كلمة بمناسبة ذكرى ثورة

اكتوبر الاشتراكية في روسيا *

القاها عصام شكري وتم كتابتها بتصرف

 

ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا تبدو اكثر راهنية اليوم. ان فرق اكتوبر هذه السنة هي اننا عندما نحتفي بذكراها ونتحدث عنها فاننا نخرج لنراها واقعة، وليست مجرد احداث تأريخية منسية. نراها في اظطرابات الشوارع وفي اغلب مدن العالم.

 

قبل سنة تغيرت الاوضاع نحو التصعيد وهو لا شك تصعيد جيد لانه ثوري، تغيير نحو الثورة والثورية وليس تغير نحو التراجع والرجعية. سقط 3 دكتاتوريين عرب من قبل الجماهير الغاضبة الثائرة. ثورات في سوريا، و تحركات لادامة زخم ثوري في العراق رغم الصعوبات التي تواجهها، حالة احتقان شديدة في اليمن وتقريبا في كل مكان، اندلاع ثورات غاضبة في اليونان اجبرت الحكومة على السقوط، واحتجاجات عنيفة في ايطاليا اجبرت السياسي الفاسد والمنحط بيرلسكوني على الاستقالة واستبداله باخر ”اقتصادي“. معظم سياسيو اوربا خائفين من غضبة الجماهير، وهم في حالة اجتماعات مستمرة لتدارك الاوضاع. في امريكا رفع المتظاهرون في وول ستريت شعارات "تسقط الرأسمالية" وفي سياتل ولوس انجيلس ايضا. في بورتلاند اضرب العمال الامريكيين عن العمل.

 

قد تكون نتيجة الثورات التي بدأت في المنطقة اليوم تبدو مخيبة للامال للبعض ولكن الامر ليس هكذا. فصعود الاسلام السياسي للسلطة في تلك الدول لن يجيب على ثورة الجماهير ببساطة لان هذه القوى ليس لديها اجابة على تلك المشاكل، هذه القوى هي نفسها برجوازية وقد غيرت الوانها لتبقى في الحكم، وبالتالي فانها ليست قادرة على ادامة وضعها بالخداع والتظليل. ان الحقيقة الساطعة هو ان عصر الثورات قد بدأ. ان صيرورة اكتوبر جديدة قد شرعت.

 

تأريخ ثوري متصل

 

اكتوبر عام 1917 لم تندلع الا بعد ثورة 1905 اي بعد 12 سنة من التحضير والاستعداد وتربية الكوادر وتقوية الحزب بين صفوف الطبقة العاملة والجماهير، وتربيتها تربية ثورية اشتراكية على يد الحزب البلشفي، لم تنجح ثورة 1917 بعفوية ولم تهب الجماهير وتتسلح بعفوية ودون قيادة. لقد كان الحزب البلشفي مخطط ثورة اكتوبر ومجلس عمال بتروغراد مفجرها والحرس الاحمر حاميها. ثورة 1905 كانت ثورة شعبية عارمة ولكنها لم تكن ثورة تحت قيادة الاشتراكيين بل تحت قيادة رجال الدين وقادة الفلاحين المحتجين على الظلم والافقار القيصري الفظيع .

 

لذا فان علينا ان ندرك بان الثورة صيرورة مستمرة (process) وليس حدث ينتظره الاشتراكيون بسلبية ويتفرجوا عليه ويتأملوا خيرا منه.

 

انه ثمرة تحريض وتعبئة وتنظيم الاشتراكيين للجماهير من اجل اللحظة الحاسمة، الامر ليس عفويا كما يظن وليس جهدا ضائعا بالتأكيد.

 

هذا جانب مهم من اكتوبر. واعني اظهار عظمة الشيوعية العمالية المنظمة المتحزبة والمنظبطة كالساعة. كانت هذه مبادئ لينين ومن هنا اصراره على التنظيم والتحزب وقوة الحزب.

 

سؤالنا نحن

 

شرع عصر الثورة وان علينا نحن تقع مهام جسيمة وخطيرة. مهمات تبدو اليوم اكثر جدية بالاف المرات من السنة الماضية. البشرية تنظر الى ما يمكن ان تقدمه الشيوعية العمالية للثورة، للانتفاضة، للهبة الجماهيرية، للروح الاحتجاجية، ماذا لدينا نحن الشيوعيون العماليون للثورات من اجل ان تحقق النصر ولا تخضع للانكسار او الهزيمة على يد الاسلام السياسي او اي جناح اخر من اجنحة البرجوازية. هذا سؤالنا نحن وفقط نحن قادرون على جوابه.

 

ان العالم الوحشي الذي حاولت امريكا والاسلام السياسي ان يديماه قد بدأ بالتزعزع تحت ضربات الحركات الاحتجاجية والاضرابية. نزول الجماهير للشارع حدث كبير ويجب ان نراه بحجمه. هذا تغيير جوهري بين اكتوبر 2011 واكتوبر 2010.  نقترب اكثر من ظروف ثورة اكتوبر مطلع القرن العشرين ومن احساس ثورة اكتوبر ومن اجواء ثورة اكتوبر ولكن هذه المرة بمقاييس اكبر بكثير، عالمية حقا.

 

السؤال الذي يبرز امامنا اليوم كأشتراكيين عماليين، كشيوعيين عماليين، كبلاشفة بالمفهوم المعاصر لليوم، هو كيف يمكن ان تكون اكتوبر جواب على مسائل اليوم ؟ كيف يمكن ان نجعل من اكتوبر اليوم حل معاصر لاوضاع المجتمع الحالي ؟ ولكي نجيب، علينا ان نذكر النقاط التالية :

 

اولا، ان وضع الطبقة البرجوازية اليوم اكثر تراجعا واختناقا منه زمن لينين والبلشفية. لقد انهت الطبقة البرجوازية دورة كاملة من محاولة انقاذ الرأسمالية والان تقف بمواجهة حائط اصم.

 

ثانيا، يتم الاعتقاد بان سبب الثورات هو البؤس الذي يعم الجماهير والفقر الشديد والبطالة المليونية، وبعبارة هو الاوضاع الاقتصادية المزرية. برأيي ان هذا التحليل (لوحده هكذا) قاصر. انه ذكر لنصف الحقيقة. النصف الاخر هو ان الجماهير قد تلمست عجز البرجوازية وانسداد افاقها وشرعت تحتج بسبب ذلك الانسداد. البرجوازية استنفذت كل شئ وليس لديها اي حل واغلقت كل احتمال للتغيير. هذا عامل حاسم. البرجوازية بعد ان اظهرت للعالم وحشية لم يسبق لها مثيل في العراق وايران والسعودية والصراع الارهابي الدولي وقتل مئات الاف البشر بلا سبب وبعد ان كانت نتيجتها ركودا اقتصاديا في بئر بلا قرار، فان الجماهير خرجت بسبب هذه المرارة واليأس. ليس فقط البؤس والحرمان، بل لان افاق الطبقة التي تحكم قد بدت مسدودة تماما وان قدرة هذه الطبقة قد نضبت كليا. عجز هذه الطبقة هو عجز اقتصادي بالاساس، ولكن مظاهره تتجاوز الاقتصاد الى السياسة والفكر والثقافة والحريات والفساد والايديولوجيات المعادية للانسانية من دين وطائفية وتمييز عرقي وابارتايد جنسي، وازمة ثقافية عميقة عمادها النسبية والتعددية القائمة على اساس شئ مزيف وهو رفع الدين من شأن شخصي (private)الى ثقافة امة باكملها من قبيل مجتمع العراق اسلامي ، مصر بلد اسلامي، ايران بلد اسلامي. الجالية الاسلامية في ايطاليا الجالية الاسلامية في لندن الجالية الاسلامية في امريكا، وطبعا ينزل هذا المفهوم الى الفرد ايضا حين يقال للناس ولكنك مسلم ! ، وانت شيعي ، وانت مسيحي وهكذا. هذه هي النتائج الثقافية لهم. انها نفايات سامة. الناس سأمت النفايات ولم تعد قادرة على التنفس. لذا فان تدخلنا السياسي يجب ان يكون شاملا وسياسيا ايضا.

 

ثالثا، في زمن لينين كان هناك تيار ليبرالي ثوري ينافس الاشتراكية الديمقراطية او الشيوعية العمالية في التمهيد للثورة. كان ذلك التيار يريد حكم ديمقراطي برجوازي. البلاشفة كانوا يريدون انجاز الثورة الاشتراكية اي استيلاء الطبقة العاملة على السلطة السياسية.

 ولكن اليوم فان الانتفاضات والثورات الحالية ليس لها طابع او محتوى ديمقراطي برجوازي ولا تريد ترسيخ حكم ديمقراطي . ان الطبقة البرجوازية التي جلبت النظام الديمقراطي اصبحت هي نفسها طبقة متخلفة ورجعية وان اوانها قد حل للرحيل. لذا فان القول بان المطالب هي ديمقراطية هو قول خاطئ. الجماهير تبحث عن الحرية والمساواة والرفاه وان الديمقراطية ليست قادرة على توفير ذلك. بل بالعكس فان الانظمة الديمقراطية نفسها (حتى في الغرب) هي السبب في عرقلة مطالب الجماهير واستحالة حلها على كل الاصعدة. اذن الديمقراطية قد جربت حظها وفشلت. برلماناتهم الرجعية اليوم ليست فقط (ليست ديمقراطية) بالمعنى السياسي بل هي (رجعية) وبكل المعايير. انها معاقل للفساد والرشاوي والصفقات والجرائم والارهاب.

 

الاشتراكية هي الحل الوحيد المتبقي امام البشرية .

 

وفي هذا الصدد تبرز امامنا بظل الظروف الحالية الاحتجاجية مهمات عاجلة:

 

اولها ان نكون حزبا سياسيا بكل معنى الكلمة. ليس المطلوب هو استكمال العدد والنصاب القانوني لكي نكون حزبا سياسيا اشتراكيا عماليا نهتم بالسياسة والتدخل السياسي بل العكس. علينا ان نكون حزبا سياسيا على اساس تدخلنا السياسي الفوري. اليوم، والان. التدخل السياسي وليس انتظار اي استكمال لعدد او متطلبات نمو.

 

بهذا المعنى نطرح تصورنا للسلطة السياسية في العراق وقد طرحناه على الجماهير وجميع قواها السياسية.

 

ولكن ذلك ايضا لا يكفي . فان علينا ان نتدخل اجتماعيا وباوسع نطاق، علينا التدخل في كل المسائل؛ اقحام الدين على الناس، مساواة المرأة، الاطفال، الشباب، الفن، الموسيقى، الخدمات، الثقافة العامة، التعليم الاحتجاجات المطلبية، الافكار السياسية والاجتماعية، الحكومة والبرلمان والقوانين، التدخل في كل زاوية في المجتمع. هذا هو معنى تدخلنا السياسي وهكذا انتصر البلاشفة. لقد انتصر البلاشفة لانهم كانوا حزبا سياسيا لكل جماهير روسيا وليس اقل من ذلك.

برأيي ان هذا هو درس اساسي قدمه البلاشفة للعالم وللتراث النضالي الاشتراكي.

 

هناك الاف الدروس التي قدمتها لنا ثورة اكتوبر. صحيح انها كانت انجازا هائلا قياسا باي حدث سياسي واجتماعي  واستطاعت ان تصمد امام هجوم الطبقة البرجوازية، وان تغير المعالم والملامح الاجتماعية للعالم لزمن طويل جدا، الا ان فشلها في تحقيق الثورة الاقتصادية قد سبب في المحصلة النهائية انهيارها وانتصار البرجوازية وتحت نفس رايات الاشتراكية.

 

ايها الرفاق والاصدقاء

 

ادعوكم الى نقل خبرات اكتوبر الى الجماهير.،الى تصعيد نضالكم من اجل مبادئ اكتوبر التي هي مبادئ الشيوعية العمالية، الى النضال السياسي  باوسع اشكاله، الى تقوية حزبكم وعدم الوقوف على الهوامش والتفرج على الاحداث، الى تقوية صفوف الجماهير المعترضة وعدم تركها ترزح تحت حكم القوى المستبدة والاجرامية.

 

ادعوكم باكتوبر الى ادامة زخم الاشتراكية فهي الحل الوحيد لكل هذه الكوارث، للبربرية، للصعوبات التي لا تليق بمعيشة البشر في القرن الواحد والعشرين.

 

عاشت ذكرى اكتوبر العظيم

 عاشت الاشتراكية