على الضفة المقابلة للكارثة

 

عصام شكــري

 

عشر سنوات عجاف مرت.

 

الكل يتذكر اين كان، كيف كان رد فعله، وماذا عمل لوقف (او تشجيع) مذبحة امريكا الوشيكة.

 

عشر سنوات مضمخة برائحة الدم والبارود، ملطخة، كجدران العراق، بالدم. عشر سنوات استبدل فيها منظر مريع باخر اكثر فجاعة؛ فدائيي صدام حملة السواطير المكفنين بجنود المارينز المدججين بالسلاح وقادة ميليشيات قطع الرؤوس. عشرة سنوات لا يرى فيها الناس غير تجار الموت يتحزمون بقنابل المسامير من اجل "وجبة عشاء مع النبي" ساحقين بطريقهم رؤوس اطفال وطلبة وعابري السبيل بكبسة زر. عشر سنوات يصحو الناس فيها على انفجار وينامون على انفجار، خطف، اغتيال، اعتقالات واكياس نايلون سوداء. عشر سنوات والمجتمع يترنح على شفير الجحيم بين السقوط الكلي في سعيره او السقوط في احضان وحوش الإسلام السياسي "لتنقذه". عشر سنوات والناس تصبح على دبابة أمريكية عمياء، وتمسي على مفخخات جيش دولة العراق الإسلامية ورعب سيارات الدفع الرباعي لميليشيا دولة "المستضعفين" ومرتزقة "الشيطان الاكبر"  - بلاك ووترز.

 

عشر سنوات تنقل فيها الناس من انحطاط لانحطاط؛ من تدهور لاخر، من تراجع اجتماعي لاخر، من انحلال ثقافي ومعرفي لاخر، من هدم لمعلم انساني لاخر.  لم تبق زاوية في العراق لم تشهد تصدعا ودمارا ولم يبق جدار لم يتشرب بدم طفل. عشر سنوات لم يفهم فيها جيل كامل من الشباب أي شيء عن أي شيء، كل الهراء والطلاسم وتمتمات الملالي، واوهام بالجنة والنار والصديد الخارج من البطون والحرام والحلال؛ شخوص اشبه بوحوش لوحة سيريالية تقطع بعضها اربا ببربرية لم ير مثلها من قبل، وعود بمستقبل "زاهر" تذوب حال تشكيل لجنة مكافحة فساد جديدة (الاحرى لجنة تغطية فساد جديدة)، شباب لم ير الا معممين وقادة ميليشيات اميين يحملون معاول حفر لخنادق الكراهية والانقسام الطائفي؛ شبان وشابات محاصرون بدوائر بؤس لا تنتهي، ونساء محبوسات بين ارتداء الحجاب او البرقع، بين حق الخروج من المطبخ او الهرولة بعباءتها لترى ان كان ابنها او بنتها بين الضحايا، امرأة تخير بين ان تضرب، تهان، او تقتل لغسل شرف الرجل الذي لا شرف له اصلا، وبين الإذلال الذي لا ينتهي، نساء محاصرت بين الترمل او ان تكون الزوجة الاخرى، وبين غياب كامل للحقوق، تلهب كرامتهن يوميا بسياط شيوخ الفتاوى وملالي التهديدات.
 
هل هذا كل شئ ؟ هل هذه هي كل الصورة؟ هل البؤس يلف كل شئ اذن ولا امل ؟. كلا حتما. فهناك على الضفة المقابلة لهذه الكارثة، تلوح فرصة كبرى. على الجانب الآخر من ضفة العصابات والقتل الجماعي، هناك امل بالخلاص ينبلج كالفجر. ليست هذه تصورات متفائلة لان.الفرصة مادية و حقيقية، ولكن لها شرط، وشرطها ان نقوم نحن باخراجها لحيز الوجود، نحن القادرون على هذه المهمة. في الضفة المقابلة لكارثة أمريكا؛ بمجازر ودمار جيشها ونهبها وحلفاءها، تقبع هذه الفرصة العظيمة لمجتمع يتعطش للامان وللحرية وللحداثة وللحقوق، للعلمانية والمواطنة والمساواة، للابداع ، ولتخليص مواطنيه من الوهن والخوف، من الخرافة والنظرة الدونية لانسانيتهم، لتحريرانسانيتهم بكسرالاغلال وتحطيم الاصفاد، للتمتع بحرية دون شروط، دون مراحل، دون تجزئة او ارجاء.

 

----------------------------

سيقال: مجتمع انساني في العراق؟، هل هذا معقول؟ انت حتما تحلم. واقول ليس ذلك فقط معقول بل انها مسألة حياة او موت؛ كالماء النظيف الذي تناضل لتسقيه لابناءك وبناتك والهواء النقي الذي نجهد لتنشقه. الا ان هذه الفرصة لن تتحقق وهم جاثمين  على صدور الجماهير بانفاسهم العبقة بكراهية البشر. علينا ازاحتهم. ان الفرصة التي تسنح اليوم بعد عشرة سنوات من الدمار لن تتوفر الا اذا اوجدنا لها شرط البروز نحن، الاشتراكيون، النساء، العمال، الكادحون، العلمانيون، اليساريون، العلمانيون وكل محبي الانسانية. ليس علينا  استغلال هذه الفرصة فحسب فذلك لم يعد كافيا: علينا اليوم جرها جرا، واعلانها بديلا انسانيا عن كارثتهم. علينا خلق هذه الفرصة.

 

هذه مهمتنا - مهمة الجماهير العريضة وكل قواها الانسانية الحية في العراق.