفى الجماهير الثائرة فقط باسقاط السلطة السياسية لأنه من الممكن أن يتكرر نفس السيناريو السابق للحكم السياسي اذا ما سلم الجماهير مصيره ومستقبله السياسي لمختلف القوى البرجوازية، أما بهذا الخصوص فان البرجوازية تمتلك الكثير من البدائل السياسية تختلف من حيث الشكل وربما في طريقة الحكم ايضا" ولكن من حيث المحتوى فان كل بدائلها السياسية تحمل نفس المحتوى السياسي والطبقي، ولذلك فربما ان الطبقة البرجوازية في بلد معين تستاء من طريقة حكم جناح برجوازي معين كانت قد استلمت مقاليد السلطة السياسية فيما سبق وليس هذا فقط، بل يمكن حتى ان تثور ضدها، وفي نفس الوقت لا تهمها من الأجنحة أو الاتجاهات البرجوزية ستستلم السلطة السياسية من بعد الجناح الحاكم، طالما ان القوة البرجوازية الجديدة ستحتفظ بالسلطة السياسية لصالح الطبقة البرجوازية وستعمل على توفير افضل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للاستثمار الراسمالي ليتمكن الرأسمال من تحقيق أعلى معدلات الأرباح. أما الجماهير المحرومة فلا يمتلك سوى بديل انساني واحد وهو البديل المجالسي، وينبغي أن يعلم الجماهير الثائرة في سوريا بأنه فقط بوسع هذا البديل المجالسي أن ينهي والى الأبد حرمان الجماهير ومعاناته وبؤسه الاقتصادي والاجتماعي. ولذلك فينبغي أن ينتبه الجماهير السورية لكل الحيل البرجوازية وادعاءاتهم الباطلة والمزيفة ولكل محاولاتهم لتضليل الجماهير بغية ايصال احدى بدائلهم السياسية للسلطة. ونناشد الجماهير السورية المحرومة والثائرة لابراز البديل المجالسي من الان والعمل الجدي لجذب الجماهير للالتفاف حول هذا البديل الانساني بغية فرضه على البرجوازية بعد سقوط النظام الدكتاتوري وقبل فوات الاوان.

1 كانون الأول 2011